ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

المصارف والزبائن في ميزان القانون


المصارف والزبائن في ميزان القانون

{{subject.Description}}

  • - دراسة تحليلية للأحكام القضائية في لبنان -

(المشاركة في الندوة التي نظمتها كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية

والتي عقدت بتاريخ 21/2/2020) ([1'])

 

لن تمر تصرفات المصارف بسلام !!!

هذا تهديد مشروع بالقانون، فمن يعطي شيكاً بلا رصيد يستطيع حامل الشيك أن يهدده بالدفع أو بالحبس أو بالدفع والحبس،  فكلا المطلبين هما من حقوق المدعي الاساسية. والمصارف هي في وضعية المدين (مظهر الشيك) ذاتها. فقد صادرت ودائع الزبائن وتمارس عليهم البلطجة والتشبيح معتمدة على فساد (أ) ومقولة (ب) تترتب عليهما نتائج (ج).

  • أما الفساد وبموضوعية وبعفوية المواطن العادي الذي تأذى وضج من الألم، فجهاته معروفة ، اعطوني دليلاً، أي دليل، على وجود سلطة لم "ينخرها" الفساد من كل جهاتها. ولسنا بحاجة الى دليل يثبت ذلك إذ "لا تعد المعلومات المستقاة من خبرة القاضي في الشؤون العامة المفروض إلمام الكافة بها من قبيل المعلومات الشخصية المحظر على القاضي أن يبني حكمه عليها" ونص المادة 141 من قانون أصول المحاكمات المدنية واضح لهذه الجهة.

فجرائم السلطة ثابتة لذاتها بدليل هذه الدرجة من الافلاس والانهيار الذي وصلت اليه هذه الدولة وبإقرار المسؤولين فيها، على المستويين الداخلي والدولي. فهو حديث متداول في كافة المجتمعات ومضرب مثال عن الفساد في الدول . في المقابل أن أي مواطن عادي يعطيك آلاف الأمثلة الموثقة على "نخر" الفساد للسلطة من أخمص قدميها الى آخر شعرة في رأسها. وقد ضجت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ، الوطنية والأجنبية بها حتى انفجرت!!!

إن هذه السلطة تشارك "كلها" بشكل أو بآخر بتشجيع وتغطية تصرفات المصارف واخلالها بعقودها وإلتزاماتها القانونية والأخلاقية مع المودعين، فهي من أوقع هؤلاء "في المصيدة" بإعلاناتها المغرية من على شاشات التلفزة واللوحات التي ملأت الأزقة والشوارع والاتوستردات "على مد عينك والنظر" مما خلق لدى الزبائن "اعتقاداً مشروعاً" بأن هذه المصارف هي الطريق الى الجنة، والاخلال بالثقة المشروعة الذي تولد عن هذه الممارسات هو عنصر أساسي من عناصر المسؤولية وفق ما جاء في قرار محكمة استئناف بيروت، الغرفة الثالثة، دعوى عودة/سماحة أساس 90 رقم 632 تاريخ 25/4/1968 ([1]).

  • أما المقولة ، وهي الأخطر، كونها تشكل "التحدي الأكبر" للقضاء بأن هنالك تعاميم موجهة للقضاة بعدم الفصل في الدعاوى المصرفية ومراعاة الوضع المصرفي العام والاقتصاد الوطني، الى ما هنالك من تخيلات، كالقول بان "التقاضي في وجه المصارف يواجه صعوبات من نوع آخر كون العديد من القضاة مدينين لهم بقروض سكنية وغيرها، ما يوجب على القضاء التنحي عند عرض النزاع عليه عملاً بنص المادتين 120 و 121 أصول محاكمات مدنية... فواقع الحال الناتج عن نفوذ المصارف وبطء إجراءات التقاضي وإمكانية تطويع الاجتهاد يؤدي الى تعجيز المواطنين وحرمانهم من حقهم بالحصول على أموالهم ويفرض عليهم التماشي على مضض مع قيود الأمر الواقع المصرفي"([2])  التي عبرت عنها كتابات على وسائل التواصل الاجتماعي ودراسات مكتملة تصف هذا الواقع وتنعته بأبشع الصور. "فموقف القطاع المصرفي الرسمي والخاص ينطوي على عناطر جرم إساءة الإئتمان، وهو يخالف قواعد التعاقد بين المصرف  والزبون([3]). وان "خلف تاريخ المصارف وضيائه يئن كل لبنان مثقلاً بوطأة زيفهم. زيف الإستقامة، والمواطن يرتمي مذلولاً في طوابير الإنتظار. زيف العبقرية والمواطن يترصد جنى درب أو تقاعد عمر.

"زيف التضحية والمواطن يترقّب أمام صناديقهم الفارغة. قطاع أبهر المجتمع اللبناني بدعاياته وإعلاناته حتى إنقضَّ على مدخراته في عزّ النهار دون حسيب أو رقيب متذرعاً بأوضاع البلد الإستثنائية ليتعسف في إستعمال ما منحه إياه القانون وليتعدى بمخالفاته وقيوده على مبادئ قانونية ثابتة عرفاً واجتهاداً..."([4]). إنتهاءً الى تحذير المصارف "إحذروا المصارف... فالقانون يحمي المودعين"([5]) ، فـ "قيود المصارف تسقط بضربة قضائية"([6]). وبحسب كتابات أحد المحامين العامين لدى محكمة التمييز على صفحته في موقع التواصل الإجتماعي (الفيسبوك) "قد يمر وقت طويل قبل أن يعرف اللبنانيون كيف ومن حوّل المليارات الى الخارج، فالمشكلة لا تقتصر على اصحاب الأموال وحسب وإنما تطال المصارف التي قصرت في موجب الإبلاغ عن عمليات الإيداع المشبوهة التي أجراها أشخاص معرضون سياسياً (EPS) وهي تقع تحت طائلة المادتين 7 و 13  من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44 لسنة 2015".

كل ذلك ينذر بجملة اعتراضات متصاعدة مع اشتداد أزمة متزامنة مع أزمات متفشية في مختلف القطاعات الانتاجية والمهنية، وتنذر بما هو أسوأ وأخطر على المدى المنظور.

إن هذه الاتهامات للقضاء أثبتت التجربة بإنها مجرد تشويش على العمل القضائي وتشويه للقضاء.

 فالثابت أن ميزان القضاء لم يتوان عن أن تميل كفته لناحية القانون وإلزام المصارف بتنفيذ موجباتها التي تفرضها القواعد الموجِّهة في العقود، كما أنه من الثابت أيضاً بأن الاحكام  التي أصدرتها المحاكم من خلال الدعاوى التي اقيمت على المصارف بأن العلاقة بين الزبائن والمصارف يحكمها قانوناً قاعدتان ملزمتان للمصارف هما :

  • القاعدة الأولى، أن المصارف هي مؤتمن ضروري على حقوق الزبون ومصالحه.
  • القاعدة الثانية، إن المصارف تخضع لأوامر الزبون بشأن وديعته بما يتوافق مع القانون وأحكام العقد المبرم مع المصرف وليس العكس.

اما ما يصدر من تعاميم عن أي مرجع مصرفي أتت، فإنها وفق تلك القرارات لا تلزم الزبون فهي تتعلق بشأن مصرفي كما انها لا تلزم القضاء . فالزبون يبقى حقه كاملاً باسترداد ما امن المصرف عليه ومتى يريد، طالما أنه لا مانع بنص في القانون يبرر عدم التزام المصرف بموجب الرد.  والقضاء لا يلتزم الا النص القانوني "وعند انتفاء النص يعتمد القاضي المبادئ العامة والانصاف" لا أكثر ولا أقل (المادة 4 أ.م.م. فقرة 4). أما التعاميم المصرفية والقرارات مهما كان مصدرها فهي ليست قانوناً، وليست قوة قاهرة بمعنى الواقعة الاستثنائية غير المتوقعة التي لا يمكن تجاوزها والتي تجعل تنفيذ هذا الموجب مستحيلاً ومهما بلغ التنفيذ من ارهاق، فالمصرف يبقى مسؤولاً ولا يعفى من موجب الرد لعدم توافر الشروط القانونية لهذا الإعفاء...

وفي ذلك قرارات قضائية  تؤكد هذه القواعد([7]) وتحدد الموجبات التي تخضع لها المصارف تجاه المودعين لديها على مستويين: قضاء الأمور المستعجلة (فقرة أولى) وقضاء محكمة التمييز وقضاء الأساس (فقرة ثانية).

 

فقرة أولى: قضاء الأمور المستعجلة في حماية حقوق المودعين

أن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو في  رسم دور القضاء ونطاق مهمته أليس هو في إعطاء القانون أبعاده وانعكاساته على الواقع، كما حسم النزاعات وتكريس أو إنشاء القواعد التي تنظم العلاقات القانونية وترسم لها نطاقها وتحدد طبيعتها ونظامها القانوني من شروط وآثار؟ وهل هنالك ما هو  أدل على ذلك من القرارات التي صدرت عن قضاء الأمور المستعجلة في إلزام المصارف التي تتمنع عن الإستجابة لطلبات زبائنها بحجة "تدهور الوضع الاقتصادي وتلافياً لتبعاته على العمل المصرفي والاقتصاد الوطني". وقد أكد ذلك القضاء على مبدأ قانوني عام هو "إن القضاء العدلي هو الحامي للملكية والحرية الفردية"([8]). ففي مواجهة المصارف التي تعنتت في الخضوع الى أوامر الزبائن بعدم تحويل أو صرف المبالغ المودعة لديها بحجة الوضع الاقتصادي المتأزم ومحافظتها على القطاع المصرفي وحمايته من الانهيار ووجود تعاميم مصرفية تفرض هذا الموقف السلبي على المصارف، صدرت أحكام مستمرة عن قضاء الأمور المستعجلة أدانت الإجراءات المصرفية. فقضي في القرار الأول الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس 558 لسنة 2019 رقم 93  بإلزام المصرف المدعى عليه "بتنفيذ موجباته ودفع قيمة الحساب العائد للمدعين فوراً دون تأخير تحت طائلة غرامة إكراهية مقدارها 20 مليون ل.ل. عن كل يوم تأخير وذلك نقداً ووفق الوسيلة التي ترتضيها الدائنة المستدعية"([9]) وقد تتالت بعد ذلك الأحكام عن قضاء الأمور المستعجلة في نفس هذا السياق.

من ذلك القرارات التالية:

  • قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس 562/2019 رقم 225 تاريخ 19/12/2019 حسن سعيد /بنك لبنان والمهجر ش.م.ل.  فرع النبطية([10])، قضى بسلفة وقتية على حساب وديعة المدعي لدى المصرف.
  • قاضي الأمور المستعجلة في بيروت أساس 601/2019 رقم 1 تاريخ 3/1/2020 أيمن حسين تراوي/بنك البحر المتوسط ش.م.ل. الادارة العامة([11])، الذي قضى بإلزام المدعى عليه فرع الروشة بتحويل مبلغ باليورو من حساب المدعي الى حساب ابنه لدى المصرف في فرنسا وفي اسبانيا تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها ثلاثة مليون ل.ل. عن كل يوم تأخير في التنفيذ. وقد ردت محكمة استئناف بيروت غرفتها الثالثة بتاريخ 13/2/2020([12]) طلب وقف التنفيذ الذي تقدم به المدعى عليه المستانف بنك البحر المتوسط طعناً بالقرار الصادر بالأكثرية مع مخالفة لرئيس المحكمة المنتدب، وهي تقبل المناقشة لجهة الأسباب التي بنيت عليها والنتيجة التي توصلت اليها. فهي قد ارتكزت "على طبيعة العلاقة بين المصرف وزبونه المستأنف بوجهه"، وأيضاً "على وجود موجب على عاتق المصرف بإجراء التحويل Virment المطالب به " وعلى "طريقة إثباته في ضوء ظاهر المستندات المبرزة" .

 فلجهة طبيعة العلاقة ليس هنالك ما هو اوضح من العلاقة بين المصارف وزبائنها، وهي تستند الى عقد مصرفي ويكون عادة دفتر توفير أو ما شاكل. ودفتر التوفير بإجماع الفقه والقضاء هو سند دين يندمج فيه الحق والقوة الثبوتية لقيوده تكون مطلقة إذا تذرع بها المدخر بوجه المصرف ([13]). كما جاء في قرار محكمة الدرجة الاولى في بيروت، الغرفة الثالثة، رقم 51 تاريخ 4/3/2010، فريدة أبو رجيلي/جمال ترست بنك ش.م.ل. ([14]) ، جاء فيه :

"وحيث أنه يفهم من هذه النصوص أن الدين ودفتر التوفير يشكلان وحدة لا تتجزأ ولا يمكن فصل الأول عن الثاني إذ يعتبر هذا الدفتر مجسداً للدين Il représente la créance وهو السند الذي يندمج فيه الحق، من هنا يقتضي استبعاد اعتباره مجرد وسيلة اثبات لهذا الحق طالما أنه عنصر وجوهر له، وحيث أن النصوص المشار اليها اعلاه هي ذات طبيعة أمرية ومتعلقة بالنظام العام،  وهذه النصوص هي 166169 من قانون النقد والتسليف".

"وحيث أنه تبعاً لما تقدم ، يمسي دفتر التوفير بقيوده وبما انطوى عليه، متمتعاً بقوة ثبوتية مطلقة متى تذرع به المدخر بوجه المصرف...".

فبوجود دين ثابت ومستقر للزبون وعقد بالزامات واضحة بينه وبين المصرف تكون شروط تدخل قضاء العجلة متوافرة بالكامل. فالظاهر يثبت حقاً واضحاً للمدعي لا نقاش فيه وطلباً واضحاً منه بالزام المصرف إيفاءه بأي شكل من أشكال هذا الدين أو جزءاً منه ، وكل امتناع عن الايفاء بأي شكل من الاشكال التي يطلبها الزبون وفق القواعد المصرفية المتعارف عليها والأعراف التجارية – والعرف التجاري هو مصدر اساسي من مصادر قانون التجارة (المادة الرابعة منه) -  يشكل بذاته تعدٍ واضح على الحقوق يفرض تدخل قاضي الأمور المستعجلة عند الطلب لازالة هذا التعدي عملاً بأحكام المادة 579 فقرة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية. أما إشارة المخالفة الى طبيعة العلاقة بين المصرف والزبون فهي لا تقدم أي سبب لرفض اختصاص قضاء الأمور المستعجلة فهي علاقة تعاقدية عادية بين مصرف وزبون وتخضع لنفس القواعد التي يخضع لها اي عقد.

إن ما جاء في المخالفة من أسباب تحت عبارة "وأيضاً" الواردة في متن المخالفة هي اسباب عامة تُعْتَمدْ في كل الحالات لتأييد تحقيق الطاعن وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وتستعمل عادة لإبعاد اختصاص قضاء الأمور المستعجلة للنظر في الدعوى وهي أنه يوجد نزاع جدي  الذي يستوجب رفع يد قاضي الأمور المستعجلة عن الدعوى، ولكن في الواقع لا يتبين لنا من المخالفة أين هي مكامن النزاع الجدي أمام علاقة مصرفية واضحة ومستندات واضحة وطلب واضح من مالك الحق، الزبون،  من المصرف الوديع المؤتمن والموكل اليه هذا المال لحمايته وصيانته كمؤتمن ضروري على مصالح الزبون وتنفيذ أوامره.

في المقابل ردت محكمة الاستئناف في البقاع بتاريخ 23/1/2020 طلب وقف التنفيذ المقدم ضد قرار قاضي العجلة في زحلة الصادر في 13/1/2020 ، والقاضي بإلزام بنك الاعتماد اللبناني بإجراء عملية تحويل خارجية بمبلغ 163 الف دولار اميركي الى مصرف في الصين، مما يكرس حسب القرار دور القضاء اللبناني في الحفاظ على سمعة لبنان المصرفية الداخلية والخارجية ويؤكد بأن المودع هو الطرف الأجدر بالحماية ... والأهم ان القرار أضاء على طلب حاكم مصرف لبنان من وزير المال تاريخ 9/1/2020 باعتباره إقراراً واضحاً وصريحاً بعدم قانونية الكابيتال كونترول (أي القيود المصرفية على رؤوس الأموال).

 

  • قاضي الأمور المستعجلة في زحلة رقم 5 تاريخ 13/1/2020 ، المدعي محمد اسماعيل عبد الرحمن المدعى عليه بنك الاعتماد اللبناني ش.م.ل.([15]) الذي اعتبر أن إلزام قضاء الأمور المستعجلة لأحد المصارف بعملية تحويل خارجية هو تكريس لدور القضاء اللبناني في الحفاظ على سمعة لبنان المصرفية الداخلية والخارجية ويؤكد أن المودع هو الطرف الأجدر بالحماية. 
  •  قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس 565/2019 رقم 4 تاريخ 7/1/2020 المدعي ماجد أبو زيد، المدعى عليه بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية([16])، القاضي بتحويل مبلغ من حساب المدعي دولياً الى حساب المدعي الكائن بنك  HSBC في دبي فرع جبل علي فوراً تحت طائلة غرامة إكراهية مقدارها عشرة ملايين ل.ل. عن كل يوم تأخير.
  • قاضي الأمور المستعجلة في النبطية القرار رقم 27 تاريخ 13/2/2020 ، المستدعية السيدة فاطمة حطيط بوكالتها عن ابنها يوسف حطيط والمستدعى بوجهه بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية([17])، مدلية بأن المصرف رفض تسليمها حساب ابنها بموجب الوكالة المذكورة وهي تعاني من مرض وتحتاج للعلاج وطلبت الزام المصرف بدفع قيمة الحساب المنوه عنه بموجب قرار نافذ على أصله. وقد أصدر قاضي الأمور المستعجلة في النبطية قراره بإلزام المستدعى ضده بتسليم المستدعية مبلغ 11.396.850 ليرة لبنانية الموجود في حساب الوديعة العائد لها فوراً لاستكمال علاجها من مرضها تحت طائلة غرامة اكراهية مقدارها مليون ليرة عن كل يوم تاخير . هذا ولم يكن القرار بحاجة الى تبرير أسباب طلب سحب المبلغ من الحساب، لأن المسألة وكما بين قرار  قاضي الأمور المستعجلة في بيروت تاريخ 3/1/2020 المشار اليه، هي مسألة شخصية لا يقتضي أن يكون لها تاثير على القرار. فهنالك دين ثابت على المصرف مصدره دفتر التوفير الذي هو وسيلة اثبات مطلقة بحد ذاته لا ترد كما بينا، فيستغنى به عن سائر وسائل الاثبات لأن لدفتر التوفير حجة قاطعة التي لا يحق للمصرف نقضها بالدليل المعاكس ، وهو ما سبق أن أكده قضاء الأساس([18])، إلا إذا كان الهدف الذي رمي اليه قرار قاضي الأمور المستعجلة في النبطية هو اثبات حالة العجلة والضرورة الملحة التي تستدعي تدخل القضاء المستعجل. وهذا الهدف هو بدوره ايضاً لا مبرر له لإلزام المصرف بالإيفاء، لأن حبس المصرف للأموال المودعة والثابتة يقيناً بدفتر التوفير يشكل تعدياً واضحاً على الحقوق يفرض على قضاء الأمور المستعجلة "بالصفة ذاتها أن يتخذ التدابير الآيلة الى إزالة التعدي الواضح على الحقوق أو الأوضاع المشروعة، الامر الذي تفرضه طبيعة القضية.
  • إما القرارات القليلة الصادرة عن قضاء الأمور المستعجلة التي ردت  بموجبها المحكمة الدعاوى المصرفية بإلزام المصارف بدفع حقوق المودعين إنما كانت تتعلق بوقائع خاصة  تفرض عدم اختصاص قاضي العجلة من ذلك :
  • 1-  قرار قاضي الأمور المستعجلة في بيروت أساس رقم 581/2019 قرار رقم 103 لسنة 2020 تاريخ 13/2/2020  المدعي نبيه ناصر المدعى عليه سوسياتيه جنرال في لبنان ش.م.ل. يتناول عقد مجمد بموجب أحد البنود في العقد بين المصرف المدعى عليه والمدعي ناصر مضمونه ان يكون الحساب مجمداً لستة أشهر قابلة للتجديد ، وقد قدمت الدعوى بصرف المبالغ اثناء فترة التجميد مما حمل المحكمة لردها لعدم استحقاق الدين. جاء في القرار:

"حيث بالعودة الى معطيات الدعوى والى ظاهر المستندات يتبين بأن المدعي يملك حساب توفير وقد وافق على تجميده لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد... ولم يثبت من إدلاءات العميل المدعي أنه اتفق على مخالفة البند السادس من العقد الذي يكرس التجديد التلقائي . لذلك فإنه عملاً بمفاهيم التجديد وتطبيقاً لبنود العقد تمسي الوديعة المجمدة اتفاقاً في حساب التوفير غير قابلة للدفع قبل موعد استحقاقها الجديد الأمر الذي يزيل عن التعدي المشكو منه في المرحلة الراهنة صفة الوضوح الواجب ملازمتها لبرير تدخل قضاء العجلة لإزالته.

