شكلً بثّ فيديو كليب جديد لاغنية "يا بيروت" من قبل فرقة Kimaera بصوت الفنانة شيريل خيرالله صدمة لدى قسم كبير من الجمهور اللبناني الذي اعتبر ان هذه الاغنية تشكل نشيداً وطنياً بصوت الفنانة العظيمة السيدة ماجدة الرومي ولا يجوز اجراء اي تعديل عليها.
والجدير بالذكر، ان اغنية "يا بيروت" هي من كلمات الشاعر الراحل نزار قباني والحان الدكتور جمال سلامه واداء السيدة ماجدة الرومي. وقد اشتهرت هذه الاغنية منذ العام 1988 عندما أدّتها السيدة ماجدة الرومي خلال الحرب الاهلية التي احدثت دمار كبير في بيروت، واصبحت منذ ذلك الحين انشودة تنشد في جميع المناسبات الوطنية. وفي العام 1991، نشرت هذه الاغنية في البوم بعنوان "كلمات"[1] للسيدة ماجدة الرومي.
وبعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب 2020، الذي ادّى بدوره الى تدمير جزء كبير من بيروت، اكتسبت هذه الاغنية اهمية خاصة حيث عبّرت عن الدمار والخراب الذي المّ ببيروت مجدداً، فاصبحت هذه الانشودة تردد على كل شفًة ولسان.
الى جانب الاستنكار الشعبي والفني للفيديو كليب الجديد الذي اطلقته فرقة Kimaera ، برزت اشكاليات قانونية لا بد من اثارتها ان لجهة مدى قانونية اجراء تعديل او تحوير على هذه الاغنية على الكلمات او اللحن او لجهة الاستغلال التجاري لهذا العمل من خلال الفيديوكليب. لذلك، لا بدً لنا من العودة الى قوانين الملكية الادبية والفنية الواجبة التطبيق على هذا النزاع.
في هذا الاطار، اجمعت قوانين الملكية الادبية والفنية في مختلف دول العالم ومنها لبنان على ان لمؤلف اي عمل ادبي او فني الحق الحصري في استغلال هذا العمل وتحديد كيفية استغلاله ومنع ادخال اي تحوير وتعديل على هذا العمل او القيام باي استغلال تجاري دون الاستحصال على موافقة المؤلف او ورثته الخطية المسبقة. فنصًت المادة الخامسة عشر من قانون الملكية الادبية والفنية رقم 75/99 تاريخ 03/04/1999 على انه يكون لصاحب حق المؤلف وحده الحق في استغلال العمل مادياً، وله في سبيل ذلك الحق الحصري في اجازة او منع ما يأتي:
- نسخ وطبع وتسجيل وتصوير العمل بجميع الوسائل المتوافرة بما فيها التصوير الفوتوغرافي او السينمائي او على أشرطة واسطوانات الفيديو او الاشرطة والاسطوانات والاقراص مهما كان نوعها، او بأية طريقة اخرى.
- ترجمة العمل الى لغة اخرى او اقتباسه او تعديله او تحويره او تلخيصه او تكييفه او اعادة توزيع العمل الموسيقي.
- بيع وتوزيع وتأجير العمل.
- استيراد نسخ من العمل مصنوعة في الخارج.
- أداء العمل.
- نقل العمل الى الجمهور سواء كان ذلك سلكيًا او لاسلكيًا وسواء كان ذلك عن طريق الموجات الهرتزية او ما شابهها او عن طريق الاقمار الصناعية المرمزة وغير المرمزة، ويشمل ذلك التقاط البث التلفزيوني والاذاعي العادي او الآتي عن طريق القمر الصناعي واعادة ارساله الى الجمهور بأية وسيلة تتيح نقل الصوت والصورة.
كما ان المادة السابعة عشر من القانون الآنف الذكر، قد فرضت الصيغة الخطية على اي عقود تتعلق باستغلال الحقوق المادية المتعلقة باي اثر فني او التصرف بها تحت طائلة البطلان.
من جهة اخرى، فان هذا القانون اعتبر ان منتجو التسجيلات السمعية والفنانين المؤدين هم من اصحاب الحقوق المجاورة، ومنحهم الحق في حماية حقوقهم ان لناحية اداء العمل او لناحية نسخ وتوزيع وبيع وتأجير العمل السمعي والبصري الذي قاموا بانتاجه وفي نقله الى الجمهور.
