ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

التعارض بين القانون الداخلي والمعاهدات الدولية


التعارض بين القانون الداخلي والمعاهدات الدولية

{{subject.Description}}

 تقييم القاضي سامي منصور

للمعاهدات الدولية دور بارز في إطار القانون الدولي الخاص، فهي إما تهدف الى توحيد قواعد الإسناد المتعلقة بمسألة معينة وإما تتضمن قواعد مادية بهدف انطباقها مباشرة على الموضوع التي تعالجه.

عند إعمال المحاكم الوطنية لنصوص معاهدة دولية تظهر مسألة إمكانية التعارض بين أحكامها وأحكام القوانين الوطنية. كرست المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني وبصورة صريحة وواضحة "مبدأ سمو المعاهدة على القانون الداخلي"، ولكن السؤال الذي طرح في الدراسة وهو يشكل محاولة جدية في معالجة إشكالية قلما بحثت في الدراسات التي قدمت في الموضوع. فكانت الأبحاث تتناول التعارض من حيث التعارض بين المعاهدة والقانون العادي، وهنا ليس من مشكلة، لأن نص المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية فصلت في المسألة. ولكن إن ما ينقص تلك الدراسات هو الشق الآخر من التعارض وهو بين المعاهدات وبين القانون غير العادي (الدستور) وكذلك القوانين المتعلقة بالنظام العام الموصوف (المانع والواقي) وهو ما لم تعالجه تلك المادة. والإشكالية التي تفترض المعالجة هي في الترجيح بين الدستور والمعاهدة في التطبيق إزاء عدم وجود نص واضح وصريح في المسألة، وكذلك ما هي وضعية المعاهدة عند التعارض الذي قد يطرح بين نصوصها ونصوص القوانين الحتمية التطبيق، أي قوانين النظام العام المانع والواقي، كقوانين تعتبرها الدراسة غير عادية. من هنا اعتبر أن هذه الدراسة بمضمونها الذي سأعرضه فيما سيلي هي جديرة بالنشر.

قسمت الدراسة  الى مطلبين:

المطلب الأول تناولت به المعاهدة والقانون الداخلي العادي، عرضت فيه لبعض المعاهدات التي أبرمت من الدولة اللبنانية، سواء معاهدات تناولت الإختصاص القضائي، أم تناولت الإختصاصين القضائي والقانوني معاً، أو تناولت القواعد الموضوعية. كما عرضت الدراسة لحالة التعارض بين المعاهدة والقانون الداخلي العادي سواء كان سابق لإبرامها أم لاحق عليها، فالمعاهدة المبرمة من الدولة هي اتفاق دولي لا يمكن الغاءه إلا بنص صريح على ذلك والذي لا يمكن ان يكون بالإرادة المنفردة بل بالإتفاق على هذا الإلغاء.

المطلب الثاني تناولت فيه الدراسة المعاهدة والقانون الداخلي غير العادي . وهو غير عادي من حيث درجته (الدستور) (حالة أولى)، وغير عادي من حيث قوته (القوانين الحتمية التطبيق) (حالة ثانية). في الحالة الأولى، تظهر مسألة الحق بالرقابة على دستورية المعاهدات. فترجيح القاضي الوطني لأحكام معاهدة دولية على أحكام القانون الداخلي لا يمكن وصفها بالرقابة الدستورية وإنما هي لا تتعدى ان تكون تطبيق لنص المادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي تفرض على القاضي احترام مبدأ تسلسل القواعد القانونية. في الحالة الثانية، تظهر مسألة مدى أولوية تطبيق المعاهدة على القانون الداخلي الحتمي التطبيق. وهنا ركزت الدراسة على مسألة صحة البند التحكيمي في عقود التمثيل التجاري لا سيما تعارض أحكام المادة الخامسة من المرسوم الإشتراعي رقم 34/67 المتعلق بالتمثيل التجاري مع أحكام معاهدة تشيكوسلوفاكيا بشأن صحة البنود التحكيمية في عقود التمثيل التجاري. وقد عرضت الدراسة لموقف محكمة التمييز اللبنانية في هذا الإطار التي طالما  ترددت في اتخاذ موقف  بين ترجيح هذه المعاهدة الدولية على أحكام القانون المتسم بالحتمية التطبيق وبين رفضها ذلك في مرحلة لاحقة مرجحة تطبيق القانون الداخلي بحجة صفته الآمرة الحتمية التطبيق.

 دراسة د. جابر كاملة

يقصد بالمعاهدة بحسب ما عرفتها  المادة الثانية فقرة (أ) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، والتي ابرمت بتاريخ 23/5/1969 ودخلت حيز النفاذ في 27/1/1980، الآتي:"يقصد بـ "المعاهدة" الاتفاق الدولي، المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة او وثيقتان متصلتان او اكثر ومهما كانت تسميته الخاصة..." . وترتيباً على ذلك فان هذا الاتفاق يسعى الى احداث اثر قانوني معين في موضوع يعتبر دولياً)[1](. وبالتالي فان المعاهدات الدولية اصبحت من بين الوسائل التي يعتمد عليها القانون الدولي الخاص ان لم يكن من افضل الوسائل- في عصر التجارة الدولية- المتاحة لتوحيد الحلول خاصة في مجال تنازع الاختصاص القضائي والتنازع القوانين.

فالمعاهدات الدولية تلعب دوراً بارزاً في العلاقات الدولية  من حيث تنظيمها لهذه العلاقات، سواء كانت تهدف الى توحيد قواعد الاسناد الخاصة بمسألة محددة، او كانت تتضمن قواعد  موضوعية تنطبق مباشرة على الموضوع الذي تتناوله دون المرور باي قاعدة للاسناد ، وفي هذه الحالة تكون المعاهدات قد قامت بتوفير الوقت والجهد في البحث عن القواعد القانونية الواجبة التطبيق على المسألة المعروضة بالاضافة الى ان الاطراف المعنية تكون على علم مسبق بهذه النصوص القانونية التي تحكم عقودهم ونزاعاتهم.

وفي ظل ممارسة الدولة اللبنانية حقها في ابرام المعاهدات الدولية تظهر الى الواجهة مسألة القيمة القانونية لتلك المعاهدات في النظام القانوني الداخلي، من ناحية كيفية اعمال المحاكم الوطنية لنصوصها، فهل تطبقها كما القوانين الداخلية؟ وخاصة اذا ما تعارضت مع احكام قوانين يمكن ان تكون سابقة ام لاحقة على ابرامها؟ فما مدى تطبيق القاضي الوطني لمبدأ تسلسل القواعد القانونية؟ وما هي مرتبتها في هذه الهرمية؟ فاذا كان يوجد نص قانوني يحدد هذه الاولوية في التطبيق بين المعاهدة والقانون الداخلي العادي، فالسؤال الذي يطرح، ما مدى اولوية المعاهدة في حال تعارضها  مع النصوص الدستورية؟ وكيف يمكن اجراء الرقابة على هذا التعارض هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية في حال تعارضها مع قواعد قانونية تعتبر حتمية التطبيق ومرتبطة بالنظام العام الموصوف، فأي من هذه القواعد يمكن تطبيقها؟

 

 

المطلب الاول: المعاهدة والقانون الداخلي العادي

تتصل المعاهدات التي تعقد بين الدول بمجالات عديدة ومختلفة، بحيث اصبح من الضروري تركيز الاهتمام في تحديد طبيعة العلاقة بين هذه المعاهدات والقوانين الداخلية، على اعتبار ان المعاهدات تصبح بعد اتمام اجراءاتها الشكلية مصدراً من مصادر القانون الدولي الخاص وجزءاً من القانون الداخلي للدولة المتعاقدة. فمن ناحية أولى، تكون هذه العلاقة بين المعاهدة والقانون الداخلي علاقة تكاملية، الا انها من ناحية اخرى يمكن ان تكون تنافرية. فما هي طبيعة هذه العلاقة في النظام القانوني اللبناني، وهل هناك من فارق في اولوية التطبيق اذا ما  كان القانون الداخلي سابق ام لاحق عليها؟

الفرع الاول: المعاهدات التي أبرمتها الدولة اللبنانية (دراسة وصفية)

يقصد بالمعاهدات كمصدر من مصادر القانون الدولي الخاص تلك التي يكون موضوعها تنظيم العلاقات الخاصة أو المتصلة بالمصالح بين أشخاص القانون الخاص التي يكون أحد أطرافها شخص من اشخاص القانون العام ولكن تصرف بمعزل عن فكرة السلطة أو استعمل بنوداً خارقة في عقوده كما يتصرف الافراد، وليس تلك التي تنظم المصالح العامة بين الدول، كمعاهدات الحدود والتسلح والدفاع المشترك...

والمعاهدة كمصدر في مفهوم القانون الدولي الخاص تؤمن الانسجام بين الانظمة القانونية المختلفة لمعالجة نقاط الخلاف التي تشوب تلك الانظمة.

من حيث موضوعها ، فانها تضع باعتبارها هدفين اساسيين:

الاول، توحيد قواعد النزاع، مثلاً معاهدة لاهاي بشأن توحيد بعض قواعد النزاع في مادة الاجراءات، الزواج، الطلاق، الوصاية، الارث، والوصية...(لتضييق مساحة الاختلاف في قواعد التنازع)([2]).

الثاني: تهدف الى توحيد القواعد الموضوعية، مثل اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع لعام 1980 ، والمعاهدة التي وحدت القانون المطبق على الملكية الصناعية في مؤتمر باريس، الملكية الادبية والصناعية (اعطاء الحل مباشرة دون المرور بقواعد الاسناد وفقاً لاحدى تقنيات وطرق حل النزاعات الدولية الخاصة).

اولاً: معاهدات تناولت الاختصاص القضائي

تعتبر المصادر الدولية لقانون الاختصاص القضائي الدولي اللبناني الناتجة عن المعاهدات الدولية التي ابرمها لبنان قليلة نسبياً ، وهي لا ترتبط مباشرة بالاختصاص المنعقد للمحاكم اللبنانية([3]) .من هنا يمكن القول بان هذه المعاهدات لم تعط الحل بشكل حازم للمحاكم اللبنانية مما جعلها تبحث عن هذا الاختصاص في قانونها الداخلي (المادة 74 وما يليها من قانون اصول محاكمات مدنية).

  1. المعاهدات الثنائية الاطراف
  • المعاهدات المبرمة مع الدول العربية:
  • معاهدة التعاون القضائي بين لبنان وسوريا تاريخ 25/2/ 1951 وقد تناولت التعاون القضائي وتسليم المجرمين وتنفيذ الاحكام القضائية، والاعتراف بالقرارات التحكيمية ، والتبليغات والانابة القضائية. وتم تحديثها بتاريخ 26/9/1996([4])، وقد تناول الملحق احكام تبادل المعلومات وتشجيع الزيارات وضمان حق التقاضي والمعونة القضائية، بحيث يكون  لكل من رعايا الدولتين داخل حدود الدولة الاخرى حق اللجوء الى المحاكم بإقامة الدعاوى وتقديم الشكاوى الى كافة الدوائر المختصة والدفاع عن حقوقهم بذات الشروط المقررة لرعايا هذه الدولة (المادة 4 من الملحق) ، كما يحق لهم ايضاً التمتع بالمعونة القضائية بذات الشروط المقررة لمواطني الدولة الاخرى (المادة 5 من الملحق). كما تناول الملحق الاعتراف بالاتفاقات التحكيمية في المواد المدنية والتجارية في الحدود التي لا تتعارض مع النظام العام للدولة التي يجري فيها التحكيم([5]).
  • معاهدة مع المملكة الاردنية الهاشمية بشأن التعاون القضائي وآثار الاحكام بتاريخ 23/11/ 1954، وقد تناولت تسليم المجرمين بين الدولتين واجراءاته، وتنفيذ الاحكام المدنية، والتبليغات والانابات القضائية.
  • معاهدة مع دولة الكويت بشأن تنفيذ القرارات التحكيمية، تاريخ 25/تموز/1963  وتم التصديق عليها بموجب القانون الصادر بتاريخ 13 / 3 /1964([6]) ، عالجت الصيغة التنفيذية لهذه القرارات([7]).
  • معاهدة مع تونس بشأن التعاون القضائي والآثار المنعكسة على القرارات القضائية والتحكيمية، المبرمة بتاريخ 28/3/1964 وصدقت بموجب القانون رقم 38 تاريخ 30/12/1968([8]). وقد تناولت تبليغ الوثائق القضائية وغير القضائية، والانابات العدلية وتنفيذها، وتنفيذ الاحكام المدنية والتجارية والاعتراف بها، كما وتناولت تسليم المجرمين بين الدولتين.
  • معاهدة الرياض العربية للتعاون القضائي المبرمة بتاريخ 6/4/1983، وقد تناولت اعلان الوثائق والاوراق القضائية وغير القضائية وتبليغها (م 6 – 13 )، الانابة القضائية (م 14 -21)، الاعتراف الصادرة في القضايا المدنية والتجارية والادارية وقضايا الاحوال الشخصية وتنفيذها ( م 25 – 37)، وتسليم المتهمين والمحكوم عليهم (م 38 – 57)([9]) وعلى الرغم من اهمية المواد التي عالجتها هذه الاتفاقية الا ان لبنان لم ينضم اليها.

 

  • المعاهدات المبرمة مع الدول الاوروبية:
  • المعاهدة المبرمة مع ايطاليا الموقعة في بيروت تاريخ 10/7/ 1970  وتم التصديق عليها بموجب القانون رقم 3257 الصادر بتاريخ 17/5/1972 ([10])، وهي تتناول مسألة ضمان حرية التقاضي والمساعدة القضائية في المواد المدنية، التجارية والجزائية، وتسليم المجرمين، وتنفيذ الاحكام والقرارات التحكيمية والاعتراف بها ولا سيما القرارات المدنية والتجارية ما عدا قضايا الافلاس والصلح الواقي الصادرة في احدى الدولتين.
  • المعاهدة المبرمة مع اليونان عام 1975 ([11]) .وهي شبيهة تماماً بالمعاهدة مع ايطاليا.
  • المعاهدة المبرمة مع تشيكوسلوفاكيا عام 1957 تتناول صحة البنود التحكيمية بشأن التمثيل التجاري(والتي سنتناولها لاحقاً اكثر تفصيلاً).

 

  1. المعاهدات المتعددة الاطراف
  • المعاهدات المبرمة ضمن جامعة الدول العربية
  • المعاهدة المتعلقة بالاعتراف بالاحكام والقرارات وتنفيذها في المواد المدنية، التجارية  والادارية والاحوال الشخصية، المبرمة في 18/2/1953، وقد صدق عليها لبنان عام 1996 ([12]) .وقد نصت على ان القرارات التحكيمية الصادرة في احدى الدول الموقعة على المعاهدة، والتي اصبحت نهائية ونافذة فيها، تكون قابلة للتنفيذ في الدول الاخرى، ولا يمكن للسلطة القضائية المقدم اليها طلب التنفيذ اعادة النظر بموضوع النزاع الصادر فيه القرار التحكيمي، بينما يجوز لها رفض التنفيذ في حالات نصت عليها المادة الثالثة منها.
  • معاهدة عمان العربية العربية للتحكيم التجاري تاريخ 14/4/1987 ، انضم اليها لبنان بتاريخ 1992  بموجب القانون رقم 166 تاريخ 13/8/1992 ولكنها بقيت حبراً على ورق.

 

  • المعاهدات الدولية:
  • معاهدة لاهاي المبرمة بتاريخ 1/3/1954 المتعلقة بالاعلان الدولي في اصول المحاكمات المدنية انضم اليها لبنان بتاريخ 1954 ([13]) ، وصدقت بموجب المرسوم رقم 11345. وقد نصت المعاهدة على طرق ووسائل ابلاغ الوثائق القضائية وغير القضائية([14]) الى الاشخاص الموجودين في الخارج وطرق الاستنابات القضائية وتسوية الصعوبات الناتجة عن ذلك بالوسائل الدبلوماسية، كما تنص على اعفاء رعايا الدول المتعاقدة من كفالة التقاضي التي يمكن ان تفرض على المستدعين والمتدخلين بغية ضمان المصاريف القضائية، وعدم جواز الحبس الاكراهي في القضايا المدنية والتجارية الا في الحالات التي يطبق فيها على رعايا البلد.
  • معاهدة نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بالقرارات التحكيمية الدولية وتنفيذها، ودخلت حيز التنفيذ على الاراضي اللبنانية بتاريخ 23/4/1997 بموجب القانون رقم 629 ([15]).وقد نصت في المادة الثالثة على ان "تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم، وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد اصول المحاكمات المتبعة في الاقليم المطلوب اليه التنفيذ، وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد التالية...". وبهذا تكون الاتفاقية قد احالت تنفيذ حكم التحكيم الاجنبي الى قواعد اصول المحاكمات المدنية  في بلد التنفيذ.

كما اوجبت على المحاكم المحلية الاعتراف بحكم التحكيم الاجنبي وتنفيذه ، الا في حالات تتضمنها الاتفاقية منها مثلاً: عدم اهلية الاطراف، عدم صحة اتفاق التحكيم، تجاوز نطاق التحكيم، عدم مراعاة الاصول القانونية او ما يخالف النظام العام في الدولة المطلوب التنفيذ فيها...(المادة 5).

إن هدف المعاهدة من جهة أولى، هو تنشيط التحكيم التجاري الدولي، وليس تعقيده أو تعطيله، وهو ما يبرز من ناحيتين:

الناحية الأولى: سهولة المعيار المعتمد في تطبيق المعاهدة في شأن الاعتراف بتنفيذ قرارات المحكمين الأجنبية وهو أن تكون هذه القرارت صادرة في إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه القرارت على إقليمها. فالمعاهدة اعتدت بضابط مكان صدور القرار للتفرقة بين قرار التحكيم الأجنبي وقرار التحكيم الوطني.

الناحية الثانية: سهولة إعمالها، فهي لم تشترط أن يكون القرار التحكيمي المعتبر أجنبياً والمطلوب تنفيذه صادراً عن دولة منضمة إلى اتفاقية نيويورك إلا إذا اشترطت الدولة لدى التصديق على الاتفاقية أو الانضمام إليها بأنها لا تطبق هذه الاتفاقية إلا إذا كان قرار التحكيم المراد تنفيذه على إقليمها صادراً عن دولة متعاقدة (المادة الأولى فقرة 3 من الاتفاقية). كما أن الاتفاقية لم تشترط من حيث المبدأ ان يكون موضوع النزاع تجارياً إلا إذا ورد تحفظ بهذا الشأن عن إحدى الدول بأنها تريد حصر تطبيق الاتفاقية على المنازعات التي تعتبر بأنها ذات طابع تجاري بنظر القانون المحلي للدولة التي تصدر مثل هذا التصريح. (المادة الأولى فقرة 3 من الاتفاقية). ولا يهم حسب الاتفاقية أن يكون التحكيم خاصاً حراً أو مؤسساتياً عادياً وفقاً للقانون أم مطلقاً بأن يكون المحكم مفوضاً بالصلح، أو أن يكون المحتكم شخصاً طبيعياً أو معنوياً اعتبارياً من أشخاص القانون الخاص أو من أشخاص القانون العام، مع الاحتفاظ بأعمال الفقرة (2- أ) من المادة الخامسة من الاتفاقية.

هدف المعاهدة من جهة ثانية، هو تيسير الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية. وهو ما يبرز ايضاً من ناحيتين:

الناحية الأولى: إن التوقيع على المعاهدة أو الانضمام إليها لا ينال من صحة الاتفاقيات المتعددة الأطراف أو الثنائية المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم التي أبرمتها أو تبرمها تلك الأطراف.

          كذلك لا تحرم هذه المعاهدة أي فريق من حقه بالاستناد إلى قرار تحكيمي بالشكل وبالقدر الذي يسمح به تشريع أو معاهدات البلد الذي يتم فيه التذرع بالقرار (المادة السابعة فقرة (1) من اتفاقية نيويورك). والمهم في هذه المعاهدة أنها ألغت ما كانت تتطلبه اتفاقية جنيف لسنة 1927 بتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية. فمجرد التقيد بمعاهدة نيويورك لم يعد من مكان لما يسمى بالتنفيذ المكرر. إذ أن المعاهدة لم تشترط لإعمالها أن يكون القرار التحكيمي الأجنبي المطلوب تنفيذه حائزاً على الصيغة التنفيذية من السطات القضائية في دولة المصدر، إذ أصبح يكفي على ضوء معاهدة نيويورك أن يصدر القرار التحكيمي في بلد مقر التحكيم ثم يؤتى به إلى بلد التنفيذ للطلب مباشرة من مراجعه المختصة بإعطاء ذلك القرار مباشرة الصيغة التنفيذية. (المادة السابعة فقرة (2) من اتفاقية نيويورك).

الناحية الثانية: إن القاعدة التي وضعتها معاهدة نيويورك في الاعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية الأجنبية هي مبدأ الاعتراف وإعطاء تلك القرارات الصيغة التنفيذية والاستثناء هو جواز الرفض شريطة أن يثبت الطرف الذي يعارض الاعتراف والتنفيذ أمام المرجع الناظر في ذلك، إحدى الحالات التي نصت عليها الفقرة (1) من المادة الخامسة من المعاهدة. كما أن المسألة أيضاً في رفض الاعتراف والتنفيذ هي مسألة إثبات، لأن الرفض هو عكس المبدأ الذي هو الاعتراف والتنفيذ، فقد ألقت المعاهدة لهذه الجهة عبء الإثبات على الطرف الذي يدلي بعكس ذلك المبدأ وهو المدعى عليه. فبدلاً من أن تلزم المعاهدة طالب التنفيذ بأن يقيم الدليل على توافر الشروط التي نصت عليها المادة الخامسة للاعتراف وتنفيذ القرار التحكيمي الأجنبي جعلت المعاهدة المبدأ هو القابلية للاعتراف والتنفيذ بناءً لقرينة هي أن كافة الشروط المطلوبة للتنفيذ هي متوافرة، وعلى الفريق الذي يعارض في ذلك –المنفذ عليه- أن يقيم الدليل على توافر إحدى حالات رفض تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي المنصوص عليها حصراً في المادة الخامسة المذكورة.

          إعمالاً لما تقدم، لم تتردد المحاكم بالاعتراف وتنفيذ قرار تحكيمي أبطلته محكمة مقر صدور ذلك الحكم، وهي عديدة([16]).هو ما يستتبع عدم التمييز بين القرارات التحكيمية الاجنبية والمحلية والزام الدول الاطراف بضمان الاعتراف بتلك القرارات واعتبارها قابلة للتنفيذ على اراضيها على غرار قرارات التحكيم المحلية.

 

  • اتفاقات استرشادية:

 وهي ما تعرف بالقوانين العربية الاسترشادية:

في ظل الاهتمام الدولي ونمو العلاقات الاقتصادية التي يكون الطرف الغالب فيها هو العنصر الاجنبي، تنشأ اشكالات قانونية معقدة تنتج عنها تنازع بين قوانين الدول المتداخلة في المعاملة ذات الطابع الدولي .

هذه السمة الدولية دعت دولنا العربية الى التفكير في ايجاد قواعد قانونية تواجه هذه الصفة للعلاقات المذكورة، والتي اقترنت بمحاولات لوضع قواعد قانونية موحدة للدول العربية .

ومن الجدير بالذكر هنا ان جامعة الدول العربية، ومن خلال مجلس وزراء العرب، قد اهتمت بموضوع القوانين النموذجية او الاسترشادية وكانت رؤيتها في ذلك،  ان من اهم مجالات التعاون العربي المشترك هي توحيد التشريعات العربية والتوفيق بين الانظمة القانونية المختلفة. وبعد صعوبات موضوعية واجرائية ومنهجية خاصة بعملية التوحيد،  بدأت بالفعل الجامعة العربية باصدار عدد من التشريعات الاسترشادية والتي عهدت بها الى لجان شكلتها بمهمة صياغة هذه التشريعات. وقد صدر بالفعل حتى الآن 12 تشريعاً استرشادياً مثل القانون العربي للتعاون القضائي في المسائل الجنائية والذي اعتمده مجلس وزراء العرب بالقرار رقم 653 / د 22 تاريخ 29/11/2006، والقانون المدني الموحد اعتمد بالقرار رقم 228 / د 12 تاريخ 19/11/1996، والقانون العربي للتوفيق والمصالحة اعتمد بالقرار رقم 29 / د 6 تاريخ 3/7/2009، والقانون العربي للمعاملات والتجارة الالكترونية اعتمد بالقرار رقم 812 / د 25  تاريخ 19/11/2009 وغيرها...الا انها بقيت في  الادراج ولم تترجم الى التطبيق.

ثانيا: معاهدات تناولت الاختصاصين القضائي والقانوني  

من هذه المعاهدات:

  • اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدولة والاشخاص الخاصة الاجنبية لعام 1965 صدق عليها لبنان بموجب القانون رقم 403 في 5/6/2002 ([17]) ودخلت حيز التنفيذ في 25/4/2003 .

يمكن القول ان هذه الاتفاقية قد وضعت قواعد خاصة بالقانون الواجب التطبيق وذلك في المادة 24 منها . كما قامت بفصل مسألة هامة وهي لجوء الدولة الى التحكيم لحل نزاعاتها في المسائل المتعلقة بالاستثمار الاجنبي الخاص ، والذي يعتبر مرتبطاً ارتباطاً جوهرياً بمصالح التجارة الدولية. وبهذا تكون القواعد المنظمة لحل النزاعات الناشئة بين الدول والمستثمر الاجنبي ، ضمن اطار هذه الاتفاقية هي القواعد الاجرائية لتسوية النزاعات حيث انها لا تحتوي على قواعد تعطي الحل مباشرة كما فعلت غيرها من الاتفاقيات الدولية، بل انها وضعت وسيلة اجرائية للوصول الى حل النزاعات التحكيمية. اما في اطار القانون الواجب التطبيق فانه يكون من نصيب القانون الذي تم اختياره من قبل الاطراف، وفي الحالة التي يغيب فيها هذا الاختيار فانه يكون للهيئة التحكيمية ان تقوم بتطبيق قانون الدولة المضيفة والطرف في المنازعة بما فيها من قواعد اسناد خاصة بها بالاضافة الى قواعد القانون الدولي.(المادة 42).

  • اتفاقية طوكيو لعام 1963 المتعلقة بالجرائم والافعال التي ترتكب على متن الطائرات، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1969 وصدق عليها لبنان بتاريخ 1973.

وقد تبنت الاتفاقية معيار علم الطائرة كقاعدة عامة لتحديد المحكمة المختصة وتعيين القانون الواجب التطبيق على الوقائع التي تحدث على متنها، وذلك بنصها في المادة الثالثة الفقرة الاولى منها يأتي:"تختص دولة تسجيل الطائرة بمباشرة اختصاصها القضائي فيما يتعلق بالجرائم والافعال التي ترتكب على متن الطائرة، وذلك بعد ان احالت في المادة الاولى الى القانون الداخلي للدولة المنعقد لها الاختصاص القضائي. وبما ان تسجيل الطائرة هو معيار تحديد جنسية الطائرة فان القانون الواجب التطبيق هو قانون جنسية او علم الطائرة".

كما اعطت الافضلية لقانون دولة السطح اي قانون الدولة التي توجد الطائرة على اقليمها وذلك في حالات خمس هي على سبيل الحصر وذلك في المادة الرابعة منها :"

  1.  اذا امتد اثر الجريمة الى اقليم الدولة.
  2. اذا كان مرتكب الجريمة او المجني عليه من رعايا هذه الدول او من المقيمين فيها.
  3. اذا كان من شأن الجريمة المساس بأمن الدولة.
  4. اذا كانت الواقعة تمثل مخالفة للقواعد التي تحكم الملاحة الجوية في هذه الدولة.
  5. اذا كان فرض الاختصاص ضرورياً لتمكين دولة السطح من الوفاء بالتزاماتها الدولية".

يتبين مما تقدم، ان هذه الاتفاقيات قد نظمت الاختصاص القضائي كما تناولت تنظيم القواعد الموضوعية المتعلقة بالموضوع التي تحاول توحيد القواعد الخاصة بها.

ثالثاً:معاهدات تناولت القواعد الموضوعية

من هذه المعاهدات:

  • اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع 1980  انضم اليها لبنان بتاريخ 2006. وهي تتناول تكوين عقد البيع وموجبات والتزامات كل من البائع والمشتري. والهدف من هذه الاتفاقية هو توفير نظام قانوني موحد يواكب التطور الذي يرافق التجارة الدولية ، وهو من ناحية ثانية محاولة لتثبيت نظام قانوني عادل ينظم عقود البيع الدولية الخاصة بالبضائع، الامر الذي يؤمن للمتعاملين في هذا القطاع جو من اليقين بالقواعد القانونية التي ستحكم عقودهم والنزاعات الناشئة عنها.

وتكمن اهمية هذه الاتفاقية بانها تحقق توازناً بين مصالح البائع والمشتري ، ومن ناحية نطاق تطبيقها فقد اعتمدت المعيار الجغرافي بحيث ان قواعدها تعتبر واجبة التطبيق في حال ابرم العقد بين طرفين يقع مقر اقامتهما في دولتين متعاقدتين ، وفي هذه الحالة، فان احكام الاتفاقية تنطبق مباشرة دون اللجوء الى قاعدة الاسناد في القانون الدولي الخاص لتحديد القانون الواجب التطبيق. اما في الحالة التي لا يكون مقر اقامة الطرفين في دولتين متعاقدتين فان قواعد الاتفاقية تنطبق اذا اشارت قاعدة الاسناد الى ان القانون الواجب الاعمال هو قانون دولة متعاقدة(المادة 7 من الاتفاقية).

 الا انه تجدر الاشارة الى ان الاتفاقية وضعت هرمية تحدد فيها اولوية القواعد القانونية الواجبة التطبيق على عقد البيع الدولي التي تنظم احكامه، بحيث انها نصت في المادة السابعة منها انه اذا وجد نقص في المسائل التي تتناولها هذه الاتفاقية ولم يتم حسمها، يتوجب تنظيمها وفقاً للمبادئ العامة التي تقوم عليها الاتفاقية نفسها، وفي حال عم وجود هذه المبادئ عندها يتم اللجوء الى قواعد القانون الدولي الخاص .

  • اتفاقية هامبورغ ( اتفاقية الامم المتحدة للنقل البحري للبضائع) تاريخ 31/3 1978 ودخلت حيز التنفيذ في 1992 ، والتي حلت محل اتفاقية بروكسل 1924 المتعلقة بتوحيد بعض وثائق الشحن والتي انضم اليها لبنان بتاريخ 19/7/1975 وانسحب منها بتاريخ 1/11/1997 ([18]).
  • اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لعام 1883 انضم اليها لبنان بتاريخ 30 /9/1924، وتطبق هذه الاتفاقية على الملكية الصناعية بمختلف مجالاتها، بما في ذلك البراءات والعلامات والرسوم والنماذج الصناعية وعلامات الخدمة والاسماء التجارية وقمع المنافسة غير المشروعة...وقد عدلت اكثر من مرة وكان آخرها سنة 1979.
  • اتفاقية وارسو (فرصوفيا) لعام 1929 للنقل الجوي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 1933 المتعلقة بالنقل الجوي للاشخاص والامتعة او البضائع على متن الطائرة، صدق عليها لبنان بموجب القانون رقم 47 تاريخ 23/12/1964([19]) ، واهم ما تضمنته الاتفاقية الخاصة بمستندات النقل ومسؤولية الناقل الجوي والنقل المركب، وهي خاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالنقل الجوي الدولي التي تم توقيعها بمدينة وارسو، وبصورة عامة تتناول القواعد الموضوعية للنقل الجوي الدولي. وقد تم وضع اتفاقية جديدة بذات الموضوع تاريخ 28/5/1999، والتي حلت محل اتفاقية وارسو لعام 1929 وتعديلاتها اللاحقة، وقد صدق عليها لبنان بموجب القانون رقم 595 تاريخ 2/12/2004 ([20]).
  • اتفاقية شيكاغو الدولية للطيران الموقعة بتاريخ  7/1/1944 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 4/4/1947، صدق عليها لبنان بموجب القانون الصادر في 2/4/1947.

وقد منحت المادة 17 من الاتفاقية الطائرات جنسية الدولة التي سجلت في سجلاتها. كما احالت المادة 19 منها أمر تسجيل الطائرات ونقل تسجيلها الى القوانين الداخلية، وقد جاء نص المادة كالآتي:"يتم تسجيل الطائرة او نقل تسجيلها في كل دولة متعاقدة طبقاً لقوانينها ولوائحها".

ان الهدف من هذه الاتفاقية هو تنظيم مبادئ متعلقة بالملاحة الجوية، وقد تبنى القانون اللبناني ضابط جنسية الدولة التي يتم فيها تسجيلها التي وضعته اتفاقية شيكاغو وذلك في المادة 9 من قانون الطيران لسنة 1949. ومن مفاعيل اكتساب الطائرة للجنسية انه يؤدي الى تطبيق قانون جنسية الطائرة على الوقائع التي تحدث عليها اثناء تحليقها([21]).

وهذه الاتفاقيات انما الهدف منها هو توحيد القواعد الموضوعية الخاصة بكل فئة منها سواء في النقل الجوي او البحري او عقود البيع وما الى ذلك من مواضيع خاصة بالتجارة الدولية، لاضفاء المرونة وارساء الاستقرار والمساهمة في ازدهار هذا النوع من التجارة كان لا بد من تنظيم هذه المعاهدات لاختصار التنازع في هذه المسائل الاساسية.

الفرع الثاني:التعارض بين المعاهدة والقانون الداخلي العادي

ان معظم المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعقدها السلطة التنفيذية، لا تندمج في النظام القانوني الداخلي الا من خلال اجازة من السلطة التشريعية لهذه المعاهدات بقانون باستثناء فئة معينة ابقاها الدستور بموجب نص المادة 52 فقرتها الاولى خارج اطار موافقة المجلس النيابي عليها، حيث يكفي بهذه المعاهدات اعلامه بها. وقد جاء نص المادة المذكورة على الشكل التالي:"يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة . وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. اما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب".

واستناداً لذلك فاذا ما استكملت المعاهدة الدولية جميع مراحل تكوينها، واذا ما توافرت فيها الشروط المتوجبة لاعتبارها مصدراً من مصادر القانون الداخلي، فانه يقتضي بالتالي معاملتها بنفس معاملة قواعد هذا القانون وبالتالي المعاهدات التي تنشر وفقاً للاصول تكتسب قوة القانون([22]) ، وتلتزم المحاكم بإعمال احكامها وفق ما هو مقرر في القوانين التابعة للدولة المعنية.

الا انه وبمعرض تطبيق القاضي الوطني لاحكام معاهدة دولية مبرمة من قبل دولته، قد تواجهه بعض المشاكل وخاصة اذا ما كانت بعض احكامها تتعارض مع النصوص الداخلية. ومن اهم هذه المشاكل، مسألة التعارض بينها وبين القوانين الوطنية، وهذا التعارض يمكن ان نجده مع قانون سابق لابرامها او لاحق عليها.

اولاً: التعارض بين المعاهدة وقانون داخلي سابق

 في المبدأ، عند تعارض قواعد قانونية سابقة مع قواعد قانونية لاحقة واستناداً للمبادئ  العامة للالغاء، فان النص الجديد يلغي القديم، ولكن هذا المبدأ يطبق ضمن اطار القوانين الداخلية. اما في حال التعارض بين نص معاهدة دولية ونص قانوني داخلي سابق فلا مجال لاعماله. لانه في الحالة الاولى صدور النص الجديد يؤدي الى الغاء النص القديم. اما في الحالة الثانية، اي حالة التعارض بين معاهدة وقانون داخلي سابق فان نصوص المعاهدة لا تؤدي الى الغاء النص الداخلي السابق بل توقف اعماله ضمن نطاق تطبيق المعاهدة، ويبقى سارياً في مواجهة الاطراف والدول التي لا تنتمي الى هذه المعاهدة، اذ ان تطبيق المعاهدات الدولية هو امر نسبي، ولا يسري الا بمواجهة الاطراف التي عقدت المعاهدة. وهو ايضاً مؤقت، بمعنى اذا ما الغيت الاتفاقية او اذا كان محددة المدة وتنتهي حكماً في تاريخ معين، او بانسحاب احدى الدول الاطراف منها، فان هذا الامر يؤدي الى إلغاء القانون السابق في المجال الذي كان يحكم به وتوقف إعماله بموجب نصوص المعاهدة([23]).

 

ثانياً: التعارض بين المعاهدة وقانون داخلي لاحق

تطرح مسألة العلاقة بين المعاهدة الدولية والتشريع اللاحق عليها، عندما تظهر للمحكمة وفي معرض النظر في نزاع معين علاقة تنازعية ما بين المصدرين القانونيين، المعاهدة الدولية من جهة والمتعارضة في نصوصها مع قانون داخلي لاحق من جهة ثانية.

فتفضيل احدهما على الآخر يتوقف على القوة التي يتمتع بها والتي تمنحها القوانين الداخلية لهذه النصوص، بمعنى أيهما يعلو على الآخر؟. هو ما فصلّته المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية منعاً لأي تشابك في الاجتهاد. جاء فيها:"على المحاكم ان تتقيد بمبدأ تسلسل القواعد.

عند تعارض احكام المعاهدات الدولية مع احكام القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية. لا يجوز للمحاكم ان تعلن بطلان اعمال السلطة الاشتراعية لعدم انطباق القوانين العادية على الدستور او المعاهدات الدولية".

يتضح من النص المتقدم ان المشترع اللبناني كرّس في قانون اصول المحاكمات المدنية مبدأ مفاده وبشكل واضح وصريح، "سمو المعاهدة الدولية على القانون العادي"، دون ان يحق للمحاكم ابطال القانون المخالف للمعاهدة.

وتجدر الاشارة الى ان لبنان مرّ بمرحلتين في مسألة إعمال مبدأ سمو المعاهدة على القانون العادي. ففي المرحلة الاولى، أعمل هذا المبدأ من قبل المحاكم وفقاً للمبادئ العامة ودون تكريسها بنص قانوني وفي حينها اعتبرت محكمة التمييز غرفتها الاولى تاريخ 9/12/1973 ([24]) ما يلي :" اذا تعارضت احكام معاهدة ما مع احكام قانون داخلي فان احكام المعاهدة وحدها تكون الواجبة التطبيق سواء أكان القانون الداخلي قد صدر قبل ابرام المعاهدة او بعد ابرامها".

 فقانون اصول المحاكمات المدنية القديم الصادر عام 1933 لم يكن ينص على هذا المبدأ حتى صدر القانون الجديد 90/ 1983 ، فأوجبت المادة 2 أ.م.م. المذكورة  على  المحاكم اعتبار ان القاعدة القانونية المستمدة من المعاهدة الدولية تتقدم بالتطبيق على القاعدة القانونية المستمدة من القانون العادي([25]) واستمر القضاء في تطبيق هذا المبدأ في ظل القانون الجديد([26]) (وبهذا يكون مبدأ سمو المعاهدة على القانون مكرساً نصاً واجتهادا).

وفي هذا الاطاريحاول القضاء اللبناني، التوفيق عند التعارض بين المعاهدة والقانون الداخلي  في تفسير المعاهدة ومسألة التعارض بينها وبين القانون الداخلي. وهذا ما رأيناه في قضيتن طرحتا على المحاكم في هذا الاطار، فمن ناحية فسخت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت غرفتها الثالثة في حكمها بتاريخ 14/7/1998 ([27]) الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الاولى المدنية في بيروت، الغرفة الخامسة بتاريخ 18/1/1996 ([28]) ، التي اعتبرت انه يتوجب تطبيق المادة 29 من اتفاقية فرصوفيا وفقاً لمبدأ تسلسل القواعد سنداً للمادة 2 أ.م.م. واستبعاد اعمال قانون تعليق المهل رقم 50/91 بحيث لا يمكن لقانون داخلي تعديل احكام معاهدة دولية والتي لا تعدل الا بمعاهدة دولية مثلها. والمحكمة الاستئنافية استندت في فسخها للحكم المذكور بانه لا يوجد تعارض بين المعاهدة وقانون تعليق المهل، ولا سيما ان الاتفاقية نفسها احالت في احكامها (المادة 28 و 29) الى قانون الدولة التي تجري فيها المحاكمة ، وفي المادة 21 فيما يتعلق باساس النزاع الى قوانين الدولة الوطنية. وهذا ان دل على شيء فانه يدل على نية الدول الموقعة على هذه المعاهدة انها اتجهت بوضوح الى عدم استبعاد القوانين الداخلية كلما كان ذلك ممكناً.

وفي ذات السياق اعتبرت محكمة الدرجة الاولى المدنية في بيروت غرفتها الثالثة بتاريخ 24/10/1996 ([29]) " انه لكي يكون هناك تفضيل لمعاهدة على قانون لا بد من وجود تنازع بين المعاهدة والقانون. وحيث انه لوجود تنازع او تعارض يجب وجود اختلاف بين قانون ومعاهدة حول الموضوع الواحد، بينما في القضية الحاضرة لا يوجد خلاف اذ ان التطبيق قد بقي للمعاهدة بالمهل التي نصت عليها، ولكن المشترع يأتي لاسباب ظرفية فيوجب تعليق كافة المهل، فالتطبيق هو للمعاهدة مع تعليق المهل القانونية التي نصت عليها.

"وحيث ان المادة المذكورة (المادة الثانية من قانون 50/91 المتعلق بتعليق المهل) لم تفرق بين مهل القانون الداخلي او القانون الاجنبي فهي تناولت كافة المهل، والمطلق يفسر على اطلاقه، كما لم تميز في تعليقها للمهل بين علاقات داخلية او خارجية او منصوص عنها في القانون الداخلي او في معاهدة دولية."

ومن خلال هذين الحكمين يتبين ان المحاكم اللبنانية اثبتت مدى التلازم بين تفسير المعاهدات وبين مسألة تطبيقها ومدى توافقها او تعارضها مع القانون الداخلي، بحيث ان تفسير المعاهدة الدولية هي مسألة اولية . وتجدر الاشارة ان موقف القضاء اللبناني (العدلي والاداري)([30]) من مسألة تفسير المعاهدات هو قبول هذا التفسير بالاستناد الى معيار المصالح، فاذا كان النزاع يتعلق بمصالح خاصة، يعود للمحاكم القضائية تفسير احكام المعاهدات الدولية المنطبقة على النزاع، وهذا ما قضت به محكمة التمييز غرفتها الثالثة بتاريخ 5/3/1974([31]) ، فقد جاء في حكمها ما يأتي:"... وبما ان من المسلم به انه اذا كان النزاع يتعلق بمصالح خاصة، فيعود للمحاكم القضائية ان تتولى بنفسها تفسير بنود المعاهدة الدولية المنطبقة على النزاع وآية ذلك ان الاتفاق الدولي- في كل ما يتعلق بمصالح خاصة- له طابع القوانين الداخلية التي يدخل في تفسيرها وتطبيقها في ولاية المحاكم القضائية وحدها باعتبارها القيمة على حماية المصالح الخاصة..."  . اما اذا كان النزاع يتعلق بمصالح عامة للدولة فيعود لوزارة الخارجية تفسيرها بموجب قرار وزاري وهو غير ملزم للمحاكم القضائية الا اذا نشر بمرسوم اي بالطريقة نفسها التي تنشر بها المعاهدات الدولية.

فمن خلال هذا التفسير توصلت المحكمة في الحكمين المذكورين الى ان بنود الاتفاقية الدولية لا تتعارض مع احكام القوانين الوطنية الداخلية بل الى امكانية تطبيق هذه الاخيرة كل ما كان ذلك ممكناً . وهذا الاتجاه التوفيقي بين المعاهدة والقانون الداخلي اللاحق يبرز من خلال التفسير الذي تقوم به المحكمة اثناء النظر بالنزاع  وفي اطار تحديدها لمسألة المفاضلة ما بين النظامين استناداً للمادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية ومبدأ سمو المعاهدة على القانون الداخلي.

كما نجد ان المحاكم اللبنانية([32]) قد طبقت مبدأ سمو المعاهدة على القانون الداخلي اللاحق عليها، بحيث اعتبرت ان احكام المعاهدة وحدها واجبة التطبيق سواء كان القانون الداخلي قد صدر قبل ابرام المعاهدة او بعد ابرامها، معللة حكمها هذا بان المعاهدة هي رابطة تعاقدية بين دولتين لا يجوز ان تتأثر بأي من تشريعات الدول المتعاقدة السابقة او بما تصدره من تشريعات لاحقة يمكن ان تعارض احكامها، وان هذه القوانين اللاحقة على المعاهدة لا يمكن ان تؤدي الى الغاء الاتفاق الدولي الذي ابرمته الدولة الا بنص صريح على ذلك الالغاء والذي بالطبع لا يمكن ان يكون بارادة منفردة بل باتفاق على الغاء ما تم الاتفاق عليه اي الارادة التي ابرمته هي المخولة بالغائه مجتمعة. وهو ما نصت عليه المادة 45 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والتي ابرمت بتاريخ 23/5/1969 ودخلت حيز النفاذ في 27/1/1980 على انه "يجوز ان يتم انقضاء المعاهدة او انسحاب الاطراف منها: (أ) وفقاً لنصوص المعاهدة، او

(ب) في أي وقت برضا جميع اطرافها بعد التشاور مع الدول المتعاقدة الاخرى".

بمعنى انه لا يجوز انهاء معاهدة دولية بارادة واحدة، لان ما تم انشاءه بارادتين او اكثر لا يمكن انهاءه الا باتفاق الارادات مجتمعة.

المطلب الثاني: المعاهدة والقانون الداخلي غير العادي

يتميز القانون غير العادي عن القانون الداخلي العادي بانه يمتلك القوة في مواجهة القواعد القانونية الاخرى المستمدة من القوانين العادية، ويرجح تطبيقها على تلك القواعد والقوانين. وهو غير عادي ان من حيث مصدره ودرجته (الدستور) او من حيث قوته (القانون الحتمي التطبيق). فما مدى ترجيحه على المعاهدات الدولية.

الفرع الاول: المعاهدة والقانون الداخلي غير العادي من حيث الدرجة

 الدستور عبارة عن مجموعة الانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدولة ما، ويبقى الوثيقة الاسمى والاطار العام الذي به يحدد نظام الدولة. وبما انه القانون الاعلى والذي يعلو على القوانين العادية داخل اي دولة ، واذا ما تعارضت القوانين مع الدستور واهدافه، فانه بالتالي بلا شك تكون له الغلبة. والسؤال الذي يطرح من له حق الرقابة على دستورية القوانين وتقرير افضلية القاعدة الدستورية على غيرها من القواعد؟

أولاً: الحق بالرقابة على دستورية المعاهدات

مرّ لبنان بمرحلتين من الرقابة على دستورية القوانين والمعاهدات الدولية، مرحلة ما قبل انشاء المجلس الدستوري(1) ومرحلة انشاء المجلس(2).

  1. الرقابة على دستورية المعاهدات قبل انشاء المجلس الدستوري

تتجلى هذه المرحلة من الرقابة على دستورية القوانين والمعاهدات بانقسامها بدورها الى مرحلتين ، مرحلة اللارقابة (أ) ومرحلة رقابة الامتناع(ب).

  • مرحلة اللارقابة على دستورية المعاهدات

نصت المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني الصادر في سنة 1933 على ما يأتي:

"لا يجوز للمحاكم النظر في صحة اعمال السلطة الاشتراعية، سواء أكان من جهة انطباق القوانين على الدستور او من جهة انطباق المعاهدات السياسية على قواعد القانون الدولي العام".

يتضح من النص المذكور انه في تلك المرحلة كان يمتنع على القضاء في ظل هذا القانون اجراء مراقبة على دستورية القوانين والمعاهدات الدولية، ولا يجوز للقضاء (العدلي او الاداري) التعرض لهذه الدستورية لا بالابطال ولا حتى بالامتناع بحجة مخالفة هذه النصوص لاحكام الدستور. وبالتالي تكون النصوص القانونية – المخالفة للدستور- ملزمة للسلطة التنفيذية وللادارة تحت طائلة بطلان الاعمال الصادرة عنها، كما انها ملزمة ايضاً للقضاء([33]).

  • مرحلة رقابة الامتناع

انطلاقاً من سمو الدستور على مطلق القوانين انطلقت نظرية الرقابة على دستورية القوانين التي توجب التفرقة بين الدستور والقوانين العادية([34]). من هنا يتبين ان الصلة وثيقة بين الرقابة على دستورية القوانين والقوانين العادية، وهذا التمييز يستمد وجوده من مبدأ تسلسل القواعد القانونية والتي نصت عليها المادة 2 من قانون اصول المحاكمات المدنية بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 90 تاريخ 16/9/1983 :" على المحاكم ان تتقيد بمبدأ تسلسل القواعد. عند تعارض احكام المعاهدات الدولية مع احكام القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية.

لا يجوز للمحاكم ان تعلن بطلان اعمال السلطة الاشتراعية لعدم انطباق القوانين العادية على الدستور او المعاهدات الدولية".

يتبين من نص المادة المذكورة ان المشترع فرض على المحاكم تطبيق القاعدة الاعلى مرتبة في كل مرة تجد ان هنالك تعارضاً بين قاعدتين ترعيان القضية المعروضة للنزاع.

اذن المبدأ الاساسي المستمد من هذه المادة هو انه على المحاكم الالتزام بمبدأ تسلسل القواعد، واشارت في فقرتها الاخيرة بان صلاحية المحاكم تنحصر بتطبيق القاعدة الدستورية دون غيرها  ودون التعرض لصحة هذه القواعد.بمعنى  انه يحق للمحاكم اجراء رقابتها عن طريق مبدأ تسلسل القواعد  القانونية وهذه الرقابة محصورة بالامتناع عن تطبيق القواعد المخالفة لقاعدة دستورية، وهذا ما قضت به محكمة الجنايات في بيروت في 21/8/1991([35] )– قضية سعد تركي- وقد جاء في حيثيات الحكم ما يلي:" وحيث ان المشترع اللبناني ادرك اهمية الدستور على غيره من القوانين، واهمية الرقابة على دستوريتها، فالغى نص المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية القديم التي كانت تمنع على القاضي  بحث دستورية القوانين واستبدله بنص المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية الجديد... وحيث انه يستخلص من هذا النص ان المشترع اللبناني كرس مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين عبر فرضه مبدأ تسلسل القواعد ، وانه حصر مدى الرقابة بالامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور، ومنع عليه صلاحية اعلان بطلان ذلك القانون لهذه العلة..."

والنص الثاني الذي يمكن الاستنتاج منه بامكانية المحاكم بان تمتنع عن تطبيق القانون المخالف للدستور هو نص المادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة الصادر بمرسوم رقم 10434 عام 1975، والذي جاء فيه : "لا يمكن تقديم طلب الابطال لتجاوز حد السلطة الا ضد قرارات ادارية محضة لها قوة التنفيذ ومن شأنها الحاق الضرر ولا يجوز في اي حال قبول المراجعة فيما يتعلق باعمال لها صفة تشريعية او عدلية."

يتبين بان هذا النص ايضاً لا يمنع تصدي مجلس شورى الدولة للقانون المخالف للدستور، ليس لابطاله بل بالامتناع عن تطبيقه في القضية المعروضة امامه وذلك بناء على دفع فرعي من احد الاطراف في الخصومة([36]) .

والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو الآتي: هل يحق للمحاكم العادية وفي معرض مفاضلتها بين القاعدة العادية والقاعدة الدستورية، ان تجري رقابة على دستورية القاعدة المستمدة من النص العادي والتأكد من عدم تعارضها مع القاعدة الدستورية؟.

في المبدأ ان اجراء هكذا تحقق يجعل المحكمة تقوم برقابة دستورية على القاعدة القانونية، الا انها وبمقتضى المادة 2 أ.م.م. فقرتها الاخيرة تُمنح فقط رقابة امتناع عن تطبيق القاعدة المخالفة للدستور وليس ابطالها او الغائها.فما هي رقابة الامتناع؟

 رقابة الامتناع هي وسيلة دفاعية، ويفترض لممارستها وجود دعوى امام المحكمة  ويراد من خلالها تطبيق قانون معين الا ان احد الاطراف يدفع بعدم دستورية هذا القانون. وهذه الطريقة تسمى الدفع بعدم الدستورية. هنا يقوم القاضي بالتحقق من مطابقة القانون مع الدستور، فاذا ما تبين بانه مخالف له امتنع عن تطبيقه دون ان يحق له ابطاله. وذلك يعني ان هذا النوع من الرقابة يقتصر على الواقعة المعروضة امام محكمة الموضوع ولا يكون لها اثر على تطبيق القاعدة القانونية على اي واقعة اخرى. وهذه المحكمة  ذاتها يعود لها امر تقدير ما اذا كان القانون دستورياً ام لا، وبالتالي فان اجراء هذه المفاضلة يدخل في صلب الاختصاص القضائي بحيث يتوجب على القاضي ان يفصل في النزاع في ضوء القواعد القانونية المنطبقة على النزاع والمستمدة من نص المادة الثانية أ.م.م. المذكورة (مبدأ سمو المعاهدات على القانون).

هذه الرقابة كانت تمارس قبل انشاء المجلس الدستوري عام 1993، فماذا تغير بعد هذا التاريخ؟

  1. الرقابة على دستورية المعاهدات بعد انشاء المجلس الدستوري

بموجب القانون رقم 250 الصادر قي 14/7/ 1993 تم انشاء المجلس الدستوري وأولي اليه مهمتين رئيستين: الاولى، الرقابة على دستورية القوانين. والثانية، الفصل في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية (جمهورية ومجلس النواب) والانتخابات النيابية([37]) .

 وما يهمنا في الموضوع الحالي هو الرقابة على دستورية القوانين.

نصت المادة 19 من الدستور على الآتي:"ينشأ المجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية .

يعود حق مراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء او الى عشرة اعضاء من مجلس النواب، والى رؤوساء الطوائف المعترف بها قانوناً في ما يتعلق حصراً بالاحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني.

تحدد قواعد تنظيم المجلس واصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته بموجب قانون."

يتبدى من نص المادة المذكورة بانها حصرت امر الرقابة بالمجلس نفسه، كما انها حصرت حق المراجعة في جهات محددة . وبهذا يكون قد انتزع هذا الحق من القضاء العادي (العدلي والاداري) سواء كانت رقابة امتناع ام رقابة ابطال والغاء، لذا فانه بعد انشاء المجلس الدستوري لا يعود لاي جهة قضائية كانت امر اجراء الرقابة من أي نوع كانت على دستورية القوانين وحصر الامر بهيئة مستقلة هي المجلس المذكور. كما قيدت استناداً لنص المادة 2 أ.م.م. صلاحية القضاء بتطبيق مبدأ تسلسل القواعد القانونية دون النظر في مدى مطابقتها للدستور او مخالفتها له.

ثانياً: رقابة المجلس الدستوري على دستورية المعاهدات

بموجب نص المادة 19 من الدستور المذكورة اعلاه تم نزع صلاحية الرقابة على دستورية القوانين غير المباشرة  من المحاكم، والتي كانت تتم بمقتضى المادة 2 أ.م.م. وتم حصر هذه الصلاحية فقط بالمجلس الدستوري سواء عن طريق الطعن او بطريقة غير مباشرة عن طريق الدفع بمخالفة الدستور او مخالفة مبدأ تسلسل القواعد والنصوص.

واكدت في المادة 33 من القانون نفسه على ان "تلغى جميع النصوص المخالفة لاحكام هذا القانون او التي يتعارض مضمونها مع احكامه". وبهذا يكون نص المادة الثانية أ.م.م. قد استثني منها  صلاحية النظر في التعارض بين قاعدة مستمدة من نص دستوري وقاعدة اخرى، وفي هذه الحالة يتوجب على المحاكم تطبيق القاعدة القانونية العادية حتى ولو تعارضت مع قاعدة دستورية([38] ) .

ورقابة الامتناع التي كان يمارسها القضاء العادي والتي منحته اياه المادة الثانية أ.م.م. اكدتها المادتين الثالثة والرابعة من القانون نفسه. اذ نصت المادة الثالثة على انه :"لا يجوز للقاضي ان يضع احكامه في صيغة الانظمة". والمادة الرابعة :" لا يجوز للقاضي تحت طائلة اعتباره مستنكفاً عن احقاق الحق:

  1. ان يمتنع عن الحكم بحجة غموض النص او انتفائه.
  2. ان يتأخر بغير سبب عن اصدار الحكم..."

يتبين اذن، ان الرقابة القضائية على دستورية القوانين بموجب المادة الثانية أ.م.م. هي رقابة امتناع دون رقابة الالغاء والتي نصت عليها الفقرة الاخيرة من المادة نفسها، كما لم يرد حظر على المحاكم بان تمتنع عن تطبيق القوانين العادية عند مخالفتها الدستور او معاهدة دستورية([39] ) .بالاضافة الى انه ليس ما يمنع – قبل انشاء المجلس الدستوري-  من تطبيق النص الدستوري المتقدم على النص القانوني العادي وفقاً لمبدأ تسلسل القواعد التشريعية المنصوص عنها في الفقرة الاولى من المادة الثانية أ.م.م. وذلك دون النظر في دستورية القوانين([40]) . الا ان الامر قد تغير بصدور قانون انشاء المجلس الدستوري واصبح حسب ما ورد في نص المادة 18 فقرتها الثانية :"... خلافاً لاي نص مغاير ، لا يجوز لاي مرجع قضائي ان يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن او بصورة غير مباشرة عن طريق الدفع بمخالفة الدستور او مخالفة مبدأ تسلسل القواعد والنصوص". فبموجب النص المذكور تقتصر على المجلس وحده دون اي مرجع قضائي آخر اجراء اي نوع من انواع الرقابة على دستورية القوانين، سواء رقابة بالامتناع او الالغاء،وحتى عن طريق تطبيق مبدأ تسلسل القواعد والنصوص.

من ناحية اخرى، تشمل رقابة المجلس الدستوري طبقاً للمادة الاولى من قانون انشائه "القوانين والنصوص التي لها قوة القانون " وهذا الامر اكدته المادة 18 الفقرة الاولى من الدستور والتي اتى نصها بالتالي:"يتولى المجلس الدستوري الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون". وبناء على هذه النصوص تشمل رقابة المجلس الدستوري نوعان من النصوص. الاولى، القوانين العادية المنبثقة عن السلطة التشريعية. والثانية، النصوص التي لها قوة القانون وهي المراسيم التي تصدر عن السلطة التنفيذية ويكون لها قوة القانون([41])(يصدرها رئيس الجمهورية ويوقع عليها رئيس الحكومة والوزير المختص).وسنحصر بحثنا في الاولى دون الثانية.

تنص المادة 52 من الدستور اللبناني على الآتي:" يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. اما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب".

يتبين من الفقرة الاخيرة من المادة المذكورة بان المعاهدات المذكورة فيها ونظراً لضرورة موافقة مجلس النواب عليها قبل ابرامها، فانها بالتالي تشكل قانوناً([42]) , وحيث ان للمعاهدة الدولية قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للاصول وذلك عملا بالمادة 56 من الدستور. ولا يقصد بالنشر مجرد إعلام الافراد بها بل يجب نشرها في الجريدة الرسمية مع قانون اجازة ابرامها، ومتى كانت كذلك فانها تخضع لما يخضع له القانون من حيث الرقابة على دستوريتها([43]).

وفي موقف عن أساتذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية([44]) بأن لا سلطة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان على المواطنين اللبنانيين، وان اي هيئة لا  بد لها من ان تنشأ بقانون لتكتسب الصفة القضائية وذلك بموجب المادة 20 من الدستور والتي تنص على :"ان السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة". والا فانها لا تملك صلاحية اصدار قررات مقيدة للحرية، ولفتت الى ثغرات في تأسيس المحكمة وفي تمويلها ، داعية مجلس النواب الى اقرار القوانين الناظمة لعمل المحكمة وتحديد اختصاصها.

ومن هذا المنطلق، حتى تستطيع المحكمة الخاصة بلبنان ممارسة وظيفتها القضائية، يتوجب ان يوافق مجلس النواب على نظامها الاساسي ويقر انشاءها. لكن من الملاحظ انه حتى تاريخه لم يصدر قانون انشاء هذه المحكمة لان الانشاء لا يتم الا وفق الصيغ المقررة في الدستور وذلك بموجب اتفاقية يوافق عليها مجلس النواب عملا بالمادة 52 من الدستور المذكورة اعلاه، كما ان تمويل المحكمة لا يزال يتم خلافاً للاصول الدستورية .

فالمحكمة تقاضي اعلاميين بالاستناد الى قواعد تنظيمية لم تصدر بقانون وهذا الامر يخالف قواعد القانون الجنائي الوطني والدولي، اذ لا يجوز لها اصدارها بما انها من اختصاص القانون حصراً عملاً بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في المادة 8 من الدستور:" الحرية الشخصية مصانة وفي حمى القانون ولا يمكن ان يقبض على احد او يحبس او يوقف الا وفاقاً لاحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم او تعيين عقوبة الا بمقتضى القانون".

بالاضافة الى ان قررات مجلس الامن الدولي وخاصة القرار رقم 1757 تاريخ 30/3/2007 هي ملزمة للدولة فقط دون الافراد الا وفق الصيغ المقررة في الدستور وذلك بموجب اتفاقية يوافق عليها مجلس النواب كما هو محدد في المادة 52 من الدستور.

وانطلاقاً من ذلك يتوجب اعطاء الاولوية بالتطبيق للقانون اللبناني على مشروع اتفاقية دولية غير مبرمة وفق الاصول المحددة في المواد 52 و56 من الدستور .

الفرع الثاني: المعاهدة والقانون غير العادي من حيث القوة

في ظل الانقسام في تطبيق المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 المتعلق بالتمثيل التجاري بشأن صحة البند التحكيمي في عقود التمثيل التجاري بين موقف يتبنى جواز التحكيم وآخر معارض ([45])  ظهرت ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الاول:

وهو الاكثر تشدداً اعتبر ان اختصاص القضاء اللبناني الوارد في المادة الخامسة من المرسوم المذكور هو حصري. وقد ورد صريحاً ومطلقاً، ويشتمل على كل اتفاق مخالف ويتعلق بالنظام العام بفرعيه الحمائي والتوجيهي معاً([46])، وهو جزء من المرسوم ككل احكامه يعتبر بمثابة قانون حتمي التطبيق([47])، وبالتالي يتعين على القاضي اعماله في المجال الدولي دون النظر الى قواعد تنازع القوانين لانه كما هو متعارف عليه في القوانين الحتمية التطبيق، فان النظام العام يلعب دوراً وقائياً في مفهوم هذه النظرية بحيث انه يحجب دور قاعدة الاسناد الوطنية ويمنعها من الاساس عن اداء دورها. اذ تعتبر قواعده حاذفة تفرض بطبيعتها تطبيقاً مباشراً لقانون وطني معين وبشكل مسبق، وتمنع بالتالي امكانية تطبيق اي قانون اجنبي او اي قاعدة قانونية اخرى. والتي وضعت لحماية دولة القاضي الناظر بالنزاع، وهي لازمة لحماية التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة([48])، الامر الذي عبّر عنه المشترع صراحة بخصوص التمثيل التجاري الحصري في المرسوم الاشتراعي المذكور([49]).

الاتجاه الثاني:

يتمسك بحصرية الاختصاص القضائي للمحاكم اللبنانية، وذلك لارتباط المادة الخامسة بالنظام العام الحمائي، وبذلك يحق للممثل التجاري التنازل عن حقوقه في الحماية الممنوحة له في هذه المادة المذكورة ولكن بعد حصول النزاع. وبهذا يكون اللجوء الى التحكيم مقبولاً في هذه الحالة([50]) ، خصوصاً انه لا يوجد نص يشير صراحة الى ابطال البند التحكيمي في عقد التمثيل التجاري([51]). وهو ما انعكس اخيراً في التمييز بين البند التحكيمي الوارد في عقد التمثيل التجاري قبل نشوء النزاع  والعقد التحكيمي الذي يستقل عن العقد الاساسي ويبرم بعد نشوء النزاع.

الاتجاه الثالث:

يتبنى حصرية الاختصاص للقضاء اللبناني كمبدأ، الا انه يعترف بالتحكيم عند وجود معاهدة دولية تجيز صحته كالمعاهدة الموقعة بين لبنان وتشيكوسلوفاكية بتاريخ 18/8/1980.

هنا تطرح اشكالية قاعدة سمو المعاهدة على القانون العادي المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون الاصول المحاكمات مدنية. وما مدى علاقة القوانين الحتمية التطبيق التي هي متعلقة بالنظام العام الموصوف بالاتفاقيات الدولية؟ وايهما نطبق في هذه الحالة، المعاهدة الدولية ام القانون الداخلي الذي فسره القضاء اللبناني بانه حتمي التطبيق فيما يتعلق بمسألة صحة البند التحكيمي في عقود التمثيل التجاري. حيث ابطل القضاء هذه البنود لمخالفتها للقوانين الحتمية التطبيق؟ فهل يسري هذا النص بوجود اتفاقية تعتبر صحيحاً البند التحكيمي في عقود التمثيل التجاري المبرمة بين الفرقاء من الدولتين؟

اولاً:  صحة البند التحكيمي في عقود التمثيل التجاري

بادئ ذي بدء وللاجابة على السؤال المطروح اعلاه لا بد بداية من تحديد  طبيعة قانون او المرسوم الاشتراعي المتعلق بالتمثيل الجاري.

عرّف المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 الصادر بتاريخ 5/8/1967 في مادته الاولى الممثل التجاري بانه الوكيل الذي يقوم بحكم مهنته الاعتيادية المستقلة بالمفاوضة لاتمام عمليات البيع والشراء وغيرها...

وقد حمى المشترع اللبناني الممثل التجاري الذي يمارس مهنته ضمن الشروط والاحكام المكرسة في المرسوم الاشتراعي المذكور، لا سيما لجهة ان يكون لبنانياً وان يكون له محل تجاري في لبنان. وحدد الموجبات الملقاة على عاتق الممثل التجاري في حال كونه شركة (المادة الثانية منه).

كما امن له في المادة الرابعة من خلال حفظ حقه بالمطالبة بالتعويض بالرغم من كل نص مخالف. اذ لم يجز فسخ العقد بسبب خطأ من قبل الممثل التجاري او لاي سبب آخر مشروع او لانتهاء العقد بحلول اجله.

بالاضافة الى ان المادة الخامسة قد حصرت صلاحية اختصاص النظر بالنزاعات المتعلقة بعقود التمثيل التجاري بمحاكم المحل الذي يمارس فيه الممثل التجاري نشاطه.

بالاستناد الى النصوص المذكورة اعلاه نستخلص امرين:

الاول، ان قانون التمثيل التجاري يرتبط بالنظام العام الحمائي اذ ان نصوصه وضعت لحماية التاجر اللبناني دون غيره، وهذا الامر ينسحب تطبيقه على العلاقات الداخلية والدولية على السواء([52]).

الثاني،ان هذا القانون مرتبط بالنظام العام الوقائي والذي هو من القوانين الحتمية التطبيق والمستوجب اعمالها مباشرة، اذ انها تفرض نفسها وتقوم بدور الحاذف لاي قواعد اخرى غيرها على المسألة القانونية المطروحة سواء أكانت قواعد موضوعية ام قواعد نزاع.

يقودنا هذا الاستنتاج الى طرح التساؤل التالي، هل يصح البند التحكيمي في عقود يحميها هذا النوع من القوانين؟؟

لقد عبر المشترع عن هذه القوانين صراحة في بعض نصوصه التشريعية ومنها المرسوم الاشتراعي موضوع البحث.

ويعتبر النظام العام الذي يدخل في اساس اعمال القوانين الحتمية  نظاماً عاماً متشدداً، يجعل من تطبيق هذه القواعد مباشرة مسألة ملحة واساسية([53]). كما ان طبيعة هذا القانون ودرجة اتصاله بالنظام العام كقانون حتمي التطبيق تجعله يفرض نفسه على العلاقات القانونية ضمن اطار تطبيقه بغض النظر عن طبيعة هذه العلاقات واشخاصها([54]).

فالمادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 تتعلق بالنظام العام ولا يجوز مخالفتها، وقد جاء نصها كالتالي :"بالرغم من كل اتفاق مخالف تعتبر محاكم المحل الذي يمارس فيه الممثل التجاري نشاطه صالحة للنظر في النزاعات الناشئة عن عقد التمثيل التجاري".

يتبين ان هذه المادة جاءت واضحة، ويفهم منها ان المشترع اراد اخضاع النزاعات الناشئة عن عقد التمثيل التجاري في لبنان لمحاكم المكان الذي يمارس فيه الممثل التجاري نشاطه، وذلك بالرغم من كل اتفاق مخالف تم بين فريقي العقد. والمشترع يهدف من وراء هذا النص الى حماية الممثل التجاري كطرف ضعيف في العلاقة من تعسف الشركة التي يقوم بتمثيلها عن طريق اللجوء الى محكمة محل ممارسة نشاطه التي تعتبر الانسب لذلك من الناحية الاجرائية والاستقصائية.

واذا ما عدنا الى عبارة "بالرغم من كل اتفاق مخالف" الواردة في متن المادة الخامسة، نجدها مطلقة من دون اي تحديد، بمعنى ان المنع ينسحب ايضاً الى البند التحكيمي الذي من شأنه ان ينزع عن محاكم محل ممارسة الممثل التجاري لنشاطه سلطة النظر في النزاعات التي قد تنشأ عنه، ويعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام المانع والواقي.

ولكن السؤال الذي يطرح ماذا عن وضع الاتفاقية الدولية كما في الاتفاقية المبرمة بين لبنان وتشيكوسلوفاكيا بشأن صحة البنود التحكيمية في عقود التمثيل التجاري في ظل طبيعة هذا الاخير؟ هذا ما سنلقي عليه الضوء في الآتي.

ثانياً:  مدى اولوية المعاهدة على القانون الحتمي التطبيق

استمرت محكمة التمييز بتطبيق مبدأ سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية لفترة طويلة  بالرغم من تعارض احكام المعاهدة الدولية مع احكام قانون حتمي التطبيق (1)، الا انها عادت وعدلت عن موقفها هذا في مرحلة لاحقة مفضلة تطبيق القانون الحتمي التطبيق بحجة صفته الآمرة (2).

  1. ترجيح المعاهدة الدولية على القانون الحتمي التطبيق

في ظل الاتفاقية المعقودة بين لبنان وتشيكوسلوفاكية بتاريخ 11/1/1957 بشأن صحة البنود التحكيمية في عقود التمثيل التجاري، صدر حكم بشأن نزاع اثير بمسألة تطبيق الاتفاقية المذكورة، وذلك في ظل قانون اصول المحاكمات المدنية القديم 1933 مطبقاً القواعد العامة لمبدأ تسلسل القواعد، وذلك قبل تكريسها بالمرسوم الاشتراعي رقم 90 تاريخ 16/9/1983 في المادة الثانية منه فقرتها الثانية والتي نصت على :"عند تعارض احكام المعاهدات الدولية مع القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية". بمعنى ان قانون اصول المحاكمات قد اعطى المعاهدة قوة اعلى من القانون العادي.

وبالعودة الى حكم محكمة التمييز الصادر عن الغرفة الاولى، قرارها رقم 59 تاريخ 9/12/1973،([55] )اعتبرت ان احكام المعاهدة تعلو على احكام القانون الداخلي وبالتالي تكون واجبة التطبيق على النزاع المعروض. وقد فصلت في مسألة كانت محل خلاف وهي مسألة ترجيح المعاهدة  على القانون الداخلي سواء كان سابق ام لاحق عليها. وقد جاء في حيثيات الحكم ما يأتي:

"وبما ان البروتوكول المذكور يعلن صحة بنود التحكيم واتفاقات التحكيم المعقودة وفقاً لتشريع احد الفريقين المتعاقدين بين الاشخاص المعنويين التشيكوسلوفاكيين والرعايا والاشخاص المعنويين اللبنانيين لحل الخلافات الناتجة عن المعاملات التجارية كما ان الاتفاق الجاري بين الدولتين اللبنانية والتشيكوسلوفاكية السابق للبروتوكول يفصح عن رغبتهما في تنمية المبادلات التجارية بينهما على جميع انواعها دون حصرها بعقود البيع والشراء او التصدير او الاستيراد بحيث انه يشمل بالتالي المعاملات التي كانت تقوم بها الجهة المميزة لحساب الجهة المميز عليها المدعى عليها ضمن اطار عقد التمثيل الجاري بينهما حتى ولو كانت من اعمال الوساطة.

وبما ان الفقرة التحكيمية الواردة في عقد التمثيل الجاري بين الفريقين تخضع لاحكام البروتوكول المذكور الذي يحول دون تطبيق المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 التي ترعى علاقات الافراد بين بعضهم البعض مما يوجب بالتالي عرض النزاع على التحكيم عملاً باحكام المادة 824 مدنية اذ من المسلم به في فقه القانون الدولي العام انه اذا تعارضت احكام معاهدة ما مع احكام قانون داخلي فان احكام المعاهدة وحدها تكون هي الواجبة التطبيق سواء أكان القانون الداخلي قد صدر قبل ابرام المعاهدة او بعد ابرامها لان المعاهدة هي رابطة تعاقدية بين دولتين لا تتأثر بما يكون لهاتين الدولتين من تشريعات سابقة عليها او بما تصدرها احداها من تشريعات لاحقة تعارض احكامها الا اذا كان ثمة نص صريح في القانون الداخلي على الغاء المعاهدة وهذا الامر غير متوفر في المرسوم رقم رقم 34/67 المشار اليه بالنسبة للبروتوكول المنوه عنه.

وبما ان هذا التفسير لا يفضي الى تعطيل مفعول المرسوم الاشتراعي المذكور لا جزئياً ولا كلياً طالما ان مجال تطبيقه محصور بالاتفاقات التعاقدية الخاصة فحسب حيث لم يأتِ هذا المرسوم على ذكر المعاهدات الدولية التي تبقى بمفعول خارج احكام المادة 5 منه".

يتبين من الحكم اعلاه، ان المحكمة قد فصلت في مسألتين:

مسألة ترجيح المعاهدة على قانون يتعارض مع احكامها، سواء كان سابقاً لابرامها ام لاحقاً لذلك. في موقف سابق لتكريس مبدأ سمو المعاهدة على القانون الدخلي في قانون اصول المحاكمات المدنية في المادة الثانية منه صراحة على هذا المبدأ.

ومسألة ان البروتوكول الملحق بالاتفاقية المعقودة بين لبنان وتشيكوسلوفاكية المتضمن نصاً يعلن فيه صحة البنود التحكيمية في عقود التمثيل التجاري هو اتفاق مبرم بين دولتين يفصح عن رغبتهما في تنمية المبادلات التجارية بينهما، وهذا الامر وان لم تقم المحكمة بتوسيع تفسيره الا انه يشير وبوضوح الى ان الاتفاق المبرم بين الدولتين يجب احترامه ولا يجوز نقضه من قبل المحاكم.

الامر الذي ركزت عليه محكمة التمييز غرفتها الرابعة في حكمها الصادر عام 1994 ([56]) حيث اعتبرت بان من واجب الدولة احترام التزاماتها الدولية. وفي حيثيات الحكم ما يلي:"حيث ان النظام القانوني الاولى لا يمكن ان يتوطد الا اذا طبقت الدول المعاهدات والاتفاقيات التي ابرمتها بكل صدق وامانة واعطتها الاولوية في التطبيق عند تعارضها مع القانون الداخلي.

وحيث ان البروتوكول اللبناني – التشيكي المؤرخ في 11 نيسان سنة 1957 هو قيد هذه الاتفاقات وقد وقع وابرم ونشر وفقاً للاصول وله ذات المفاعيل وذات المرتبة المنبثقة عن كل معاهدة. وحيث ان المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 الصادر بتاريخ لاحق للمعاهدة المبرمة لا يؤدي الى الغاء الاتفاق الذي ابرم بتاريخ سابق بين لبنان وتشيكوسلوفاكيا ما لم ينص القانون صراحة على ذلك.

وحيث انه يقتضي التوفيق بين نصوص الاتفاق المبرم بين الدولتين بحيث ان مفاعيل نصوص المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 تتوقف عند تناقضها مع نصوص المعاهدة لتطبق هذه الاخيرة اذ ان نص المعاهدة يسمو على نص القانون الداخلي وتبقى نصوص القانون الداخلي سارية المفعول على القضايا التي لا تنطبق عليها نصوص والشروط الواردة في المعاهدة.

وحيث انه اذا كانت المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 التمثيل التجاري تتعلق باحكام القانون الالزامية وواجبة التطبيق فان ذلك لا يحجب تطبيق نصوص اتفاق دولي ابرمته الدولة اللبنانية لان نص الاتفاق الدولي يتقدم على اي نص قانوني باعتبار ان واجب الدولة ان تحترم التزاماتها الدولية ولا يمكنها خرق احكام المعاهدة بارائها المنفردة حتى لو تعلق الامر بالنظام العام..."

يتبين من الحكم المذكور ان المحكمة استبعدت تطبيق قانون اعتبرته من النظام العام (المرسوم الاشتراعي رقم 34/67) مؤكدة على سمو المعاهدة الدولية المبرمة بين الدولتين على القانون الداخلي، اذ انه لا يسع الدولة من وجهة نظر المحكمة خرق اتفاقها الدولي بحجة قانونها الداخلي ومخالفة التزام دولي ترتب على عاتقها لصالح قاعدة قانونية ذات طبيعة آمرة.

بالاضافة الى ان المعاهدة المبرمة بين الدولتين هي اتفاق او عقد أنشئ بموجب التقاء ارادتي دولتين، لذا ومن الاولى بل من المتوجب احترام هذه الالتزامات الدولية والتي لا يجوز خرقها بارادة منفردة حتى ولو تعلقت بالنظام العام لان ما انشئ بارادتين لا يمكن فسخه وخرقه الا بهاتين الارادتين.

فصراحة نص المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات تعطي المعاهدة قوة تفوق قوة القوانين الداخلية، فلا تلغى ولا يوقف مفعولها الا بالتحلل منها بالطرق الدبلوماسية التي ابرمتها، ومن هنا يتوجب على القاضي الناظر بالنزاع إعمال المعاهدات رغم كل قانون مخالف دون ان يستطيع التمسك بإعمال قانونه، اذ يتوقف هذا القانون حيث بدأ مفعول المعاهدة الدولية المبرمة بين الدولتين.

  1. ترجيح القانون الحتمي التطبيق على المعاهدة الدولية

    تم عقد اتفاقية جديدة بين لبنان وتشيكوسلوفاكيا بشأن الموضوع نفسه في لبنان بتاريخ 14/9/1982، بموجب القانون رقم 26/82 ([57])، وقد نصت في مادتها السابعة صراحة – كما فعلت في المعاهدة السابقة- على صحة البنود التحكيمية المعقودة بين الاشخاص المعنويين التشيكوسلوفاكيين والاشخاص الحقيقيين او المعنويين اللبنانيين وقد جاء نصها كالتالي:" يقر الطرفان المتعاقدان صحة البنود التحكيمية واتفاقات التحكيم المعقودة بين الاشخاص الحقيقيين او المعنويين اللبنانيين وفقاً لتشريع كل من الطرفين المتعاقدين من اجل حل النزاعات التي قد تنشأ بمناسبة الصفقات التجارية.

يتعهد الطرفان بضمان تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة بالاستناد الى بنود واتفاقات التحكيم المذكورة اعلاه وفقاً للاجراءات المنصوص عليها في تشريعات كل منهما وبالشروط الآتي بيانها..."

وبعد ابرام هذه الاتفاقية صدر عن محكمة التمييز المدنية غرفتها الرابعة([58]) حكم استبعدت فيه تطبيق احكام المعاهدة المذكورة لصالح المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 باعتباره مرتبطاً بالنظام العام الحمائي، واعتبرت انه" حيث انه بالعودة الى مجمل الاسباب المدلى بها من قبل الجهة المميزة لا سيما السبب السابع حيث اثارت مسألة تطبيق احكام المادة 5 من المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 التي تنص على انه بالرغم من كل اتفاق مخالف تعتبر محاكم المحل الذي يمارس فيه الممثل التجاري نشاطه صالحة للنظر في النزاعات الناشئة عن عقد التمثيل التجاري.

وحيث ان المادة السابعة من الاتفاقية الثنائية الموقعة بين لبنان وتشيكوسلوفاكيا والمبرمة بقانون 26/82 اقرت "بصحة البنود التحكيمية الحاصلة بين الاشخاص المعنويين التشيكوسلوفاكيين والتجار اللبنانيين لحل النزاعات الناشئة عن الصفقات التجارية" دون ان تنص صراحة على احداث اي استثناء او تعديل للمرسوم الاشتراعي 34/67 فيما يختص بالصلاحية الالزامية للمحاكم اللبنانية وهي محاكم محل نشاط الممثل التجاري.

وحيث ان ارتباط احكام المرسوم الاشتراعي 34/67 بالنظام العام الحمائي لحقوق الممثل التجاري يمنعه من العدول عنها بادراج بند تحكيمي مع العقد لتجاوز الصلاحية الالزامية للنظر في الدعاوى المتعلقة بالتعويض عن فسخ عقد التمثيل التجاري، ولا يكون للبند التحكيمي المدرج في عقد التمثيل الموقع بين الفريقين اي مفعول لنزع الاختصاص الالزامي للمحاكم اللبنانية حيث يمارس المميز (الممثل التجاري) نشاطه، ويكون في ضوء ما تقدم القرار المميز المخالف لهذه الوجهة بنتيجته مستوجباً النقض لمخالفته نص المادة 5 من المرسوم الاشتراعي رقم 34/67".

يستنتج من الحكم المذكور ان محكمة التمييز قد اعتبرت ان قانون التمثيل التجاري هو قانون مرتبط بالنظام العام الحمائي. وقواعد الاختصاص القضائي وفقاً للمادة 5 منه هي الزامية، وبالتالي فان المحاكم اللبنانية هي الصالحة للنظر بالدعاوى المتعلقة بهكذا عقد. مبررة حكمها بان المادة السابعة من المعاهدة والتي اقرت صحة البنود التحكيمية في النزاعات المتعلقة بالتمثيل التجاري لم تنص صراحة على استثناء او تعديل للمرسوم الاشتراعي المذكور.

ولكن بالنظر الى القضية من وجهة نظر المنطق القانوني، نرى ان المحكمة قد خالفت في حكمها النظرية العامة للقانون، والنظرية الخاصة بتنازع القوانين.

في الناحية الاولى، مخالفة الحكم للنظرية العامة للقانون من جهة تطبيقها للقاعدة القانونية بالنظر الى مصدرها، بحيث انه ووفقاً للنظرية العامة للقانون اذا تواجد تعارض بين قاعدة قانونية جديدة واخرى قديمة وكان من المحال الجمع بينهما، اعتبرت القاعدة القانونية القديمة ملغاة بموجب صدور القاعدة الجديدة. الا انه يتوجب والحالة هذه التمييز بين ما اذا كانت نصوص القاعدتين – الجديدة والقديمة- من ذات النوع وذات الصفة بمعنى ان تكون كلاهما عامة او خاصة([59]) او كان هناك اختلاف فيما بينهما. في الحالة الاولى، النص الجديد يلغي القديم حكماً، اما في الحالة الثانية، اذا كانت القاعدة القديمة عامة والجديدة خاصة فان النص الجديد لا يلغي النص القديم بأكمله وانما فقط يلغي الجزء الذي قام النص الجديد بتخصيصه([60]). اما اذا كانت القاعدة القانونية القديمة خاصة (كحالة المعاهدة) والقاعدة الجديدة عامة (المرسوم الاشتراعي المذكور) فان هذا التعارض لا يؤدي الى الغاء القاعدة القديمة الخاصة. ففي هذه الحالة يُعمل بالقاعدة الجديدة كنص عام وتبقى القاعدة القديمة نصاً خاصاً وتُشكل استثناء على القاعدة العامة([61]).فالمعاهدة هنا تعتبر بمثابة النص الخاص بحيث انها تتناول صحة البند التحكيمي في عقود التمثيل التجاري والمرسوم الاشتراعي رقم 34/67 هو قانون عام بالنسبة للتحكيم في التمثيل التجاري. والمحكمة في استبعادها النص الخاص لصالح النص العام تكون قد خالفت كذلك النظرية الخاصة بتنازع القوانين، فالمعاهدة بنصها الخاص تعتبر قانوناً خاصاً يقيد النصوص العامة الواردة في التشريع المتعارض معها([62]) هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، ان التعليل المقدم من محكمة التمييز في حكمها لناحية وجوب ايراد نص خاص يفيد تعديل للمرسوم الاشتراعي المذكور او يشكل استثناء عليه، يمكن ان يؤدي الى مخالفة مبدأ تسلسل القواعد المكرس في المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية ويبطل مفعولها([63]) وفق ما سبق شرحه .

بالنتيجة، ان المعاهدات هي اتفاقات دولية تبرمها الدول فيما بينها سواء كانت ثنائية ام متعددة الاطراف، وذلك وفقاً لاجراءات شكلية، من مفاوضة وتصديق ونشر. تهدف من ابرامها الى تنظيم علاقات دولية محددة عن طريق تحديد القواعد المنظمة  لتلك العلاقات. ووفقاً للمادة 52 من الدستور اللبناني المذكورة سابقاً، يتولى رئيس الجمهورية عقد هذه المعاهدات بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وبناءً عليه تصبح ملزمة للدول التي عقدتها. الا انها لا تصبح نافذة تجاه الافراد الا بعد اصدار قانون في المجلس النيابي بالتصديق عليها ونشره في الجريدة الرسمية.

وهذه الاجراءات تختلف عن اجراءات تكوين التشريعات الداخلية، وبالرغم من ذلك فانها تكتسب قوة تلك التشريعات والقوانين في حال توفرت شروطها([64]).

وبناءً عليه، وبالرغم من ان المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 متعلق بالنظام العام، والمادة الخامسة منه يستخلص منها بانه قانون حتمي التطبيق الا انه ما زال يحمل صفة القانون العادي وان كان غير عادي بالنظر الى قوته في مواجهة القوانين الاجنبية باعماله مباشرة مستبعداً بشكل مسبق تلك القوانين([65])، وهنا لا مجال للبحث عن اي تنازع بين القوانين لاختيار انسبها على المسألة المعروضة.

وانطلاقاً من وضوح  المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية بنصها :"...على المحاكم ان تتقيد بمبدأ تسلسل القواعد.

عند تعارض احكام المعاهدات الدولية مع احكام القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية...".

فالقانون إما ان يكون عادياً ويشمل القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية ومن بينها القوانين الحتمية التطبيق، وإما ان يكون غير عادي والمقصود به الدستور. وبالعودة الى نص المادة الثانية المذكورة يتضح بانها توجهت بشكل مباشر باشارتها انه على المحاكم التقيد بمبدأ تسلسل القواعد مقدمة تطبيق المعاهدة على القانون العادي بصريح العبارة.

من هنا، يمكن القول بانه، وعملاً بالمبدأ المذكور واحتراماً لهرمية القواعد القانونية المكرسة بنص قانوني لا يمكن تجاوزه، لا يجوز استبعاد احكام المعاهدة اللبنانية – التشيكية المذكورة لصالح قانون يتسم بالحتمية فهو ولو امتلك هذه الصفة يبقى من ضمن القوانين العادية التي تأتي بمرتبة ادنى من المعاهدة عند التطبيق.

بالخلاصة، إن العلاقة  بين المعاهدات الدولية والقانون الداخلي تتركز بشكل اساسي على تأثير القانون الداخلي على عملية التعبير عن ارتضاء الالتزام بالاتفاقيات الدولية،  اذ   أن القيمة الحقيقية لالتزامات الدولة تظهر في قدرتها على تنفيذها على أرض الواقع، وهو الاساس الذي يبنى عليه مفهوم إبرام المعاهدات وتصديقها وهذا الامر نراه مكرساً في المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية. وهذه العلاقة يمكن تسميتها بعلاقة تناسق بين المعاهدة والقانون الداخلي، وهذا التناسق لا بد منه حتى في العلاقات الدولية. لذلك يتبين بأن الدستور هو القمة وتأتي بعده المعاهدة الدولية يليها القوانين العادية ومن بينها القوانين الحتمية التطبيق التي تندرج ضمن هذه القوانين ولو انها اتسمت بهذه الصفة  فهي تلي المعاهدت الدولية مرتبة لناحية التطبيق.

 

[1] - راجع في تعريف المعاهدة:

علي عبد القادر القهوجي، المعاهدات الدولية امام القاضي الجنائي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 1997، ص 5.

Patrice Monin – Hersant, Entraide judiciaire international, juris classeur, droit international, v. 9, Fasc 124- 2;Nicole Guimezanes, condition des étrangers en France, Juris classeur, droit international. 4, Fasc. 250 ; Adré Huet, convention internationales répressives, Juris classeur, droit international, v. 3, Fasc 406 -10 ; P. Jenard, principes fondamentaux de la convention C.E.E. sur la compétence judiciaire  et l’exécution des décisions  J.C.P. 1973,p. 2593.

[2] - سامي منصور ونصري دياب وعبده غصوب، القانون الدولي الخاص – تنازع الاختصاص التشريعي، الجزء الاول، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2009، ص 25.

[3] - سامي منصور ونصري دياب وعبده غصوب، القانون الدولي الخاص- الاختصاص القضائي الدولي وآثار الاحكام الاجنبية في لبنان- الجزء الثاني، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2009، ص 56.

[4] - منشورة في الجريدة الرسمية، 1997، ص 1657.

[5] - للتفصيل راجع: عبده غصوب، الجديد في ملحق الاتفاق القضائي بين لبنان وسوريا لجهة "الاعتراف" بالقرارات التحكيمية ومنحها الصيغة التنفيذية، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الرابع، ص 42.

[6] - منشور في الجريدة الرسمية ، 1964، رقم24، ص 922.

[7] - ادوار عيد، موسوعة اصول المحاكمات والاثبات والتنفيذ، الجزء الثاني عشر (التحكيم) 3، غير وارد دار ومكان النشر، 1989، ص 261.

[8] - منشور في الجريدة الرسمية ، العدد 105، 1968.

[9] - للمزيد حول هذه المعاهدة راجع: احمد عبد الكريم سلامة ، اتفاقية الرياض العربية 1403/1983 والتعاون في مسائل الاجراءات القضائية  الدولية، مجلة الحقوق- جامعة الكويت، السنة 15، العدد 2-4 ، ص 39 وما يليها.

[10] - منشور في الجرية الرسمية ، رقم 46، تاريخ 8/6/1972.

[11] - منشور في الجريدة الرسمية تاريخ 25 نيسان 1985.

[12] - منشور في الجريدة الرسمية ،1996، ص 30.

[13] - منشور في الجريدة الرسمية، 1973، ملحق الرقم 15، ص 9.

[14] - تمييز مدني، الغرفة الاولى، تاريخ 28/5/1996، منشور على موقع المستشار القانوني على الموقع التالي: www.almustachar.com .

[15] - منشور في الجريدة الرسمية في العدد 21، 1997، ص 1652.

([16])Cour de Cassation (franc.) 1ere chambre civile 9 octobre 1984 Pablak/Norsolor. Revue de l’arbitrage 1985. No 3. P. 431 note Berthold Goldman; Cass. Civ, 1re, 23 mars 1994, Hilmarton, Rev. arb., 1994. 327, note Ch. Jarrosson; Rev. Crit. DIP, 1995. 359, note B. Oppetit, jour. Dr. Intern., 1994.p. 701, note E. Gaillard; Rev. trim. Dr. com., 1994. 702 obs. J.-c. Dubbary et E.Loquin ; Cass.10 mars  1993Polish Ocean Line, Rev. Arb.1993.255, note D. Hascher; JDI, 1993.360, 1er esp., note Ph. Kahen; Yearbook, 1994.662; App;  Rev : Qrb :         .APP. Paris, 14 Janvier 1997, Chromalloy, Bargues Agro Industries, Rev. arb. 2006. P.154; App. Paris, 2 septembre 2005, Bechtel, Rev. arb. 2006. 154; App. Paris, 2 septembre 2005, Bechtel, Rev. arb. 2006. 695, note H. Muir Watt; Cass. Viv. 1re, 29 juin 2007, Putrabali, Rev. arb., rapport J.-P. Ancel, note E. Gaillard; P.A., 2007, no. 192. P. 20, note M. de Boisséson; JDI, 2007. 1236, note Th. Clay; Gaz. Pal., 21-22 novembre 2007 no 326, p. 14, note PH. Pinsolle; JCP, 2007; 216, obs. Ch. Seraglini est Rev. Crit. DIP 2008. 109, note S. Bollée.                                                  

Cour d’appel d’Amestrdam. 28 avril 2009. Rev. Arb. 2009 no 3. P. 557 et s. note Sylvain Bollée.                                                                                

بشأن قرار Chromaloy و Hilmarton واتالورك  Norsolor وقضية شركة PT.Putrabali Adyamulia ضد شركة Rena Holding راجع حفيظة السيد الحداد، بين الازدواجية والوحدة ، الدراسة المشار اليها في مجلة التحكيم ، العدد الخامس، كانون الثاني 2010 ص 59الى 73؛ حفيظة الحداد ، الاتفاق على التحكيم وأثره في القانون الواجب التطبيق على العقود الدولية ذات الصبغة الإدارية، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد 25 ، ص 10 وما يليها؛ كذلك الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ص 432 وما يليها؛ حسام الدين فتحي ناصف، تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة الصادرة في الخارج ، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 46 وما يليها.

 ومن الدراسات راجع:

Phillippe Fouachard. La portée international de l’annulation de la sentence arbitrale dans son pays d’orgine. Rev. Arb. 1997. P. 329 et s; Jan Paulsson. L’exécution des sentences arbitrales en dépit d’une annulation en fonction d’un critère local.

Bulletion de la Cour internationale d’arbitrage de la C.C.I. Vol. 9. 1-Mai 1998. P. 14 et s;

أيضاً: حفيظة السيد الحداد، الرقابة القضائية على أحكام التحكيم بين الازدواجية والوحدة، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي المنعقد في مقر جامعة الدول العربية، قاعة الأندلسية بين 10 و11 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 2008 حول اتفاقية نيويورك: خمسون عاماً. رؤى معاصرة بشأن تنفيذ أحكام التحكيم في غير دول صدورها، ومنشور في دار الفكر العربي، الاسكندرية، 2000، وأيضاً في مجلة التحكيم العالمية ، العدد الخامس،  كانون الثاني (يناير) 2010، السنة الثانية ، ص 47 الى ص 93 وراجع حفيظة السيد الحداد ، الاتفاق على التحكيم واثره في القانون الواجب التطبيق على العقود الدولية ذات الصبغة الإدارية في المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد 25 ، ص 6 الى 16 وخاصة ص 10 وما يليها؛ وحول Pablak. Norsolorراجع سامي منصور، الرقابة القضائية والطعن ببطلان القرار التحكيمي، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد 14-15، ص7 وما يليها خاصة ص23، وحول قرار الإدارة العامة للطيران المدني في إمارة دبي ضد الشركة الأميركية Bechtel راجع سامي منصور. تنازع القوانين والقانون المطبق من المحكم، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، عدد 50 ص4 وما يليها خاصة ص 21 هامش 63.   

 

[17] - منشور في الجريدة الرسمية ، العدد 34، الجزء الاول، 2002، ص 4160.

[18] - للمزيد من التفصيل حول المعاهدتين راجع: بسام عاطف المهتار، معاهدة بروكسل وتعديلاتها، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2006.

[19] - منشور في الجريدة الرسمية، العدد 105.

[20] - منشور في الجريدة الرسمية ، رقم 64، 2004، ص 11647.

[21] - لتفصيل هذا الموضوع راجع: محمد فريد العريني وهاني محمد ديودار، قانون الطيران التجاري في ضوء القانون اللبناني والاتفاقيات الدولية، دار النهضة العربية، بيروت، 1995، ص 18 وما يليها.

[22] - محمد المجذوب ، القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2003، ص558.

[23] - علي عبد القادر قهوجي، المعاهدات الدولية امام القاضي الجنائي، الدار الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت، ص 950 وما يليها.

[24] - تمييز مدني، الغرفة الاولى، رقم 59، تاريخ 9/12/1973 ، شركة عبد الرحمن سحمراني/ديكران ميناسيان، العدل، العدد الثالث، 1974، ص 277 وما يليها؛ وفي ذات المعنى ، تمييز مدني، رقم 130، تاريخ 3/12/1969، النشرة القضائية، 1970، ص 654.

[25] - حلمي الحجار، القانون القضائي الخاص، الجزء الاول، الطبعة الثانية، غير وارد دار النشر، بيروت، 1996، ص 291، فقرة 342.

[26] - استئناف بيروت، غرفة اولى، رقم 121، تاريخ 26/4/1988، النشرة القضائية ، 1988، ص 692 ؛ تمييز مدني، الغرفة الرابعة، رقم 1، تاريخ 25/1/1994، الشركة المتحدة للتجارة والاطارات/موتوكوف مؤسسة التجارة الخارجية في تشيكوسلوفاكيا، باز، 1994، ص 333 وما يليها.

في فرنسا وقبل صدور دستور 1946 لم تكن المعاهدة تتمتع بقوة اعلى من القانون، بل كانت متساوية معه، وبالتالي فان اي تعارض يحصل بين المعاهدة السابقة والقانون الداخلي اللاحق. يجعل القاضي الناظر بالنزاع يقوم تلقائياً باستبعاد نصوص الاتفاقية الدولية لصالح القانون الداخلي اللاحق وذلك تطبيقاً للمبادئ العامة للالغاء.

فالمحاكم الفرنسية في حينها كانت تتطلب لتطبيق المعاهدة على القانون اللاحق عليها بان يكون هناك نص صريح من المشترع بتفضيلها واعمال نصوصها. وفي غير هذه الحالة فانه يتوجب احترام ارادة التشريع الصادرة عن السلطة الاشتراعية باعتبار القاضي يستمد اختصاصه من الدستور الوطني وعند التعارض بين المعاهدة والتشريع اللاحق يتوجب عليه احترام مشترعه، وهذا الموقف صادر عن النائب العام بول ماتر في تقريره امام محكمة التمييز، الغرفة المدنية، تاريخ 22/12/1931 مشار اليه لدى سامي منصور ونصري دياب وعبده غصوب، القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص 45 .

راجع هذا الاتجاه ايضاً: Batiffol et Lagarde, Droit international privé, tome 1m, 1970, p. 44                                   

ولكن بعد صدور دستوري 1946 و 1958 والذي تم النص بموجبهما على تفضيل المعاهدة على القانون. ففي المادة 26 من دستور 1946 والتي اعطت المعاهدة قوة القانون بعد استكمال شروطها الشكلية في حال تعارضها مع القانون الداخلي.والمادة 55 من دستور 1958بحيث اتت اكثر تحديداً ووضوحاً اذ اعطت المعاهدة قوة تعلو على القوانين الداخلية.

واستناداً لذلك، يقتضي على القاضي الوطني استبعاد تطبيق القانون الداخلي سواء كان سابقاً ام لاحقاً على المعاهدة الدولية المتعارضة معه لصالح هذه الاخيرة.راجع:Ph. Francescakis, Remarques critique sur le rôle de la constitution dans le conflit entre le traité et la loi interne devant les tribunaux, revue critique de droit international privé, 1969, p. 434.                                                                                                                                                                                      

وبالرغم من ذلك استمر الاجتهاد في تطبيقاته مرجحاً للقانون اللاحق على المعاهدة، وبقي هذا الوضع حتى صدور موقف جديد عن محكمة التمييز يقضي باعطاء الحق للقضاء بمراقبة القانون والنظر بمدى تطابقه او تعارضه لمعاهدة سابقة عليه، وعلى القاضي واجب اعمال المعاهدة السابقة وترجيح تطبيق نصوصها على القانون الداخلي

Cour de cassation, chambre  mixte, 24 mai 1975, Revue critique de droit international privé, 1976, p. 347 et s.                                                                                                                                                                                      

 وهذا الاجتهاد وان كان قد طبق بذلك احكام المادة 55 من الدستور لناحية مبدأ سمو المعاهدة على القانون، الا انه طرح مسألة حق القضاء (العدلي او الاداري) في مراقبة القانون والتحقق من مدى مطابقته لاحكام الدستور. ووفقاً لهذا الاجتهاد ان ترجيح المعاهدة السابقة على القانون اللاحق لا يتعلق بالرقابة على دستورية القوانين، وانما بمسألة التفضيل في مسألة التعارض بين المعاهدات الدولية والقانون الداخلي، وان مبدأ سمو المعاهدة على القانون الداخلي سواء سابق ام لاحق، الذي فرضته المادة 55 من الدستور، يتوجب احترامه من قبل المحاكم العادية وتدخل في صلب اختصاصها وليس في اختصاص المجلس الدستوري. وهذا ما اكده المجلس الدستوري نفسه في قرار صادر عنه بتاريخ 15/1/1975  بان مبدأ سمو المعاهدة على القانون الذي تناولته المادة 55 من الدستور يتمتع بصفات هي نسبية ومؤقتة وتتعلق فقط في اطار اعمال المعاهدة. وانه لا يحق للمجلس الدستوري عندما يكون منعقداً في مناسبة تطبيق المادة 61 من الدستور – التي تحدد الاطار العام لمراقبة المجلس لدستورية القوانين- ان يتحقق من مدى مطابقة القانون على معاهدة دولية.

Le Conseil constitutionnel, 15 janvier 1975, Revue critique de droit de international privé, 1975. P. 124 et s.                                                                                                                                                                                          

من جهته، مجلس الدولة الفرنسي استمر في موقفه السابق باعمال القوانين الداخلية اللاحقة واستبعاد المعاهدات الدولية السابقة عليه عند وجود تعارض فيما بينهم، باعتبار ان من واجب القاضي احترام ارادة مشترعه وان اي مفاضلة بين الاتفاق الدولي والقانون انما هي بحث في دستورية هذا الاخير الامر الذي يخرج من نطاق اختصاصه ويدخل مباشرة ضمن اختصاص المجلس الدستوري.

استمر المجلس ثابتاً على هذا الموقف حتى تاريخ 20/1/1989 ، حيث عدّل اجتهاده السابق في قضية تتعلق بمسألة الفصل في الطعون الانتخابية التي جرت لانتخاب البرلمان الاوربي اعتبر فيه انه يعود له سلطة مراقبة مدى تطابق القانون مع المعاهدة الدولية استناداً للمادة 55 من الدستور، وبالتالي ترجيح المعاهدة على القانون الداخلي اللاحق لها وذلك تكريساً لمبدأ سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية.

وبهذا يكون مجلس الدولة قد اصبح على خط واحد مع المجلس الدستوري والغرفة المختلطة لمحكمة التمييز في قرارهما المذكورين سابقاً، كما كُرس مبدأ سمو المعاهدة على القوانين الداخلية السابقة او اللاحقة عليها نصاً واجتهاداً.

[27] - مشار اليه لدى سامي منصور ونصري دياب وعبده غصوب ، المرجع المذكور، ص 42.

[28] - محكمة الدرجة الاولى المدنية في بيروت، الغرفة الخامسة، رقم 76/96، تاريخ 18/1/1996، بيار مردك حنا/شركة طيران الشرق الاوسط ش.م.ل. ، العدل، العدد 1، 1998،ص 145.

[29] - محكمة الدرجة الاولى المدنية في بيروت، الغرفة الثالثة، رقم 233، تاريخ 24/10/1996، موريس جبرا/شركة المشرق للضمان وشركة يوغولينا، العدل، 1998، العدد 1، ص 132 وما يليها. مع تعليق انطوان معربي في ذات العدد ، ص 137.

[30] - اعتبر مجلس شورى الدولة بأن :"وبما ان القاضي الاداري علاوة على ما تقدم بات مرجعاً مختصاً لتفسير بنود المعاهدة الدولية بنفسه دونما الرجوع الى تفسير يعطيه وزير الخارجية على حد ما كان مستقراً عليه في الفقه والاجتهاد وذلك على ضوء المستندات والاستقصاءات التي يعود له الحصول عليها عند الاقتضاء من السلطات الحكومية..." مجلس شورى الدولة، قرار رقم 431، تاريخ 26/3/2002، ابو شقرا وعواد / الدولة (وزارة الخارجية ووزارة العدل)، مجلة القضاء الاداري في لبنان، العدد السابع عشر، المجلد الثاني، 2005، ص 644 وما يليها.

وقد كان مجلس شورى الدولة يعتبر بان المرجع المختص بشكل اساسي لتفسير المعاهدات هو وزارة الخارجية ، وقد جاء في قرار له ما يلي:"ان وزارة الخارجية هي المرجع الذي يعود له علماً واجتهاداً تفسير المعاهدات الدولية. مجلس شورى الدولة، قرار رقم 838 ، تاريخ 9/11/1962، فؤاد الهراوي/الدولة اللبنانية، المجموعة الادارية، العدد الثاني عشر، 1962، ص 231.

[31] - تمييز مدني، الغرفة الثالثة، القرار رقم 9، تاريخ 5/3/1974، ادارة الجمارك السورية/ شركة اسوستاندر الشرق الادنى، النشرة القضائية اللبنانية، 1974، ص 166؛ مجلس شورى الدولة (مجلس القضايا)، قرار رقم 7، تاريخ 3/3/1971، شركة ممدوح نملي اخوان/الدولة اللبنانية- وزارة الاقتصاد، المجموعة الادارية، السنة الخامسة عشر، 1971، ص 117.

[32] - تمييز مدني، الغرفة الاولى، رقم 59، تاريخ 9/12/1973، شركة عبد الرحمن سحمراني/ديكران ميناسيان، العدل، العدد الثالث، 1974، ص 277 وما يليها؛ تمييز مدني، الغرفة الرابعة، رقم 1، تاريخ 25/1/1994، الشركة المتحدة للتجارة والاطارات/موتوكوف مؤسسة التجارة الخارجية في تشيكوسلوفاكيا، باز، 1994، ص 333 وما يليها.

[33] - خالد قباني، لماذا الدستور، مجلة القضاء الاداري، العدد الخامس عشر، المجلد الاول، 2003، ص47.

[34] - محمد المجذوب، القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2002، ص 80.

[35] - حكم غير منشور مشار اليه في   القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص 55. لسامي منصور ونصري دياب وعبده غصوب

[36] - محمد رفعت عبد الوهاب، رقابة دستورية القوانين والمجلس الدستوري في لبنان، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 2000، ص 134.

[37] - محمد المجذوب ، المجلس الدستوري في لبنان، محاضرة القيت في افتتاح السنة الجامعية في كلية الحقوق لجامعة الروح القدس- جبيل، مجلة الانوار في 15/10/1996.

[38] - حلمي الحجار، مفاعيل انشاء المجلس الدستوري، مجلة الحياة النيابية، كانون الاول 1994، ص 81.

[39] - سامي منصور ونصري دياب وعبده غصوب، القانون الدولي الخاص، تنازع الاختصاص التشريعي- الجزء الاول،  ص 54 وما يليها.

[40] - ادوار عيد، موسوعة اصول المحاكمات والاثبات والتنفيذ- الجزء السادس، دون ذكر لدار ومكان النشر، 1986، ص 318.

[41] - لتفصيل ذلك راجع جوزف مغيزل، المجلس الدستوري، العدل، السنة الثامنة والعشرون، 1994، ص 9 وما يليها.

[42] - محمد رفعت عبد الوهاب، مرجع سابق، ص 351.

[43] - علي عبد القادر القهوجي ، المعاهدات الدولية امام القاضي الجنائي، مرجع سابق، ص 61.

[44] - كميل حبيب و غالب فرحات ودينا المولى وخالد الخير وعصام اسماعيل، لا سلطة للمحكمة الخاصة بلبنان لملاحقة اعلاميين (موقف كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية من توجيه المحكمة الخاصة بلبنان الاتهام لوسيلتين اعلاميتين بجرم التحقير وعرقلة سير العدالة)، مجلة الحقوق والعلوم السياسية الصادرة عن الجامعة اللبنانية –كلية الحقوق والعلوم السياسية، العدد 2، 2014، ص 23 وما يليها.

[45] - الموقف الاول المتبني جواز التحكيم في عقود التمثيل التجاري:

  محكمة التمييز المدنية، الغرفة الاولى، القرار رقم 16، تاريخ 1988، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الاول، 1996، ص 80؛ محكمة البداية في بيروت، الغرفة الرابعة، القرار رقم 149/2914، تاريخ 16/6/1993، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الاول، 1996، ص 82؛ تمييز مدني، الغرفة الخامسة، القرار رقم 31، تاريخ 20/2/ 2003، العدل، الجزء الثاني، 2006، ص 610.

   الموقف الثاني المعارض لجواز التحكيم في عقود التمثيل التجاري:

استئناف بيروت، الغرفة الرابعة، تاريخ 2/9/1993، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الاول، 1996، ص 83؛ محكمة بداية بيروت، الغرفة الثالثة، رقم 2898/92، تاريخ 3/2/1994، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي ، العدد الاول، 1996، ص 83؛ استئناف بيروت المدنية، الغرفة التاسعة، تاريخ 7/10/2004، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد السابع والثلاثون، 2006، ص 31؛ تمييز مدني، الغرفة الرابعة، قرار رقم 50، تاريخ 4/12/2008، صادر للتمييز، القرارات المدنية، الجزء الاول، 2008، ص 579؛ تمييز مدني، الغرفة الرابعة، رقم 3، تاريخ 14/4/2005، صادر في التمييز، القرارات المدنية، الجزء الاول، 2007، ص 506؛ تمييز مدني، الغرفة الرابعة، رقم 64، تاريخ 30/3/2006، صادر في التمييز، القرارات المدنية، 2006، 696؛ تمييز مدني، الغرفة الرابعة، رقم 34، تاريخ 19/7/2001، صادر في التمييز، القرارات المدنية، 2001، ص 316.

[46] - جهاد رزق الله، تعليق على القرار الصادر عن محكمة التمييز المدنية، الغرفة الخامسة، القرار رقم 4، تاريخ 11/1/2005، شركة عبجي للمواد الاستهلاكية ش.م.ل./شركة مواسم تعنايل ش.م.ل.، العدل، العدد 2، 2005، ص 290.

[47] - انفرد سامي منصور في اطلاق تسمية القوانين الحتمية التطبيق في معظم دراساته وكتبه.

[48] - احمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري في القانون الدولي الخاص، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد الاربعون، 1984، ص 147.

[49] - بداية بيروت، الغرفة الثالثة، قرار اعدادي، تاريخ 5/4/1994، شركة الشرق الاوسط للتطوير/كومهو وزينون، العدل، السنة الثامنة والعشرون، 1994، ص 330.

[50] - تمييز مدني، الغرفة الرابعة، رقم 34/2001، تاريخ 19/7/2001، شركة الخطوط الجوية القبرصية/شركة سعادة وشركاه، العدل، 2001، ص 65؛ تمييز مدني، الغرفة الخامسة، رقم 4، تاريخ 11/1/2005، شركة عبجي للمواد الاستهلاكية/شركة مواسم تعانيل، العدل، العدد 2، 2005، ص 285.

[51] - بداية بيروت التجارية، رقم 27/1035، تاريخ 16/1/1972، حاتم ، الجزء 131، ص 11.

[52] - محكمة الدرجة الاولى، غرفتها الثالثة، تاريخ 5/4/1994، المذكور سابقاً، مع تعليق للدكتور عبده غصوب بذات العدد.

[53] - سامي منصور ونصري دياب وعبده غصوب، القانون الدولي الخاص- تنازع الاختصاص التشريعي، الجزء الاول، مرجع سابق، ص 912.

[54] - قرار محكمة البداية ، تاريخ 5/4/1994، المذكور سابقاً.

[55] - محكمة التمييز المدنية، الغرفة الاولى، رقم 59، تاريخ 9/12/1973، شركة عبد الرحمن سحمراني/ديكران ميناسيان، العدل، العدد الثالث، 1974، ص 277 وما يليها.

[56] - محكمة التمييز المدنية، الغرفة الرابعة، رقم 1، تاريخ 25/1/1994، الشركة المتحدة للتجارة والاطارات/موتوكوف مؤسسة التجارة الخارجية في تشيكوسلوفاكيا، باز، 1994، ص 333 وما يليها.

[57] - منشور في الجريدة الرسمية، العدد 28، 1982، ص 865.

[58] - تمييز مدني، الغرفة الرابعة، رقم 3، تاريخ 14/4/2005، شركة كلداني وشركاهم ش.م.م./شركة سيليه وبيلو والسيد بسام حشمة، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الاربعون، 2006، ص 83. مع تعليق لهادي سليم في ذات العدد من المجلة، ص 57.

[59] - محمد حسن قاسم، مبادئ القانون-مدخل الى القانون والالتزامات، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1998، ص 103 .

[60] - انور سلطان، المبادئ القانونية العامة ، دار النهضة العربية، بيروت، 1974، ص 101.

[61] - توفيق حسن فرج، الاصول العامة للقانون، الدار الجامعية، دون ذكر لمكان وزمان النشر، ص 146 وما يليها.

[62] - هشام علي صادق، تنازع القوانين، منشأة المعارف ، الاسكندرية، 1974، ص 98.

[63] - هادي سليم، التحكيم في التمثبل التجاري ومبدأ تسلسل القواعد القانونية، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الاربعون، 2006، ص 61 و62.

[64] - علي عبد القادر قهوجي، المعاهدات الدولية امام القاضي الجنائي، مجلة الحقوق، جامعة الاسكندرية، العدد الرابع، 1991، ص 983.

[65] - سامي منصور، النظام العام كعقبة امام تنفيذ القرارات التحكيمية في لبنان: مرونة التطبيق، المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الثالث والثلاثون، 2005، ص 7.

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان