{{subject.Description}}
اُحدثكم اليوم عن ثالوث القوة الناعمة، فأبدأ بالناشط الانساني، والأستاذ الجامعي والمحامي المحترم، والرجل المتواضع الذي شقّ الاصطفاف السياسي، واخترق سقوفه المتحجرة، فأحرز منصب نقيب المحامين من غير سابق تجربةٍ إنتخابية، وبأقل
الجهود الدعائية...
أول الثالوث إذاً شابٌ في شرخ الرجولة، قدّم أوراق اعتماده للهيئة العامة للنقابة من رصيده الإنسانيّ، فأحرز القدح المُعلى، واستحق لقب نقيب الثورة، فباشر مهامه فور انتهاء كلمته، إذ لا وقت عنده لتقّبل التهاني... عرفته قبل أكثر من عشرين سنة، وكنت وقتذاك نقيباً لمحامي طرابلس، إذْ ذهبت الى قصر العدل في بيروت، للمشاركة في افتتاح السنة القضائية، برعاية رئيس الجمهورية، فلما هممت بالدخول من باب النقابة وعرّفت عن نفسي، أراد حرس الرئاسة ان يُخضعني للتفتيش الذاتي، فإذا بمحامٍ شاب ينبري لهم بصوتٍ عالٍ، قائلا الضيوف لا يُفتشون أصحاب البيت، هذا النقيب هو صاحب الدار، فالزموا حدودكم، كان ذلك ملحم خلف في ذروة الهيمنة الأمنية المشتركة، بعدها صرت أخجل من نفسي كمواطنٍ طرابلسي، لا يُقدم لمدينته في عزّ مأساتها نقطة من بحرِ ماتُقدمه فرح العطاء ورئيسها ملحم...
الآن، يُعاب عليه أنه يهتم بحقوق المسجونين بتناول أدويتهم، ويسّفون في الكلام الى اللاخجل، فيلومونه أنه لم يُرسل جيشه الجرار لاعتقال المجرم الخطير سركيس حليس، وسركيس حليس للمناسبة أعرفه منذ انتسب لمهنة المحاماة، رجلاً رصيناً، مؤدّباً، ومستقيماً ، يُطالبونه بأن يشُنّ حرباً عواناً على سليمان فرنجية، بزعم أنه يُسبغ حمايته على صديقه الفار، فهل آلت الأمور الى أنّه عندما تعجز السلطة وترّك أدواتها، ينبري مناصروها الى مطالبة النقيب المدني بالتكشير عن أنيابه ليُرسل كتائب المحامين المسلحة بحثاً عن زميلهم السابق الفار سركيس حليس؟؟...
ثاني الثالوث بدأ تدرّجه لدى المرحوم المحامي رشيد فهمي كرامي، الذي كان معلّماً لي،وقد وافته المنية وهو في عزّ العطاء، فتوليت أمور مكتبه حتى يتخرّج ابنه الزميل فهمي، ونقل الأستاذ المتدرّج محمد خالد المراد قيده الى مكتبنا، مع زميلي اللامع الأستاذ طوني تاجر، والذي قال لي حينها سيكون لهذا الشاب المجتهد شأنٌ كبير، وهانحن الآن وبعد مرور السنين نُخاطبه بكلّ احترامٍ بلقب سعادة النقيب، ونلتزم بما يُكلفنا به حرفياً حباً وطواعيةً وأدباً، لأنه أحرز في مسيرته مايفوق توقّعنا، وبما أنه لا يُستغرب الشيء من معدنه، فإنّ النقيب قد انبرى بفروسيةٍ ورصانة، مُعلناً إدانته للحملة المُبيتة ضد النقيب خلف، الذي غاظهم نجاحه في وجه فشلهم، فبيتوا غلّهم الى مناسبةٍ هشّة وعبّروا عمّا في نفوسهم من كمدٍ وغضب..
ثالث الثالوث، بل هو الأوّل الرئيس الذي عرفته عندما أدخلني صديقي الغالي القاضي السابق والمحامي المرحوم الرئيس موسى كلاس، الى غرفةٍ صغيرةٍ في قصر العدل، وقال لي هذه هيئة محكمة البداية في بيروت، الناظرة في الأمور التجارية، وهذه أهم محكمة في لبنان، كان سُهيل عبود أصغرهم وأحدثهم تخرّجاً، ولكني لا أنسى مودة والده المرحوم القاضي نديم عبود، الرئيس الأول السابق في الشمال، والشاعر المثقف الذي كان يُحيطني برعايةٍ خاصة لما عرفه عنّي من توغّلي في مؤلفات والده العظيم مارون عبود، الرئيس الأول سُهيل نظر الى المرآة فاقتنع بجدراته، وقرأ النصوص ففهم صلاحياته، وتعامل مع زملائه في مجلس القضاء الأعلى، فصاروا عشرةً في كلمةٍ واحدة،
وتعمّق في فهم مشكلات العدلية فأصدر تشكيلاتٍ خاليةً من السموم السياسية، وأنا هنا لا أدافع عنها، إذ ربما كان باستطاعته إنجاز ماهو أفضل، أو إنصاف من تستحق العدالة للإستفادة من كفاءاتهم، ولكن هذا ليس شأني، كما هو ليس شأن الحكومة، أو وزيرتي الدفاع والعدل، فالصلاحية يُمارسها صاحبها، ويتحمّل بعد ذلك مسؤولية مااتخذه من قرارات، لكن سهيلاً رجلٌ متورّط، هو متورّطٌ في تاريخه ومبادئه، وبالبقاء عند حُسن ظنّ أبيه، وفخر جدّه الذي استخلص حقّ أبي الطيب المتنبي من طه حسين واستاذه المستشرق الفرنسي بلاشير، وضبط أمين نخلة متلبساً بنسبة أبياتٍ لأمير الشعراء يُقيمه فيها ولياً لعهده ، وقيّم الشعر بعده، بل جرّد الأمير عبد الله بن فيصل بن عبد العزيز من القابه الملكية، وأخضعه لنقده الصارم كأينٍ من عباد الله الشعراء المساكين...
اخترت لكم أيها الأصدقاء ثالوث القوة الناعمة، لأؤكّد لمن يرغب أو لا يرغب، أنهم من عزفة القانون المهرة، يعرفون أوتاره بالمليمتر، ويُديرون مفاتيحه ببراعةٍ، ويحفظون عُربه ومقاماته، ولا يخدشون حياء الأذان، ولا يرتكبون النشاز،
وهم الأولى بجبه القوة الغاشمة التي احترفت وأدمنت الضرب على الطبول، واستساغت تفوق ذويها على أنغام القوانين ، فأمعنت في ضرب العصي على الجلود الميتة، التي اسُتخلصت سماكتها من القلوب الميتة، قد يتمكن العلماء من اكتشاف لقاحٍ للكورونا، ولكن وباء الهمجية السياسية لا لقاح له...
لملحم أقول: تذكر أبا الطيب في قصيدته الشهيرة " لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ، أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ،
الى أن يقولْ بأني كاملُ....