لذلك، فان اقدام فرقة Kimaera على اطلاق نسخة جديدة من اغنية "يا بيروت" بعد ادخال تعديلات على اللحن واعادة توزيعها، كما واصدار فيديو كليب لهذه الاغنية، يستوجب عليهم الاستحصال على موافقة خطية مسبقة من قبل ورثة الشاعر الراحل نزار قباني الذين آلت اليهم حقوق المؤلف بعد وفاة مورثهم ومن قبل الملحن الدكتور جمال سلامة و/او من قبل منتج هذه الاغنية الذي استحصل على حقوق نشر وطبع واداء هذا الاثر من اصحاب الحقوق حسب ما تنص عليه العقود والتنازلات المعقودة مع المؤلف والملحن. ففي غياب الموافقات الخطية المسبقة من قبل اصحاب الحقوق، فان القيام باي تعديل او تحوير على هذه الاغنية واطلاق فيديوكليب لها يشكل تعدياً واضحاً على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المحمية بموجب القوانين والمعاهدات الدولية والمعاقب عليها بموجب المادتين 85 و86 من قانون حماية الملكية الادبية والفنية.
والجدير ذكره في هذا السياق، ان تذرّع فرقة Kimaera بان لاي فرقة موسيقية الحق بتقديم اغنية قديمة شرط ان تشير الى ان الاغنية تقدّم بنسخة جديدة وفي حال تحقيق العمل ارباحاً يحصل صاحب الاغنية الاصلية على القسم الاكبر من هذه الأرباح، فهو مردود لعدة اسباب اهمها بان الحماية القانونية لحقوق المؤلف تستمر طيلة فترة حياة المؤلف ولمدة 50 سنة بعد وفاته. كما يتمتع منتجو التسجيلات السمعية بالحماية لمدة خمسين سنة اعتباراً من نهاية السنة التي تم فيها تثبيت الاثر على المادة الملموسة لاول مرة. فبالعودة الى اغنية "يا بيروت" من كلمات الشاعر الراحل نزار قباني الذي توفي سنة 1998 ومن الحان الدكتور جمال سلامه الذي ما زال على قيد الحياة، فان هذه الاغنية ما زالت تتمتع بالحماية القانونية كونها لم تسقط بعد في الملك العام (domaine public)، وتالياً يتوجب على اي شخص او فرقة ان تستحصل على الموافقات الخطية المسبقة لاستغلال هذه الاغنية او ادخال اي تعديل او تحوير عليها.
اما في ما يتعلق باتخاذ الاجراءات القانونية والقضائية لوقف التعدي على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ومعاقبة المرتكبين، فان هذه الاجراءات يجب ان تتخذ من قبل اصحاب حقوق المؤلف او ورثتهم او من قبل اصحاب الحقوق المجاورة الذين اجاز لهم اصحاب الحقوق اتخاذ هذه الاجراءات صوناً لحقوقهم.
فالمادة 81 من قانون الملكية الادبية والفنية قد اعطت اصحاب حقوق المؤلف او الحقوق المجاورة الحق بطلب اتخاذ اجراءات تحفظية لمنع وقوع اعتداء وشيك على حقوقهم او لوقف هذا الاعتداء. واعطت قاضي الامور المستعجلة الحق باتخاذ كافة القرارات التي تجيزها القوانين في هذا الشأن والحق بفرض غرامات اكراهية انفاذاً لقراراته. وان اتخاذ اجراءات تحفظية من قبل اصحاب الحقوق لا يمنعهم من تقديم دعاوى جزائية بوجه المعتدين لادانتهم بجريمة الاعتداء على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة والزامهم بالتعويض عن العطل والضرر اللاحق بحقوقهم.
من الجدير ذكره، ان التاريخ الفني الحديث في لبنان قد شهد نزاعات قضائية مشابهة في ما يتعلق باعادة توزيع او ادخال تعديل على الحان شهيرة، حيث استقر اجتهاد القضاء اللبناني على وجوب اخذ موافقة اصحاب حقوق المؤلف قبل القيام بأي تعديل او تحوير على الاغنية. ففي دعوى مشابهة، صدر عن حضرة قاضي الامور المستعجلة في بيروت قراراً قضى بان قيام احدى شركات الانتاج بإدخال تحوير وتعديل على اللحن والأداء لأغنية "نسّم علينا الهوا" بدون موافقة صاحب حق المؤلف ومن تقوم بأدائها يؤلف تعدياً واضحاً على حق ملكيتهم لها ينبغي وقفه.
(قاضي الامور المستعجلة في بيروت، قرار رقم 17 تاريخ 19/01/2004 (شركة ميوزيك ماستر/نهاد حداد ورفاقها)- منشور في المرجع في اجتهادات الملكية الفكرية، المحامي راني صادر، المنشورات الحقوقية صادر، الجزء الاول، 2006، ص 500).
لذلك، يتوجب على كل من يريد تجديد او اعادة توزيع اي اغنية الاستحصال على موافقة خطية مسبقة من اصحاب حقوق المؤلف والحقوق المجاورة او ورثتهم قبل اطلاقها تفادياً للملاحقة القانونية التي تهدف الى حماية حقوق المؤلفين المادية والمعنوية على اعمالهم الفنية.