"وحيث أنه تبعاً لإنتفاء التعدي الواضح عن حقوق المدعي، يقتضي رد الدعوى لعدم توافر الشرط الوحيد لتطبيق المادة 579 أ.م.م." إذ يفترض في التعدي الواضح أن يكون العمل المشكو منه فادحاً وصارخاً بعدم مشروعيته وعدم قانونيته بشكل لا يثير الإلتباس حول وصفه، الأمر الذي نفته المحكمة لوجود ما اعتبرته تجديداً اتفاقياً للحساب الذي بسببه لم يستحق. وهذا القرار هو موضع طعن جدي في الموضوع.

فيفهم من حيثيات هذا القرار إذن إن عدم تدخل قضاء الأمور المستعجلة في هذه القضية سببه إنتفاء التعدي لأن المبلغ المطالب به، كان مجمداً بإرادة عقدية وببنود متفق عليها على التجميد لفترة زمنية محدودة بين المصرف والزبون،  مما ينتفي معه شرط التعدي الواضح على الحق  عندما تقدم المطالبة به خلال فترة التجميد([19]). فبزوال فترة التجميد يستعيد قضاء الأمور المستعجلة صلاحيته في إلزام المصرف بتسديد حقوق المودعين لأن وفق ما بينته القرارات السابقة المستمرة الصادرة عن هذا القضاء يستعيد التعدي شروط تطبيقه. فما منعه القرار هو أن يستوفي المدعي حقه في المرحلة الراهنة من المطالبة لإنتفاء صفة الوضوح بسبب أن الحساب كان مجمداً بالاتفاق بين المدعي والمصرف فبزوال فترة التجميد يستعيد هذا القضاء صلاحيتها في تطبيق المادة 579 فقرة الثانية أ.م.م.

  • 2- قرار قاضي الامور المستعجلة في جزين اساس رقم 83/2020 رقم 5 تاريخ 25/2/2020 المدعي المحامي شربل حرفوش المدعى عليه فرنسبك ش.م.ل فرع جزين، وسبب رد الدعوى أن الحق لم يكن واضحاً . وقد أقيمت الدعوى على اساس الفقرة الثانية من المادة 579 من قانون اصول المحاكمات المدنية التي جاء فيها بأنه "للقاضي المنفرد أن ينظر بوصفه قاضياً للامور المستعجلة في طلبات أتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية دون التعرض لأصل الحق" كما جاء في الفقرة الثانية من المادة "وله بالصفة ذاتها أن يتخذ التدابير الآيلة الى إزالة التعدي الواضح على الحقوق أو الأوضاع المشروعة". فبعد إن ميزت المحكمة بين الفقرتين الأولى والثانية من المادة قررت ما يلي "حيث أن المدعي يسند دعواه الحاضرة الى أحكام الفقرة الثانية من المادة 579 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي تنص على أن لقاضي الأمور المستعجلة إزالة التعدي الواضح على الحقوق والأوضاع المشروعة .

" وحيث ان الشرط الوحيد  لانعقاد اختصاص القضاء المستعجل سنداً للفقرة الثانية السالفة الذكر هو وجود التعدي الواضح على الحقوق دون البحث في توافر عنصر العجلة لأن التعدي بذاته يستوجب حكماً اتخاذ التدبير المستعجل الآيل الى رفعه بخاصة وإن ركن الاستعجال يلازم الاعتداء ، وكذلك لا يبحث في شرط عدم لتصدي لأصل الحق واساس النزاع لأنه يتوجب على قاضي الأمور المستعجلة، في ظل الفقرية الثانية، تبرير عدم التعرض لأساس الحق وعليه أن يتناول بالبحث جميع المستندات المبرزة من الفريقين توصلاً لمعرفة ما إذا كان الحق المدعى به ظاهراً والتعدي واضحاً واكيداً لا إلتباس فيه وساطعاً بعدم مشروعيته وعدم قانونيته ولا منازعة جدية حوله، مع الإشارة الى أن فعل التعدي هذا ، وإن طال أمده، لا يصبح وجوده مبرراً ولا تسبغ عليه أية مشروعية.

"وحيث أن في ذلك ما يعني أنه في معرض الدعاوى المسندة الى الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م. يجب التركيز في البحث بعد التحقق من وجود الحقوق والأوضاع المشروعة، على وضوح التعدي كشرط وحيد لتطبيقها...

"وحيث أن التعدي وفق يمفهوم المادة المذكورة هو كل فعل يصدر عن شخص خارج إطار حقوقه المشروعة، بما يخالف أحكام القانون أو الموجبات العقدية، ويطال حقوق الآخرين المشروعة ، علماً أن التعدي لا يشترط عنصر الضرر باعتبار أنه ينطوي حكماً على ضرر أصاب المعتدى عليه دون حاجة الى ضرورة إثباته.

"وحيث أن المدعى يدلي بأن المدعى عليه يمتنع عن تسليمه الوديعة الموجودة في الحساب المصرفي الجاري ما يؤدي بذاته الى إلحاقه ضرراً بأمواله وبأعماله وفي إلتزاماته العادية.

"وحيث انه يتبين من العقد الموقع بين الطرفين أنه حدد شروط السحب والإيداع والتحويل حيث يمنح المدعي للمصرف صراحة في طلب الحساب الموقع منه شخصياً منح المصرف حق تحديد سقوف السحب وكيفية التسديد واختيار عملة التسديد...

"وحيث ان المدعي يطلب إلزام المدعى عليه بتسليمه كامل رصيد حساب التوفير، ما يجعل طرح مسألة اتجاه إرادة المدعي نحو إقفال حسابه لدى المصرف المدعى عليه، بما يفترض ذلك الإقفال من شروط منصوص عنها في العقد .

"وحيث أن إقفال الحساب يؤدي الى فسخ العقد الموقع بين المدعي والمدعى عليه وإنهائه فلا يمكن إدراجه تحت أحكام المادة 579 أ.م.م. ...

"وحيث أن المدعي يطلب إلزام المدعى عليه فرنسبنك فرع جزين بتسليمه كامل حسابه المفتوح لدى المصرف بالعملة الأميركية ...

وحيث يكون بالتالي إيفاء المدعى عليه لدينه بموجب شيك مصرفي أو تحويل مصرفي لحساب آخر كما أبدى استعداده، وبموجب وسيلة مبرأة لذمة المدين ومعترف بها قانوناً من شأنه أن ينزع عن التعدي في حال وجوده صفة الوضوح ...

"وحيث أن البحث في مدى اعتبار نية المدعي نحو إقفال حسابه وبالتالي طلب تسليمه كامل الرصيد أم لا، والبحث في مدى إمكانية إلزام  المدعى عليه أداء بموجب تعاقدي منصوص عليه في العقد الموقع بين المصرف والمدعي، ومدى أحقية ذلك أم لا، تستوجب تفسير مضمون العقد الموقع بين الفريقين الناشئة عنه وشروطها واستحقاقها والوقوف على نية المتعاقدين ولا سيما المدعي في ضوء مطالبه في الدعوى الراهنة، سواء لجهة إنهاء العقد وإقفال الحساب وتسليم الوديعة ، ما يجعل قاضي الأمور المستعجلة غير مختص للنظر في النزاع المذكور.

"وحيث تبعاً لما تقدم فإنه لا يمكن مما هو مدرج في الملف تحديد مدى استحقاق الموجب الملقى على عاتق المدعى عليه بإعادة الوديعة الى المدعي، وتبعاً لذلك مدى إمكانية غلزام المدعى عليه بإنفاذ موجباته العقدية تجاه المدعي ، ومدى إتجاه نية المدعي بإقفال حسابه لدى المدعى عليه، وإنهاء العقد مع ما يتطلب ذلك من تفسير العقد والوقوف على نية المتعاقدين ، الأمر الذي يضفي على المنازعة طابع الجدية...

"كل ذلك مسائل تجعل التعدي موضوع الدعوى في حال وجوده مفتقراً الى الوضوح الأمر الذي يقتضي معه رد الدعوى لخروج أمر النظر فيها عن اختصاص هذه المحكمة..."

لأسباب رد الدعوى هنا أيضاً ليست هي مبدأ عدم الاختصاص. فالمسائل المثارة في الدعوى حسب القرار هي في وقائعها معقدة تضفي على التعدي طابع الغموض وعلى اختصاص قاضي الأمور المستعجلة في فصلها طابع الجدية.

 

 

 

إن الدراسة التحليلية لقرارات قضاء الأمور المستعجلة في النزاعات المصرفية التي عرضت على هذا القضاء، تُبْرِزُ تأكيداً على جملة مبادئ تتوزع بين قسمين.

القسم الأول: مبادئ عامة شكلية تحكم العلاقة من ناحية اختصاص قضاء الأمور المستعجلة للنظر في النزاعات المصرفية.

القسم الثاني: مبادئ عامة موضوعية من ناحية طبيعة العلاقة النزاعية بين المصرف والزبون.

في القسم الأول، أطلقت تلك الأحكام  مبدأ هو حق قضاء الأمور المستعجلة في الفصل في النزاعات بين المصرف والزبون لنوعين من الأسباب: شكلية وموضوعية.

النوع الأول من تلك الأسباب (وهو شكلي) يتعلق باختصاص هذا القضاء.

النوع الثاني من تلك الأسباب (وهو موضوعي) يتعلق بطبيعة العلاقة بين المصرف والزبون.

في النوع الأول الشكلي من الأسباب : ومنذ القرار الأول الذي صدر عن قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس رقم 558 لسنة 2019 رقم 199 تاريخ 25/11/2019، شركة كومرس انترناسيونال ش.م.ل./بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية([20])، نجد أنه ارتكز على أحد سببين:

 

السبب الأول، لانعقاد صلاحية قضاء الأمور المستعجلة هو أن يكون هنالك تعدٍ واضحٍ على الحقوق وإن أولى مهمات قضاء الأمور المستعجلة هي النظر في طلبات اتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية دون التعرض لأصل الحق، وله بالصفة ذاتها ان يتخذ التدابير الآيلة الى إزالة التعدي الواضح على الحقوق والأوضاع المشروعة. وقد جاء في قرار القاضي المنفرد في بيروت الناظر في قضايا الأمور المستعجلة أساس رقم 601 لسنة 2009 قرار رقم 1 تاريخ 13/2/2020، المدعى تراوي، المدعى عليه بنك البحر المتوسط ش.م.ل. ما يلي: "إن التعدي المقصود بحسب مفهوم الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م. الذي يطلق اختصاص قضاء الأمور المستعجلة هو كل فعل  أو امتناع عن فعل يصدر عن شخص خارج نطاق حقوقه المشروعة ويلحق ضرراً بالغير سواء في حقوقه أو أمواله أو سلامته وما سواها، وهو فعل الغاصب أو غير المشروع أو المخالف لقواعد ذات صلة بالسلوك المهني أو الوظيفي الذي يفترض عدم وجود نزاع جدي بشأن تحققه وبشأن صفة الوضوعح العائدة له وأنه بذلك يتعين على أن يكون التعدي خارج نطاق أية تفسيرات أو تأويلات واقعية أو قانونية ولا يقوم حوله أي شك ". وبالتالي يكون المصرف المدعى عليه وللأسباب التي بينها القرار "قد خرج عن نطاق حقوقه المشروعة برفض التحويل المطلوب من المدعي لأن هذا الرفض، وفق القرار، ليس بحق مشروع للمصرف على النحو المبين، وتعدي بالنتيجة بكل وضوح على حقوق المدعي التعاقدية المكرسة الواضحة غير المحتاجة الى تأويل ولا تفسير ولا استنباط. وهو تعدي واقع على حق المدعي على أمواله وبالتصرف بها بحرية مطلقة وبتحويلها داخلياً وخارجياً وباختيار الخيار ؤالذي يناسبه هو ، أي المدعي، وليس ذلك الذي يفرضه عليه المصرف. وتجدر الإشارة، دائماً حسب القرار، الى أن ليس للمصرف المدعى عليه الدخول في نقاش مع عميله حول أسباب التحويل والمبالغ المطلوب تحويلها ومدى صحة مقدارها ومدى ملاءمة وانطباق المستندات المبرزة منه مع أقواله وإدلاءاته لناحية قيمة الأقساط المتوجبة أو إيجار المسكن أو سائر المصاريف التي ادلى بها المدعي، ومدى حاجة المدعي الملحة الى إجراء هذا التحويل ومدى وجود الضرر المحدق والمؤكد وقوعه في حال عدم إجرائه لأن المبدأ هو حق المدعي المطلق بإجراء التحويل وبإلزام المدعى عليه  طالما لم يتوفر أي سبب مشروع يبرر للمصرف الرفض . فالمصرف ليس بولي امر عملائه بل هو مدين لهم بأموالهم وودائعهم وبالخدمات التعاقدية التي إلتزم تقديمها لهم.

 

السبب الثاني، لانعقاد اختصاص قضاء الامور المستعجلة هو طلب السلفة الوقتية، وفق ما جاء في نص المادة 579 أ.م.م. فقرتها الثالثة من أنه في الحالة التي يكون فيها وجود الدين غير قابل لنزاع جدي، يجوز لقاضي الأمور المستعجلة منح الدائن سلفة وقتية على حساب حقه. وهو ما طبقه قاضي الأمور المستعجلة في النبطية قرار رقم 225 تاريخ 19/12/2019 ، المدعي حسين سعيد/المدعى عليه بنك لبنان والمهجر([21]). حيث جاء فيه على انه "... ومن نحو ثالث فإن الفقرة الثالثة من المادة 579 أ.م.م. أجازت لقاضي الأمور المستعجلة منح الدائن سلفة وقتية على حساب حقه التي يكون فيها الدين غير قابل لنزاع جدي ...وإن منح السلفة الوقتية يدخل ضمن الصلاحية النوعية لقاضي الأمور المستعجلة.

"وحيث أن الدين المقصود بنص الفقرة الثالثة 579 أ.م.م. هو الدين الثابت والأكيد في مبدأ تحققه وتوجبه ولا يثار شك حول وجوده أو صحته ولم يكن محدد القيمة فلا يكتمل تعريف الدين غير القابل لنزاع جدي إلا إذا تحقق قاضي العجلة من توافر يقينين: يقين بجدية الدين المطلوب سلفة وقتية بشأنه ويقين بعدم جدية الأسباب التي يدلي بها المدعى عليه لرد طلب السلفة وإن أي شك يزعزع أحد هذين اليقينين ينزع عن الدين صفة الدين غير القابل لنزاع جدي".

 

النوع الثاني  الموضوعي من الأسباب : المتعلق بطبيعة العلاقة بين المصرف والزبون ، فقد وضعت تلك الأحكام المذكورة الصادرة عن قضاء الأمور المستعجلة المشار اليها في المتن، عدة مبادئ ردت بموجبها ما تقدمت به المصارف المدعى عليها لرد الدعاوى المقامة بوجهها وموضوعها هو طلب تحويل قسم من ودائعها لدى المصرف، وهي التالية:

 

  • أن الاحتجاج بالأزمات والتعاميم المصرفية على أنواعها ليست من موانع تطبيق القانون وإحقاق الحق، فوفق قرار قاضي الأمور المستعجلة في زحلة أساس مدور رقم 72 لسنة 2020 رقم 5 تاريخ 13/1/2020 محمد عبد الرحمن/بنك الاعتماد اللبناني ش.م.ل. فرع بر الياس([22])، فإن "إدلاء المصرف المدعى عليه من جهة أولى بأن رفضه إجراء التحويل المطلوب الى الخارج يبرره الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد والتدابير المشددة التي اتخذتها جمعية المصارف بالتشاور مع مصرف لبنان لا سيما الواردة في التعميم رقم 428 لسنة 2019 تاريخ 7/11/2019 ، وأنه على المدعي أن يتحمل مسؤولية فعله المتثمل بشراء بضاعة من الخارج وبتاريخ لاحق للتعميم المذكور، وفي الفترة التي كانت فيها المصارف مقفلة بسبب الأزمات النقدية التي تمر بها البلاد.

"وحيث بمراجعة مضمون التعميم المذكور يتبين أن البند الثاني منه نص على أن التحويلات الى الخارج تكون فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحة كما ذكر فيه أن مضمونه لا يشكل قيوداً على حركة الأموال، إنما مجرد توجيهات عامة ومؤقتة أملاها الحرص الشديد على مصالح العملاء والمصلحة العامة لتجاوز الظروف القائمة ...

"وحيث ومن باب أولى A fortiori فإن التعاميم المذكورة لا تتمتع بأية صفة ملزمة تجاه العملاء ولا يمكن بأي شكل من أشكال الحد من حق هؤلاء بإجراء أي عملية مصرفية مستوفية الشروط المصرفية المتعارف عليها وغير المخالفة للقوانين والأنظمة، لأن في ذلك تقييد لحرية التداول برؤوس الأموال وهو حق مستقى من القانون الطبيعي اللصيق بصميم الطبيعة البشرية ومكرس بالدستور اللبناني والمعاهدات الدولية الراعية لحقوق الإنسان الأساسية، التي أحالت اليها مقدمة الدستور اللبناني.

" وحيث أن أي قيد على رؤوس الأمول Capital Control من قبل جمعية المصارف يحتاج الى تشريع   الأمر غير الحاصل في لبنان حتى تاريخه...

"وحيث علاوة على ذلك، ومن جهة ثالثة فإن المصرف المدعى عليه يدلي بوجود ظروف استثنائية في البلاد متمثلة بالأزمة الاقتصادية والمصرفية التي تحتم على المصرف الامتناع عن أي تحويل مصرفي حفاظاً على استقرار القطاع المصرفي وحماية لمصالح العملاء على حد سواء، مشدداً على البت بمدى وجود قوة قاهرة من عدمه يشكل تعرضاً لأساس النزاع .

"وحيث ان الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد والتي يتذرع بها المصرف المدعى عليه لا ترقى الى مستوى القوة القاهرة، أي الحدث غير المتوقع والذي لا يمكن تفاديه، والخارجة عن إرادة من يتذرع به دفعاً للمسؤولية عنه، لأن أزمة السيولة في العملتين الوطنية والأجنبية على حد سواء كانت متوقعة من قبل الخبراء الماليين ، وكان من الممكن تفاديها مما يقتضي معه رد أقوال المصرف المدعى عليه المخالفة لهذه الجهة.

"أما الإدلاء بتحميل المصرف للمدعي مسؤولية شراء بضائعه بتاريخ لاحق لدخول البلاد في الأزمة الاقتصادية الحالية هو يعني أن يكون المطلوب هو أن يقوم جميع التجار في لبنان بتجميد تجارتهم وتصفية شركاتهم  حفاظاً على الاستقرار المصرفي وضماناً لبقاء الودائع في المصارف اللبنانية، وهو أمر مستغرب ومستهجن ويجب مجابهته بواسطة الوسائل القانونية المتالحة لا سيما اللجوء الى القضاء اللبناني وعلى وجه الخصوص قضاء الأمور المستعجلة الذي اعتاد أن يحمل لواء حماية الحريات والحقوق الفردية الأساسية للإنسان بشكل عام، والمعول عليه حالياً لإنقاذ قطاعات الاقتصاد اللبناني من النهيار المحتم الذي تسببت به مجموعة التدابير المشددة المطبقة من المصارف اللبنانية، لا سيما منع التحويلات الى الخارج، ووضع حد أقصى للمبالغ النقدية بالعملة الأجنبية التي يمكن سحبها... ما انعكس على سعر صرف الليرة اللبنانية ...".

وهو الموقف الذي أكده أيضاً قرار القاضي المنفرد في بيروت الناظر في قضايا الأمور المستعجلة المشار اليه دعوى أيمن تراوي/بنك البحر المتوسط ([23])، حيث جاء في القرار " أمام هذا الواقع فإن الأزمة المتذرع بها من المصرف لم تنتج عما يحصل منذ 17 تشرين الأول سنة 2019 ، بل هي أحد مسبباته ومن العجيب أن يأتي المسبّب مجدداً ليقتص ممن هو غير مسؤول عن الوضع فيحمّله تبعة ذلك،  ويحتجز أمواله كي لا يقع هو في اي خسارة. فالخيار أمام المصارف في لبنان إما الربح عند عدم وجود الازمات وإلا احتجاز أموال المودعين إذا وجدت أزمات سببتها خيارات التوظيف السيئة إئتمنوا عليها مما يوجب رد ما أدلي به في هذا الصدد.

وفضلاً عن ذلك فإن مقدمة الدستور اللبناني نصت على أن النظام الاقتصادي هو حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة، وهذا القانون هو الأسمى في الدولة لا يعلوه أي قانون آخر، كما أن القوانين اللبنانية تضمن حركة رؤوس الأموال من وإلى لبنان الذي يقوم على التبادل الحرّ ، إحدى ركائز الإقتصاد اللبناني فيبنى على ما تقدم إن أي قيد لحق الفرد بملكيته الخاصة من شأنه أن يشكل مخالفة لقاعدة دستورية وردت في الوثيقة الدستورية، كما أن أي تقييد في حركة رأس المال يشكل مخالفة للقوانين المرعية الإجراء. من هنا فإن أي تقييد بحق المدعي بتحريك حسابه بحرية مطلقة وبإجراء تحويلات مالية منه سواء داخلية أو خارجية، يشكل خرقاً للمبادئ الدستورية والقانونية اعلاه، لا يجوز تبريره بأي تعميم مصرفي عملاً بقاعدة سمو الدستور على النحو المبين...".

 

  • إن قضاء الأمور المستعجلة يعمل على ترجيح الحق الأجدر بالحماية . "وحيث من المسلم به فقهاً واجتهاداً أنه يفترض بقاضي الأمور المستعجلة عند تنازع حقين أمامه، أن يرجح الحق الأجدر بالحماية علماً أن هذا الحق ليس الحق الذي يرتأي القاضي  المذكور وفق تقديره أنه الأجدر بالحماية، إنما الحق الحيوي كحق الإنسان بالطعام والشراب والعمل ... ومجمل الحقوق الأساسية اللصيقة بالطبيعة البشرية لا سيما حق بالملكية الفردية مع ما تستتبعه من حرية التصرف بالممتلكات الفردية والأموال ضمن حدود احترام القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، والمتمثلة في القضية الراهنة بحق العميل بالتصرف برصيد حسابه غير المجمد، وفق ما يشاء وما تقتضيه مصلحته ، وأن المحكمة الحاضرة ترى أن الحق الأجدر بالحماية في هذه القضية هو حق المدعي العميل التصرف بماله المودع في المصرف بالطريقة التي يرتأيها، لا سيما عبر إجراء تحويل الى الخارج بالعملة الأجنبية، طالما أن تحويله مستوفٍ للشروط... مما يقتضي معه رد إدلاءات المصرف المخالف لهذه الجهة"([24]).

 

  •  إن التحويل المصرفي هو من الموجبات التي تدخل في المهام المصرفية يؤكده العرف والعادات المصرفية. والتعامل هو مستمر بهذه الوسيلة إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الدولي "فالمصرف المدعى عليه اعتاد أن يجري التحويلات المصرفية لمصلحة المدعي ... وبأن التحاويل المصرفية هي من الأعمال التي يقوم بها المصرف في الظروف العادية لحساب عملائه .

 

"وحيث أن التحويل المصرفي Virement bancaire سواء أكان داخلياً أو خارجياً، وبصرف النظر عن تعريفه ومرتكزه القانوني، هو من العمليات المصرفية الاعتيادية واليومية التي درجت المصارف اللبنانية والأجنبية على تأديتها لمصلحة عملائها، وذلك تماشياً مع العولمة والتعامل التجاري العابر للحدود ، الذي كان سبباً لنشوء تقنيات حديثة لتسهيل حركتي الاستيراد والتصدير من والى مختلف البلدان، منها تقنية التحويل المصرفي الذي لحظت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي CNUDCI بصدده قانوناً نموذجياً بتاريخ 15/5/1992 .

"وحيث أن المصرف لا يملك سلطة رفض إجراء التحويل المصرفي في حال تلقى أمر تحويل مستوفياً الشروط المصرفية المتعارف عليها، دون أي عذر مقبول ... بحيث ان التحويل المصرفي أضحى عملاً قانونياً شكلياً يرتب آثاره نتيجة قيود كتابية، فلم يعد ينظر اليه كعملية رضائية أو عقد وإنما كوسيلة تنفيذ عقدين قائمين وسابقين على إجراءه . فالمصرف ينفذ التزاماً عليه تجاه دائنه" مما يفرض رد الإلاءات المخالفة لهذه الجهة"([25]).

"فالعرف التجاري المعمول به لدى المصارف لا يعطي المصرف سلطة استنسابية في تقرير إجراء الحوالة المطلوبة من العميل الى خارج البلاد وان الدولة المطلوب إجاء التحويل اليها ليست من عداد الدول المحظر إجراء التحاويل لها وأن هوية المستفيد من التحويل واضحة ولا يعتريها شائبة لناحية شخصة أو بيانات حسابه. فيكون امتناع المصرف المدعى عليه في حالة المنازعة الراهنة عن إجراء الحوالة المطلوبة غير مسند الى ما يبرره مما يفرض رد إ دلاءات المصرف المخالفة لهذه الوجهة").

 

  • إن عدم تنفيذ المصرف للمطالبة باسترداد الوديعة أو التحويل المصرفي يخالف ما نصت عليه المادة 249 من قانون الموجبات والعقود إذ أن للدائن حق باستيفاء موضوع موجبه بالذات، كما أن المادة 293 من هذا القانون قد نصت أيضاً على أن التنفيذ يجب أن يتم بين يدي الدائن أو وكيله او بين من يحوز تفويضاً منه الا في حالات استثنائية لا تتوافر أي منها في الوضع الراهن، وبالتالي فإن تأخر المصرف المستدعى ضده في إعادة المال الى المستدعية بالرغم من مطالبتها له أو مخالفته لقاعدة وجوب الإيفاء بين يدي الدائن عيناً التي كرستها المادة 249 م.ع. ، واكتفائه بعرض سحب شيك بالمبلغ على طرف ثالث هو مصرف لبنان، كل ذلك يشكل خرقاً لإلتزامته التعاقدية والمصرفية وللموجبات الملقاة على عاتقه قانوناً ويلحق ضرراً محتماً بالمستدعية ومصالحها الاقتصادية، لذلك يقتضي رد الإدلاءات المخالفة لهذه الجهة([26]).

هـ -  إن إدلاءات المصارف المدعى عليها في القضايا المذكورة بوجود ما يسمى "ضوابط على رأس المال" أو ما يعرف بالكابيتال كونرول Capital Control لا يخدم المطالب بها لرد الدعوى لعدم الاختصاص.

"وحيث يمكن تعريف الكابيتال كونترل أو ضوابط رأس المال بأنها مجموعة إجراءات تتخذها الحكومة أو البنك المركزي أو الهيئات التنظيمية المتعددة للحد من تدفق رأس المال الأجنبيب داخل وخارج الاقتصاد المحلي بهدف تنظيم التدفقات المالية وتشمل فرض الضرائب والتشريعات والقيود على حجم القوى الموجودة في السوق المحلي وعلى السحوبات النقدية اليومية عبر البنوك والتحويلات النقدية ومدفوعات البطاقة الإئتمانية خارج الدولة ومن خلال هذه السياسة يبدأ القطاع المصرفي بفرض قيود على رأس المال بشكل غير رسمي Informal Capital Control مثل منع التحويلات الى الخارج (وضع المدعي راهناً) والحد من عمليات السحب النقدي وذلك لمنع خروج الأموال وحماية إحتياطي العملات الأجنبية ولجم التغيرات في سعر الصرف،

"وحيث أن الكابيتال كونرول أو الضوابط على رأس المال وبما هي ضوابط على حق الملكية والتسلط العائد للأفراد والمجموعات على أموالهم وممتلكاتهم، لما يمكن أن تتم إلا بموجب تشريع واضح وصريح أو قرارات تنظيمية صادرة عن الهيئات المختصة  بالإستناد الى قوانين بواضحة تفرض تلك القيود أو الضوابط، ومهما علا شأن من ذكر، أن تضع ضوابط على التحويلات والسحوبات ومعاملات المواطنين الا بموجب قرارات صريحة وواضحة لا ضمنية معتمدة بذلك مبدأ الشفافية Transparency ، ومستندة الى تشريع يقره ممثلو الشعب، أي تقره السلطة التشريعية.

"وحيث أن المدعي عليه لم يثبت وجود تشريعات أو أنظمة قانونية واضحة وصريحة تفرض قيوداً على حركة رأس المال لا سيما لناحية التحويل المصرفي الدولي أو تمنعه ، لذلك يقتضي رد الإدلاءات المصرفية لهذه الجهة"([27]).

"وحيث لا محيد عن التذكير بأنه وبالرغم من الوضع الصعب الذي يمر به الوطن والمعلوم من الكافة، إلا أن وظيفة القضاء عموماً وهذه المحكمة خصوصاً، تبقى تطبيق القوانين ومنع خرقها والحفاظ على الحقوق العامة والخاصة وحماية الأموال والممتلكات والنطق بالحق بعد ثبوته وجلائه وحماية الطرف الضعيف وإدراك اللهيف وأخذ الحق من الظالم للمظلوم، دون مراعاة لقوة هنا أو تجمع هناك، لأن وظيفة القاضي كانت وستبقى إقامة العدل وإحقاق الحق، دون أي اعتبار آخر، وهذا هو واجبه وما على سائر السلطات الأخرى إلا القيام بواجباتها"([28]) (اللهيف هو المظلوم والمضطر المستغيث والمتحسر...).

 

الفقرة الثانية:  دور القضاء العادي في فرض القواعد المصرفية في علاقة المصارف مع الزبائن:

لجهتها محكمة التمييز اللبنانية من ناحية، ولجهته قضاء الأساس في لبنان على مختلف مستوياته من ناحية ثانية، قد أكدا على تلك القاعدتين الاساسيتين اللتين تحكمان العلاقة بين المصرف والزبون أو العكس بين الزبون والمصرف، بقرارات  "تظللها الحكمة القضائية وحيثيات هادئة" .

  • القاعدة القانونية الأولى التي سبق أن  أشرنا اليها، هي أن المصرف مؤتمن ضروري على حقوق الزبون ومصالحه.
  • القاعدة القانونية الثانية، خضوع المصارف لأوامر الزبون بشأن وديعته بما يتوافق  مع القانون وأحكام العقد المبرم مع المصرف.

 

أولاً: فرضت القاعدة الأولى على المصرف في علاقته بالزبون، موجبات هي من أصل قضائي وبإرادة قضائية يمكن اختصارها بموجب التعاون الذي فرضه القضاء في العلاقات بين الأطراف المتعاقدة، فأنشأت المحاكم بذلك موجبات إضافية ملزمة تطبيقاً لمبدأ حسن النية في العقود، والمشاركة في تنفيذ الموجبات العقدية ، وقد استند القضاء اللبناني في ذلك الى معيارين:

 

المعيار الأول، هو موضوعي يقوم على النظر في كل قضية على حدة والحكم بها حسب الوقائع الناتجة عنها (1) . المعيار الثاني، هو شخصي يقوم على وجود تعامل سابق بين أطراف العلاقة (2).

  1.  في إطار المعيار الأول (المعيار الموضوعي)،  اعتبرت المحكمة الابتدائيّة في بيروت غرفتها الثالثة في قرارها ، اساس رقم 2916 لسنة 1992 تاريخ 3/2/1994 أحمد الصباح/بنك بيروت الرياض([29])، أنَّ من موجبات الدائن الممتهن، والمصرف عندما تكون له  هذه الصفة، أنْ يلتزم بالموجبات التي تلازم هذه الصفة وهي القيام بالتصرّف القانوني الذي بموجبه يترتب تخفيف الضرر عن الطرف الآخر المدين، والزبون عندما تكون له هذه الصفة كمقترض أو مستدين. وقد جاء في حيثيات الحكم ما يلي:

"حيث أن المدعى عليه من جهة ثانية يناقش فيما أدلى به المدعي لجهة بأنه كان يتعين على المصرف أن يجري المقاصة بين الدين الناجم عن القرض ورصيد حساب الادخار فور بدء قيمة سعر صرف الليرة بالتدهور بأنه كان على المدين أن يسهر على مصالحه بنفسه وأن يطلب من المصرف أن يتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة ومتوافقة مع مصالحه.

"حيث أنه إذا كانت العلاقات التجارية بين التجار عامة تؤدي الى تطبيق المادة 763 م.ع. المتعلقة بالقرض غير المحدد الأجل الا أن الدائن في ظروف القضية الحاضرة  هو مصرف، وليس مجرد دائن عادي وهو بهذه الصفة يلتزم بموجبات تلازم صفته هذه كونه المؤتمن على أموال عملائه ومودعيه وممتهن، كما أن عليه الحفاظ على الثقة المشروعة التي يضعها المودع أو العميل فيه فيتولى القيام بكل ما هو لازم للحفاظ على مصالح العميل الذي تعامل معه وعدم الاستفادة من الاوضاع أو الظروف الخارجة عن إرادة هذا العميل،

 "وحيث أنّه من هذه الموجبات في القضية الحاضرة أنْ يتحرك المصرف في الوقت المناسب والمفيد بالتنفيذ على موجودات الزبون التي هي لديه وتحصيل ديونه المترتبة على الزبون أصلاً وفائدة، فهذه الإجراءات تفرض نفسها بشكل خاص عندما تكون الضمانة المعطاة إلى المضمون هي بعملة غير العملة التي أقرضها للزبون، وخاصة أيضاً عندما تظهر الظروف الاقتصاديّة والواقعيّة التي يفترض بالمصرف، كممتهن، الإلمام بها، بأنَّ تدنياً في سعر العملة المودعة كضمانة لا يمكن تجنّبه. فالمصرف عندما يترك لسنوات عديدة دينه بالعملة الأجنبية على الزبون في ظروف هذه القضية دون أنْ يتقدّم من القضاء أو أنْ يمارس، كما في هذه الحالة، الحقّ الذي أعطي له بالمقاصة على الأموال المودعة لديه، أو أنْ يحيط الزبون الذي فوضه بشكل مطلق وثقة كاملة، بوضعية الدين وتراكمه إنما يكون قد ارتكب إهمالاً. والنتيجة التي تترتّب على ذلك، هي اعتبار ذلك الدين العائد للمصرف مستحقاً في مهلة معقولة.

Cour d’appel Montpellier 2˚ ch. 5 Mais 1938 , Gaz. Pal. 1938.2.126.  

"وحيث أنه عدم قيام المصرف بهذا الأمر متداركاً الضرر الذي قد ينجم عن أي تأخير فما هو إلا إخلالاً بموجباته وتجاهلاً للثقة المشروعة التي وضعها المدعي فيه والواضحة في التفويض المطلق المعطى من هذا الأخير له. فالمصرف لم يحمِ كما يجب مصالح زبونه بأن تأخر باتخاذ تدابير تنفيذيية ضد الزبون ولمصلحته.

"وحيث أن قول المدعى عليه بأنه اتخذ مثل هذا التدبير التنفيذي عند استحقاق الدين بعد المطالبة به بتاريخ 16/6/1988 لا يمكن الاخذ به سيما وأن المدعى عليه نفسه أقر باستحضار الدعوى المقامة من قِبَلِهِ عام 1990 ضد المدعي أمام المحكمة الإبتدائية في النبطية بأن هذا الدين كان قد استحق منذ عدة سنوات وأن المدعى عليه كان يَعِدُ المصرف بالدفع وتسديد الدين في كل مرة وجهت اليه المطالبة بوجوب الايفاء .

"وحيث أنه وبالاستناد الى كل ما تقدم آنفاً كان على المصرف أن يبادر الى استعمال التفويض المعطى له من قبل المدعي وذلك عند انتهاء السنة المالية للقرض إذ أنه يشكل تاريخاً محدداً وبموجبه يترصد الحساب فيقوم بالمقاصة بتاريخ 14/9/1985 وبهذه الطريقة يحفظ من جهة حقه باستيفاء دينه ودون ادنى مطالبة دون أن يناقش أو يعارض المصرف مثل هذا التفويض. فمن هذه الناحية: أن الموجب الذي كان على المصرف أن يلتزم به بإجراء المقاصة إنما يصدر عن تفويض صريح، وهذا التفويض وإن كان قد أعطي بشكل ضمانة للمصرف، الا أن ذلك لا ينفي موجب المصرف والناتج عن صفته بالعمل على منع الضرر بالزبون في ظروف القضية الحاضرة فمجرد التمنع الناتج عن مجرد عدم الاكتراث بالنسبة لمن كان بامكانه وبسهولة أن يتلافى ضرراً جسيماً يلحق بالغير يتحمل من تمنعه تبعاته .

V. note sous Montpellier 15 Mai 1938  precité ;                            En même sens : V. Planiol et Rippert , Traité de drt. Civ. T. 6, Obligations par Eismen. n˚ 508 ; Cohen , l’abstraction fautive en drt. Civ. Et pénal. Th. Paris 1929 ; H. L. Mazeaud, traité theorique et pratique de resp. civ. 2˚ edit. T. I. n˚ 535 et s.                                        

وقد أبرمت محكمة التمييز المدينة في قرارها رقم 52 تاريخ 6/3/2006 القرار الاستئنافي ([30]) ، الذي صدق الحكم الابتدائي في القضية المذكور أعلاه، لجهة تحديده تاريخ 14/9/1985 موعداً لإنتهاء السنة المالية للقرض الذي حصل عليه المييز عليه أحمد الصباح من البنك المييز ، بنك بيروت الرياض، موعداً لترصيد الحساب وإجراء المقاصة معتمدة بذلك على الأعراف المصرفية عند عدم الاتفاق على تاريخ لاستحقاق القرض.

جاء في القرار التمييزي ما يلي:

"وحيث أن محكمة الاستئناف لم تقع في اي تناقض ولم تخالف النتائج المترتبة على تحديد موعد إ جراء المقاصة، بل أنها استندت أيضاً عندما قضت بإلزام المميز عليه بأن يدفع الى المميز مبلغ 137681.67 فرنك فرنسي مع الفوائد القانونية، الى إهمال كل من الفريقين في إبقاء حساب المميز عليه أحمد الصباح لدى البنك المميز ، بنك بيروت الرياض، بالليرة اللبنانية وعدم تحويله الى الفرنك الفرنسي بعد تدني قيمة النقد الوطني، وقد وزعت المسؤولية عندما قضت بالمبلغ المذكور.

"وحيث ان القرار المطعون فيه جاء مبنياً على أساس قانوني سليم في هذا الخصوصوعرض بدقة ووضوح الأسباب الواقعية التي استند اليها لتوزيع المسؤولية وللحكم بالمبلغ المشار اليه، فقد جاء في هذا القرار أن المميز عليه الصباح حصل على قرض من المميز بقيمة 500000 فرنك فرنسي ورهن بالمقابل حساب التوفير العائد له لدى البنك المميز ضمانة لتسديد هذا القرض وأن المميز عليه في كتاب الرهن ، فوض المميز بإجراء المقاصة بين القرض والحساب في حال النكول كلياً أو جزئياً عن تسديد الدين  وأن المصرف هو وكيل ممتهن عليه الالتزام بمصالح عملائه والإئتمان على أموالهم، وهو من منطلق كونه وكيلاً يكون ملزماً بالمحافظة على مصالح موكله المميز عليه الصباح، ويجب عليه عملاً بالتفويض المعطى له على شكل ضمانة ونظراً للتدهور الحاصل في النقد الوطني تحويل الحساب المرهون الى الفرنك الفرنسي. كما جاء أيضاً في القرار المطعون فيه أن المميز عليه يتحمل المسؤولية ايضاً عن تدني قيمة حسابه بالعملة اللبنانية وذلك لعدم إعطائه الأوامر الى المصرف المميز لتحويل هذا الحساب الى الفرنك الفرنسي عند تدني قيمة العملة.

فإزاء كل ما ورد أعلاه يتعين رد الأسباب التمييزية وإبرام القرار الاستئنافي المطعون فيه".

     وفي حكم آخر صادر عن نفس المحكمة ([31])،  في وقائع لم يثبت فيها أي خطأ يمكن نسبته الى المصرف المدعى عليه في ممارسته لموجباته وتنفيذه لها حسب القرار، الا أن المحكمة كررت نفس القواعد التي أعلنتها في قرارها السابق، التي تحكم سلوكية المصرف وموجباته في ممارسة مهنته وذلك على ضوء طبيعته كمصرف، وظروف القضية. ففي القرار أساس رقم 273 لسنة 1993 رقم 127 تاريخ 7/5/1996 ، قضية بنك ش.ج.ل. / المدعى عليه محمود يغمور، جاء ما يلي:

" ...7- إن المصرف المدعي عمد الى تحويل رصيد الدين بالدولار الأميركي الى العملة اللبنانية بتاريخ 16/4/1987 يوم كان الدولار يوازي 117 ليرة لبنانية وكان المدعى عليه قد خَوَّلَ المدعي في عقد رهن الأموال النقدية بالقيام باسمه في أي وقت وبدون اي إنذار بسحب اي مبلغ منه وإتمام أية معاملة ضرورية لإجراء المقاصة بين الرصيد الدائن والمدين.

"وحيث أنه يقتضي البحث في مسؤولية المدعي على ضوء الوقائع المعروضة آنفاً سيما وان المدعى عليه يأخذ على المصرف عدم استعماله لحق المقاصة عندما كان المبلغ يغطي قيمة الاعتماد .

"وحيث أن العلاقات التجارية بين التجار عامة تؤدي الى تطبيق المادة 763 موجبات وعقود المتعلقة بالقرض غير المحدد الأجل إلا أن الدائن في ظروف القضية، وهو مصرف وليس مجرد دائن عادي، وهو بهذه الصفة يلتزم بموجبات تلازم صفته هذه، كونه المؤتمن على أموال عملائه ومودعيه وممتهن، كما أن عليه الحفاظ على الثقة التي يضعها المودع أو العميل فيه، فيتولى القيام بكل ما هو لازم للحفاظ على مصالح العميل الذي تعامل معه وعدم الاستفادة من الأوضاع والظروف الخارجة عن إرادة هذا العميل.

"وحيث أنه من هذه الموجبات أن يتحرك المصرف في الوقت المناسب أو المعقول أو المفيد بالتنفيذ على موجودات الزبون التي هي لديه وتحصيل ديونه المترتبة على الزبون أصلاً وفائدة، فهذه الإجراءات تفرض نفسها ، وبشكل خاص عندما تكون الضمانة معطاة الى المضمون هي بعملة غير  العملة التي أقرضها للزبون .

"وحيث أنه من الثابت من وقائع هذه الدعوى، أنه ابتداء من اوائل شهر كانون الثاني 1986 ، لم يعد المبلغ المرهون يؤمن التغطية لكامل الدين، فعمد المدعي المصرف الى تحويل رصيد الدين بالدولار الأميركي الى العملة اللبنانية بتاريخ 16/4/1987 ، أي بغضون سنة ونيف، فيكون المصرف المدعي قد تحرك في الوقت المعقول للتنفيذ على موجودات الزبون التي هي لديه وتحصيل ديونه .

" وحيث أن المصرف لكي يُسأل عن أي تقلب في اسعار العملات، لا بد من أن يثبت خطأ في ممارسته لموجباته وتنفيذه لها. فلا يكفي مجرد التقلب في سعر العملة وعدم قيامه بالتحويل لعَقد مسؤوليته، إلا إذا انطوى ذلك في ظرفه على إخلال بموجب مصرفي، الأمر غير الثابت في الدعوى الحاضرة، وإلا لتَحوَّلَ المصرف الى صيرفي تنحصر وظيفته الأساسية بالاهتمام بتحويل العملات ومراقبته، مع ما يتطلب ذلك من تحديد الوقت الذي يقتضي فيه  إجراء التحويل  وملاءمته والمتابعة الدائمة والمستمرة لأسعار العملات التي قد تتقلب أسعارها بين لحظة وأخرى. فالنظرة الى الخطأ المصرفي في هذا الطرح يقتضي أن تكون نظرة تختلف بحسب وقائع كل دعوى In Conreto .

(راجع قرار هذه المحكمة رقم 272 تاريخ 12/12/1995 ، دعوى عصام ابو شقرا / الشركة العامة اللبنانية الأوروبية) .

"وحيث أن هذه المحكمة إعمالاً للمعيار المشار اليه In Conreto ، ودائماً وفق القرار، قد قضت بتاريخ 3/2/1994 بمسؤولية المصرف (الملف رقم 2916 سنة 1992 دعوى أحمد الصباح / بنك بيروت الرياض)([32]) إلا أن ما قررته المحكمة – في حكمها المشار اليه- وإعمالاً للمعيار الذاتي الذي ينظر الى وقائع كل دعوى إنما كان – أي حكم أحمد الصباح- هو  في وقائع قضية تختلف جوهرياً عن وقائع هذه الدعوى لجهة أساسية هي أن المصرف في تلك القضية قد ثبت تقاعسه، إذ لم يتحرك في الوقت المناسب أو المعقول أو المفيد للتنفيذ على موجودات الزبون متداركاً بذلك الضرر الماثل والكامن في ذلك التأخير، وقد استحق الدين منذ عدة سنوات دون أن يحرك المصرف في تلك القضية أي ساكن. لذلك وتأسيساً على ما تقدم يقتضي رد الدفع في هذه القضية من قبل المصرف..."([33]).

وفي مكان آخر، حَدَّدَتْ محكمة استئناف بيروت المدنية غرفتها الرابعة الناظرة في تقسيط الديون رقم 141 تاريخ 5/7/1994 وظيفة المصرف وموجباته تجاه المودعين بأنه من المتعارف عليه علماً واجتهاداً أن المصرف  تاجر محترف ومتخصص بحيث أنه ينتظر منه أكثر مما يتوقع من فرد عادي ولو كان حريصاً، وبالتالي من مهمته توجيه أصحاب الودائع لديه وحماية مصالحهم على أموالهم وصيانتها وتحذيرهم من المخاطر التي قد تصيب حقوقهم وأموالهم، وبالتالي اتخاذ كافة التدابير الكفيلة لصون حقوقهم بحيث أن ثقة العميل بالمصرف تصل الى درجة اليقين، وذلك إنطلاقاً من مبدأ المحافظة على أموال المودعين وردها بقيمة تعادلها الى أصحابها عملاً بأحكام المادة 307 من قانون التجارة. وبالعودة الى وقائع الدعوى الحاضرة، أن المدعي أودع في أواخر عام 1991 لدى المصرف المدعى عليه مبلغاً وقدره ماية مليون ليرة لبنانية وايضاً مبلغاً وقدره أربعون ألف دولار أميركي على سبيل الرهن، وذلك لضمان حساب جارٍ مدين عائد للمدعي لدى المصرف المدعى عليه وذلك بناء على توجيهات هذا الأخير.

والجدير بالذكر أن سعر صرف الدولار الأميركي لم يكن في ذلك الوقت يتجاوز ثمانماية وثمانون ليرة لبنانية.

بيد أنه في أواخر شهر شباط من عام 1992، بدأت أسعار العملات الأجنبية تتفاقم بشكل متواصل ومستمر يقابلها انهيار متزايد في قيمة العملة اللبنانية، وبدلاً من أن يقدم المصرف المدعى عليه في ذلك الوقت، على تنبيه ونصح المدعي وتحذيره من المخاطر التي قد تصيب قيمة أمواله المرهونة لديه والمودعة بالعملة اللبنانية أو للمبلغ المرهون لديه بغية المحافظة على قيمته، وبالتالي على إمكانية المدعي بتسديد الدين، كون المصرف المدعى عليه تاجر ومن واجبه المهني والقانوني المحافظة على حقوق المدعي وأمواله وصيانتها، إذ لا شك أنه بمحافظته هذه الحقوق سيتمكن المدين من تسديد ديونه بسهولة، وفي الحالة العكسية فإن عدم مساعدة المصرف للعميل للمحافظة على أمواله يجعل هذا الأخير غير قادر على إيفاء ديون المصرف المدعى عليه بسهولة.

جاء في القرار:

"حيث ان الجهة المستأنف عليها تدلي بوجهة نظر متوافقة مع ما أقرته لجنة التقسيط في قرارها النهائي وتضيف أن مسؤولية  التأخير في التحويل تبقى مترتبة في مطلق الأحوال على عاتق كل مصرف دائن لكونه تأخر في المطالبة ولم يتقدم للقبض في حينه في مقام المدين ولم يقم  المصرف بموجبات التنبيه والتحذير والنصح ولإساءة استعمال حقه وعدم اتخاذه الإجراء الكفيل في تخفيف العبء عن كاهل المدين .

"وحيث على هذا الأساس ولهذه الاعتبارات اعتبر العلم والاجتهاد، سواء الذين هم من أنصار نظرية التحويل بتاريخ الاستحقاق أم من أنصار نظرية التحويل بتاريخ الدفع الفعلي، أنه لا يحق للدائن المتأخر عن المطالبة بالدين تحميل المدين التأخير، في حال حصول تقلبات حادة في الاسعار،  أي أسعار العملات، بالإضافة الى أن الفقه والاجتهاد يؤكدان كذلك أن عدم تقدم الدائن لقبض ماله في مقام المدين كما تفرضه المادة 302 م.ع. يجعل الدائن مسؤولاً عن تقلبات أسعار العملات سيما في حال عدم وجود نص صريح بالعقد يحدد المسؤولية .

"...وحيث بالإضافة الى ما تقدم، فإن الفقه والإجتهاد مستقران على أنه على المصارف حماية زبائنها والمحافظة عليهم وعلى حقوقهم، بتنوريهم ونصحهم وتحذيرهم من الأخطار والمخاطر، وعليها اتخاذ التدابير الكفيلة لصون مصالحهم. وهذا الموجب يستفاد ضمناً من طبيعة العمل المصرفي ومن طبيعة المهنة المصرفية، إذ أنه بقدر ما تقوم به المصارف بالمحافظة على أموال مدينيها، بقدر ما يكون لها القدرة على دفع ديون مودعيها، وعدم المحافظة على أموال المدينين لا يجعلها قادرة على إيفاء ديون المودعين.

"وحيث أن من جملة ما اعتمده العلم والإجتهاد أيضاً، أنه إذا لم يعين القانون أو العقد تاريخاً معيناً للإستحقاق أو للدفع، يترتب على الدائن عند حصول الأحداث وعوامل تحدث تقلبات قوية في الأسعار، أن يبادر تلقائياً الى تحويل دينه من عملة أجنبية الى عملة وطنية، وأن لا يكون قد راهن على العملة بدافع غير شريف بقصد الإستفادة منها، مما يرهق كاهل المدين، فيجعله يرزح تحت وطأة تفاقم الدين، الأمر المؤلف إساءة لاستعمال الحق".

"وحيث لا فائدة ولا مفعول للإنذار عندما يرسل بصورة متأخرة جداً أو في وقت يكون فيه الدائن قد أصبح على بينة من تدهور وضع المدين بسبب الإحجام عن مساعدته عن طريق التمنع عن تحويل الدين في حينه من عملة أجنبية الى عملة وطنية.

"وتكون المصارف الدائنة بذلك قد أساءت استعمال حقها، ولم تحترم موجبات التنوير والنصح والتنبيه والتحذير المناسب، ولم تتخذ التدابير الوقائية التي تتناسب مع هذا الوضع، بحيث  يكون قرار لجنة التقسيط تاريخ 19/6/1992 مستوجباً التصديق"([34]).

إن ما قضت به هذه المحكمة يتطابق كلياً مع قرار محكمة التمييز الفرنسية الغرفة التجارية تاريخ 18/5/1993 ([35]) الذي جاء فيه :

“Quelles que soint les relations contractuelles entre un client et une banque, celle-ci a le devoir de l’informer des risques encourus dans les opérations speculatives sur les marché à terme hors le cas où il en a connaissance. »                                                                     

فلكي يصار الى استبعاد مسؤولية الشركة "النانسية" nancéienne، قضت محكمة استئناف Nancy غرفتها الأولى تاريخ 7/11/1990 ، بأنه ومهما تكن العلاقات التعاقدية القائمة بين الزبون والمصرف فإنه يبقى من موجبات هذا الأخير أن يعلم الزبون بالمخاطر التي يحتمل أن يتعرض لها هذا الزبون في عمليات المضاربة ذات الأجل التي يقوم بها، وقد أدلت الشركة المدعى عليها بانه ليس من واجبات المصرف الخاصة أن ينصح الزبون وإنما مهمته هي الاهتمام بحساباته ومستنداته وتنفيذ أوامره ، وبالتالي فإن قرار محكمة استئناف Nancy الذي نحى منحىً مختلفاً يكون خالف احكام المادة 1147 مدني فرنسي.

وموجب المصرف بإعلام الزبون وتقديم المشورة له والنصح هو موجب نتيجة حدد البروفوسور نجار في ملاحظاته على هذا القرار شروط هذا الموجب )[36]( .

وفي قرار آخر لنفس المحكمة الاستئنافية في بيروت غرفتها المدنية، رقم 642 تاريخ 24/3/1960 دعوى فريفش/فريفش ([37]) جاء ما يلي:

"أنه في حال رفع قيمة العملة، لا يجوز تجاهل تأثيرات هذا التدبير على الديون المحررة  بالعملة المخفضة إذ يؤدي الى زيادة أعباء المديونين بصورة مرهقة  الأمر الذي يتنافى مع مبادئ القانون الأولية. فتداركاً لهذا الإجحاف يصار بالحال الى تنسيب الديون وفقاً لمقياس النقد الجديد. وبالواقع أن القانون الذي أنشأ في فرنسا الفرنك الجديد حدد قيمة النقد القديم بالنسبة له فقضى بأن الفرنك الجديد يساوي مئة فرنك قديم، وأصبحت الديون المحررة بالفرنك القديم تدفع بالنقد الجديد بعد أن تقسم بمئة. وعندما يكون الدين محرراً بالعملة الأجنبية، يجب لتحويله الى العملة الوطنية التي سيجري بها الدفع، أن يؤخذ بسعر العملة الأجنبية كما هو رائج في بلد الإيفاء بتاريخ استحقاق، الدين على اعتبار أن للدائن حقاً مكتسباً لقبض مبلغ الدين في تاريخ الاستحقاق، ذلك ما لم يكن ثمة تأخير في الدفع سببه المديون قصداً"([38]) .

لقد أكد هذا القرار على قاعدة عامة تتعلق بالتاريخ الذي يقتضي أن يعتمد لحساب مقدار العملة الوطنية التي يلتزم المدين الايفاء بها عندما يكون الدين محدداً بالعملة الأجنبية كعملة للحساب، ولا يستثنى من مجال تطبيقها العلاقة التي تقوم بين المصرف والزبون، عندما يكون الإيداع هو أساساً بالعملة الأجنبية، طالما أن القرار لم يضع استثناءات أو حدد مجال تطبيقها. فإما أن يرد المصرف الوديعة بالعملة الوطنية عملاً بأحكام المادة 301 من قانون الموجبات والعقود، التي تنص على أنه يجب الايفاء بالعملة الوطنية عملاً بالقوة الإبرائية الملزمة لهذه النقود، وبالمادة 192 من قانون النقد والتسليف التي أخضعت للعقوبة الجزائية المنصوص عليها في المادة 319 من قانون العقوبات كل من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالشروط المحددة في المادتين 7 و 8 نقد وتسليف  "محسوبة بسعر العملة الأجنبية كما هو رائج بتاريخ استحقاق الدين". وإما أن ترد الوديعة عيناً، بالعملة الأجنبية التي أودعت لدى المصرف، عملاً بأحكام المادة 249  و 299 من قانون الموجبات والعقود. حيث أن المبدأ القانوني، حسب هاتين المادتين، هو "إيفاء الموجبات عيناً". فقد نصت الأولى على أنه  "يجب على قدر المستطاع أن توفى الموجبات عيناً إذ أن للدائن حقاً مكتسباً في استيفاء الموجب بالذات"، ونصت الثانية على أنه "يجب إيفاء الشيء المستحق نفسه ولا يجبر الدائن على قبول غيره وإن كان أعلى قيمة منه"([39]).  وتطبيقاً لذلك نصت المادة 711 موجبات وعقود انه "يجب على الوديع (المصرف) أن يرد الوديعة عينها والملحقات التي سلمت اليه معها بالحالة التي تكون عليه...". وفي ذلك جاء في قرار صادر عن محكمة التمييز اللبنانية غرفتها الرابعة رقم 47 تاريخ 21/3/2005 ([40]) بـ "أن المميز تبعياً طلب نقض القرار النهائي المطعون فيه، لجهة ما قضى به من مبالغ بالعملة الأفريقية، بينما محكمة الدرجة الأولى احتسبته على أساس الفرنك الفرنسي،

"وحيث طالما أن اتفاقية المخالصة المنظمة بين الطرفين في تاريخ 21/5/1980 والمرفقة باستحضار الدعوى خلال المرحلة الابتدائية قد حددت بصورة واضحة الدفعات النقدية بالفرنك الافريقي، فيقتضي أن يتم الإيفاء بذات العملة والقيمة وذلك انسجاماً مع نص المواد 299 و 301 و 302 موجبات وعقود .

"وحيث أن محكمة الاستئناف أحسنت اعتماد المبالغ كما هي محددة على اساس الفرنك الأفريقي ، وأحسنت في رد وجهة نظر المميز تبعياً لجهة امكانية احتساب الدين بمعدل الفرنك الفرنسي بتاريخ انشاء العقد ، وبالتالي لا يكون قرارها فاقداً الاساس القانوني، ويقتضي رد التمييز التبعي اساساً".

وقد جاء القرار الاستئنافي اساس رقم 266 لسنة 2000 قرار رقم 323 تاريخ 7/2/2002 ، الذي أبرمته محكمة التمييز في قرارها المذكور لكافة جهاته، يوضح النقاط التي ردت المحكمة العليا الطعن بشأنها، لجهتين عملة الإيفاء وعملة الحساب للدين المطالب به، نعرض لهما تفصيلاً كما يلي:

"حيث أن المستأنف يدلي بأن الدين المطالب به يجب أن يوفى بذات العملة المتوافق عليها وأنه يجب إيفاء الشيء المستحق نفسه، عملاً  بأحكام المادتين 299 و 301 موجبات وعقود، ويخلص الى ان الحكم المستأنف بقبوله تحويل الدين من العملة الافريقية الى العملة الفرنسية بالمعدل الذي كان عليه سعر الصرف بتاريخ الاتفاقية اي 21/5/1980 ، قد خالف أحكام المادتين المذكورتين.

"وحيث أن المادة 299 م.ع. نصت على أنه: "يجب ايفاء الشيء المستحق نفسه، ولا يجبر  الدائن على قبول غيره وإن كان أعلى قيمة منه. وإذا كان الشيء لم يعين بنوعه فلا يجب على المديون تقديمه من النوع الأعلى، ولكن لا يجوز تقديمه من النوع الأدنى".

"وحيث أن المادة 301 م.ع. نصت أيضاً على أنه: "عندما يكون الدين مبلغاً من النقود، يجب ايفاؤه من عملة البلاد وفي الزمن العادي، حين لا يكون التعامل اجبارياً بعملة الورق، يظل المتعاقدون أحراراً في اشتراط الايفاء نقوداً معدنية أو عملة أجنبية".

"وحيث أن المستأنف يتذرع باحكام المادتين 299 و 301 م.ع المبينتين أعلاه، بإيفاء الدين بعملة البلاد التي جرى فيها العقد أي بالفرنك الافريقي وحسب تعداده الرقمي وليس قوته الشرائية بتاريخ نشوء الالتزام.

"وحيث ان العملة المتفق عليها في العقد هي C.F.A. الافريقية، فتكون بالتالي هي العملة التي يترتب على المتعاقدين أن يتحاسبا على اساسها، وهي وحدها الملزمة لهما. في حين أن الفرنك الفرنسي لا يعتبر عملة الابراء التي اتفق الفريقان على إجرائه بواسطتها حتى ولو كان مرتبطاً بالعملة الافريقية، طالما أن لهذه العملة كيانها وميزاتها الخاصة كعملة وطنية.

"وحيث أن مماطلة المستانف وتمنعه عن إيفاء دينه للمستأنف عليه بدون وجه حق ولا  أي سبب شرعي، وطيلة فترة تناهز العشرين عاماً ، بل وإمعانه في إبعاد هذا الأخير عن حقه بلجوئه الى استيفاء قيمة سند السحب، مع انه سلمه للمستأنف عليه على سبيل الضمانة، يؤكد سوء النية الذي يترتب عليه تعويض المستانف عما أصابه من ضرر سببه هذا التصرف.

" وحيث أن الضرر المذكور يتمثل بشكل خاص بالتدني الذي أصاب قيمة الدين الرسمية، إذ أن الفرنك الفرنسي كان يساوي بتاريخ الاستحقاق خمسون فرنكاً افريقياً C.F.A،  واصبح يساوي بتاريخ اليوم مئة فرنكاً افريقياً C.F.A ، الأمر الذي من الواضح ألحق بالمستأنف عليه ضرراً مميزاً.

"وحيث أنه يقتضي بالتالي، في ضوء هذه المعطيات، الحكم للمستأنف عليه بتعويض عن الضرر المشار اليه وتقدره المحكمة بـ....".

فمن موجبات المصرف المدعى عليه إذن وحسب هذه القرارات وتطبيقاً للقوانين والعرف المصرفي هي أن يقوم المصرف بالعمليات التي تستوجبها الوديعة لجهة المحافظة على قيمتها وإدارتها إدارة الأب الصالح، ومن بينها موجب المصرف المدعى عليه بتحويل المبلغ المرهون لديه والبالغ ماية مليون ليرة لبنانية الى عملة أجنبية، ليس فقط للمحافظة على قيمة الدين، بل وأيضاً لتسديد قيمته، وقد منح الدين في مقابل رهن ذلك المبلغ ، وإلا فإن المصرف المدعى عليه يكون قد خالف التزاماته القانونية والمهنية الرامية الى المحافظة على قدرة المدعي على تسديد دينه. ولكن في المقابل "لا يجوز للمصرف تحويل حساب العميل من دولار أميركي الى الليرة اللبنانية دون موافقته أو خلافاً لتعليماته"([41]).

وبما أن عدم تحويل المبلغ المذكور من قبل المصرف المدعى عليه، عند بدء تدهور وتدني قيمة العملة اللبنانية، يشكل إهمالاً وقلة احتراز وعدم تبصر وتقصير، الأمر الذي ألحق أضراراً فادحة بالمدعي، كونه خسر أكثر من نصف قيمة المبلغ المودع على سبيل الرهن بأقل من ثلاثة أشهر، فيكون المصرف المدعى عليه، وبصفته شخص محترف حريص على الأموال المودعة لديه، قد خالف موجباته القانونية المهنية تجاه المدعي، وذلك بارتكابه فعلاً خاطئاً مما أدى الى خسارة هذا الأخير أكثر من نصف قيمة المبلغ المذكور. ويكون المصرف المدعى عليه بالتالي مسؤولاً مسؤولية عقدية عن عدم اتخاذه إجراء مناسباً في الوقت المناسب للمحافظة على قيمة المبلغ المذكور، وبالتالي على قدرة المدعي على تسديد دينه.

كما قضي([42]) أيضاً، وفي نفس هذا السياق" بأنه على ضوء الوقائع الثابتة، فإن طبيعة العلاقة المتكونة بين المدعي والبنك المدعى عليه، تؤلف عقد وكالة يكون فيها المدعي موكلاً، والمدعى عليه وكيلاً مأجوراً، مع ما يترتب على هذا الاخير تبعاً لذلك من موجبات، ومنها العناية بتنفيذ الوكالة عناية الأب الصالح، مع التشدد في تفسير هذا الموجب، لأن عقد الوكالة المذكور هو مقابل أجر، وفقاً لما نصت عليه المادتان 785 و 786 من قانون الموجبات والعقود.

يراجع بهذا المعنى:

“141 – Dans cette operation, (L’exécution des ordres de virement), le banquier est avant tout un mandataire qui doit se conformer scrupuleusement aux intructions de son client. Tout manquement à son obligation de prudence et de diligence peut engager sa responsabilité… »

Jack Vésian , la respnsabilité du banquier page 124.

المحامي الياس أبو عيد، عمليات المصارف صفحة 71 وما يليها، ولا سيما التعليق الوارد في الصفحة 72.

"وحيث أن مسؤولية المصرف تترتب مهما كان مدى خطئه أو اهماله أو قلة احترازه، سواء أكان طفيفاً أم فادحاً.

يراجع بهذا المعنى:

“141- Mandataire : le banquier doit exécuter sa mission avec prudence et diligence. Tout manquement de sa part même s’il ne constitue qu’une faute légère, est susceptible d’engager sa responsabilité ».                                                                                   

Jack Vésian , op. cit. page 124.

"وحيث أن تنفيذ الوكالة على النحو المذكور اعلاه يستتبع القول بأنه يترتب على المدعى عليه اعلام المدعي خطياً ضمن المهلة المحددة قبل قيامه بعملية التحويل، وذلك وفقاً لمضمون كتاب التفويض المشار اليه آنفاً، والا اعتبر مخلاً بموجبات الوكالة ومرتكباً لخطأ فادح مرتب لمسؤوليته.

"وحيث أن المصرف المدعى عليه قام بعملية التحويل بتاريخ 31/12/1975، ودون أن يطالب المدعي خطياً بالمبالغ التي كانت متوجبة له كرصيد للاعتماد، وذلك خلال مهلة خمسة عشر يوماً من تاريخ تلك المطالبة الخطية.

"وحيث أن المصرف المدعى عليه، بتقاعسه عن مطالبة المدين خطياً بتغطية رصيد قيمة الاعتماد كما قضى بذلك كتاب التفويض، وقيامه بعملية تحويل الدولارات الاميركية الى العملة اللبنانية لهذه الغاية، منهياً بذلك عقد الحساب الجاري بارادته المنفردة، يكون قد ارتكب خطأ فادحاً أدى الى الحاق الضرر بالمدعي، وذلك بإقفال حسابه الدائن رقم ....اي بإنهاء عقد الحساب الجاري، مما يرتب مسؤوليته تجاه هذا الأخير.

"وحيث أنه ينبني على ما تقدم الزام المصرف المدعي بقيمة الضرر الذي لحق بهذا الأخير، وذلك بأن يدفع له مبلغ خمسماية الف دولار أميركي.

"وحيث أنه يبقى بالمقابل للمصرف المدعى عليه، اذا شاء، مطالبة المدعي بما يمكن أن يكون قد ترتب له في حسابه رقم...." .

وتأسيساً على ذلك، يسأل المصرف عن حسن تنفيذ ما هو مطلوب منه، ويتشدد القضاء في محاسبته عن كل إهمال يقع من المصرف، بوصفه محترفاً متخصصاً فيما يعهد به اليه، فيسأل عن تعويض الضرر المترتب على تأخره في اتخاذ إجراء مناسب، وعن تركه هذا الإجراء كله. كما يطلب من المصرف أن يقوم بكل ما يقضي به حسن النية على شخص محترف حريص ومأجور . "فإلتزامات المصرف تنشأ عن العقد في شروطه الصريحة والضمنية وتكملها العادات المصرفية الصحيحة والنافذة على الطرفين، مع مراعاة أن المصرف هو تاجر محترف ومتخصص، ومعناه أن ينتظر منه أكثر مما يُتَّوقع من فرد عادي ولو كان حريصاً، لأن المصرف مهيأ ومعد لخدمة أعلى وأكثر دقة وتميزاً بما لديه من إمكانيات مادية وبشرية، وهذا المستوى يقدره القضاء، بالنظر الى ظروف الحال وما يقدمه مصرف من نفس التخصص والإمكانيات. والقضاء لجهته يراعي هذه الإعتبارات عند نظره في المسؤولية التقصيرية للمصرف، إضافة الى خطورة ووظيفة المصارف في المجتمع الحديث"([43]).  وقد جاء في قرار لمحكمة استئناف بيروت المدنية  الغرفة الأولى رقم 325 لسنة 2002 تاريخ 7/2/2002 ، بنك بيروت الرياض ش.م.ل. / ميشال خطار([44])  بأن  الجزء الأكبر من المسؤولية في عملية القرض يقع على المصرف إذا منح المصرف هذا القرض بدون اتباع الأصول اللازمة لذلك، وأهمل في طريقة مسكه لحسابات عميله، أو عدم إبلاغه كشوفات دورية بحساباته، أو إعلامه بصورة مستمرة عن وضع حساباته . ويكون المستفيد مسؤولاً أيضاً إذا أهمل مراجعة حساباته، ويقع عليه واجب تقديم المشورة اللازمة كي يكون على بينة من وضع حساباته بصورة دقيقة .

ورد في القرار:

 "... وبما أنه وطالما أن المصرف المستأنف ألحق ضرراً بالمستأنف عليه م.خ. بسبب إجرائه مثل هذا القيد على وجه غير صحيح، وهذا الضرر متمثل بتدهور العملة الوطنية في قيمتها، بحيث أصبح عبء إيفاء القرض بتاريخ صدور الحكم الحالي يوازي أضعاف عبء هذا الإيفاء لو حصل بتاريخ قيده في 10/12/1985 .

"وبما أنه إذا كان المستأنف بنك بيروت الرياض، الوكيل، مولجاً الحفاظ على مصالحه أو على مصالح موكله المستأنف م.خ. إلا أن هذا لا يعني أن هذا الأخير لم يعد يلعب أي دور في هذا المجال، فهو بصفته مالك الحسابات والاعتمادات المفتوحة باسمه يقع عليه موجب متابعة مصالحه لدى المستأنف والإشراف على حساباته وطريقة مسكها، وإعطاء التعليمات اللازمة بشأنها، حتى إذا ما تمنع المصرف عن تنفيذها بادر المستأنف عليه م.خ. الى اتخاذ الاجراءات المناسبة بحقه، والتي قد تصل الى حد إقفال حساباته لديه ومراعاته للتعويض عما تسبب به من ضرر بحقه.

"وبما ان المحكمة تلاحظ في هذا المجال أن المستأنف عليه م.خ. استنكف عن ممارسة صلاحياته كعميل متنبه لمصالحه ومستعد لإصدار القرارات المختلفة للحفاظ عليها لأنه كان يجب عليه سؤال المصرف بصورة مستمرة عن وضع حساباته لديه، والمطالبة بالكشوفات المتعلقة بها  لاتخاذ الموقف المناسب بشأنها، ولم يتبين للمحكمة ان المستأنف عليه تصرف على النحو المذكور، مما يوجب أيضاً تحميله مسؤولية استنكافه في هذا المجال مع ما يترتب على هذا الاستنكاف من ضرر متمثلاً بتدني قيمة النقد الوطني، مقابل الفلوران الهولندي مما زاد من عبء المستأنف عليه...

"وبما انه يجب ان يتحمل طرفا الدعوى (المصرف وفاتح الحساب) كونهما ساهما معاً في إنشاء الضرر الذي يوسله ولكن بنسب مختلفة وحسب مسؤولية كل واحد منهما...".

وتأسيساً على ذلك رسم كبير في فقه القانون المصرفي العربي، هو علي جمال الدين عوض في أحد مؤلفاته "عمليات البنوك  من الوجهة القانونية"([45]) الأركان التي تسند اليها مسؤولية المصارف وأشار تحت فكرة خطأ المصرف الى صور لهذا الخطأ، من ذلك:

  • الخطأ في إخلال المصرف بواجب يفرضه القانون أو العادات المهنية الصحيحة على المصارف ومن هنا انصب جهد الفقه والقضاء في بيان الواجبات التي على المصرف احترامها في هذا الخصوص، وخلاصة ما انتهوا اليه مجموعتان تَضُمَّانِها جميعاً، المجموعة الأولى، هي واجب حسن التقدير ووزن الأمور . والمجموعة الثانية، هي واجب الاستعلام والتحري، ويضاف اليهما واجب ثالث، هو مراقبة استخدام العميل للاعتماد الذي قد يكون اياه المصرف . وقد قضي "بما أنه تبين من التعليل الذي سبق ومن وقائع الدعوى الجزائية أن المستأنف بنك الموارد ش.م.ل. لم يتريث قبل صرف قيمة الشيك سوى ايام معدودة، ولم يحاول الاستقصاء بصورة جدية عن كيفية وصول الشيك المشطوب لحامله وقام بالدفع خلافاً لأحكام المادة 434 من قانون التجارة، بالرغم من الظروف الاستثنائية التي كانت تعيشها البلاد.

"وعلى كل حال، لا يمكن موافقة المستأنف على أن المستأنف عليه بقي ساكتاً دون حراك طوال مدة سبعة عشرة شهراً، لأن هذا الأخير حاول التقصي عن مصير الشيك، مع أن الظروف الأمنية الصعبة أنذاك، لم تكن تسهل التنقلات والمراجعات (الاجتياح الاسرائيلي منذ حزيران 1982). الا أن البنك المستأنف رفض إعطاؤه المعلومات الوافية في هذا المجال، بحجة التقيد بالسرية المصرفية مما حدا بالمستأنف عليه الى إنذاره وإقامة الدعوى الجزائية عليه.

"فإن إدلاءات المستأنف لهذه الجهة تستوجب الرد([46]).

  • موجب معاونة – ومساعدة-  العميل "وهذه المعاونة – المساعدة - هي من وظائف المصرف" . "فيكون سليماً سلوك المصرف إذا كان هدفه هو تخليص عميله وإخراجه من أزمته وليس إطالة مدة احتضاره أو إخفاء حالته الميئوس منها، ولو كان يعلم بحرج مركزه، ما دام هو يقدر بشكل له ما يبرره، أن العميل سيخرج من ورطته.
  • والمصرف، ككل دائن، ومحافظة على دينه، عليه أن يحاول إنقاذ مدينه، وخاصة عندما يكون مديناً بعملة أجنبية ارتفع سعرها مقابل انهيار قيمة العملة الوطنية وهو مضطر لدفع دينه بالعملة المستدانة أو بقيمتها وقت الدفع، فعلى المصرف في هذه الوضعية أن يعمل على إنقاذ مدينه العميل بالإجراءات المناسبة وبما تمليه على المصرف، قواعد حسن النية التي يلتزم بها شخص محترف حريص ومأجور، إما بنصحه أو بمده بالتسهيلات. بل وأن يعطيه تسهيلات جديدة. "فالمصرف الذي يقدم عونه الى منشأة فيقويَّ إئتمانها، يُلْزَمُ أمامها وكذلك أمام جميع من يتعاقد معهم، بعدم التخلي عنهم بطريقة تحكمية تؤذي مصالحهم ومصالح المتعاملين معهم".

 

  • واجب المصرف بمراقبة استخدام عميله لاعتماد قَدَّمَهُ له، بل هو أكثر من واجب. إنه موجب على المصرف. "فالمعتاد أن المصرف عندما يفحص طلب الاعتماد يُدخِلُ في اعتباره الفرصة أو الهدف منه"([47])، أي الذي سيخصص له الاعتماد، إذ على احترام هذا التخصيص تتوقف قدرة  العميل على سداده محافظة على مصلحة المصرف والعميل والغير ممن يتعاقد معهم، ولذلك متى نُص على تخصيص معين كان العميل ملزماً باحترام هذا التخصيص، وكان للمصرف حق مراقبة سلوك العميل في هذا الشأن. ولهذا يُنَصُّ عادة على حق المصرف في فحص دوري لحسابات العميل والاطلاع على المستندات التي تمكنه من ذلك، وأن يطلب منه المعلومات". كما أن من واجبه اسداء النصح تطبيقاً لمبدأ التعاون في العلاقة بين المصرف والزبون"([48]).

وعليه، فمن موجبات المصرف المدعى عليه التعاقدية، تنفيذ ما فوض به، طالما أن المهمة منوطة به، ومن موجباته أيضاً أن ينفذها بالشكل الذي يعود بالمنفعة على الزبون المدعي.

هذا، مع الإشارة الى انه من مصلحة المصرف المدعى عليه في الوقت عينه، إضافة الى واجبه التعاقدي والمهني، المحافظة على حقوق وأموال المدعي، إذ بصيانتها والمحافظة عليها يستطيع المصرف  المدعى عليه أن يستوفي ديون المدعي بسهولة.

وبالتالي كان يترتب على المصرف المدعى عليه، بوصفه أيضاً وديعاً للمبلغ المذكور أن يُعْنَى بتنفيذ الوكالة عناية الأب الصالح، وبالتالي من واجبه اتخاذ كافة الحيطة والحذر عملاً بأحكام المادة 785 من قانون الموجبات والعقود. وبما أن وكالة المصرف مأجورة، فيكون المصرف المدعى عليه مسؤولاً عن كل خطأ أو إهمال من جراء تنفيذه لوكالته، فيتحمل تبعة تصرفه تجاه المدعي وفقاً لأحكام المادة 790 معطوفة على المادة 713 من قانون الموجبات والعقود . نصت الأولى  (المادة 790 م.ع.) على "أن الوكيل مسؤول عن الاشياء التي استلمها عن طريق الوكالة وفاقاً للشروط المنصوص عليها في المواد 696 و 697 و 711 و 712 و 714 و 715 م.ع. وإذا كانت الوكالة مقابل أجر فإن تبعة الوكيل تخضع لأحكام المادة 713 م.ع.".

كما نصت المادة الثانية (المادة 713 م.ع.) في هذا الإطار على "أن الوديع مسؤول عن سبب كل هلاك أو تعيب كان في الوسع اتقاؤه 1- إذا كان يتلقى أجراً لحراسة الوديعة. 2- إذا كان يقبل  الودائع بمقتضى مهنته أو وظيفته". وهذه هي الوضعية القانونية الحقيقة في العلاقة بين المصرف كوديع ممهتن والزبون كمودع ، وقد ارتضى المصرف الوديعة من الزبون بحكم مهنته ووظيفته.

فالتصدي لمسؤولية المصرف، حسب قرار محكمة استئناف بيروت المدنية رقم 709 تاريخ  2/4/2002 ([49])، " يجب أن ينطلق من المعايير والضوابط العامة التي تبقى واجباً عليه، وعلى موظفيه الالتزام بها، والاحتياط لها بما يتوافر لديهم من الوسائل بغية العمل على إحباط العمليات الرامية الى التلاعب بحسابات الزبائن دون وجه حق وبالتالي سحب أي مبلغ من ارصدتهم بطريقة غير مشروعة باعتبار أن المصرف يكون مؤتمناً على أموال عميله التي لا يجب أن تبدد من غير ارادة هذا الأخير ورغبته".

فمن الناحية القانونية تتحمل المصارف في علاقتها مع المودعين مسؤولية عقدية أو تقصيرية استناداً الى القواعد العامة في قانون الموجبات والعقود، ولكنها غالباً ما تكون مسؤولية عقدية تنشأ عن تقاعس المصرف عن تنفيذ موجباته العقدية والمصرفية تجاه العميل([50]) ، وعلى هذا الأساس قضي بأن امتناع المصرف عن تسليم الزبون كشفاً لحسابه دون مبرر من شأنه أن يؤدي الى مسؤولية المصرف، على أساس أنه مقصر في تنفيذ موجباته التي لحظها العقد المنظم بينه وبين عميله. وهذه المسؤولية هي عقدية. أما تذرع المصرف بواجب الحذر والدراية فهو قول مردود لكون ممارسة هذا الواجب تقتضي أن تاتي ضمن حدود حسن النية وعدم التعسف في استعمال الحق، وذلك لحماية زبائن المصرف وعدم الحاق الضرر بهم . يضاف الى ذلك إخلال المصرف المدعى عليه بموجب الإعلام، وتضرر المدعي بفعل إقفال وتصفية حسابه دون إعلامه بذلك وعدم تغطيته لاحقاً مما يفرض إلزام المصرف بالتعويض عن الضرر.

وقد جاء في حيثيات القرار المذكور ما يلي:

"حيث أن مسؤولية المصرف المدعى عليه، سواء العقدية أو شبه الجرمية، إنما تقوم تفعيلاً للقواعد العامة الملحوظة في القانون العام وهو بالتحديد قانون الموجبات والعقود، سواء كانت مسؤولية جزئية أو كلية أي كاملة، وهي عادة تكون مسؤولية عقدية في العلاقة بينه وبين زبائنه، باعتبار ان المصرف لا ينفذ موجباته التي لحظها العقد الموقع مع العميل المصرفي.

" وحيث انه بالعودة الى وقائع الدعوى، يتبدى من صك الكفالة الموقع مع المدعية لمصلحة المدعى عليه بتاريخ 26/2/2000 ، ان سقف المبالغ المشمولة بصك الكفالة هو بحدود 75000 دولار اميركي، مما يعني ان نية فريقي العقد اتجهت بصورة لا لبس بها الى تحديد ملف التسهيلات المصرفية بشكل أو بوتيرة محددة لا تتجاوز هذا التحديد.

"وحيث انه كان يقع على المصرف المدعى عليه واجب الحذر والدراية في إعطاء الاعتمادات والتسهيلات المالية وصرف المبالغ الممنوحة بموجب هذه الاعتمادات، إلا أن هذا الحذر وهذه الدراية يقتضي إعمالهما ضمن حدود حسن النية في التعامل وعدم التعسف في استعمال هذا الحق أو الواجب، كي لا يؤدي التمسك بهذا الواجب الى الحاق الضرر بالزبائن.

"وحيث وإن كانت المادة الأولى من عقد التعامل العام معطوفة على المادة الثالثة منه، تعطي المدعى عليه الحق في وقف الحساب وتصفيته، إلا أنه وتبعاً لهذه المادة الأخيرة أي الثالثة، وجب على المدعى عليه إبلاغ هذا الوقف للمدعية، وتالياً طالما هذا الإقفال لم يحصل، وإن سقف التسهيلات  لم تتجاوزه المدعية، فإن المدعى عليه ملزم بقبول العمليات المصرفية المطلوبة من المدعية، وذلك أنه لا يمكن لهذا الأخير رفض العمليات المصرفية من قبول شيكات مسحوبة عليه وطلب حوالات مصرفية، طالما لم يعلم المدعية بأنه لن يقبل أي تعامل بالحساب الجاري، باعتبار أنه يقع عليه في هذه الحالة موجب اعلام المدعية بوضع حسابها، وانه لم يعد يقبل أي تعامل من خلاله.

"وحيث أن المدعى عليه، بتخلفه عن موجب إعلام المدعية قبوله أي عمليات مصرفية من خلال حسابها الجاري، إنما يشكل خطأ يعقد مسؤوليته، ولا سيما  وأن العمليات المطلوبة من المدعية، وألا هي طلب الحوالة الواقع في 24/2/2007 وسحب الشيك الواقع في 28/2/2007، إنما حصلت قبل إقفال الحساب الواقع في 21/3/2007.

"وحيث من الثابت، أن تصرف المدعى عليه المتصف بالخطأ، قد الحق الضرر بالمدعية سواء المادي أو المعنوي، من خلال تعرضها لملاحقات مدنية وجزائية، قد تحصل من خلال أيضاً عدم دفع قيمة الشيك المسحوب منها إيفاء قيمة التحويل المشار اليه أعلاه، فضلاً عن أن هذا التصرف، قد يعرض سمعتها التجارية والائتمانية للإهتزاز، وما يترتب على ذلك من نتائج، ألا وهي بالضرورة انعقاد مسؤوليتها الموجبة للتعويض عن الضرر الواقع".

وفي مكان آخر صدر عن القاضي المنفرد التجاري في بيروت حكم، أساس  رقم 3450 لسنة 1997 ، رقم 21 ([51]) تاريخ 10/4/1997 ،  تضمن نفس هذا التوجه. جاء فيه:

"حيث أن القوة التنفيذية للعقد تنبع من مبدأ حسن النية الذي يجب أن تقوم عليه العلاقة التعاقدية فيكون هذا المبدأ مبدأً قانونياً يدخل في صلب النظام القانوني للعقد.

"وحيث أنه إنطلاقاً من هذا المبدأ، فإنه عندما يلتزم طرفان في العقد بموجبات معينة،  إنما يسعيان الى تحقيق غاية مفيدة لكل منهما، فإن التزامهما يكون مصدر القوة التنفيذية للعقد بهدف تحقيق تلك الغاية.

"وحيث أن سلامة التعامل بين الطرفين،  والحرص على تعاونهما من خلال العقد الذي يربطهما بغية جعله يحقق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية، دون أن تطرأ على تنفيذه معوقات أو مشاكل ناجمة عن مواقف أحد طرفيه، يفرضان على كل من الطرفين موجب إعلام الطرف الآخر بأي تعديل أو بأي موقف يمكن أن يطرأ على تنفيذ العقد.

"وحيث أن موجب الإعلام يقوم على مبدأ حسن النية والإستقامة في التعامل، بحيث يكون كل فريق في العقد على بينة تماماً بما التزم به وبما وعد وأن ما وعد به مطابق  لما ينتظره من منفعة، بحيث أن امتناع أي من الطرفين عن إعلام الطرف الآخر بما قد يطرأ من تعديل في موقعه يكون من شأنه التأثير في تنفيذ العقد، مما يشكل خرقاً لموجب الإعلام ولمبدأ تنفيذ العقود وفقاً لحسن النية".

لقد اختصر هذا الحكم المسافة بين إبرام العقد وبين آثاره وتنفيذه وأخضعه في كل مراحله الى مبدأ يفرض نفسه في العقود هو موجب التعاون تحقيقاً لحسن النية واستقامة التعامل كما بينا([52]).

ولا يشذ عن هذا المبدأ وعن بقية القواعد القضائية في تحديد موجبات المصارف، القرار الصادر عن المحكمة الابتدائية في بيروت غرفتها الثالثة اساس رقم 93/273 رقم 127 تاريخ 7/5/1996 بنك ش.ج.ل. ضد محمود يغمور الذي سبقت الإشارة اليه، وقد قضت فيه المحكمة وبشرح مسهب بعدم مسؤوليّة المصرف عن أيّ تقلب في أسعار العملات، إذ اعتبرت وكما بينا سابقاً "أنَّ المصرف لكي يُسأل عن أيّ تقلّب في أسعار العملات لا بد من أنْ يثبت خطأ في ممارسته لموجباته وتنفيذه لها. فلا يكفي مجرد التقلب في سعر العملة وعدم قيام المصرف بالتحويل، لِعَقْدِ مسؤوليته إلّا إذا انطوى ذلك في ظرفه على إخلال بموجب مصرفي، الأمر غير الثابت في الدعوى الحاضرة، وإلّا تحول المصرف إلى صيرفي تنحصر وظيفته الأساسيّة بالاهتمام بتحويل العملات ومراقبتها مع ما يتطلّب ذلك في تحديد الوقت الذي يقتضي فيه إجراء التحويل وملاءمته والمتابعة الدائمة والمستمرة لأسعار العملات التي قد تتقلّب أسعارها بين لحظة وأخرى...".

إن هذا الحكم الأخير جاء مغايراً للأحكام السابقة من حيث النتيجة التي توصل اليها وهي عدم مسؤولية المصرف المدعي، إلا أن السبب في ذلك وكما أوضحه القرار عينه بالمقارنة التي أجراها مع الحكم في قضية أحمد الصباح/بنك بيروت الرياض الذي سبق عرضه، هو وقائع ذلك الحكم التي تفرض قانوناً رد الدعوى في القضية، وهي عدم تثبت المحكمة من وجود أي خطأ يمكن نسبته للمصرف المدعى عليه. فالإختلاف هو واضح في ظروف كلّ قضية عن الأخرى، وقد عرضت له المحكمة بالتفصيل في قرارها، وذلك بإجرائها مقارنة بين وقائع كل قضية، وهي منهجية غير معتادة في صياغة الأحكام القضائية([53]). ففي القضايا الأولى قضت المحاكم المذكورة بمسؤوليّة المصرف لتقاعسه وإخلاله كمصرف بموجب التعاون بين المصرف والعميل، وقد ثبت ذلك من خلال عدم تحرك المصرف في الوقت المناسب أو المعقول للتنفيذ على موجودات المدين استيفاء لدينه، متداركاً بذلك الضرر الذي كان متوقعاً بالمدين. وفي هذه القضية الأخيرة بنك ش.ج.ل./محمود يغمور، كان الوضع مختلفاً، إذ إنَّ المصرف بتقدير المحكمة قد تحرك بالتنفيذ في الوقت المناسب والمعقول، فيكون بذلك قد وضع حدّاً للتفاقم في مقدار الضرر الحاصل. من هنا يتبيّن أنَّ المحكمة قد اعتمدت في حكمها على معيار انتقائي وفقاً لتصرفات الأطراف في القضايا المطروحة أمامها والذي ينظر فيها الى كلّ قضية بحسب ظروفها ووقائعها ولكن دائماً من خلال الإلتزام بإعمال مبدأ التعاون في العلاقة بين المصرف والزبون مع احتفاظ المحكمة بحقها بتقدير الإخلال بذلك الموجب أو عدمه من خلال وقائع كل قضية كما بينا.

القضاء الفرنسي لجهته كان سلبياً في بعض قراراته التي رفض فيها وجود ما يُسمّى بموجب "تخفيف الضرر".

ففي حكم لمحكمة التمييز الفرنسيّة([54]( استبعدت بموجبه واجب التعاون في تخفيف الأضرار، في وقائع قضية أصيبت المدّعية فيها باضطراب عقلي ناجم عن تفاقم الضرر الجسدي الذي ألحقه بها المدّعى عليه، مطالبة بالتعويض عن مجمل الأضرار التي تعرضت لها بما فيها الاضطراب العقلي. وعند طعن المدّعى عليه استئنافاً بالحكم الابتدائي لدى محكمة (بورج ) Bourges وقد قضت المحكمة بالتعويض الجزئي، معللة حكمها بأنَّ رفض المستأنف عليها النصيحة الطبية المقدمة لها، ورفضها الخضوع للعلاج النفسي، والذي كان من المتوقّع أنْ يُحَسِّن في حالتها، يمكن وصفه بالخطأ من جانبها يبرّر إنقاص التعويض. إلا أن محكمة التمييز نقضت الحكم الاستئنافي مقرّرة للمميزة تعويضاً عن مجمل الأضرار التي تعرضت لها بنتيجة الحادث، لأنّها بنظر المحكمة غير ملزمة بأيّ موجب لمصلحة فاعل الضرر يلزمها بأنْ تسعى إلى تخفيف الضرر الذي أصابها، وبالتالي فإنَّ لها الحقّ في تجاهل النصيحة الطبية المقدمة، وإنه مهما كان قرارها غير صائب، لا يمكن وصفه بالخطأ.

كما أكّدت نفس المحكمة على ذات المبدأ في حكم آخر لها تاريخ 19/6/2003 ([55]) ونقضت بموجبه حكم محكمة الاستئناف الذي قضى بالتعويض الجزئي للمتضرر، على اعتبار بأنَّه كان يقتضي عليها (أي على المتضررة) أنْ تتدارك الأمر، وتعين مديراً مؤقتاً لإدارة المخبز ومنعها عن ذلك الإصابة التي تسبب بها الطرف الآخر في النزاع. وقررت المحكمة أثناء النظر في الطعن المقدّم، بأنَّ المميزة لا تلتزم بأيّ موجب تجاه الطرف المتسبّب بالضرر من أجل تخفيف الخسارة، ويكفي –بالتالي- وجود الصّلة السببيّة بين الفعل الضار الذي أصابها ومجمل الخسائر التي تعرضت لها، ليحق لها التعويض، دون أنْ يترتّب عليها أيّ موجب لتخفيف هذه الخسارة.

من خلال هذين الحكمين المتقدّم ذكرهما يتبين أنَّ محاكم الأساس اعترفت بموجب التخفيف من الضرر، بينما نجد أنَّ هذا الإعمال لم يجد طريقه إلى التطبيق الكامل، فقد كان يصطدم بموقف سلبي من قبل محكمة التمييز التي رفضت تطبيقه بحجة الحفاظ على القوة الردعيّة للمسؤوليّة المدنيّة، وانَّ الطرف المتضرّر غير ملزم بالبحث عن كيفية التخفيف من الضرر، بل يترتّب على فاعله تحمل المسؤوليّة كاملة وجبرها، وذلك من خلال إلزامه بدفع التعويض كاملاً للمتضرر.

وتجدر الإشارة الى أنَّ هذا المبدأ، رغم  هذا الموقف السلبي الذي اتخذته محكمة التمييز الفرنسية، بدأ يشق طريقه إلى القانون الفرنسي، من خلال اقتراح مشروع القانون المدني المعروف بمشروع كاتالا، وذلك في المادة (1373) منه([56])، التي نصّت على ما يلي: "في كلّ الأحوال التي يكون باستطاعة المتضرّر فيها  أنْ يتّخذ تدابير مؤكدّة مناسبة ومعقولة للتخفيف من حجم خسارته أو تجنب تفاقمها، فإنَّ على المحكمة أنْ تنقص من مقدار التعويض الممنوح له، إذا ما فشل في عمل ذلك. إلّا في الأحوال التي يكون فيها من شأن هذه التدابير المساس بسلامته الجسديّة". وكذلك في نص المادة 1222 من قانون العقود الفرنسي الجديد الذي صدر بالمرسوم رقم 131/2016 تاريخ 10/2/2016 ([57]) ، جاء فيها ما يلي: "يحقّ للدائن أيضاً، بعد إعذار المدين، وخلال مدة وبكلفة معقولتين، أنْ يقوم بنفسه بتنفيذ الالتزام أو أنْ يزيل، بترخيص مسبق من القاضي، ما تمّ القيام به بالمخالفة لهذا الالتزام. ويجوز له مطالبة المدين برد المبالغ التي أنفقها لهذا الغرض. ويجوز للدائن كذلك أنْ يطلب من القضاء إلزام المدين بتعجيل المبالغ اللازمة لهذا التنفيذ أو هذه الإزالة". 

  1.  في إطار المعيار الثاني (المعيار الشخصي)([58])، قضي بأن موجب التعاون يفرض على أحد الطرفين موجب الإعلام([59])، وفي هذا الطرح موجب إعلام الطرف الآخر عن نيته في تغيير العادة التي جرى عليها التعامل المعتاد بينهما بشأن وسيلة الإيفاء. ففي حيثيات حكم القاضي المنفرد المدني الناظر في قضايا الإيجارات في بعبدا – جبل لبنان- رقم 147 تاريخ 3/8/1983([60])، لهذه الجهة، جاء ما يلي:

"وحيث إنه إذا كان يوجد في القانون اللبناني نص يجعل الوفاء بالشيك إلزاميّاً، فليس ما يمنع الوفاء بالشيك كوسيلة اختياريّة، خاصّة إذا ما جرى التعامل سابقاً بهذه الطريقة، كما هي الحال بين المدّعية والمدّعى عليه بالنسبة للعرض في 28/10/1982 بشيك مسحوب على بنك الصناعة والعمل".

"وحيث يمكن اعتبار الشيك مقبولاً في إيداع البدلات لدى الكاتب العدل إذا ما أكده تعامل سابق، ولا يشكّل هذا القبول خروجاً على مبدأ عدم جواز التوسع في تفسير أحكام قانون استثنائي مثل قانون الإيجارات، لأنَّ مثل هذا التعليل لا يتناول المادة (27) فقرتها (ب) من قانون 20/82 بقدر ما يتناول مجالات تطبيقها لناحية كيفية ايداع البدلات في حال إيداعها لدى الكاتب العدل الذي يعمل في الدائرة التي يقع ضمن نطاقها المأجور.

"وحيث أنَّ المدّعية لا تعتبر الشيك مبرئاً للذمة في القضية الحاضرة كونه مسحوباً على مصرف يقع خارج نطاق المأجور.

"وحيث جرى التنويه سابقاً بالتعامل الذي تمّ بين الطرفين.

"وحيث تستخلص المحكمة من التعامل السابق واجب التعاون الملقى على عاتق المدّعية، يفرض عليها إذا ما رغبت في تغيير التعامل الجاري، أنْ تعلم المستأجر المدّعى عليه رفضها للشيك المسحوب على مصرف يقع خارج نطاق المأجور، لأنَّ إصلاح خطأ المدّعى عليه، لا يزال ممكناً ضمن المهلة القانونيّة، دون أنْ يلحق أيّ ضرر غير مشروع بالمدّعية، بعد أنْ أثبتت نيّته الحسنة في الدفع، هذا من ناحية، ولأنَّ العقود المنشأة على وجه قانوني يجب أنْ تنفذ وفاقاً لحسن النيّة والإنصاف والعرف عملاً بالمادة (221) من قانون الموجبات والعقود.

        "وحيث أنَّ إحجام الجهة المدّعية عن قبض الشيك أو حتى استلامه، كما فعلت في السابق، وسكوتها عن إعلام المستأجر بوجوب تصحيح خطأه حول هذا الأمر ضمن المهلة القانونيّة، وقد كان ممكناً لإصلاحه دون أيّ ضرر عليها، يشكلان من ناحيتها، تجاوزاً لحدود حسن النيّة المفروضة قانوناً في تنفيذ العقود، وامتناعاً عن القيام بواجب التعاون المفروض عليها، وحيث ينبني على ما تقدّم رد الدعوى لجهة إسقاط المدّعى عليه من حقه في التمديد القانوني أو إخلائه المأجور".

فوفقاً للحكم المشار اليه، يتجلى بوضوح مبدأ حسن النيّة في العقود، بأنْ يفرض هذا الحكم على المتعاقد اتخاذ موقف إيجابي في تنفيذه لموجباته، إذ يستلزم حسن النيّة واجب التعاون فيما بين المتعاقدين، ذلك لأنَّ العقود ليست مجرد نتيجة للتوفيق بين إرادتين متضادتين تعبران عن مصالح متعارضة، وإنما يجب أنْ ينظر إليها على أنها الوسيلة القانونيّة للتعاون والتآزر بين الطرفين، فواجب التعاون فرضه مبدأ حسن النيّة كالتزام أصيل([61]). ومن أهمّ تطبيقات موجب التعاون فيما بين الشركاء لتحقيق غرض العقد ما يلي: الالتزام بالتبصر والاعلام بالظروف والوقائع المحيطة والمستجدة على العملية التعاقديّة. ونظراً للتعامل السابق فيما بين الأطراف والعادات المتّبعة لتنفيذ العلاقات التعاقديّة المشابهة فيما بين الطرفين، يقتضي على أيّ طرف منهما إعلام الطرف الآخر نيته بإجراء أيّ تعديل على هذه التصرّفات والتعاملات، وإلّا اعتبر أنَّ الرغبة غير المعلنة في التعامل التجاري هو خرق لمبدأ حسن النيّة في تنفيذ العقد وحسن التعامل بينه وبين الطرف الآخر([62]).

إن مبدأ حسن النية الذي اعتمدته المحاكم كأساس لفرض موجب التعاون في العقود عامة وفي العقود المصرفية خاصة، كان له الدور الأساسي في إرساء الكثير من الحلول لتعويض الطرف المتضرر عن الخسائر التي تلحقه من جراء تدني قيمة العملة. وهو سيف ذا حدين، يصيب المصرف عندما يكون سيء النية بتمنعه عن إيفاء موجباته تجاه الزبائن، ويصيب الزبون في الحالة العكسية، عندما يتعنت المدين برفض إيفاء دينه تجاه دائنه، وقد يكون الدائن هو المصرف المقرض. وفي ذلك نص الفقرة الثانية من المادة 265 موجبات وعقود. جاء فيها "... غير أنه إذا كان المديون سيء النية جاز أن يعطى عوض إضافي للدائن الذي أضر به امتناع  غير مشروع" وفي ذلك قضاء مستمر([63]).

تطبيقاً لذلك قضت محكمة استئناف بيروت في قرار لها تاريخ 27/4/1961 ([64]) بأنه يتوجّب على المدين المتأخر في التنفيذ بأنْ يدفع تعويضاً يعادل قيمة الضرر اللاحق بالدائن نتيجة هبوط قيمة العملة بصورة تامة. جاء في الحكم "حيث أنَّ من المبادئ المقرّرة أنَّ بدل العطل والضرر يجب أنْ يكون معادلاً تماماً للضرر الواقع والربح الفائت (المادة 260 موجبات وعقود)... وفي مطلق الأحوال وعندما يتلكأ المديون عن إيفاء الدين في الموعد المتّفق عليه، كما هي الحال في القضية الحاضرة، يكون، عملاً بالمبادئ العامّة، مسؤولاً تجاه الدائن عن جميع الاضرار اللاحقة به من جراء التأخير؛ وبالتالي، من جراء تدني عملة القرض.

"وحيث أنّه إذا كان المدينان قد تعهدا بالفائدة القانونيّة عند عدم الدفع في موعد الاستحقاق فهذه الفائدة قد تكون بمثابة بدل العطل والضرر الكافي في الظروف العادية. أما إذا نتج عن تأخير المدينين ضرر أشد للدائن كهبوط قيمة العملة موضوع المداينة مثلاً كما هي الحال في القضية الحاضرة، فيكون على المدينين أنْ يعوضا الدائن عن ذلك وبذات مقدار تخفيض العملة تطبيقاً للمبدأ الآنف الذكر بأنَّ بدل العطل والضرر يجب أنْ يكون معادلاً للضرر الواقع".

وفي حكم آخر لمحكمة التمييز اللبنانيّة([65]) تاريخ 30/10/1962 قضت المحكمة بـ: "أنَّ للدائن الحقّ ببدل عطل وضرر خاص إذا تأخر المدين عن الإيفاء وكان قد طرأ تدنّي في سعر العملة الأجنبيّة، عملة القرض، لحق من جرائه ضرر بالدائن بسبب تلكؤ المديون عن إيفاء الدين في الموعد المحدّد المتّفق عليه عملاً بالمبادئ العامّة".

واستناداً الى مبدأ "حسن النيّة" قضت محكمة استئناف بيروت المدنية غرفتها الأولى([66])  قرارها رقم 323  لسنة 2002 تاريخ 7/2/2002 الذي أبرمته محكمة التمييز المدنية غرفتها الرابعة المذكورة سابقاً رقم 47  لسنة 2005 في حكمها في التعويض عن التأخر في تسديد الدين بما يلي: "حيث أنَّ مماطلة المستأنف وتمنعه عن إيفاء دينه للمستأنف عليه بدون وجه حقّ ولا أيّ سبب شرعي وطيلة فترة تناهز العشرين عاماً بل وإمعانه في إبعاد هذا الأخير عن حقه بلجوئه إلى استيفاء قيمة سند السحب مع إنّه سلّمه للمستأنف عليه على سبيل الضمانة يؤكّد سوء النيّة الذي يترتّب عليه تعويض المستأنف عما أصابه من ضرر سبب هذا التصرف.

"وحيث أنَّ الضرر المذكور يتمثّل بشكل خاص بالتدني الذي أصاب قيمة الدين الرسمية؛ إذ إنَّ الفرنك الفرنسي كان يساوي بتاريخ الاستحقاق خمسون فرنكاً أفريقياً C.F.A. وأصبح يساوي بتاريخ اليوم حوالي مئة فرنكاً أفريقياً C.F.A. الأمر الذي من الواضح الحقّ بالمستأنف عليه ضرراً مميّزاً".

وقد أبرمت محكمة التمييز غرفتها الرابعة بقرارها رقم 47 تاريخ 12/3/2005 المذكور سابقاً، هذا القرار الاستئنافي لهذه الجهة. هذا وقد حددت محكمة استئناف بيروت شروط تطبيق المادة 265 موجبات وعقود وهي "أن يكون المدين قد تسبب في إحداث الضرر الذي وضعت له الفوائد كتعويض له وأن يكون هذا الضرر الإستثنائي الواقع على الدائن هو غير الضرر المألوف الذي ينجم عادة عن مجرد التأخر في وفاء الدين وأن يكون المدين سيء النية وفي النص الفرنسي للمادة أن يكون المدين متعنتاً بشكل غير مبرر بعدم إيفاء الدين lésé par une résistance injustifiée. وعلى الدائن إثبات سوء النية لأن الأصل هو حسن النية"([67]).

ولكن من جهة ثانية، بعض الأحكام القضائيّة اللبنانيّة([68]) قد ذهبت إلى تطبيق المبادئ العامّة الواردة في المادة الرابعة من قانون أصول المحاكمات المدنيّة فقرتها الأخيرة والتي تنصّ على وجوب الأخذ بمبدأ الإنصاف عندما لا يوجد نص يطبقه أو اعتمدت مبدأ حسن النيّة الوارد في المادة (5) من قانون رقم 50/90 المتعلّق بتعليق المهل القانونيّة والقضائيّة والعقديّة الصّادر بتاريخ 23/5/1991([69]). ولفرض ذلك التعويض عن الضرر الخاص المشار اليه عن التدني في قيمة العملة، وفي هذه المسألة كتب أستاذنا  مصطفى العوجي، مختصراً هذا المشهد القانوني، ما يلي: "أما تقدير التعويض عن الضرر فيعود للقاضي، ويمكنه أن يأخذ بالاعتبار انخفاض قيمة النقد الوطني بصورة فادحة ليعيد للدين قوته الشرائية، لأن التعويض يجب أن يتناول الأضرار الحقيقية الحاصلة، ولا شك في أن انهيار قيمة النقد هو أحدها، لا سيما متى ثبت ان مماطلة المدين بتسديد دينه سببها إرادته الاستفادة من هذا التدهور ... وإن هذه الأضرار متمثلة بشكل أساسي بفقدان المبلغ المتوجب قوته الشرائية مقارنة بما يوازيه حالياً بسبب التدهور الذي أصاب النقد الوطني"([70]).

 

ثانياً: القاعدة القانونية الثانية، التي تقوم عليها هذه المرة العلاقة بين الزبون والمصرف التي أكدها القضاء في أحكامه، هي خضوع المصرف الى أوامر الزبون بشأن وديعته المصرفية بما يتوافق مع أحكام القانون وأحكام العقد المبرم مع المصرف كتدبير داخلي في التعامل. أما ما يصدر من تعاميم مصرفية أو عن أي مرجع أتت فإنها إن ألزمت المصرف إلا أنها لا تلزم الزبون، فهي شأن مصرفي خارجي عن إطار التعاقد. كما أن هذه التعاميم كما سبق أن بينا لا تلزم القضاء . أنها شأن مصرفي بحت، فالزبون يبقى حقه كاملاً باستراداد ما أمّن المصرف عليه من مال وفي الوقت الذي يريده، طالما أنه ليس من نص في القانون يبرر تمنع المصرف عن موجب الرد. فالقضاء أساساً لا يلتزم الا النص القانوني وعند انتفائه يعتبر المبادئ العامة والعرف والانصاف (المادة 4 أ.م.م.) أما التعاميم المصرفية والقرارات الادارية مهما كان مصدرها فهي ليست بقانون أو مصدر من مصادر القاعدة القانونية كما أنها ليست بقوة قاهرة بمعنى الواقعة الاستثنائية غير المتوقعة التي لا يمكن توقعها وتجاوزها والتي تجعل تنفيذ الموجب المصرفي بالرد مستحيلاً ومهما بلغ التنفيذ من ارهاق. وقد وضعت  محكمة التمييز المدنية في قرارها تاريخ 5/3/1974 إدارة الجمارك السورية / شركة أسو، قاعدة أساسية في مدى إلتزام القضاء بالتعاميم الإدارية، فقضت بما يلي: "أن التفسير الحكومي المنفرد، التعميم – القرار الوزاري للمعاهدة لا يلزم المحاكم القضائية إلا إذا كان موضوع قرار صادر عن السلطة التنفيذية نفسها التي تصدر بها المعاهدات ، أي إذا نشر التعميم بمرسوم"([71]) وكذلك قرار مطابق صادر عن مجلس شورى الدولة رقم 838 تاريخ 9/11/1962 ([72])جاء فيه "ان وزراة الخارجية هي المرجع الذي يعود له علماً واجتهاداً تفسير المعاهدات الدولية، وحتى يعمل بهذه المعاهدات يجب ان تنشر بنصوصها كافة في الجريدة الرسمية بحيث لا يكفي نشر إجازة القوانين للحكومة التصديق عليها". وينطبق ذلك على التعاميم المصرفية من أية جهة أتت لأنها تتصل بعلاقة المصرف المركزي أو جمعية المصارف بالمصارف، دون أن يشكل ذلك إلزاماً للقضاء، فهو لا يلتزم إلا القانون. فالتعاميم هي تدابير إدارية داخلية تهدف الى تنظيم المهنة المصرفية دون أن تنعكس بالضرورة على من ليس طرفاً فيها، أي القضاء وزبائن المصرف. كما أنها لا تشكل قوة قاهرة لعدم توافر شروطها . وقد اعتبرت محكمة استئناف بيروت في قرارها رقم 578 تاريخ 4/6/1996 ([73]) أن جمعية المصارف بطعنها الذي يتناول طبيعة الموجب الملقى على عاتق المصرف عبر الإدعاء بتوافر شروط القوة القاهرة بهدف الحؤول دون صدور اجتهاد عن المحاكم في غير مصلحتها، وهي مصلحة إحتمالية فقط، مما يفرض رد الطلب المقدم من جمعية مصارف لبنان لهذه الناحية([74]) . فالمصرف يبقى هو المسؤول تجاه زبونه عملاً بالقوة الملزمة للعقد بمهمته كمؤتمن على مصالح الزبون، فلا يعفى من موجب الرد لعدم توافر أي من الشروط القانونية لهذا الإعفاء. ولم يعتبر القضاء اللبناني حادثاً غير متوقع تأخر السلطة في إعطاء الترخيص الإداري )[75]( أو القرار بوقف العمل ([76]). وفي قرار تمييزي أحدث أساس رقم 491 لسنة 2000 قرار رقم 35 تاريخ 25/4/2000، قضت المحكمةغرفتها الاولى بـ "أن التأخير في الأعمال الإدارية والمعوقات الفنية، إن صحت أقوال المميزة، لا تكفي لتوافر العناصر القانونية للقوة القاهرة" . فالصعوبة في تنفيذ الإلتزام لا تعتبر قوة قاهرة، وقد أحسنت محكمة الاستئناف برد ما أدلت به الجهة المميزة لهذه الجهة ([77]). وفي نفس هذا السياق، قضت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت غرفتها الثانية عشرة بقرارها رقم 213 تاريخ 16/2/2011 بأن "كون الأمور التي عزت اليها الجهة المستأنفة سبب تأخرها الذي اعترفت به هو الروتين الإداري وسوء الإدارة في الدوائر الرسمية والظروف الاقتصادية والأمنية، لا تشكل المبررات للتذرع بعدم التأخر في المهلة التي تعهدت المستأنفة بها. ويكون ما توصلت اليها المحكمة الابتدائية من تعليل لعدم الاخذ بمثل هذه المبررات، صائباً وفي محله. إضافة الى ذلك، كان يقتضي بالجهة المستأنفة (كما المصارف في المسألة المعنية)، وهي المُلِمَّة في مجال تشييد الأبنية والاتجار بها، ان تتحسب قبل توقيعها العقود مع الجهة المستأنف بوجهها، الى التأخير في المعاملات الادارية بسبب ما سمته الروتين الإداري وسوء الإدارة، كما كان بإمكانها أن تتصل بالجهة المستأنف بوجهها عند حصول الأحداث الأمنية – أو الاقتصادية – وفور انتهائها، لتضعها في صورة التأخير الحاصل في الأعمال بسبب تلك الأحداث، ولتتواصل معها حول قاسم مشترك لتعديل المهلة التي كانت تعهدت بها تجاهها، توصلاً الى تعديل اتفاقها معها بهذا الشأن ، فتكون تبعاً لذلك قد ارتضت بالابقاء على المهلة التي كانت قد تعهدت بها في العقود التي التزمت بها، وبتحمل تبعات ذلك "([78]).وهذا ما يذكرنا بقرار المحكمة الابتدائية في بيروت، الغرفة الثالثة، القرار رقم 2916/92، تاريخ 3/2/1994، أحمد الصباح / بنك بيروت الرياض، الذي بحث في مكان سابق من هذه الدراسة.

 

من هنا فإن ما تتخذه المصارف من  إجراءات، إنما هي لحماية مصالحها كمصارف. ولكنها في المقابل تعطل مصالح الزبائن، الذين يبقى من لهم حق المطالبة والتصرف بودائعهم التي إئتمن المصرف عليها. ودور القضاء وأولى مهماته  بشكل عام، هو تطبيق القانون وحماية الملكية والحرية الفردية والحقوق على أنواعها. فالقضاء العدلي هو الحامي لهذه الحرية الفردية والملكية)[79](.

فإذا كان استقرار الوضع المصرفي هو في استقرار الاقتصاد الوطني، فإن استقرار التعامل والثقة بالمصارف، هما الضمانة الأهم لذلك الاقتصاد وتشجيع المعاملات والعقود التجارية الدولية وفق المعيار الاقتصادي، الاساس في تصنيف هذه العقود.

"إن إذلال الزبائن" وهذه المواقف المصرفية التي اربكتهم، هي كمن يستعطي لقمة العيش من موظفي المصارف. وفي ذلك ظلامة أشد من الحاجة اليها...هو ما يذكرنا بتلك الرواية لأحد الأدباء الروس التي عرض فيها الى قصة واقعية عن أمير روسي أصبح خادماً ، وخادم إنقلب  نتيجة ما طرأ من تحول اجتماعي في فترة الثورة البولشيفية الى أمير . انها "ترنيمة" المجمتع اللبناني وعلى كل الأصعدة بنتيجة ما حصل من تغيير فيه. فمن كان يملك الشارع تملك الدولة، وتحول "عاليها الى واطيها"، والعكس هو صحيح.

المصرف الذي كان يتكلف الدعاية ويلجأ الى شتى الاغراءات لاستقطاب الزبائن تحول اليوم الى سيد يأمر الزبون ولا "يلتكش به"([80]).

ج- إن ما يترتب على "الانحدار" المصرفي نوعان من النتائج([81]):

  • النوع الأول هو ايجابي، يتمثل بالموقف القضائي الذي أدان في آخر قراراته التصرفات المصرفية، واضعاً بذلك "النقاط على الحروف" وحداً لكل تشكيك أو مقولة بحق القضاء الذي أشرنا اليه. وهو ما بحثناه فيما سبق وعلى مدار هذه الدراسة.
  • النوع الثاني هو سلبي،  تطبيقاً لمثال شعبي يشكل  مصدراً من مصادر القاعدة القانونية "  كثرة الدق بفك اللحام". فالموقف المتعنت للمصارف، والمتكرر، من نتائجه الاساسية هو أن ينشأ  لدى المودعين من تصرفات تكون كردة فعل على الأذى الذي أصابهم من الإجراءات المصرفية، التي لا يفهمون سبباً لتبريرها، أن يقفل الزبائن  حساباتهم المصرفية، وأن يتوقف التعامل مع المصارف والأخطر هو فقدان الثقة بالمصارف. والثقة هي أساس كل تعامل ..... الى ما هنالك من نتائج يقتضي تعميقها.
 

['1] - المكان : مركز كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية – بيروت – قاعة علي راشد. وسيصدر كتاب خاص بنشر أعمال الندوة والمحاضرات التي ألقيت فيها.

[1] - منشور في النشرة القضائية اللبنانية  سنة 1970 ص  449 .  وغيره من القرارات؛ أيضاً محكمة استئناف بيروت رقم 351 تاريخ 10/3/2009 ، شركة فارما بيل/شركة كواشو، مجلة العدل سنة 2009، العدد الرابع، ص 1550 وما يليها؛ محكمة الاستئناف المدنية في جبل لبنان، غرفتها الأولى، أساس رقم 174 لسنة 2002، قرار رقم 116 تاريخ 26/7/2004، عادل داغر/شاكر وابراهيم والياس الرامي . وراجع القرار التمييزي في القضية الصادر عن الغرفة الثانية لدى محكمة التمييز أساس رقم 665 لسنة 2004 ، قرار رقم 7 ، تاريخ 26/1/2009، (غير منشورين).

[2] - مقالة علي كمال عباس بعنوان "احذروا المصارف... القانون يحمي المودعين"، منشور في جريدة  الاخبار ، تاريخ 16 كانون الاول 2019 ، ملحق رأس المال (نفس التاريخ).

[3] - فرانسوا ضاهر، قاضٍ سابق ومحامً ، منشور على صفتحه على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، بتاريخ 11 كانون الثاني 2020.

[4] - أ.د. سابين الكك ، رئيسة قسم  القانون الخاص في الجامعة اللبنانية ، دراستها "هيبة القضاء وديكتاتورية المصارف" المنشورة في مجلة محكمة – العدد 50- شباط 2020 – الجمعة في 7/2/2020.

[5] - مقالة للأستاذ علي كمال عباس، جريدة الأخبار ، عدد الإثنين 16/12/2019.

[6] - الاستاذ محمد وهبة ، جريدة الأخبار ، عدد الأربعاء 8/12/2020.

[7] - محكمة التمييز المدنية، غرفتها الثالثة أساس رقم 56 رقم 9  تاريخ 5/3/1974،  طالبة النقض إدارة الجمارك السورية/شركة أسو ستاندرد الشرق الأدنى، منشور في النشرة القضائية اللبنانية سنة 1974، ص 166، وقد أطلقت المحكمة العليا في هذا القرار مبدأ عاماً هو "ان التفسير الحكومي المنفرد (التعميم – قرار وزاري) للمعاهدة لا يلزم المحاكم القضائية الا اذا كان موضوع قرار صادر عن السلطة التنفيذية بالصيغة نفسها التي تصدر بها المعاهدات، اي اذا نشر بمرسوم"؛ أيضاً مجلس شورى الدولة رقم 838 تاريخ 9/11/1962 رقم 685 لسنة 1961 المستدعي المحامي فؤاد الهرواي، المدعى عليها الدولة اللبنانية، منشور في المجموعة الإدارية للإجتهاد والتشريع سنة 1962، العدد الثاني، السنة السادسة ص 231.

[8] - في ذلك: ادوار عيد، رقابة القضاء العدلي على أعمال الإدارة، بيروت سنة 1973 رقم 93 وما يليه ص 377 وما يليها. فالمحاكم التابعة للقضاء العدلي هي المختصة دائماً عندما يكون الفعل الضار متصلاً ممارسة الضابطة العدلية La Police judiciaire لمهامها أو عندما تتصف هذه الأعمال بالتعدي وخصائصه Voie de fait  فهذه المحاكم هي الحامية للحرية الفردية. إن عدم صلاحية القضاء الاداري (مجلس شورى الدولة) في النظر في التجاوزات وخرق Violation الحرية الفردية الذي يصدر عن رجال الضابطة العدلية لا يثير أي شك. راجع مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 353 تاريخ 10/3/1961 المجموعة الادارية Rev. Adm. سنة 1960 ص 101؛ مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 347 ، المجموعة الإدارية سنة 1960 ص 102 . وفي كل ذلك تفصيلاً :

Hassan- Tabet Rifaat, Les libertés publiques en droit positif libanais, Beyrouth, 1965, p. 43 et s.

[9] - قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس 558/2019 رقم 199 تاريخ 25/11/2019 ، شركة كومرس انترناسيونال ش.م.ل. / بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية.

[10] - قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس 562/2019 رقم 225 تاريخ 19/12/2019 حسن سعيد /بنك لبنان والمهجر ش.م,ل.  فرع النبطية.

[11] - قاضي الأمور المستعجلة في بيروت أساس 601/2019 رقم 1 تاريخ 3/1/2020 أيمن حسين تراوي/بنك البحر المتوسط ش.م.ل. الادارة العامة.

[12] - استئناف بيروت غرفتها الثالثة، تاريخ 13/2/2020، أيمن حسين تراوي/بنك البحر المتوسط ش.م.ل. الادارة العامة.

[13] - البروفوسور فايز الحاج شاهين، دفتر التوفير في القانون اللبناني، منشورات مجموعة حاتم، بيروت سنة 1993، ص 26 وما يليها و ص 67 وما يليها.

[14] - منشور في مجلة العدل، سنة 2010 العدد الثاني، 750 وما يليها.

[15] - قاضي الأمور المستعجلة في زحلة رقم 5 تاريخ 13/1/2020 ، المدعي محمد اسماعيل عبد الرحمن/ بنك الاعتماد اللبناني ش.م.ل.

[16] - قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس 565/2019 رقم 4 تاريخ 7/1/2020 ماجد أبو زيد/بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية.

[17] - قاضي الأمور المستعجلة في النبطية القرار رقم 27 تاريخ 13/2/2020 ، المستدعية السيدة فاطمة حطيط بوكالتها عن ابنها يوسف حطيط / المستدعى بوجهه بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية.

[18] - من ذلك محكمة الدرجة الأولى في بيروت، رقم 51 تاريخ 4/3/2010 ، جمال ترست بنك ش.م.ل./ابو رجيلي، العدل العدد الثاني سنة 2010 ص 750 الى 753.

[19] - . جاء في القرار: "انه عملاً بمفاهيم التجميد تمسي الوديعة المجمدة في حساب التوفير غير قابلة للدفع قبل موعد استحقاقها الجديد الأمر الذي يزيل عن التعدي المشكو منه في المرحلة الراهنة صفة الوضوح الواجب ملازمتها له لتبرير تدخل قضاء العجلة لإزالته"

[20] - قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أساس رقم 558 لسنة 2019 رقم 199 تاريخ 25/11/2019، شركة كومرس انترناسيونال ش.م.ل./بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية.

[21] - قاضي الأمور المستعجلة في النبطية قرار رقم 225 تاريخ 19/12/2019 ، المدعي حسين سعيد/المدعى عليه بنك لبنان والمهجر.

[22]- قاضي الأمور المستعجلة في زحلة أساس مدور رقم 72 لسنة 2020 رقم 5 تاريخ 13/1/2020 محمد عبد الرحمن/بنك الاعتماد اللبناني ش.م.ل. فرع بر الياس

[23] - أساس رقم 601 لسنة 2019 قرار رقم 1 تاريخ 3/1/2020.

[24] - قاضي الأمور المستعجلة في زحلة ، رقم 5 لسنة 2020 تاريخ 13/1/2020، المذكور سابقاً.

[25] - قاضي الأمور المستعجلة في زحلة ، القرار المذكور سابقاً.

[26] - قاضي الأمور المستعجلة،  اساس 558 لسنة 2020 قرار رقم 199 تاريخ 25/11/2019، المذكور سابقاً ؛ وأيضاً قاضي الأمور المستعجلة اساس 601 لسنة 2019  رقم 1 تاريخ 3/1/2020 المذكور سابقاً.

[27] - قاضي الأمور المستعجلة في النبطية،  اساس 565 لسنة 2019  رقم 4 تاريخ 7/1/2020 ، ماجد أبو زيد/ بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية.

[28] - قاضي الامور المستعجلة في النبطية، أساس رقم 565 لسنة 2019 رقم 4 تاريخ 7/1/2020، ماجد أبو زيد / بنك بيبلوس ش.م.ل. فرع النبطية التي سبقت الإشارة اليه.

[29] - المحكمة الابتدائية في بيروت، الغرفة الثالثة، القرار أساس 2916/92، تاريخ 3/2/1994،  أحمد الصباح / بنك بيروت الرياض، غير منشور.

[30] - مجلة العدل سنة 2006 العدد الرابع، ص 1528 وما يليها.

[31] - المحكمة الابتدائية في بيروت غرفتها الثالثة.

[32] - المشار اليها أعلاه.                                                             

[33] - بنك ش.ج.ل. في القضية المذكورة، المدعى عليه فيها محمود يغمور.

[34] محكمة استئناف المدنية الرابعة، الغرفة الناظرة بتقسيط الديون (الرئيس سماحة) قرار رقم 141، تاريخ 5/7/1994 (غير منشور).

[35]  Asouline c/Société nancéienne Varin Bernier , Recueille Dalloz Sirey, 1994, p. 142 et s.

Note Ibrahim Najjar . 

[36] - Recuille Dalloz Sirey, 1994, p. 142 – 145 notamment p. 144- 145.

[37] - منشور في مجموعة حاتم جزء 43 ص 32.

[38] - محكمة استئناف بيروت المدنية رقم 642 تاريخ 24/3/1960 ، مجموعة حاتم جزء 43 ص 32 . وقد استشهد هذا القرار بمرجع فرنسي هو Planiol .Ripert.  Esmein, Droit civil, T VII , n˚ 1161.

[39] - بينما "إذا كان الشيء المستحق في القضية هو كمية محددة من الليرات اللبنانية فيتحتم ايفاؤه بالكمية اياها ولا يمكن أن يلزم المدين بأكثر منها. ولا يمكن أن يعاد النظر بهذه الكمية لعلة التدني في القوة الشرائية لليرة اللبنانية أو  في سعر صرفها بالنسبة للعملات الأجنبية كما لا يعاد النظر بها لو ارتفعت قوتها الشرائية أو ارتفع سعرها". محكمة استئناف بيروت المدنية، تاريخ 30/3/1992، مجلة العدل، سنة 1993 ص 130 .

[40] - منشور في صادر في التمييز، القرارات المدنية، الجزء الأول، ص 553.

[41] - محكمة استئناف بيروت المدنية غرفتها الأولى، رقم 1155 تاريخ 5/12/1995 ، القرارات الكبرى لـ إلياس أبو عيد، العدد 54 ص 80 .

[42] - القاضي المنفرد في بيروت الناظر في القضايا التجارية، رقم 62/94 تاريخ 14/10/1994، هيكل/بنك البحر المتوسط، منشور في مجلة العدل سنة 1996، ص 225 وما يليها.

[43] - علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية ، دار النهضة العربية، القاهرة، 1981، ص 962 رقم 1026.

[44] - منشور في العدل سنة 2002 العدد 2 و 3 ، ص 349 وما يليها ، خاصة ص 353 و 354.

[45] - دار النهضة العربية، القاهرة، 1981.

[46] - محكمة استئناف بيروت الغرفة الأولى، رقم 993 تاريخ 26/10/1995 ، مجلة العدل، سنة 1995 ،  ص 126 وما يليها خاصة ص 130؛ وفي مسألة التعويض عن تدني قيمة العملة  ولتوافر شروطها راجع محكمة الدرجة الأولى المدنية في بيروت رقم 535 تاريخ 22/12/1994، العدل سنة 1995، ص 325 وما يليها وخاصة ص 329 الى 331.

[47] - علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة سنة  1981 رقم 568  ص 576.

[48] -  وللتفصيل راجع : علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، المرجع المذكور من الرقم 559 الى الرقم 569 ومن الصفحة 568 الى الصفحة 578، وأيضاً رقم 13 من نفس المرجع ص 22. وقد عالجنا هذا الموجب (التعاون) تفصيلاً في صفحات سابقة ولاحقة من هذه الدراسة.

[49] - مجلة العدل سنة 2002 ، العدد 2 و 3 ، ص 357.

[50] - القاضي المنفرد المدني في بيروت، رقم 130 تاريخ 2/4/2008، مجلة العدل 2008  العدد الرابع، ص 1770. شركة ترافيكوم ش.م.م. / بنك سوسياتيه جنرال لبنان ش.م.ل. ورفاقه مع المراجع التي تضمنها هذا القرار.

[51] - القاضي المنفرد التجاري في بيروت اساس  3450 لسنة 97 رقم 21، تاريخ 10/4/1997، ذكره استاذنا مصطفى العوجي في مؤلفه : القانون المدني – الجزء الاول – العقد، دار الخلود، بيروت، سنة 1999، ص 181 ، هامش 2، وقد ورد في الهامش ان هذا الحكم غير منشور لتاريخه.

[52] - حول موجب التعاون كأساس لتعديل العقود عندما تعترض تنفيذ العقد ظروف طارئة أدت الى قلب اقتصادياته راجع: سامي منصور، عنصر الثبات وعامل التغير للظروف الطارئة، دار الفكر اللبناني، بيروت سنة 1987 رقم  450  وما يليه ص 532 الى 546.

[53] - في ذلك راجع: سامي منصور، العيوب في صياغة الحكم القضائي – دراسة تحليلية في اللأحكام القضائية اللبنانية، منشورة في مجلة العدل سنة 2017 العدد الأول ص 7 وما يليها.

[54] - Cour de Cassation, 2 eme chambre civile, 19 juin 2003, n˚ de pourvoi : 01-13289, www.legifrance.gouv.fr

وفي نفس المعنى: في قضية تتلخص وقائعها بالتالي: أصيب أحد الأشخاص أثناء قيادته لشاحنته، بجروح خطيرة في تصادم مع شاحنة أخرى تابعة لشركة نقل (Laronze – Auvergne) المؤمن عليها من قبل شركة التأمين (Mutuelle du Mans) وقد طلب المتضرر تعويضاً عن إصابته، وقد انتهى القرار بمسؤولية شركة النقل وشركة التأمين وضرورة دفع تعويضات كاملة للمتضرر. في حين أن محكمة الإستئناف في القضية كانت قد رفضت مبدأ التعويض الكامل المنصوص عنه في المادة (1382) من القانون المدني ،بسبب رفض المتضرر إجراء عملية جراحية لتركيب طرف اصطناعي الأمر الذي كان من الممكن أنْ يقلص من تفاقم حالته وبالتالي يخفض مبلغ التعويض .

إلّا أنَّ محكمة التمييز نقضت الحكم الاستئنافي معتبرة بأنَّ المتضرر لم يكن ملزماً بالخضوع للتدخل الجراحي المقصود بتركيب الطرف الاصطناعي الذي طالبته به شركة النقل وشركة التأمين بهدف تخفيف الأضرار وحكمت له بمبلغ التعويض الكامل كما بينا.

Cour de Cassation, Chambre civile 2, 1997, n˚ de pourvoi 93-10914, www.legifrace.gouv.fr .

 

[55] - Cour de cassation, chambre civile 2, Audience publique du jeudi 19 juin 2003,
N° de pourvoi: 00-22302, 
www.legifrance.gouv.fr.  

 

[56] - Art. 1373:” Lorsque la victime avait la possibilité, par des moyens sûrs, raisonnables et proportionnés, de réduire l'étendue de son préjudice ou d'en éviter l'aggravation, il sera tenu compte de son abstention par une réduction de son indemnisation, sauf lorsque les mesures seraient de nature à porter atteinte à son intégrité physique ».

[57] - راجع نصوص هذا القانون بالعربية، محمد حسن قاسم، قانون العقود الفرنسي الجديد بالعربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت سنة 2018.

-Paul Grosser, L’exécution forcée en nature, in la réforme du droit des Obligations, impacts sur les contrats d’affaires et informatiques, Livre blanc, Dalloz, www.editions-dalloz.fr.                  

[58] - وقد سبق إن عرضنا للمعيار الأول (المعيار الموضوعي) في  مكان سابق في هذه الدراسة.

[59] - في موجب الإعلام مبناه وآثاره : مصطفى العوجي، القانون المدني، الجزء الأول – العقد – دار الخلود ، بيروت سنة 1999 ص 181 – 188؛ والكتمان المخادع ، نفس المرجع، ص 387 وما يليها؛ الإعلام في طور التهيئة للعقد، شروط تحققه، آثار الإخلال به: عاطف النقيب ، النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي، منشورات عويدات، بيروت  - باريس، سنة 1983 ص 238 وما يليها.

[60] - القاضي المنفرد المدني الناظر بقضايا الإيجارات في بعبدا، رقم 147 تاريخ 4 آب 1983، منشور على موقع المستشار الإلكتروني، www.almustachar.com .

[61]- انظر : حسام الدين كامل الأهواني، مصدر الالتزام، المصادر الإرادية، دار النهضة العربية، 1991 – 1992، ص210 ؛ مصطفى العوجي، القانون المدني – الجزء الأول، العقد، المرجع المشار اليه، ص 181 " يقوم موجب الإعلام على مبدأ حسن النية والاستقامة في التعامل... ويربط الاجتهاد موجب الإعلام بوجوب توفر حسن النية في تنفيذ العقد ويرتب هذا الموجب على المدين تجاه الدائن بإعلامه بما يطرأ على تنفيذ العقد من طوارئ تؤثر في سلامة تنفيذ العقد وترتيب الأعباء ( ص 181 وما يليها).

[62] - في ذلك : ليندا جابر، جزاء الاخلال بعقد البيع الدولي للبضائع وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع  1980 (دراسة مقارنة بالقانونين اللبناني والفرنسي) ، اطروحة دكتوراه قدمت الى كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية، نوقشت بتاريخ 22/1/2020، ص 273  - 279.

[63] - محكمة الدرجة الأولى في بيروت، تاريخ 13/2/1992، مجموعة حاتم الجزء 205 ص 156 ، حيث ألزمت المدين الذي تأخر عن سوء نية عن إيفاء دينه بعطل وضرر مواز لانخفاض قيمة النقد عند الحكم بالدعوى، جاء في حيثيات الحكم ما يلي: "وحيث أنَّ الجهة المدّعية تطلب إعطاءها تعويضاً عادلاً عن التأخير في التنفيذ الحاصل من قبل المدّعى عليه وذلك بتعديل أصل الدين،

"وحيث أنّه وفقاً للمادة (265) م.ع. في حال حصول تأخّر من قبل المدين في تنفيذ الموجب المترتّب عليه والمحرّر نقوداً فإنَّ الفائدة القانونيّة تقوم مقام التعويض إلّا أنّه يعود للمحكمة إذا وجدت أنَّ التأخير بالتنفيذ ناتج عن سوء نيّة المدين أنْ تحكم بتعويض إضافي.

"وحيث أنَّ المدّعى عليه كما ثبت من الوقائع كان يماطل بدفع ديونه المستحقّة على الرغم من الإنذارات والدعاوى المقامة ضده؛ وعلى الرغم من معاملات الحجز والتنفيذ على أمواله مستغلاً بذلك الظروف الأمنيّة يوظّفها لحسابه بقصد جني الأرباح الطائلة وتحقيق الكسب غير المشروع على حساب الغير.

"وحيث أنَّ امتناع المّدعى عليه عن إيفاء دينه على سوء نيّته وإرادته الأكيدة في تأخير تسديد الدين تحقيقاً لكسب متمثّل في انهيار صرف العملة الوطنيّة المتواصل وارتداد الأمر بنتائجه كافة على المدّعين.

" وحيث أنَّ الضرر أكيد وثابت بحق المدّعين الذين كانوا يرون حقوقهم وأموالهم تتبخر وتتقلّص قوتها الشرائيّة بفعل انهيار سعر العملة الوطنيّة المتواصل يوماً بعد يوم.

"وحيث أنّه وبعد أنْ ثبت للمحكمة سوء نيّة المدّعى عليه في عدم إيفائه لدينه المترتّب في ذمته للمدّعين فإنّه يكون ملزماً بالعوض الإضافي المنصوص عليه في المادة (265) م.ع، كما يجب أنْ يكون العوض معادلاً تماماً للضرر الواقع أو الربح الفائت سنداً للمادة (260) م.ع.

"وحيث أنّه يقتضي تحديد العوض الإضافي بما يعادل تماماً للضرر الواقع بالمدّعين (المواد 266 و 265 و 260 م.ع.)." ؛ وللقضاء سلطة مطلقة في تحديد التعويض عن الضرر اللاحق بالدئان من جراء التأخر في تنفيذ الموجب أو إيفاء الدين أن يحدد الفائدة المتوجبة على المدين إذا وجد أن التأخير في التنفيذ مرده خطأ من قبل الدائن حال دون حصول الايفاء في موعده كأن يصر على استيفاء الدين أو الموجب خلافاً لما هو متفق عليه في العقد أو تلكؤه في متابعة معاملة التنفيذ: محكمة استئناف بيروت المدنية الغرفة الثالثة رقم 429 تاريخ 20/4/1995 منشور في مجلة العدل، سنة 1997 ص 56 مع تعليق أنور الحجار؛ وحول شروط تطبيق المادة 265 م.ع. المذكورة، راجع القرار عينه؛ وراجع شورى الدولة، مجلس القضايا رقم 111 تاريخ 16/3/1992 مجلة العدل، سنة 1992 ص 1.

[64] - النشرة القضائية اللبنانية سنة 1961، ص 365.

[65] - محكمة التمييز المدنيّة، تاريخ 30/10/1962، النشرة القضائيّة اللبنانيّة، 1962، ص 874.

[66] - محكمة استئناف بيروت المدنيّة، الغرفة الأولى، قرار رقم 323 / 2002، تاريخ 7/2/2002، منشور على موقع مركز المعلوماتية القانونيّة في الجامعة اللبنانيّة، www.legallaw.ul.lb .

[67] - أستاذنا مصطفى العوجي، القانون المدني- الجزء الأول – العقد، دار الخلود، بيروت سنة 1999، ص 576؛ سامي بديع منصور، التعويض العقابي: عندما يذوب الثلج تظهر الحقيقة ( بمناسبة قرار محكمة استئناف بيروت المدنية، غرفتها الأولى، رقم 592 تاريخ 10/5/2016 ، قضية سعادة/سعادة )، الجزء الاول، المنشورة في مجلة العدل، سنة 2019 العدد الثالث، ص 1175 الى  1202.خاصة ص 1179 و 1183 مع المراجع المذكورة في الهامش رقم 32.

[68] - محكمة التمييز المدنيّة، الغرفة الثالثة، رقم 56، تاريخ 10/12/1992، منشور على موقع المستشار القانوني : www.almoustashar.com .

[69] - راجع  في المسألة ليندا جابر، جزاء الإخلال بعقد البيع الدولي للبضائع وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع 1980 (دراسة مقارنة بالقانونين اللبناني والفرنسي)الأطروحة المذكورة، ص 240 وما يليها.

[70] - مصطفى العوجي، القانون المدني- الجزء الأول – العقد، المرجع السابق، ص 576.

[71] - محكمة التمييز المدنية، الغرفة الثالثة ، أساس رقم 56 قرار رقم 9   تاريخ 5/3/1974، طالبة النقض إدارة الجمارك السورية ، المطلوب النقض ضدها شركة أسو ستاندر الشرق الأدنى ، النشرة القضائية اللبنانية سنة 1974 ص 166.

[72] - مجلس شورى الدولة ، قرار رقم 838 تاريخ 9/11/1962 رقم الدعوى 685/61 المستدعي المحامي فؤاد هراوي ، المدعى عليها الدولة اللبنانية، منشور في المجموعة الادارية للاجتهاد والتشريع ، سنة 1962  العدد الثاني، السنة السادسة ص 231 وما يليها.

[73] - النشرة القضائية اللبنانية، سنة 1996 عدد 81، ص 846.

[74] - في كل ذلك راجع : سابين الكك، المقال المشار اليه المنشور في النسخة الورقية من مجلة محكمة العدد 50 ، شباط 2020 نهار الجمعة في 7/2/2020؛ وراجع: كاتيا أبو نقول ، تعليق على القرار الصادر عن القاضي المنفرد في بيروت رقم 32 تاريخ 11/7/1996 الذي تناول مسألة القوة القاهرة وموقف الفقه والاجتهاد والحل الواجب تطبيقه والمنشور في مجلة العدل سنة 1997 العدد الأول ص 154.

[75] - تمييز مدني، غرفة أولى، رقم 85 تاريخ 8/10/1964، النشرة القضائية اللبنانية 1965 ص 387، دعوى مسعود / بلبوني، ومنشور ايضاَ في مجموعة حاتم، جزء 61 ص 50 ؛ أيضاً:

Cass.Comm. 16 oct. 1954 D.S. p. 213, note Radouant.

[76] - تمييز مدني غرفة رابعة رقم 10 تاريخ 23/3/1999 مع تقرير القاضي حبيب حدثي المستشار لدى هذه الغرفة؛ وفي القوة القاهرة راجع كاتيا أبو نقول، تعليق على قرار صادر عن القاضي المنفرد المدني في بيروت رقم 32 تاريخ 11/7/1996 وهو مسألة القوة القاهرة، موقف الفقه والاجتهاد، الحل الواجب تطبيقه في مجلة العدل سنة 1997 ، العدد الاول، ص 154؛  قرارمنفرد مدني، تاريخ 10/10/1960، النشرة القضائية اللبنانية 1960، ص 166.

[77] - تمييز مدني، غرفة أولى، اساس 491/2000  رقم 35 تاريخ 25/4/2000 ، المميز العميد المتقاعد ج.م./ المميز ضدهما س. غ. و ش. م. منشور في صادر في التمييز، القرارات المدنية، سنة 2000 ص 88 الى 91 خاصة صفحة 91 حيث جاء "وحيث أن المميزين لم يبنيا عناصر القوة القاهرة التي أدليا بها وأن التأخير في المعاملات الادارية وفي الأعمال التي التزمتها متعهد البناء، هذا إن صحت هذه الأقوال. فالصعوبة في تنفيذ الالتزام لا تكفي لتوفر العناصر القانونية للقوة القاهرة،  وقد أحسنت محكمة الاستئناف رد ما أدلى به المميزان لهذه الجهة...".

[78] - استئناف المدنية في بيروت، الغرفة 12 ، رقم 213 تاريخ 16/2/2011، فيصل كريدلي ورفيقه/ المحامي ح.ع. ورفاقه ، مجلة العدل 2011 العدد الرابع ص 1730 الى 1736 تعليق عبده جميل غصوب خاصة صفحة 1732 – 1733 من القرار.

[79] - في هذا المبدأ:

Hassan – Tabet Rifaat. Les libertés publiques en droit positif libanais. Beyrouth, 1965, p. 42 – 45.

[80] - سامي بديع منصور، منشور وارد على صفحته على موقع الفيسبوك، تاريخ 18/11/2019 عند الساعة 4:30 مساءً.

[81] - راجع تحت أ و ب الصفحات 1 و 2 من هذه الدراسة.


 

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان