انفصام بين "سيزار الوزير " و "أبي خليل النائب"، أم الإثنين معاً؟!
بتاريخ لم يمرّ عليه الزمن، وبعد انقضاء قرن على استثمار الامتياز المنتقل إليها، باشرت شركة كهرباء زحلة مشروعاً خاصاً بها لإنتاج الطاقة من مولدات استأجرتها خارج أحكام دفتر شروط امتيازها، دون أي إذن أو اجازة أو ترخيص قانوني. وقبل انتهاء هذه المدة بشهر صدر القانون رقم 107، تاريخ : 30/11/2018 بمادة وحيدة وعلى عجل. وقد تعمّدت صياغة هذا القانون الإيحاء بأن "المولدات مستأجرة من الامتياز"، لتبرير ربطها بامتياز التوزيع، واستخدمت عبارات للتمويه مثل: أن مقتضيات المصلحة العامة تفرض "الإبقاء على الحالة القائمة ضمن حدود نطاق الامتياز" و"الاستفادة من الإمكانية المتاحة" لشركة كهرباء زحلة "لتقديم الخدمات اللازمة لعمل المرفق العام". ونصّ على توقيع "عقد تشغيلي" مع شركة كهرباء زحلة لـ "تقديم خدمات تسيير المرفق العام"، و"أوجب" عليها أن تؤمّن التيار الكهربائي للمشتركين الواقعين ضمن نطاق امتيازها الجاري استرداده. ويعني ذلك أن القانون 107/2018 هدف إلى تشريع حالة واحدة ولشركة بعينها وبالإسم هي شركة كهرباء زحلة لإنتاج الكهرباء من مولداتها، دون غيرها من الشركات وأصحاب الـ "مولدات الخاصة" غير القانونية، القائمة في الواقع والمنتشرة في مختلف المناطق والمدن والقرى اللبنانية وأحيائها. وكذلك يكون قد ميّز بين مواطني منطقة لبنانية والمقيمين فيها، دون غيرهم من مواطني المناطق الأخرى، من خلال تأمين التغذية بالكهرباء على مدى ٢٤ ساعة لمدينة زحلة والقرى الواقعة ضمن نطاق الامتياز المنتهية مدته، مخالفاً بذلك الدستور ومبدأ المساواة في الحقوق والفرص بين المواطنين والأفراد اللبنانيين.
بالرغم من تعذر تطبيق معظم بنود العقد، لا سيّما تلك المتعلقة بشراء وتركيب العدادات المستقلة على نفقة الشركة، وبالتحاسب على ثمن الطاقة وبدلات التأهيل القديمة والمتراكمة على مدى سنوات، وبالجرد وتدقيق حسابات الامتياز وبفصل المقطوعية المباعة لمشتركي الامتياز المستمدة من كهرباء لبنان عن تلك المستمدة من مولدات شركة كهرباء زحلة، والفوترة على هذا الأساس، فقد توقعنا في مقال سابق تكرار السيناريو عينه مع اقتراب انتهاء مدة العقد أواخر 2020، والمطالبة بالتمديد للـ"إبقاء على الحالة القائمة" بحيث يكرّس التمديد هذه المرة مشروعية المولدات الخاصة "المكتسبة من القانون 107/2018، المبني على غش في الصياغة، ها هو مجلس النواب يناقش اليوم اقتراح قانون معجل مكرر لتمديد العقد الموقع بين مؤسسة كهرباء لبنان وشركة كهرباء زحلة، بالرغم من أن مولدات هذه الأخيرة ليست ملكاً للامتياز ولا مستأجرة منه، وأن هناك أكثر من كتاب صادر عن وزير الطاقة والمياه الأسبق، والنائب الحالي عضو لجنة الأشغال والطاقة سيزار أبي خليل، ويؤكد فيه "تعذر اجراء أي تفاوض مع شركة كهرباء زحلة حول مشروعها الخاص، لإنتاج الكهرباء من المولدات التي استأجرتها دون علم وزارة الطاقة والمياه، وبأن هذا المشروع يبقى مخالفاً للقوانين والنصوص النافذة، وأن الشركة المذكورة تبقى مسؤولة عنه قانونياً ومالياً وعن مباشرتها والاستمرار بنشاطها الخاص هذا. ويدعوها مجدداً الى التقيد بأحكام دفتر الشروط والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء". ومن هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر:
1. الكتاب رقم 3531 /1ص/2016، تاريخ 11/1/2017،
2. الكتاب رقم 464/1ص، تاريخ 27/3/2017.
3. الكتاب رقم517/1ص، تاريخ 12/7/2018.
بناءً عليه، بما أن الأسباب الموجبة للقانون 107/2018 قد أقرّت بانتهاء امتيازكهرباء زحلة وبوجوب استرداده، بحيث لم يقصد تمديد مدته، وإنما فقط التعاقد مع شركة كهرباء زحلة لـ "تقديم خدمات تسيير المرفق العام" ضمن حدود نطاق امتيازها الجاري استرداده، بما فيه الإنشاءات التابعة له أو "المستأجرة منه" وتوزيع الكهرباء، دون المساس بأي شرط من شروط المادة (30) من دفتر شروط هذا الامتياز"، التي تنص على استرداد المنشآت في نهاية فترة الامتياز وإلغاء حقوق أصحابه، على أن تتملك الدولة مجاناً كافة ملحقات الامتياز غير المنقولة، المعددة في المادة 2 من دفتر الشروط،، بريئة الذمة من أي رهن وحقوق عينية، إضافة للملحقات التي تقع على عاتقها، ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 31 من دفتر الشروط هذا،
وبما أنه، وقبل أن تتعاقد مؤسسة كهرباء لبنان مع شركة كهرباء زحلة، كان يقتضي أن تجري عملية استلام المنشآت والتجهيزات العائدة للامتياز وملحقاتها المحددة في المادة 30 المذكورة. ولو أن ذلك حصل لما كانت المولدات الخاصة بشركة كهرباء زحلة من ضمن هذه التجهيزات والمنشآت والملحقات، واستطراداً لكان تعذر، بل استحال أن يشملها التعاقد لعدم وقوعها ضمن ملكية مؤسسة كهرباء لبنان بنتيجة الاستلام، ولكان العقد غير ذي موضوع لناحية المولدات،
وبما أن مؤسسة كهرباء لبنان هي التي تبيع الطاقة الكهربائية لشركة كهرباء زحلة، وليس العكس، ويوجب القانون 107/2018 تحديد سعر بيع هذه الطاقة، بحيث تكون المبالغ التي تتوجب عن تنفيذ العقد هي حكماً لصالح المؤسسة وليس لشركة كهرباء زحلة،
تكون الفقرة "ب" من اقتراح القانون مخالفة للواقع وتقع في غير موقعها الصحيح، ويقتضي حذفها، لا سيّما وأن الفقرة "و" من هذا القانون نصّت على عدم توجّب أي حق أو تعويض لشركة كهرباء زحلة مهما كان نوعه عن الفترة السابقة واللاحقة لعقد التشغيل. هذا فضلاً عن وجوب إقرار تسوية لثمن الطاقة المباعة من مؤسسة كهرباء لبنان إلى امتياز زحلة اعتباراً من 1/1/2002 وحتى 31/12/2018، وتسديد قيمة هذه التسوية، إضافة لقيمة بدلات التأهيل المتوجبة على الامتياز عن الفترة الممتدة من نهاية العام 1996 وحتى العام 2001، والتي لم يسددها الامتياز في حينه، على أن يُحال الموضوع إلى ديوان المحاسبة للبت فيه بشكل ملزم للطرفين، في حال الاختلاف وعدم الوصول إلى اتفاق حوله، بعد أن يعرض كل من الطرفين حساباته خلال مهلة شهر.
فإننا نسأل النائب سيزار أبي خليل كيف يمكن له أن يتجاهل موقفه يوم كان وزيراً من مولدات شركة كهرباء زحلة الخارجة عن علم وعن موافقة وزارة الطاقة، واعتباره المشروع مخالفاً للقوانين والنصوص النافذة، وإبقائه الشركة المذكورة مسؤولة قانونياً ومالياً عن مباشرتها والاستمرار بنشاطها الخاص هذا، وكيف له ولرفاقه اقتراح قانون يقضي باستلام كهرباء لبنان مولدات لا علاقة لها بامتياز كهرباء زحلة وتوقيع عقد تشغيلي يتناول هذه المولدات المخالفة لدفتر شروط الامتياز وللقانون، أهو نموذج للغش وللغباء أو للتواطوء والفساد السياسي، لتحميل الدولة والمواطن أعباءً غير متوجبة لكهرباء زحلة، بالرغم من انهيار الخزينة والمالية العامة، بدلاً من إلزام هذه الشركة بتسديد المبالغ المتوجبة بذمتها للمؤسسة، أم أنه دليل على انفصام بين "سيزار الوزير " و "أبي خليل النائب"، أم الإثنين معاً؟!
وماذا ينقص بيروت أو طرابلس أو أي مدينة كبرى أخرى لتستفيد من هذه الإجازة "السخية" فيجاز لها إنتاج الكهرباء من "مولدات" تستوفي شروطاً فنيّة وماليّة وإدارية يحددها القانون، وذلك من باب العدالة والمساواة بين المواطنين المنصوص عليها في الدستور؟!
وحيث أن اقتراح القانون كان يجب أن يلحظ ما يلزم كهرباء زحلة بتسديد المستحقات المتوجبة بذمتها لمؤسسة كهرباء لبنان وليس بفتح ولحظ الاعتمادات "اللّازمة" للمؤسّسة لسداد النفقات المطلوبة لهذا العقد،
وحيث أنه أصبح من المتعذر على الدولة التوصل إلى أي تحسين في الكهرباء عبر الخطط أو إلى إنشاء معامل إنتاج بالشراكة مع القطاع الخاص بسبب الأوضاع المالية والمصرفية الحالية وعلى مدى سنوات من اليوم،
لذلك، وبناءً على الحقائق التي استعرضناها وباتت في علم المجلس النيابي الذي يجتمع اليوم لمناقشة اقتراح القانون الخاص بـ"تأليه" شركة كهرباء زحلة، نرى تعديله، بعد شطب الفقرة ب من "أولاً"، وفقاً لما يلي:
1. يكلّف ديوان المحاسبة بمراجعة العقد الموقع بين مؤسسة كهرباء لبنان وشركة كهرباء زحلة، عملاً بالقانون 107/2018، لبيان مدى انطباقه على القانون والتحقق من التزام الشركة بتنفيذ أحكام العقد ومن نتائجه المالية والقانونية، لا سيّما بالنسبة إلى إلتزامها بتركيب عدادات مستقلة لتسجيل مقطوعية المشتركين من الطاقة المنتجة بواسطة مولداتها، وبإصدار فواتير مستقلة لها، وبيان النتائج المترتبة عن أوجه عدم الالتزام كافة. وكذلك التحقق من قيام الإدارة المختصة لدى وزارة الطاقة والمياه بموجباتها المترتبة عن العقد المذكور كما عن تطبيق الأحكام المالية لدفتر شروط الامتياز كافة.
2. تلتزم شركة كهرباء زحلة بتسديد قيمة المبالغ المتوجبة بذمتها ولم تسددها في حينه، وفقاً لأحكام ومقتضبات القانون رقم 107/2018، والتي يقررها ديوان المحاسبة، بعد إجراء التدقيق اللازم بالتنسيق والتعاون مع مؤسسة كهرباء لبنان ومن يجده مناسباً من ذوي الخبرة.
3. يحق للبلديات الكبرى ومنها بيروت وطرابلس وبرج حمود والجديدة- البوشرية – السد، ولأي اتحاد بلديات، من أجل تغطية نطاقها الإداري، أن تنشيء وتستثمر وتبني بتمويل من مواردها الخاصة أو من هبات و/ أو قروض، أو بالتعاون مع بلديات من دول صديقة، مجموعة أو أكثر لإنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية، على أن تراعي وتستوفي أعمال الإنشاء ما يلي:
- أن تكون الشركات التي ستتعاقد معها لتنفيذ الأشغال عالمية ومعترفاً بها من دولها وبرعايتها.
- أن تستوفي الشروط الفنية المنصوص عليها في دفاتر شروط معملي الذوق والجية الجديدين، إضافة إلى الشروط البيئية وفقاً للمعايير التي تقررها وزارة البيئة.
- أن يتم توزيع الطاقة المنتجة وفوترتها وجبايتها بذات الطريقة المقررة لكهرباء زحلة، أو بأي صيغة أخرى أفضل يمكن أن تتم بالتفاهم والتعاون بين مؤسسة كهرباء لبنان وبالاتفاق معها.
كتب بتوقيع الوزير السابق سيزار أبي خليل يبلغ بموجبها شركة كهرباء زحلة بعدم قانونية نشاط استثمار مولداتها الخاصة، للإطلاع على الملف