ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

كلمة في الذكرى الثانية والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان


كلمة في الذكرى الثانية والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان

{{subject.Description}}

حقوق الإنسان في أقسى إمتحان...
في العاشر من ديسمبر عام ١٩٤٨ إتفق قادة الشعوب، إزاء ما نجم عن الحرب العالمية الثانية من مآسٍ وويلات، على إقامة نظام يبعث في النفوس بارقة أمل ويزيل شبح الظلم والإستبداد الذي خيّم على العالم من خلال حكمٍ سادته الشهوة الى التحكّم والسيطرة على حساب حرية الأفراد والجماعات، وقالوا لكل هؤلاء:
أنت إنسان بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وهذه حقوقك المقدسة التي لا يمكن لأية سلطة أن تنال منها، إنها في حمى الدستور الأزلي، فأنعم بها مضمونة لكَ كي لا تكون مضطراً فيما بعد لإستعمال وسائل العنف والثورة بوجه الظلم والإستبداد.
وفي مثل هذا اليوم من كل عام، يُحي العالم ذكرى هذا الحدث التاريخي الكبير الذي حقق للإنسان أسمى معانيه، ليقف قادة الشعوب وزعماء العالم أمام التاريخ لتأدية الحساب عمّا أتوه من أعمال في سبيل توطيد دعائم الشرعة العالمية التي كرّست هذه الحقوق بتطبيق مبادئها وتوسيع نطاقها...وبذا يكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة تناولت الموضوع على نحو أوسع ممّا سبقه من وثائق وعهود. وقد كان للبنان القسط الوافر في وضعه، وهو كما قال الدكتور شارل مالك أحد صاغة نصوصه:
"يستمد معناه من النقاش والمجابهة اللذين إنبثقت عنهما، وأنه نواة لحقوق إنسانية كهذه التي، إذا صحّ التعبير، تحدّد جوهر إنسانيتنا، وهو ناموس طبيعتنا كبشر، بحيث إذا سنّت السلطة قانوناً ينقض الحقوق الإنسانية، يكون هذا القانون قد إنتهك إنسانية المواطن، فحق له ردّه والعصيان عليه".
هذا وقد ساد نشاط منظمة الأونيسكو عام ١٩٤٧ على تحضير مصادر الإعلان وإقراره، إذ أنها جمعت لديها، آنذاك، المؤسسات الفكرية والآراء العلمية من جميع أطراف العالم، وإستخلصت من مختلف التيارات الحضارية والمذاهب الفلسفية المادية والروحية الأسس المشتركة التي تقوم عليها الحقوق الإنسانية في المجتمع العالمي، وإنتهت إلى وضع المشروع الأول ورفعه إلى لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بعد مراجعته من لجنة متخصصة في باريس ضمّت خبراء. وقد تولّت هذه اللجنة دراسة أعمال اللجان الفرعية في هذا الموضوع والمقترحات المقدمة، ومنها إقتراح أستراليا الرامي إلى إنشاء محكمة عُليا تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة، للنظر في الشكاوى المقدمة من الأفراد والجماعات ضد حكوماتهم.
وكان من أطرف الأجوبة التي وردت لتحضير الإعلان، جواب المهاتما غاندي قبل وفاته، حيث جاء فيه:
" علمّتني أمي التي كانت متبصّرة رغم أُمّيتها أن الحقوق لا تستقيم ولا تدوم إذا لم يرافقها القيام بالواجبات، وهكذا فإن حق الحياة نفسه لا يتوفر لنا إلا إذا أدينا واجبنا كمواطنين في هذا الكون. فإذا إنطلقنا من هذا المبدأ الأساسي، أصبح من السهل علينا تحديد واجبات الرجل والمرأة، وإقامة العلاقة بين الحق والواجب المطابق له؛ وما عدا ذلك من حقوق فهي زائفة، ولا جدوى من النضال في سبيلها".
إن حقوق الإنسان هي في جوهر وجوده القومي، فلا الإستقلال الإقتصادي ولا القوة السياسية، بل الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية هي من مكّن لبنان من الوجود والبقاء ككيان مستقل.
هذا ولا بد للقضاء، بحكم حمايته للحريات العامة ورعايته للحقوق الإنسانية، من أن يتولّى الرقابة العليا والأخيرة على أي تصرّف من شأنه العبث بهذه الحقوق والحريات، وعندئذٍ يشهد له التاريخ بحيث يرتفع إلى المنزلة التي إحتلّها القاضي الكبير "مارشال"، رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام ١٨٠٣ يوم رفض تطبيق قانون مخالف للدستور ولحقوق الإنسان الأساسية، واقفاً بوجه الطغيان بجرأةٍ ما بعدها جرأة وإستقلال تام...فالسلطة التي تنحرف إلى التحكّم والإستبداد، إذا كان بمقدورها في الغالب أن تفرض حكمها لتحول دون رقابة أعمالها التعسفية في نطاق سيادتها الأقليمية، فإنها تبقى عاجزة عن تحويل الرأي العام العالمي إلى جانبها وعن الضغط على المؤسسات الدولية ذات الصلة لحملها على تبرير تدابيرها المطعون فيها.
فالرأي العام هو الرقيب، هو المحامي، وهو الحَكَم الأخير لتغليب الحقيقة الواقعية على الحقيقة القضائية التي هي مجرد إفتراض إقتضته الضرورة. ولعلّ خير ما قيل في هذا الإطار، كلمة العلّامة الأستاذ موريس غارسون بمناسبة قانون صدر عام ١٩٥٨ القاضي بفرض عقوبة جزائية على من يتعرّض للأحكام بصورة تمسّ هيبة القضاء أو يتعرض للتحقيق بقصد التشويش أو التأثير على سَيرِه:
" لو كانت هذه الأحكام مطبقة قديماً لبقي دريفوس في جزيرة الشيطان".
وجزيرة الشيطان مكان حقيقي موجود بالفعل بإتجاه سواحل غويانا الفرنسية، وهي جزيرة مُرعبة كانت سجناً لأبشع المجرمين وأكثرهم خطورة من القتلة والسفاحين والسياسيين الفرنسيين.
وكان من أشهر سجناء هذه الجزيرة "ألفرد دريفوس" Alfred Dreyfus" مسؤول في الجيش الفرنسي، وقد أُرسل خطأً إلى الجزيرة، فمكث في السجن أربع سنوات من عام ١٨٩٥ حتى عام ١٨٩٩ قضاها في السجن الإنفرادي...
بالعودة إلى قيمة المبادئ المقررة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنه ومهما قام من جدل حولها، فثمة حقيقة لا بد من التسليم بها، وهي إكتساب هذه المبادئ القيمة المعترف بها للإتفاقات الدولية النافذة كما ولميثاق الأمم المتحدة نفسه، سيما وأن هذه الهيئة الكبرى تستند بصورة مستمرة في توصياتها ومقرراتها إلى نصوص الإعلان وإلى روحه في القضايا التي عالجتها وتعالجها من حين الى آخر، وتبني عليه المعاهدات والإتفاقيات والمقررات ولو تضمّنت الإحتجاج والإستنكار فقط بالنسبة لمواقف غير شرعية، وتوصي في مناسبات عديدة بإعتماده أساساً للعمل . ولهذا يجب أن تُحترم مبادئ الإعلان كما تُحترم مبادئ الميثاق لأنها بمثابة تفسير لها، وهذا ما ذهب إليه الدكتور شارل مالك في حينه عند تقديمه المشروع أمام الهيئة العامة بقوله:
" إن الإعلان يتخطى التوصية أو القرار العادي ويحتل المنزلة الرفيعة الملازمة للميثاق نفسه".
وكذلك فعل أيضاً الدكتور كريم عزقول عضو الوفد اللبناني آنذاك خاتماً كلامه أبّان المناقشة بقوله:
"إن كل تجاوز للحقوق المقررة في الإعلان يُعد تجاوزاً على الميثاق".
وقد أتبع كلامه هذا بتوضيح لرأيه في مقال نشره في صحيفة الصفاء بتاريخ ١٩٦٨/١٢/١٦ مشيراً فيه إلى تخطي أحكام الإعلان نطاق التوصية.
وقد سبق أيضاً للدكتور عزقول أن كتب مقالاً  نشره في ذات الصحيفة بتاريخ ١٩٦٦/١٢/١٠ تحت عنوان: "عندما بكى شارل مالك"، جاء فيه:
" في مثل هذا اليوم من عام ١٩٤٨ وفي قصر شايو في باريس، وفي لجنة الثقافة الإجتماعية الإنسانية التي كان يترأسها يومذاك الدكتور شارل مالك، حدث ما يندر حدوثه في المؤتمرات الدولية. فقد كنتُ أُلقي كممثل لبنان آخر خطاب لي عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل التصويت عليه وتثبيته نهائياً من قبل الجمعية العامة، فإذا بي أرى وأنا على المقعد المخصص للبنان الدكتور شارل مالك وهو على منصّة الرئاسة يضع يده في جيبه، ويُخرج منها منديلاً ويمسح على مرأى من سائر ممثلي الدول الدموع التي انهالت من عينيه عندما سمعني أشرح بإسم لبنان وبصوت يهزّه الإيمان والثقة، العلاقة الكيانية التي تربط لبنان بحقوق الإنسان.
وبعد، أين نحن اليوم مما يجري حولنا وما نشهده من مآسٍ وصراعات...
لقد كثر الكلام عن الديمقراطية والطائفية وقانون السلطة القضائية المستقلة وغيرها...وما على رجال الفكر والقانون إلا أن يعقدوا العزم وأن يبادروا إلى حملات توعية متوازية بهدف نشر ثقافة حقوق الإنسان وحمايتها من كل ما يمس بقدسيتها. وبإعتقادي، هذا هو الرد الأجدى على مخاطر السياسات. فلبنان كان وما زال ملتزماً معنويا بواجب إحترام مبادئ الوثيقة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نظامه كما في دستوره، لا سيما في مقدمته التي أدرج فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الفقرة "باء" منها، حيث جاء فيها:
" لبنان عربي الهوية والإنتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وتُجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون إستثناء".
وقد أُضيفت المقدمة الى الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري الصادر بتاريخ ١٩٩٠/٩/٢١ بعدما جُعل من الباب الأول منه تحت عنوان "أحكام أساسية"، لائحة المبادئ الواردة في إتفاق الطائف "مقدمة الدستور"، وذلك بغية إضفاء شيء من القدسية عليها، على ما قاله العلّامة الدكتور إدمون رباط....فالقيمة الأساسية هي للمقدمة.
إن مبادئ حقوق الإنسان هي أساس الواقع السياسي الذي نعيشه، وإن فلسفة حقوق الإنسان ترتكز على إقامة بيئة من التعايش المتوازن بين السلطة في المجتمع وبين حقوق الأفراد، والفيصل بينهما هو القانون. فموزاييك السياسة يزعزع مرتكزات الدولة إن لم ينحاز للأنظمة والقوانين، ذلك أن ثقافة المواطنة تبقى الأجدى حيث الحقوق بالتساوي، بعيداً عن أي إنتماء فكري أو عقائدي.
إلى ذلك، لم يعد بمقدور الدولة بعد اليوم، وهي المقرّة بحقوق الإنسان، أن تخلق إمتيازات بسبب المذهب أو العرق، ولا أن تُفرق بين رجل وإمرأة في ممارسة أبسط الحقوق السياسية وغيرها، ولا أن تصدر قوانين طاعنة بحرية الرأي والمعتقد. فلقد تخطّى الإنسان كل الحواجز التي أقامتها الطبيعة في وجهه مُذ توطدت حياته الإجتماعية، متخذاً منها سلّماً للإرتقاء في العلوم والفنون، ماضياً في التساؤل عن سبب وجوده ومصيره وعن معنى الحياة، وإن تحديد حقوقه وضمانة وصوله إليها، هما هدف إنسان الغد، ولم يعد بالتالي ذلك التحديد تلبية لمطلب خلقي أو روحي أو ديني في عالمنا هذا فحسب، إنه نداء العقل والغريزة في آن.
فنداء العقل هو الإستجابة الى واجب العدالة وصوت الضمير ومفهوم الخير والحق، هو نداء الغريزة من خلال صراعها على مرّ الزمان لأجل البقاء.
وبعد، أتصور هذا الغريب من سكان العالم يصغي الى مآسي الإنسان، يسمع ويجهل المسبّب، ليعود فيسأل عن هذا الضاري الذي أنزل بالإنسان كل هذه الويلات...
قد يُصبح الظلم مأساة إنسانية عندما تتمادى السلطة في تعسفها في بعض الأحايين. ومتى وجد المظلوم نفسه عاجزاً عن رفع ظلامته، عندها يصبح الرأي العام ملاذه الوحيد يلجأ إليه بتقديمه شكوى إلى الهيئة الرسمية المكلّفة بتأمين الدفاع عن الحقوق، وأعني بذلك نقابة المحامين التي تتولّى نشرها في الصحف وطرحها للمناقشة كي يتسنّى للنقيب جمع "هيئة شرف" من ممثلي الرأي العام وفي مقدمتهم نقيب الصحافة، بحيث يكون لها أن تُصدر حكماً معنوياً يساعد على إصلاح الخطأ وإعادة الإعتبار.
التاريخ يُحاسب، ولا مرور زمن على الظلم. فالتاريخ حاسب نابوليون على خرقه المبادئ القانونية في محاكمة الدوق وانجين le duc d'Enghien عام ١٨٠٤ وإعدامه بعد خطفه من بلاد مجاورة لفرنسا. والمصلحة العليا التي يتسلّح بها الحكَم المطلق ليست سوى خداع ماكيافيلّي لتغطية أعماله الإستبدادية، كما ألمح إلى ذلك الشاعر "كورنيل" في روايته "موت بومباي":
"العدل ليس فضيلة ملازمة لتصرفات الدولة".
وإذا كانت منزلة الحاكم تعظم بترفّعه عن الحقد والأذى وتمسّكه بالعدل، فإنها تبلغ ذروة المجد بانطلاقه العفوي لرفع الظلم، من أية جهة أتى، بعد وقوفه على حقيقته، لأن الرجوع عن الخطأ فضيلة، كما وأن إزالة خطأ الغير واجب كما قال الفاروق عُمر بن الخطاب:
"أيُّما عاملٍ لي ظلم أحداً فبلغني مظلمته ولم أُغيرها، فأنا الذي ظلمته".
إن لبنان، بعد أن غفل لسنوات خلت عن إنشاء وتشكيل الهيئات الوطنية المتخصصة بالدفاع عن حقوق الإنسان، عاد وأنشأ ما أنشأه تلبيةً لتوصيات الأمم المتحدة واللّجان والمنظمات الدولية الحقوقية ومراجعات الهيئات للجان النيابية التي تُعنى بحقوق الإنسان، إلا أن ثغرات عديدة حالت وتحول دون إنطلاق أعمالها على النحو المرجو، كان آخرها تشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً والتي لم يكتمل عقدها بعد، كل ذلك أتى بعد مخاضٍ عسير أفضى إلى إقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً ونشره أصولاً.
ففي لبنان، المفقودون شهداء أحياء في انتظار تقرير مصايرهم، إذ لا يعقل أنه وبعد مرور ثلاثين عاماً على مسيرة السلم الأهلي، وبعد تشكيل الهيئة الوطنية المستقلة للمفقودين والمخفيين قسراً، أن يبقى مصير هؤلاء مجهولاً. فالدولة التي أخفقت في تحمّل المسؤولية تجاه المفقودين في الحرب، نريدها أن تفلح من خلال عمل هذه الهيئة في تحديد مصايرهم في السلم...
الدولة كما نحن، معنيّون بإقفال هذا الملف وكشف الحقيقة، معنيّون بإحتضان أهالي المفقودين في مسيرة السلم الأهلي، فهُم مواطنون من لبنان، وحقوقهم كما حقوق الإنسان اليوم هي في أقسى إمتحان...
وحدها كرامة الإنسان تُشكل قيمة مطلقة تعلو الأنظمة السياسية على إختلافها وتُعطي المواطن العربي عامةً واللبناني خاصةً حقاً على دولته، هو حق التحرر من الخوف...فالسلطة التي تمتهن حقوق الإنسان تجهل حقيقة يجب ألا تغيب عن الأذهان، وقد أشار إليها الإعلان في مقدمته بقوله:
"لا بد من شرعة تحمي حقوق الإنسان، فلا يُضطر أن يلجأ آخر ما يلجأ إلى الثورة على الظلم والضغط".
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لوحة رائعة الجمال؛ فهل ما نصبو إليه يتماشى والواقع الذي نعاني منه ونتألّم؟

بيروت ٢٠٢٠/١٢/١٠

 

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان