لم يعد خافيا على احد ان اموال المودعين ليست بتصرف مصرف لبنان، ليقرضها للقطاع العام ( اولا ) ، فاذا كان من الصعب تعويض ما حصل الان، بعد تمادي المصرف المذكور في " إقراض " الدولة اللبنانية، فان الاستمرار في الخطا ذاته ليس مسموحا ويجب المحافظة على احتياطي المصارف الالزامي بالعملة الاجنبية، فهذا ما تبقى للمودعين بعد العبث بودائعهم ( ثانيا ).
اولا: مساوىء إقراض مصرف لبنان للقطاع العام
تنص المادة 70 من قانون النقد والتسليف(1) ان مهمة مصرف لبنان العامة هي المحافظة على النقد لتأمين نمو اقتصادي واجتماعي دائم وتتضمن مهمة المصرف ـ بشكل خاص ـ المحافظة على سلامة النقد اللبناني وعلى الاستقرار الاقتصادي وسلامة اوضاع النظام المصرفي وتطوير السوق النقدية والمالية. ويمارس المصرف لهذه الغاية الصلاحيات المعطاة له في قانون النقد والتسليف. وتنص المادة 88 من قانون النقد والتسليف انه يجوز للمصرف المركزي ان يمنح الخزينة ـ بطلب من وزير المالية ـ تسهيلات صندوق لا تتعدى قيمتها عشرة بالمئة من متوسط واردات موازنة الدولة العادية في السنوات الثلاث الاخيرة المقطوعة حساباتها. ولا يمكن ان تتجاوز مدة هذه التسهيلات اربعة اشهر. وتنص المادة 89 من قانون النقد والتسليف ان الحكومة تعطى اجازة دائمة تخولها اللجوء الى الاستلاف المنصوص عنه في المادة 88، كلما تبيّن لوزارة المالية وللمصرف المركزي، ان موجودات الخزينة الجاهزة لدى هذا المصرف غير كافية لمواجهة التزامات الدولة الفورية. الا ان هذه الاجازة لا يمكن استعمالها اكثر من مرة واحدة خلال اثني عشر شهرا.
وتنص المادة 90 من قانون النقد والتسليف انه باستثناء تسهيلات الصندوق المنصوص عنها بالمادتين 88 و89 نقد وتسليف، فالمبدأ انه لا يمنح المصرف المركزي قروضا للقطاع العام.
هذا هو المبدأ؛ اما الاستثنناء فمنصوص عنه في المادة 91 من القانون عينه التي نصّت انه في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، فاستقراض الحكومة من المصرف المركزي جائز وفقا للآلية الاتية:
يدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل أخرى، كاصدار داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ. وفقط في الحالة التي تثبت فيها انه لا يوجد اي حل آخر، واذا بقيت الحكومة مصرة بالرغم من كل شيء على طلبها، يمكن للمصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب وحينئذ يقترح المصرف على الحكومة ـ اذا لزم الامر ـ التدابير التي من شأنها الحد مما قد تكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره ـ في الوضع الذي اعطي فيه ـ على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.
لا بد هنا من استخراج خلاصة هامة هي ان المصرف المركزي ليس ملزما ـ في اي حال من الاحوال ـ اقراض الدولة اللبنانية . ولنا عودة مفصلة الى ذلك.
الا ان الامر يبدو مختلفا عند اقراض هيئات القطاع العام، اذ اننا سنرى ان المصرف المركزي لا يمكنه " مواجهة منح القرض المطلوب الا اذا اثبتت دراسته انه ليس هناك اي ظرف او اي اعتراض يحولان دون اجراء العملية " ( المادة 92 ، فقرة 4 نقد وتسليف ) .
وتفصيل ذلكن ان المادة 92 نقد وتسليف نصّت انه لا يمكن لهيئات القطاع العام غير الدولة ان تطلب قروضا من المصرف المركزي الا في الظروف او الحالات المنصوص عنها في الفقرة الاولى من المادة 91 نقد وتسليف . واذا كانت الآلية تتطابق هنا مع آلية امكانية منح الدولة قروضا في امكنة محددة، الا انها تختلف عنها في امكنة أخرى ، كما سنرى.
تفترض الآلية هنا توجيه الطلب مباشرة الى مصرف لبنان. يدرس المصرف المذكور هذه الطلبات من وجهات النظر المنصوص عنها في الفقرتين 1 و2 من المادة 91. هنا تتطابق آلية منح هيئات القطاع العام القروض مع آلية منحها للدولة اللبنانية.
الا ان الآلية تختلف في الاجراءات اللاحقة الواجب اتباعها من المصرف المركزي.
اذ ان هذا الاخير لا يكتفي بدراسة الطلبات، بل " يمحص " ، من جهة اخرى وضع المشروع الذي يطلب القرض لتمويله وقدرة الطالب على ايفاء قيمة القرض، بعد الاخذ بالاعتبار وضعية الخزينة وتعهداتها نظرا لاحتمال كفالة القرض من قبل الدولة ( المادة 92 ، فقرة 3 نقد وتسليف ).
ويضيف المشترع عبارة مبهمة في الفقرة 4 من المادة 92 نقد وتسليف، مفادها انه " لا يمكن المصرف ( مصرف لبنان ) مواجهة منح القرض المطلوب الا اذا اثبتت دراسته انه ليس هنالك اي ظرف او اي اعتراض يحولان دون اجراء العملية ". ماذا تعني هذه الفقرة ؟ تعني هذه الفقرة احتمال حل من اثنين امام المصرف المركزي، فإما ان يثبت ان منح القرض المطلوب لا يبرره اي ظرف وتحول دونه اعتراضات. وهنا تتوقف العملية عند هذا الحد. واما ان يعجز عن اثبات هذا الامر، فتستمر العملية، ويرفع عندها المصرف المركزي لوزير المالية تقريرا مفصلا عن القضية، فاذا وافقت الحكومة على المشروع واعلنت استعدادها لاعطاء كفالة الدولة للعملية " يمكن " للمصرف ان يمنح القرض المذكور. وهنا لا بد من التأكيد ان المصرف ليس ملزما ( كما في حالة القرض الممنوح للدولة ) بل ان الخيار يعود له، ما يعني ان المصرف ملزم فقط بمتابعة العملية اذا عجز عن اثبات عدم الجدوى من القرض. ولكنه بالنهاية ليس ملزما بمنح القرض، فالالزام بمتابعة الآلية لا يعني الالزام بمنح القرض. وعلى المصرف في حالة رفض منح القرض لهيئات القطاع العام ان يطلع وزير المالية على الاسباب التي تكون قد دعته الى عدم الاستجابة لطلب القرض.
فاذا كانت الية منح القروض من مصرف لبنان تختلف بين الحالة التي يكون القرض ممنوحا فيها للدولة وبين الحالة التي يكون فيها ممنوحا لهيئات القطاع العام، فان المصرف ليس ملزما في الحالتين بمنح القرض المطلوب.
ولا بد من التنويه الى ان القروض الممنوحة للدولة اللبنانية ولهيئات القطاع العام، يجب ان تنتج فوائد وفقا لاحكام المادة 93 نقد وتسليف. كما ان مدة القروض لا يمكن ان تتجاوز عشر سنوات ( المادة 94 نقد وتسليف ). وسواء أكانت القروض ممنوحة للدولة اللبنانية ام لهيئات القطاع العام، فانه يجب ان يجري تحديد معدل الفائدة ومدة القرض وشروطه الاخرى في عقد يوقع بين المصرف والمستقرض ( المادة 95 فقرة أولى ، نقد وتسليف ). ويحال العقد على مجلس النواب مع كامل ملف دراسات وتقارير الادارة والمصرف ( المادة 95، فقرة ثانية نقد وتسليف ). وهنا يطرح السؤال عمّا اذا كان المجلس النيابي قد تحمل مسؤولياته في القروض الممنوحة سابقا من مصرف لبنان للحكومة ؟ وتنص المادة 96 نقد وتسليف انه يمكن للمصرف المركزي ان يفرض لاجل منح القروض الممنوحة للدولة او لهيئات القطاع العام، اصدار المستقرض سندات مالية قابلة للتداول وجائز بيعها من الجمهور ثم تسليمها له.
فهل تقيدت الدولة والمصرف المركزي والمجلس النيابي بهذه الآليات المعقدة عند حصول القروض التي ساهمت الى حد كبير، في انهيار الدولة والقطاع الاقتصادي في البلد ؟
لا بد بادىء ذي بدء من التنويه بان المبدأ المنصوص عنه في المادة 90 انه " لا يمنح المصرف المركزي قروضا للقطاع العام ". وان ما يمكن للمصرف منحه للقطاع العام هو مجرد " تسهيلات صندوق " Facilités de Caisse والتسهيلات المذكورة هي عبارة عن قروض تمويل احتياجات الدولة النقدية على المدى القصير والتي لا يمكن تمويلها بقروض اخرى.
ورأينا اعلاه ان المصرف المركزي ليس ملزما اطلاقا بمنح القروض المطلوبة للقطاع العام. ولديه امكانية الرفض في اي حال من الاحوال. ولا يبرر قبول المصرف منح القرض المطلوب إلاّ احدى الحالتين المنصوص عنهما في المادة 91 نقد وتسليف وهما:
ـ الظروف الاستثنائية الخطورة.
ـ أو حالات الضرورة القصوى.
وبشرط التقيد بالآليات المنصوص عنها قانونا.
فهل ان احدى هاتين الحالتين كانت متوافرة عند منح القروض السابقة ؟ ثم كيف واجه مصرف لبنان طلبات القطاع العام للاستقراض منه ؟ وهل اتخذ الاجراءات اللازمة لضمان استرداد قروضه الممنوحة للقطاع العام ؟ ثم ما هو دور المجلس النيابي هنا ؟ هل قام بدوره الرقابي بصورة عامة، وبدوره الناهض من المادة 95 ، فقرة 2 نقد وتسليف ؟ هل كان المصرف المركزي امام خيارين لا ثالث لهما:
الاستجابة لطلبات منح القروض او انهيار الدولة بصورة كاملة ؟(2) هل اقترح مصرف لبنان على القطاع العام، بدلا من منحه القروض المطلوبة ( ام استسهاله منحها ) وقف الهدر او الحد منه على الاقل ؟ ثم لماذا لم يشترط مصرف لبنان مقابل منح القروض وضع خطة اقتصادية انقاذية وتفعيلها بخطط انمائية لاجال محددة ؟
ويبقى الغائب الاكبر المجلس النيابي سواء بعدم ممارسته لسلطته الرقابية العامة الممنوحة له بموجب الدستور، ام بعدم ممارسته سلطته الرقابية الخاصة الممنوحة له بموجب المادة 95، فقرة 2 نقد وتسليف. فاذا كانت الخطورة الاستثنائية والضرورة القصوى كانتا متوافرتين عند طلب منح القرض، ولم يكن امام مصرف لبنان سوى الموافقة للحؤول دون انهيار الدولة، واذا بدا هذا الامر مقبولا ومبررا، فان ما ليس مبررا ومقبولا هو منح القروض ، بل استسهال منحها بدون قيد او شرط، فلا خطة اقتصادية انمائية مواكبة للقرض، ولا ضمانات لاستعادة قيمة القرض ، او على الاقل كان يقتضي منح القروض على دفعات صغيرة ومراقبة تنفيذ كل دفعة على حدة، ثم الاحجام عن المتابعة ما لم تتحقق شروط يضعها المصرف؛ اي بعبارة أخرى كان الاجدى على المصرف ان يقسّط الدفعات ويراقب كيفية صرفها ولا يصرف الدفعة التالية الا بعد التحقق من حسن صرف الدفعة السابقة.
فربما المشكلة ليست في منح القرض، بل في عدم ادارته، سواء من قبل الحكومة ام من قبل مصرف لبنان وانتهاء بالغائب الاكبر المجلس النيابي الذي تخلى عن ممارسة دوره الرقابي، فوصلنا الى ما وصلنا اليه، ناهيك عن تقاعس المصارف التجارية وتساهلها في تبديد ودائع المواطنين.
هذا هو الخطأ والضرر الناجم عنه من منظار عام ، ولكن الاخطر من ذلك كله هو ان القروض كانت مكونة من ودائع المصارف ما أفقد المودعين اموالهم وبتنا امام حالة انهيار تام في اقتصاد العائلات اللبنانية وتوازن وضعها المالي ! فاذ بنا امام مودع " نهبت " ودائعه لدى مصارف مهملة، ليس في سبيل انقاذ الدولة ومؤسساتها والاقتصاد الوطني بصورة عامة، بل في سبيل تمويل الفساد، فساد طبقة حاكمة متحكمة ضاق المواطنين ذرعا بها، فمتى ينتهي كابوس بقاء اهل السلطة في مراكزهم ؟ ومتى يستفيق شعب لا حول ولا قوة له الا بارادته الصلبة وشجاعته في مواجهة هذه السلطة الفاسدة، وهل يكون الحل في اعتماد التدقيق الجنائي من قبل Alvarez & Marsal ؟ فيتم التدقيق في كيفية صرف القروض الممنوحة من قبل مصرف لبنان للقطاع العام، في ضوء صلاحيات المصرف الرقابية، وفي ضوء الهدر الحاصل من قبل الحكومة، وتقاعس المجلس النيابي عن ممارسته دوره الرقابي(3).
ويبدو ان الامور لم تتوقف هنا، بل ان التصميم ما زال قائما على العبث بما تبقى من ودائع المواطنين عبر محاولة المس باحتياطي المصارف الالزامي بالعملة الاجنبية لدى مصرف لبنان.
ثانيا: خطر المس باحتياطي المصارف الالزامي لدى مصرف لبنان بالعملات الاجنبية
بسبب الاوضاع الاقتصادية السيئة والانهيار المالي المخيف، عمد مصرف لبنان ـ بصورة تلقائية غير مدروسة ، بل مخالفة لاحكام قانون النقد والتسليف المشار اليها اعلاه، وبدون معارضة المصارف التجارية ـ الى استعمال اموال طائلة من احتياطي العملات الاجنبية لديه المكون اصلا من ايداعات المصارف التي هي بدورها مكونة من ودائع الناس ، وبناء لقرارات غير صائبة صادرة عن الحكومة اللبنانية ـ لدعم بعض المنتجات اللبنانية المستوردة غير القليلة نوعا وكمّا، ما أدّى وما زال يؤدي يوميا الى استنزاف هذا الاحتياط، عبر استجرار الاموال منه بصورة غير قانونية فانخفض ـ بصورة تدريجية ودراماتيكية في آن واحد ـ الى حد بلوغ حد الاحتياطي الالزامي المودع من المصارف لدى مصرف لبنان، تطبيقا وتفعيلا للتعماميم المتعددة والمختلفة الصادرة عن حاكم المصرف المذكور. فما هو الاحتياطي الالزامي وما هي مخاطر المس به ؟
لقد نصت المادة 70 نقد وتسليف عن مهمة المصرف المركزي العامة(4). ونصت المادة 76 انه على المصرف المذكور ـ عملا بمهمته العامة المنصوص عنها بالمادة 70 ، وبمهمته الخاصة المتمثلة بالابقاء على الانسجام التام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف ـ ان يتخذ جميع التدابير التي يراها ملائمة ومن بينها ما تم النص عنه في الفقرتين دال(5) وهاء(6) من المادة المذكورة. فنصت الفقرة (د) ان مصرف لبنان يخول بالزام المصارف بان تودع لديه اموالا ( احتياطي ادنى ) حتى نسبة معينة من التزاماتها الناجمة عن الودائع والاموال المستقرضة التي يحددها المصرف المذكور، باستثناء التزاماتها من النوع ذاته تجاه مصارف اخرى ملزمة ايضا بايداع الاموال الاحتياطية هذه. ويمكن للمصرف المركزي ان يعتبر ـ اذا رأى ذلك مناسبا ـ توظيفات المصارف في سندات حكومية او سندات مصدرة بكفالة الحكومة كجزء من الاحتياطي حتى نسبة معينة يعود له امر تحديدها. ولا يمكن للمصرف المركزي ان يحدد نسبة الاحتياط الادنى باكثر من 25 % من الالتزامات تحت الطلب وباكثر من 15 % من الالتزامات لاجل معيّن. وللمصرف المركزي ايضا ان يفرض نسبا مختلفة على فئات مختلفة من التزامات المصارف ضمن الحدود المذكورة في الفقرة السابقة. وله كذلك في الحالات الاستثنائية ان يفرض نسب حدود خاصة دون التقيد بالحدود الانفة الذكر على ما يزيد من هذه الالتزامات او من اي فئات منها عن حد معين او على الزيادة المحققة في هذه الالتزامات او في اي فئات منها بعد تاريخ معيّن .
ونصّت الفقرة (هـ) من المادة 76 ذاتها على الزام المصارف بان تودع لدى مصرف لبنان اموالا احتياطية ( احتياطيا ادنى خاصا ) حتى نسبة معينة من الموجودات التي يحددها المصرف.
اذن ان الاموال التي تؤلف الاحتياطي الالزامي هي اموال، الزمت المصارف بايداعها لدى مصرف لبنان من اموال المودعين، وفقا لاحكام المادة 76 من قانون النقد والتسليف بهدف محدد نصت عنه هذه المادة صراحة، وهو الابقاء على الانسجام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف من جهة وبين المحافظة على سلامة النقد اللبناني والاستقرار الاقتصادي وتطوير السوق النقدية والمالية من جهة أخرى ( المادة 70 نقد وتسليف التي حددت المهمة العامة لمصرف لبنان ).
وعليه، يستنتج مما تقدم ما يلي:
ـ ان اموال الاحتياطي الالزامي هي ايداعات ذات تخصيص محدد dépôt à affectation spéciale ، لا يمكن استعمالها سوى للغاية المعدة لها اصلا وحصرا ، بحيث لا يمكن اطلاقا تحويلها ـ لاي سبب من الاسباب ـ الى دعم المنتجات المستوردة من الخارج باي شكل من الاشكال(7).
ـ سواء كان الاحتياطي الزاميا ، مودعا بصورة قسرية لدى مصرف لبنان من قبل المصارف، او كانت الاموال المودعة لدى المصارف عبارة عن " ودائع عادية " مودعة طوعا من قبل المصارف لدى مصرف لبنان، فهي في الحالتين من اموال المودعين، الذين يحددون وحدهم طريقة استعمالها، بعد ان خسر هؤلاء الجزء الاكبر من ودائعهم المدخرة، وما تبقى منها لدى مصرف لبنان هو امانة لديه غير قابلة للتفريط او الهدر، فيجب على مصرف لبنان ارجاعها فورا الى المصارف، لكي تعيد هذه الاخيرة الى المودعين ما يفوق منها الاحتياط الالزامي؛ وبالتالي يمنع على مصرف لبنان استعمال الاحتياطي الالزامي خلافا للغاية التي أنشىء من اجلها والمحددة بالمادة 76 نقد وتسليف وهي تأمين الانسجام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف من جهة والمحافظة على النقد لتامين اساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم. وهذه الغاية مختلفة جذريا، بل بعيدة كليا عن عنوان تمويل القطاع العام(8)!
ان المطلوب هو اعادة هذه الودائع الى المصارف، لكي تعيد ما يفيض منها عن الاحتياطي الالزامي الى المودعين(9) .
اننا نعارض ما ورد في كتاب جمعية مصارف لبنان الموجه في 2021/4/1 الى حاكم مصرف لبنان، الذي جاء فيه " انه ونظرا للطابع الالزامي لهذه الاموال، ولكونها محتسبة بشكل نسبة من التزامات المصارف الناتجة عن الودائع بالعملة الاجنبية، فانه يقتضي مع انخفاض الودائع، تحرير القسم من الاحتياطي الالزامي المودع الذي يصبح متجاوزا النسبة المطلوبة، واعادة هذا الفائض الى المصارف المعنية من احتياطي العملات الاجنبية لديه خارج لبنان الى حسابات هذه المصارف في الخارج ".
ان ما ذهبت اليه جمعية مصارف لبنان لا يصب في مصلحة المودعين اصحاب الاموال المشكلة للاحتياطي الالزامي، بل في مصلحة المصارف التي تطالب باستعمالها لسد النقص في احتياطي النقد الاجنبي لدى البنوك المراسلة. وهذا مرفوض لان الاموال الفائضة عن الاحتياطي الالزامي يجب ان تعاد الى اصحابها اي المودعين، علّهم يعوضون في ذلك جزءا ـ ولو يسيرا ـ من الودائع المنهوبة(10).
لقد وجه نقيب المحامين في 2021/3/30 كتابين:
ـ الاول الى مصرف لبنان دعاه بموجبه الى التقيد باحكام المادة 90 وما يليها من قانون النقد والتسليف وطالبه بالتوقف عن استعمال الاموال المتبقية لديه لغير الغاية المعدة لها.
ـ والثاني الى جمعية مصارف لبنان، للحؤول دون تذرعها بحسن النية، لمعرفتها التامة باعسار القطاع العام ومخالفة مصرف لبنان للقانون، في سوء استعماله الاموال المودعة لديه من قبل المصارف ، وطالبها ـ بموجب الكتاب المذكور ـ باتخاذ كافة الاجراءات القانونية والقضائية لدى المصارف المحلية والمصارف المراسلة في الخارج لمنع مصرف لبنان من التصرف بما تبقى لديه من اموال المودعين.
كما كان قد سبق لنقيب المحامين ان اصدر بتاريخ 2021/3/26 بيانا عبّر بموجبه عن خشيته من عدم مباشرة شركة التدقيق الجنائي Alvarez & Marsal مهامها لغاية الان. كما سبق له ان وجّه بذات التاريخ اعلاه، كتابا الى شركة Alvarez & Marsal ، سألها بموجبه عن الجهة المعرقلة للتدقيق الجنائي، وكتابا آخر الى وزير المالية يتضمن اسئلة محددة بهذا الصدد، استنادا الى قانون الحق بالوصول الى المعلومات رقم 28، تاريخ 2017/2/10.
اذا كانت اموال المودعين قد " نهبت " في معظمها ، فهذا لا يبرر " نهب " ما تبقى منها تحت ذريعة تأمين الدعم اللازم للسلع الضرورية، لان مسألة تسيير المرافق العامة هي من مسؤولية الدولة وليست من مسؤولية المواطنين.(11) وفي كل الاحوال، يقتضي التوقف عن "نهب " اموال المودعين والدفع بالتحقيق الجنائي الى الامام وحوكمة مصرف لبنان ومؤسسات الرقابة واعادة هيكلة المصارف وادارتها وتفعيل الاجهزة " النائمة " في مصرف لبنان لا سيما مفوضية الحكومة لديه؛ فالاستفاقة المتأخرة تبقى افضل من الاستمرار في النوم العميق.
--------------------------------------------------------------------------
(1) المعدلة بالقانون المنفذ بالمرسوم رقم 6102 تاريخ 73/10/5 ـ الجريدة الرسمية عدد 81 ملحق.
(2) راجع بيان نقيب المحامين الصادر في 2021/4/1 بهذا الخصوص.
(3) راجع بيان نقيب المحامين الصادر في 2021/4/1 السالف ذكره.
(4) راجع ما سبق وذكرناه اعلاه.
(5) عدل نص الفقرة (د) من المادة 76 بموجب القانون رقم 28/67 تاريخ 1967/5/9 وبالمرسوم رقم 6102 تاريخ 1973/10/5.
(6) اضيفت الفقرة ( هـ ) الى المادة 76 بموجب المرسوم رقم 6102 تاريخ 1973/10/5.
(7) راجع كتاب جمعية مصارف لبنان، تاريخ 2021/4/1 الى حاكم مصرف لبنان.
(8) راجع بيان نقيب المحامين تاريخ 2021/4/1 السالف ذكره.
(9) راجع بيان نقيب المحامين، السالف ذكره ؛ والبيان الصادر في 2021/4/2 عن اتحاد جمعيات المودعين في لبنان: جمعية صرخة المودعين، جمعية ودائعنا حقنا، لجنة حقوق المودعين، الجمعية اللبنانية للدفاع عن حقوق المودعين.
(10) راجع لطفا بيان اتحاد جمعيات المودعين في لبنان، الذي عارض طرح جمعية المصارف في لبنان بشدة وبلهجة قاسية، كما طالب باقرار قانون الكابيتال كونترول.
(11) راجع بيان نقيب المحامين، تاريخ 2021/4/1 السالف ذكره.