ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

رأي استشاري صادر بتاريخ 13/11/2020


رأي استشاري صادر بتاريخ 13/11/2020

{{subject.Description}}

الرئيس مهيب معماري

طالب الرأي: مصرف لبنان

الموضوع: إبداء الرأي بشأن السرية المصرفية في ما خصّ الحسابات الممسوكة من مصرف لبنان

1- إعتبار المحاسبة الممسوكة من قبل مصرف لبنان وفقًا لقواعد الحق الخاص خاضعة لرقابة وزارة المالية الشاملة وغير مشمولة بالسرية المصرفية لعدم تعلقها بالغير.

2- إعتبار المصرف المركزي مؤتمنًا على المحافظة على السرية المصرفية فيما خصّ معاملاته مع القطاع العام، شأنه في ذلك شأن المصارف العادية.   

3- إعتبار الإذن الخطيّ الوارد من الإدارة بصورة واضحة وصريحة والقاضي برفع السرية المصرفية كافٍ بذاته لرفعها عن حسابات الإدارة العامة دون الحاجة لإستصدار قانون خاص بهذا الشأن. 

4- إعتبار كشف السرّ المهني خطأ مدنيًا جسيمًا ومخالفة لقاعدة سلوكية لها طابع أخلاقي مميّز.

5- إعتبار السريّة المصرفية واجبًا مطلقًا جائز الاحتجاج به بوجه الكافة ما خلا حالة الإفلاس أو وجود دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية قائمة بين المصرف وأحد زبائنه فضلاً عن حالة تنازل صاحب الحساب عنها بإرادته.

6- إعتبار مطالبة قضاء التحقيق أو القضاء الجزائي بإفادات أو مستندات مشمولة بالسرية المصرفية تحت ذريعة وجود تحقيق جزائي مخالفة لقاعدة متعلقة بالنظام العام. 

7- عدم جواز رفع السريّة المصرفية إطلاقًا خارج الحالات المعينة بقانون السريّة ذاته إلا بموجب قوانين خاصة.     

8- اعتبار هيئة التحقيق الخاصّة لدى مصرف لبنان السلطة الوحيدة المخوّلة رفع السريّة المصرفية عند قيام أدلّة كافية على وجود عملية تبييض أموال أو احتيال ضريبي وللمتضرر حق الطعن بقرارها هذا أمام مجلس شورى الدولة.   

9- عدم صلاحية حاكم مصرف لبنان والهيئة التابعة له لإتخاذ قرار يجيز رفع السرية المصرفية عن الحسابات العائدة للقطاع العام.

10- عدم إعتبار الشركة الخاصة المكلفة بالتحقيق الجنائي مخولة الكشف على حسابات عائدة للقطاع العام ومشمولة بالسرية المصرفية.   

11- عدم إعتبار المحاسبة الممسوكة من المصرف المركزي مشمولة بالسرية المصرفية  المقتصرة على الزبائن بالمفهوم العام.

12- ردّ الإدلاء المبني على كون أسماء الزبائن وحدها مشمولة بالسرية المصرفية على إعتبار أن قانون السرية المصرفية وقانون النقد والتسليف جعلا جميع المعلومات والوقائع المتعلقة بالزبائن مشمولة بدورها بالسرية.   

13- عدم إعتبار قرار مجلس الوزراء بإجراء التحقيق الجنائي كفيلاً برفع السرية المصرفية عن حسابات الدولة لصالح الشركة الخاصة كون السرية تسري على جميع السلطات ولا مجال لرفعها إلا بطلب صريح لا لبس فيه مقدم من صاحب الحساب.

بالاشارة الى الموضوع اعلاه طلب منا مصرف لبنان بيان الرأي القانوني في ما يتعلق بمفهوم السرية المصرفية المنصوص عليها في قانون 3/9/1956 وفي قانون النقد والتسليف، وبمدى وبكيفية تطبيق مبدأ السرية هذه، إن على الحسابات الممسوكة من قبل المصرف المركزي او على الحسابات المصرفية المفتوحة لديه من قبل الادارات العامة، سيما الحساب المفتوح من قبل وزارة المالية وذلك، على خلفية الخلاف الدائر حول تطبيق هذا المبدأ في معرض عملية التدقيق الجنائي الموكول الى شركة Alvarez and Marsal من قبل الحكومة اللبنانية. عليه نبدي رأينا القانوني في ما خصّ هذا الموضوع.

1- تعاقدت الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة المالية مع شركة Alvarez & Marsal للقيام بعملية التدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان وأنشطته، وقد طالبت الشركة، من اجل انجاز مهمتها، بالاطلاع على السجلات المحاسبية لدى المصرف المركزي وقد قام مصرف لبنان بتزويد وزارة المالية بكامل الحسابات والمعلومات العائدة له، وقد أكد للوزارة بأنه لا يجوز له تسليم باقي الحسابات العائدة الى الدولة ذاتها كونها مشمولة بالسرية المصرفية، وافشاء السرية هذه يعدّ جرماً معاقباً عليه بمقتضى المادة 8 من قانون السرية المصرفية تاريخ 30/9/1956، كما وبمقتضى المادة 203 المعطوفة على المواد 148 و151 و155 و190 من قانون النقد والتسليف، ما لم يتم اعفاء المصرف من هذا الواجب بكتاب يرفع السرية موجه من الادارة او اي هيئة مستقلة من اشخاص القطاع العام صاحبة هذا الحساب.

2- وقد نشأ خلاف بين وزارة المالية ومصرف لبنان حول تفسير المواد المتعلقة بالسرية المصرفية، اذ تعتبر الوزارة ان لا حاجة لرفع السرية وذلك لعدة أسباب اوضحتها الاستشارة الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل المؤرخة في 22/10/2020، التي تبنت مضمونها والتي خلصت الى ان لا ضرورة لرفع السرية طالما انه ليس مطلوباً تحديد هوية صاحب الحساب، ولان ضبط مخالفات المصارف والجرائم المالية ليس معنيا اصلا بالسرية المصرفية كون القصد من وراء السرية المصرفية ليس حماية الجرائم العادية وانما حماية المعلومات المتعلقة بالزبائن، ولان مخالفة السرية المصرفية لا تشكل جرماً معاقباً عليه بمقتضى المادة 8 من قانون السرية المصرفية الا اذا تم افشاء السرّ عن قصد وبنيّة الاضرار، ولأنه يدخل في اختصاص حاكم مصرف لبنان ملاحقة هؤلاء الذين خالفوا قانون النقد والتسليف تفعيلاً للمادة 72 فقرة 2 نقد وتسليف والمادة 206 من القانون ذاته.

3- وقبل الدخول في تفاصيل هذا الخلاف، لا بدّ من الإشارة الى بعض القواعد الأساسية التي تحكم موضوع السريّة المصرفية منظورا اليها من خلال قانون النقد والتسليف، اذ يبدو ان السؤال الموجه الى هيئة القضايا في وزارة العدل، والذي اتصف بالطابع العام وغير المركز قد أدى الى وجود خلط بين المفاهيم.

اولا: في ما خص الوظيفة المحددة لمصرف لبنان بقانون النقد والتسليف وفي الدور الذي يلعبه المصرف كحارس لقانون السرية المصرفية

4- من المعروف ان مصرف لبنان هو شخص معنوي يتمتع بالاستقلال المالي وكذلك بالاستقلال الإداري التام تجاه الدولة. وهو لا يمسك محاسبة حسب القواعد المنصوص عليها في قانون المحاسبة العامة، وانما وفقا لقواعد الحق الخاص كما انه لا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة. وقانون الوظيفة العامة لا يسري على العاملين فيه كذلك وهو يعدّ "بمثابة التاجر" في العلاقة مع الغير سيما المصارف، الا انه يعمل ايضا للصالح العام، لذا منح بالقانون سلطة ذات طابع تنظيمي في علاقته مع المصارف.

5- والمصرف المركزي يلعب دورين أساسيين مختلفين، الأول يتعلق بالمحافظة على سلامة النقد والاستقرار الاقتصادي وسلامة أوضاع النظام المصرفي، وبهذه الصفة يتعاون مع الحكومة ويقدم لها المشورة في كل ما يتعلق بالسياستين الاقتصادية والمالية (المادتان 70 و71 نقد وتسليف)، وهو في الوقت نفسه وهذه هي وظيفته الثانية، مصرف القطاع العام (المادة 85) اذ تودع لديه، الأموال العامة الخاصة بهذا القطاع والممسوكة من وزارة المالية، كما تودع الاموال العائدة لمعظم الأشخاص المعنويين من الحق العام اللذين يتمتعون بالاستقلال المالي.

6- وقد الحقت بالمصرف المركزي دائرة مستقلة مرتبطة مباشرة بالحاكم تقوم بالرقابة على المصارف (المادة 148)، وقد فرضت المادة هذه على جميع الموظفين التابعين لهذه الدائرة كتمان السر المصرفي المحدد بالمادة 2 من قانون 3 أيلول 1956 والذي يسري على جميع الأشخاص المنتمين الى دوائر المصرف الأخرى باستثناء الحاكم. وقد نصت المادة 151 نقد وتسليف في هذا المجال على الآتي:

"على كل شخص ينتمي او كان ينتمي الى المصرف المركزين بأية صفة كانت ان يكتم السر المنشأ بقانون 3 أيلول 1956 ويشمل هذا الموجب المعلومات وجميع الوقائع التي تتعلق ليس فقط بزبائن المصرف المركزي والمصارف والمؤسسات المالية، وانما ايضاً بجميع المؤسسات المذكورة والتي يكون اطلع عليها بانتمائه الى المصرف المركزي"

وبذلك يكون قانون النقد والتسليف قد أكد بدوره على ان قانون السرية المصرفية يسري ايضاً على المصرف المركزي وعلى العاملين لديه فضلا عن "زبائنه" clients". فهذا القانون لا ينطبق فقط على المصارف الخاصة، وانما ايضاً على المصرف المركزي باعتباره يتعاطى العمل المصرفي مع زبائنه ممن أودعوا لديه اموالاً. فقانون النقد والتسليف قد حدد نطاق تطبيق السرية المصرفية فيما يتعلق بمصرف لبنان، والزمه بها، وجعله حارسا يسهر على تطبيقها من قبل المصارف ومن قبل لجنة الرقابة على المصارف التي الحقت به. وفي ما يتعلق برقابة هذه الهيئة بالذات، نصت المادة 150 على قاعدة استثنائية حددت بموجبها نطاق هذه الرقابة على الوجه التالي:

7- "يمكن للمصارف ان تنظم حساباتها بشكل لا تظهر فيه أسماء الزبائن باستثناء أصحاب الحسابات المدينة" فهذه قاعدة خاصة تسمح للمصارف التي الزمها قانون السرية بواجب مطلق لهذه الناحية، كشف اسماء المدينين. وهذا التفسيح هو استثناء مقرر لصالح لجنة الرقابة على المصارف وحدها وهي ملزمة بالسريةن فلا يجوز التوسع فيه او القياس عليه، والقول ان السرية هذه، وبصورة عامة، لا تسري الا بشان اسماء الزبائن فحسب، فكشف الاسماء هنا لا يتمّ الا لصالح هيئة منشأة لدى المصرف المركزي نفسه الزمها القانون بالحفاظ على السرية المصرفية تحت طائلة الملاحقة الجزائية، اذ نصت المادة 203 على الآتي:

8- "يعاقب بالسجن من ستة أشهر الى سنتين كل من يفشي سرية المصارف من الأشخاص المشار اليهم في المواد 148 و151 و155 و190" ما حمل البعض على الاستنتاج من ان السرية المصرفيؤة لا تغطي قيمة الحسابات وتفاصيلها بل فقط اسماء اصحابها، الأمر الذي لا يتوافق مع النصوص القانونية الملزمة بهذا الشأن.

9- وفي ما خص مراقبة دفاتر المصرف المركزي، أنشأت المادة 41 نقد وتسليف في وزارة المالية مفوضة الحكومة لدى المصرف المركزي ويدير هذه المصلحة موظف تابع للوزارة المذكورة يحمل لقب مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي.

10- وقد اناطت به المادة 42 أمر السهر على تطبيق القانون من قبل المصرف المركزي واعطي الحق في تعليق مفعول أي قرار صادر عن المجلس المركزي اذا كان مخالفا للقانون والأنظمة ووفقاً لآلية محددة في نص المادة 42 المذكورة.

11- كما ان المادة 44 معطوفة على المادة 42 فقرة- ب- اعطت مفوض الحكومة ومعاونيه الحق في مراقبة محاسبة المصرف المركزي، ولكنها منعتهم من الاطلاع على المستندات العائدة للغير الذين تحميهم سرية المصارف المنشأة بقانون 1956؛ وأولتهم كذلك الحق في التدقيق في صناديق المصرف المركزي وموجوداته دون ان يحق لهم التدخل في تسيير اعماله.

12- ففي ضوء هذه المبادئ جميعا، يقتضي التطرق الى المسألة المطروحة المتعلقة بالسرية المصرفية التي يتذرع بها مصرف لبنان والتي تستند الى قانون النقد والتسليف الذي أكد ان مبدأ السرية يسري على مصرف لبنان.0

13- ولا بد هنا، من القاء ولو نظرة خاطفة الى العقد الموقع بين وزارة المالية سيما الملحق الأول منه المتعلق بموضوع الخدمات المطلوبة Services of Scope؛" وقد ورد بشكل عام ان جزءاً منه يتعلق بالحسابات الممسوكة من المصرف المركزي على وجه التحديد والغاية من هذه الرقابة التأكد من صحتها؛ اما الجزء الآخر فهو يتعلق بالحسابات الخاصة المفتوحة لدى المصرف المركزي من قبل الأشخاص المعنويين التابعين للحق العام سيما وزارة المالية كون باقي الحسابات العائدة للوزارات هي تابعة لها او هي تحت اشرافها. اما الحسابات الممسوكة من اشخاص الحق العام الذين يتمتعون بالاستقلال المالي، فهي خاضعة لرقابة وزارة المالية هذا من حيث المبدأ على الاقل، وتفعيلا لسلطة الوصاية Tutelle العائدة للوزارة على هذه الهيئات.

G MAHMASSANI "L'organisation bancaire au Liban" p. 178

ثانياً: فعلى الشق من السؤال المتعلق بالحسابات الممسوكة من قبل المصرف المركزي

14- سبق لنا واوضحنا ان مصرف لبنان يمسك محاسبة وفقاً لقواعد الحق الخاص وهي لا تخضع للأصول التي تطبق على المحاسبة العمومية وان المادة 44 نقد وتسليف قد أعطت مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي والمنتدب من وزارة المالية حق اجراء الرقابة على هذه المحاسبة. فهذه الرقابة لا علاقة لها بالسرية المصرفية، لان القيود المحاسبية لا تخص الغير، ولان المحاسبة هذه خاضعة لرقابة وزارة المالية الشاملة، تمارسها بواسطة مفوض الحكومة الذي تعينه ومعاونيه. فعلى المصرف المركزي ان يرسل الى وزارة المالية هذه المحاسبة عملاً بأحكام قانون النقد والتسليف.

ثالثاً: وعلى الشق الاساسي من السؤال المتعلق بالحساب المصرفي العائد لوزارة المال تحديدا وبمدى خضوعه للسرية المصرفية بصورة عامة

15- ان هذا الحساب يخصّ القطاع العام على اعتبار ان أموال هذا القطاع تودع حصراً في مصرف لبنان. فهذا القطاع يعدّ اذا من عداد زبائن المصرف بالمعنى المعتمد بالمادة 2 من قانون سرية المصارف واذا كانت هذه المادة لم تحدّد معنى كلمة "زبون" وقد تضاربت الآراء حول مفهوم هذه العبارة، هذا في ما خص المصارف العادية، الا ان هذا الخلاف بات محسوماً بالنسبة للقطاع العام حيث ان هذا الأخير ملزم بحكم القانون بإيداع أمواله لدى المصرف المركزي. وقد أكدت المادة 151 نقد وتسليف ان قانون السرية المصرفية يطبق على مصرف لبنان وعلى "زبائنه" كما أسلفنا بل ان هذا القانون قد جعل من المصرف المركزي حارسا يسهر على تطبيق قانون السرية. فبعبارة زبائن المصرف الواردة في هذه المادة لا يمكن ان تعني الا هؤلاء الذين أودعوا اموالا لديه. اما المصارف، وبالإضافة الى انها زبائن لدى المصرف المركزي فهي ايضاً خاضعة لرقابته. وبالتالي فان ما يطبق على المصارف العادية، وهي شركات مساهمة، يسري ايضا على مصرف لبنان حيث انه يتعاطى العمل المصرفي فيما خص القطاع العام، وانه المؤتمن على المحافظة على السرية المصرفية بشكل عام، ولأنه يتعاطى ايضا مع اشخاص الحق العام كأي مصرف يقوم بالأعمال التجارية وهو يملك دفاتر تجارية اسوة بالتجار ولا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة.

16- فلا يسع المصرف المركزي كشف السر المصرفي الذي يغطي الحسابات المفتوحة بإسم القطاع العام عن طريق تسليم شركة التدقيق المعينة من قبل الحكومة اللبنانية الحسابات العائدة للإدارة العامة ما لم ترفع الحكومة السر المصرفي وفقاً لما نصت عليه المادة 2 التي فرضت، صدور اذن خطي واضح عن صاحب الشأن، أي الإدارة، يعفي المصرف المركزي من واجبه هذا. والاذن لا يمكن ان يستنتج وانما يجب ان يرد بشكل صريح لا لبس فيه كما تنص المادة المذكورة على ذلك قطعاً. وحدها البينة الخطية تكون مقبولة وبينة القرائن مستبعدة. نشير في هذا المجال الى ان المادة 5 من القانون ذاته قد اجازت إعطاء الاذن المسبق من قبل صاحب الأموال المودعة فكان من المستحسن، ان يتضمن العقد بنداً خاصاً تلتزم بموجبه الدولة برفع السريؤة المصرفية ليكون بإمكان الشركة الاطلاع على حسابات الدولة وعلى المستندات المرفقة. وفي غياب هذا النص يكون الاذن الخطي واجباً، وهو كافٍ في أي حال، فلا حاجة لرفع السرية المصرفية بقانون، كما يجري التداول بذلك في وسائل الاعلام وعلى لسان قانونيين.

أكثر من ذلك

17- وحتى ولو افترضنا، ان قانون السريؤة المصرفية لا يطبق على الأموال العامة المودعة في المصرف المركزي، (وهذا مجرد افتراض يتعارض تماماً مع ما ورد في المادة 151 نقد وتسليف)، فإن الحسابات العائدة للإدارة المذكورة والمودعة لدى شخص معنوي مستقل تماماً هو المصرف المركزي تبقى مغطاة بالسرية المهنية secret professionnel المنصوص عليها في المادة 579 عقوبات والتي تنص على  الآتي:

"من كان بحكم وضعه أو وظيفته، أو مهنته أو فنه، على علم بسرّ وافشاه بدون سبب شرعي أو استعمله لمنفعة آخر، عوقب بالحبس..."

18- وقد اعتمد القضاء الفرنسي ما يقابل هذه المادة في قانون العقوبات الفرنسي من اجل إرساء قاعدة السرية على العمل المصرفي وذلك في غياب نص خاص يكرس وجود "السرية المصرفية" كما هي الحال في القانون اللبناني فاعتبر ان مخالفة واجب التحفظ هذا يعدّ خطأً يعاقب عليه بالسجن

Crim 5.2.1970 Bull. Crim. No. 56 راجع

«La confidentialité est liée à l'exercice de certaines professions. Les professionnels se trouvent être un confident nécessaire»

F. Nammour: «Les clauses du secret» nr 20.

ويعدّ كشف السر المهني كذلك خطأً مدنياً جسيماً تترتب عليه المسؤولية المدنية، فضلا عن انه يخالف قاعدة سلوكية لها طابع اخلاقي مميّز

Cass. Soc. 30.6.1983 Bull. no. 425; 20-I-1982 D.

1982 IR 251; 25-3-1981 Bull no. 253; 11. oct. 1972 D.

1973 N. Viney et 15-12-1971 Bull civ. no. 730

فالمبادئ العامة المتعلقة بالحفاظ على السرية المهنية تقف هي ايضاً حاجزاً دون افشاء السر وذلك تفعيلاً لما ورد في المادة 122 موجبات وعقود

19- ومن حق المصرف المركزي والقيمين عليه ان يعتمدوا هذه المبادئ المتعلقة بالسرية اياً كانت، ويلتزموا واجب التحفظ طالما ان رفع هذه السرية لا يتطلب أكثر من عمل في غاية البساطة وهو رفع هذه السرية التي تغطي الحسابات المودعة لديه من طرف ثالث هو الإدارة او الهيئة العامة صاحبة الحساب. وخطر الملاحقة يكفي، اذ ليس في وسع هؤلاء التنبؤ سلفا بما قد تقضي به المحاكم لو لوحقوا فيما بعد. فلا يمكنهم الا ان يعولوا على اعفاء واضح لا يحتاج سوى لكتاب صادر عن وزارة المالية وهي حاضرة في المصرف اذ ان مديرها هو عضو في مجلسه المركزي، ولها ممثل في شخص مفوض الحكومة. فلم يكن من داع لا للدراسات القانونية الواسعة ولا للضجة الإعلامية التي احاطت بإشكال كان بالإمكان تداركه بكتاب بسيط، سيما وان هنالك مسؤولية مدنية تترتب على الدولة تجاه الشركة

20- وعلى سبيل التأكيج المكرّر، تقتضي الاشارة الى ان المهمة الموكولة الى شركة التحقيق هي مهمة واسعة كما يتبين من الرجوع الى الملحق الأول للعقد Works of Scope حيث يتبين ان الشركة قد كلفت بمهام تضمنت على سبيل المثال لا الحصر:

- Examine whether any financial transaction prices or values were unduly inflated or otherwise unsubstantiated.

- Examine whether payments were made to fictitious companies or otherwise served any similar improper purposes.

21- ولا شك في ان الدخول في التفاصيل هذه، يتطلب اللجوء ليس فقط الى الاطلاع على الايداعات او السحوبات التي جرت لدى مصرف لبنان من قبل الادارة او الهيئة العامة صاحبة الحساب، إذ انها مجرد قيود تتعلق بالداخل والخارج، تصدر فيها اوامر لا تستند الا الى وثائق بسيطة. في حين ان التحقيق، كما هو واضح من المهمة هذه، يتناول أبعاد هذه القيود من الناحية المالية ومن حيث الأشخاص، وذلك تفعيلاً للمادة 3 من القانون رقم 175 تاريخ 14/5/2020 المتعلقب بجرائم الفساد التي تؤكد" ان جرم الفساد مبني على نيل الالتزامات أو سوء تنفيذها، واستخدام الأموال العامة ووسائل الدولة وشراء او بيع الأموال اذا كان الغرض منها هو نيل منفعة خاصة". ومن البديهي ان الوثائق المرفقة بأوامر الإيداع والدفع، هذا ان وجدت، لا يمكن ان تكفي لكشف المنافع الخاصة هذه التي وقفت وراء العقود وتنفيذها وان التحقيق الجنائي المرتقب يجب ان يشمل الأوراق والمستندات التي بقيت في الإدارات. اما أوامر الدفع او الإيداع فليست الا وسائل للتأكد من ان الافعال الجرمية التي ثبت وجودها من خلال هذه الاوراق قد نفذت فعلاً بالقيود. فطالما انه من المفروض في الإدارات ان تضع تحت تصرف الشركة المذكورة وثائق غير متوافرة في المصرف المركزي وان التحقيق الجنائي هو وحدة لا تقبل التجزئة، ما يوجب ان يتناول قيودا موجودة في مصرف لبنان ومستندات وعقود موجودة في الوزارات، فأنه لا يصح في الافهام لماذا لا ترفع السرية بكتاب بسيط يوجه الى المصرف المركزي طالما ان المطلوب هو اجراء الكشف على كلّ لا يقبل التجزئة

22- وما اوردناه تحت هذه الفقرة يكفي برأينا لحل هذا الاشكال دون حاجة للدخول أكثر في تفاصيل الحجج والسباب القانونية التي اثارتها الإدارة. الا اننا سوف نتطرق اليها، على سبيل الاستطراد فحسب، وذلك قطعا لأي جدل، ومن باب التحفيز على سلوك السبيل البسيط والصحيح هذا الذي سبقت الاشارة اليه.

رابعاً: في الرد على الأسباب المثارة من الإدارة لجهة ان السرية المصرفية لا تطبق الا بشكل محصور او انها ترتفع حكما ف يحال وجود جرم

23- نصت المادة 2 من قانون السرية المصرفية على الآتي:

"ان مديري ومستخدمي المصارف... يلزمون بكتمان السر اطلاقاً لمصلحة زبائن هذه المصارف، ولا يجوز لهم افشاء ما يعرفونه عن أسماء الزبائن، واموالهم، والأمور المتعلقة بهم لأي شخص فرداً كان ام سلطة عامة إدارية او عسكرية او قاضئية الا اذا اذن لهم بذلك خطياً..."

24- فالسرية المصرفية في لبنان هي اذا واجب مطلق absolu يسري الجميع omnes erga opposable ما لم يضع صاحب الحساب حداً له بإرادته، وذلك في ما خلا حالتين هما الإفلاس، ووجود دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية قائمة بين المصرف وأحد زبائنه. والسرية هذه قائمة في باقي الحالات وهي تسري على جميع السلطات بما فيها السلطة القضائية ودون تمييز بين قضاء مدني او جزائي.

1- «A l'exception du cas de lutte de lutte contre le blanchiment des capitaux les banques ne peuvent ni témoigner ni même donner des renseignements. Elles ne peuvent pas être obligées de présenter des livres ni de fournir des documents tant qu'elles ne sont pas autorisées à le faire par le client» note 32 «l'inculpé peut lui-même donner son consentement à la levée du secret»

MORCOS «Le secret bancaire» p. 320

25- فلا يجوز لقضاء التحقيق او للقضاء الجزائي خلافا لما يقال، ان يطلب من المصرف اية افادة او اي مستند، حول امر خاضع للسرية المصرفية فالتذرع بوجود تحقيق جزائي كسبب لرفع السرية وتسليم المحاسبة بكاملها الى الشركة المذكورة هو امر يخالف قاعدة تتعلق بالنظام العام المطلق. والمطلق يجري على اطلاقه.

FABIA «L'institution du secret bancaire au Liban» RTDC 1957 pp 60

26- وعلى سبيل التأكيد ليس الا، لا بد من الإشارة هنا الى ان المطلوب حاليا هو فقط اجراء تحقيق للتأكد من وجود جرم جزائي، ولا يوجد حتى الآن ثمة ادعاء جزائي او فعل جرمي منسوب الى أحد حتى يصح الكلام عن وجود نظام عام يفرض استبعاد السرية المصرفية. فالوسيلة الوحيدة لكشف المستور واجراء التحقيق بشأنه، هو رفع السرية المصرفية من قبل الوزارة او الهيئات الاخرى المعنية صاحبة الحسابات. فالقول بان ما يتذرع به مصرف لبنان يخالف النظام العام مردود اصلا في الوقت الحاضر، حتى لو اخذنا بالحجة المرفوضة قانونا والقائلة بان النظام العام يفرض رفع السرية في حال وجود جرم، طالما ان التحقيق لا يتناول جرما معينا هو محل ادعاء.

هذا مع الاشارة الى ان الحجة هذه مردودة اصلا لان كشف السر المصرفيؤ يتعارض مع قاعدة هي من النظام العام الخاص، والخاص يلغي العام كما هو مستقر. فعدم دفع الضرائب يخالف النظام العام ومع ذلك لا يجوز رفع السرية المصرفية لا من اجل التحقق من ذلك ولا من اجل إلزام من تهرب من دفع الضريبة بها

F. DEBBANE «Secret bancaire et fiscalité» Angélil 1975 p 169

مجلس الشورى 10/3/1975 العدل، 1975 ص 7

وبالمعنى ذاته ايضا د. مرقص المرجع المشار اليه ص 328

فلا يجوز رفع السرية المصرفية اطلاقا خارج الحالات المعينة بقانون السرية ذاته الا عن طريق اصدار قوانين خاصة، وهذا ما أكده المشترع نفسه عندما أصدر تشريعات تتعلق بجرائم خطيرة رفع بموجبها الحماية التي كانت معطاة للمودعين، فتخلّى عن السرية المصرفية بنصوص خاصة صريحة واحاط هذا التخلي بضمانات. وبالفعل،

27- صدر قانونان بهذا المعنى، أولهما القانون رقم 318/2001 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال، والذي استبدل بالقانون رقم 44/2015، والثاني هو القانون رقم 43/2015 المتعلق بتبادل المعلومات حول التهرب الضرائبي. وقد صدرا تحت ضغط المجتمع الدولي، وتضمنا رفعاً للسرية المصرفية. ثم اعقبهما قانون مكافحة الفساد الذي احال الى القانون الثاني في مجال رفع السرية المصرفة. الامر الذي يؤكد ان السرية لها طابع مطلق طالما ان رفعها يحتاج الى نصوص خاصة تضيف على الاستثناءات المعينة بقانون 1956

28- وقد اعطى القانون الاول مفهوماً واسعاً لتبييض الأموال اذ اشار الى زراعة المخدرات، وجرائم الإرهاب، وجرائم السرقة، واختلاس الأموال العامة والخاصة، وصرف النفوذ والفساد الخ، مؤكداً بان كل فعل يرمي الى إخفاء الأموال غير المشروعة الناتجة عن هذه الافعال او تحويلها او استبدالها او توظيفها، يعدّ عمل بتبيض، فارضاً وجوب كشف السرية المصرفية في هذه الحالات. ويتم رفع السر المصرفي من قبل هيئة تحقيق مستقلة لدى مصرف لبنان تتمتع بالشخصية المعنوية وهي غير خاضعة لسلطة المصرف ولها صفة قضائية. وتقوم هيئة التحقيق الخاصة هذه بالإستقصاءات اللازمة حول العمليات المشتبه بها، فتقرر رفع السرية المصرفية عند انتهاء التحقيق اذا وجدت ادلة مقبولة تثبت وجود التبيض. وتحيل الملف ساعتئذ الى النيابة العامة التمييزية للمباشرة في الملاحقة. ويلاحظ هنا ان رفع السرية المصرفية يتطلب اصدار قرار من هيئة خاصة مستقلة تتخذ مثل هذا القرار بعد اجراء تحقيق اولي. فالسرية لا ترفع الا من قبل الهيئة هذه وهي ذات صفة قضائية كما يقول النص، اذا وجدت ادلة حاسمة تحملها على اتخاذ مثل هذا القرار، الذي يعود لها وحدها ولا علاقة لمصرف لبنان ولا للقضاء الجزائي به وانما هو محصرو بهذه الهيئة الذي يسري عليها قانون السرية الى حين اتخاذ قرارها بكشف السر.

29- اما القانون رقم 43 تاريخ 24/11/2015 فهو يهدف الى تبادل المعلومات المتعلقة بالتهرب او بالاحتيال الضرائبي (Evasion Tax أو Fraud Tax)، وذلك في نطاق التعاون الدولي فحسب المبني على اتفاقيات ثنائية او متعددة الأطراف تتعلق بهذين الفعلين، وقد عهد القانون الى هيئة التحقيق الخاصة ذاتها المنصوص عليها في القانون المتعلق بتبييض الاموال، اتخاذ القرار برفع السرية اذا تحققت من وجود اسباب جدية تؤكد وجود احد هذين الفعلين وكرست في هذه الحال حق المتضرر بالطعن فيه اذا رفع السرية امام مجلس الشورى.

30- فالسرية المصرفيؤة ترفع هنا ايضا بقرار معلل تتخذه هيئة ذات طابع قضائي وذلك بعد تحقيق تقوم به. فما ورد في هذا القانون يؤكد مرة أخرى ما استقر عليه الرأي في الفقه والاجتهاد في ما خص الطابع المطلق للسرية الذي يسري على القضاء الجزائي. والمبدأ ذاته أُقرّ بالقانون المتعلق بمعاقبة الإثراء غير المشروع الصادر مؤخراً والذي نصت المادة 11 فقرة (ب) منه على تطبيق "اصول الاستقصاء والتحقيق والمحاكمات الواردة في قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".

31- وقد اعتمد قانون مكافحة الفساد الصادر في 14/5/2020 والذي يحمل الرقم 175 الآلية ذاتها اذ نصت المادة 19 منه المتعلقة بالاستقصاء والاحالة على الآتي:

"اذا ارتأت الهيئة خلال الاستقصاءات التي تقوم بها انه من الضروري التحقيق في حسابات مصرفية معينة، فلها ان توجه طلباً معللاً الى هيئة التحقيق الخاصة المنصوص عليها في القانون رقم 44/2015 المتعلق بمكافحة تبيض الأموال وتمويل الارهاب لتمارس هذه الأخيرة صلاحياتها... وف يحال قررت هيئة التحقيق الخاصة رفع السرية المصرفية عن الحسابات المعنية يتم ذلك ايضاً لصالح الهيئة". وقرارات الهيئة تقبل الطعن امام مجلس الشورى. واذا تبين للهيئة في النتيجة وجود جرم فساد بعد كشف السر المصرفي تحيل القضية الى النيابة العامة المختصة للسير بالدعوى العامة كما لها ان تدعي مباشرة على المرتكبين امام القضاء المختص. فالإحالة على القضاء تتم من قبل الهيئة ولا علاقة لمصرف لبنان لا بكشف السر ولا بالملاحقة الجزائية وذلك خلافاً لما كتب بهذا الشأن

32- ان ما ورد في هذه القوانين يؤكد بصورة جازمة لا تقبل الجدل، ان لا استثناء على السرية المصرفية الا بنصوص خاصة وهذا المبدأ يطبق على الملاحقات الجزائية حيث انها تحتاج لرفع السرية على يد هيئة التحقيق الخاصة وحدها. فليس لحاكم مصرف لبنان ولا لأي هيئة تابعة للمصرف الحق في اتخاذ مثل هذا القرار. اما القانون رقم 28/2017 المتعلق بحق الوصول الى المعلومات فقد بقي خالياً من أية إشارة ولو بعيدة، الى رفع السرية المصرفية كما يتبين من الرجوع الى مواده جميعا خلافا لما قيل في هذا المجال.

33- ونعود للتذكير بان الشركة المكلفة بالتحقيق الجنائي هي شركة خاصة وليست هي هيئة تدقيق محاسبي كما هي حال مفوضي المراقبة، اللذي فرض عليهم القانون التقيد بالسرية المصرفية. فلا تقاس حالتها بحال هؤلاء، فما ورد في الاستشاريتين (الصادرتين عن وزارة العدل تحت رقم 139/1991 وتحت رقم 367 /ر/ 1992) والذي احال اليهما الرأي الصادر عن وزارة العدل والخاص بهذا الموضوع لا علاقة له البتة بالحالة التي نحن بصددها، حيث ان الشركة ليست مفوض مراقبة أولاه القانون ذاته حق الكشف على الحسابات، فلا يجوز القياس بين الوضعين، ولا يسع الشركة وهي مرتبطة بالدولة بعقد فحسب الاطلاع على الحسابات العائدة لزبائن المصرف المركزي على حد ما ورد في المادة 151 من قانون النقد والتسليف، كونها مغطاة بالسرية التي يعود للادارة وحدها ان ترفعها. والا كان من الواجب اللجوء الى هيئة التحقيق الخاصة المنصوص عليها في القوانين الخاصة المشار اليها اعلاه، هذا اذا توافرت افعال جرمية بمعنى قانون تبييض الاموال او قانون الفساد. فبات رفع السرية بكتاب هو السبيل الاسهل والأفضل الذي يمكن اعتماده حاليا سيما ان نطاق التحقيق الموكول الى الشركة يتناول كذلك القيود والاوراق والمستندات الموجودة لدى الادارة نفسها.

34- ولم تخرج المادة 206 نقد وتسليف كما يقال ايضا عن هذا الخط الذي رسمه المشترع وذلك خلافا لما ورد في استشارة وزارة العدل رقم 139/1991 المشار اليها اعلاه. فهذه المادة فرضت، من اجل ملاحقة الجرائم المعنية بالمواد 192 الى 206 موافقة حاكم مصرف لبنان، ومن بينها مخالفة قانون سرية المصارف، ذلك ان مصرف لبنان يسهر على تطبيق قانون النقد والتسليف سيما الالتزام بمبدأ السرية المصرفية. فالمادة المذكورة لا تولي الحاكم الحق في توجيه طلب الى النيابة العامة بملاحقبة جرائم غير تلك المعنية بهذا القانون بالذات. واذا كان هذا القانون قد فرض انشاء هيئة رقابية ترتبط بالحاكم وتتمتع بالاستقلال، عهد اليها بإجراء الرقابة على حسابات المصارف، الا انه فرض على هذه الهيئة الالتزام بالسرية المصرفية وهذا ما تؤكده المادة 148: "يعهد بالرقابة على المصارف الى دائرة في المصرف المركزي منفصلة ومستقلة عن بقية دوائره مرتبطة بالحاكم وحده. يحلف جميع موظفي هذه الدائرة ويلزمون لصالح المصارف وزبائنها بكتمان السر المصرفي المفروض بالمادة الثانية من قانون 3 أيلول 1956 حتى تجاه الأشخاص المنتمين الى دوائر المصرف باستثناء الحاكم. على ان لا يحول ذلك دون تطبيق المادة 151" والمادة 151 تلزم" كل من انتمى الى المصرف المركزي بأية صفة كانت ان يكتم السر المنشأ بقانون 3 أيلول 1956".

فلا يصح الكلام عن صلاحية شاملة اعطيت للحاكم بتحريك الدعوى العامة اذ هو يناقض معنى النص الصريح. هذا طبعا الا اذا كانت المحاسبة كما هي ممسوكة من المصرف هي المعنية بالتحقيق، ذلك ان المحاسبة ليست معنية بالسرية المصرفية التي تتعلق بما هو خلف القيد ذاته، اي بما يخص الزبائن بالمفهوم العام المعتمد بالمادة 151 من قانون النقد والتسليف وبقانون السرية، وهما معنيان مختلفان ومتكاملان. والخلاف يدور حول تسليم القيود المتعلقة بالإدارة لكشف ما هو وراء هذه القيود الى الشركة المكلفة بالتحقيق الجنائي وهي ملك الإدارة لا المصرف، فلا بد اذا لهذه الاخيرة ان توافق على تسليمها.

35- اما القول بان أسماء الزبائن هي وحدها موضع السرية المصرفية فهو ادعاء مردود ذلك انه يتعارض مع نص المادة 2 من قانون السرية المصرفية التي جاءت شاملة "لأسماء الزبائن واموالهم والأمور المتعلقة بهم" كما يتعارض مع منطوق المادة 151 نقد وتسليف التي أتت على ذلك جميع المعلومات والوقائع التي تتعلق بزبائن المصرف، ومع المادة 579 عقوبات التي اتت على ذكر كلمة "سر" بشكل عام. ولا بد من التذكير هنا بان المطلوب ليس هنا تحديد الشخص مالك الحساب فهو معروف وقد اشار اليه القانون الذي اعتبر ان الادارة العامة بكامل اشخاصها هي زبون المصرف الوحيد. وانما المطلوب هو نقل جميع القيود المتعلقة بالإدارة وهي ملكها الى شركة، فهذا التسليم يحتاج الى اذن من صاحب القيود عملا بقانون السرية الذي اوضح قانون النقد والتسليف شروط تطبيقه ان على المصرف المركزي، او من قبله.

36-وليس من شأن قرار مجلس الوزراء بإجراء التحقيق الجنائي ان يغير في هذه النتيجة، طالما انه لم يشتمل على رفع السرية المصرفية على حسابات الدولة لصالح الشركة المكلفة بالتحقيق الجنائي، ذلك ان السرية المصرفية تسري على جميع السلطات وان رفعها يحتاج الى طلب من صاحب الحساب ايا كان، وان هذا الطلب يجب ان يرد بشكل صريح لا لبس فيه كما نص على ذلك قانون السرية المصرفية. فالطلب هذا تنازل بالمفهوم القانوني للكلمة، وهو اذا عمل قانوني بامتياز، لا يجوز اقامة الدليل عليه بالقرائن. والفساد المطلوب التحقق من وجوده منصوص عليه في كل حال بقانون نظّم بكل وضوح طريقة التعاطي مع السرية المصرفية وسبل رفلعها وحدد الجهاز الذي اولاه القانون وحده الحق برفعها، فلا يصح الارتكاز اليه للقول بان السرية ترفع بأي شكل طالما ان هنالك ثمة فساد، فالحجة هذه تتناقض كليا مع ما نص عليه هذا القانون.

37- وفي المحصلة النهائية نرى انهن وطالما انه يوجد عقد بين الدولة وشركة تدقيق هو ملزم للطرفين، فالحل الابسط والاجدى يبقى كما قلنا، هو رفع السرية المصرفية من قبل الادارة ذاتها، وهو كفيل اذا اعتمد، بوضع حد نهائي للخلاف الدائر حاليا بجميع نواحيه وابعاده.

*   *   *

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان