ورد مصطلح المألوف في القانون اللبناني في مختلف فروعه . على سبيل المثال: نصت عليه المادة 639 من قانون العقوبات المعدلة بموجب القانون رقم 487/1995 ؛ وفي المادة 64 و 156 من قانون التجارة؛ وفي مواقع عديدة في قانون الموجبات والعقود كالمادة 214 المتعلقة بالغبن والمادة 58 المتعلقة بالموجبات التخيرية والمادة 580 المتعلقة في حفظ المأجور والمادة 621 المتعلقة في ايجار الاراضي الزراعية... ، كما نلحظه في العادات المهنية التجارية وغير التجارية، نراه نابعاً من السلوك الذاتي للاطراف ومن الظروف والوقائع سواء تعلقت بظرف طارئ او بقوة قاهرة خارجة عن ارادة الاطراف. هذا المصطلح يتجلى ايضاً في العلاقة القائمة بين الجوار، هذه العلاقة التي نتجت عنها نظرية غير المألوف في مضار الجوار صاغها الاجتهاد وطورها حتى باتت من اهم النظريات القضائية.
فالمتجمع يخضع لسلطة العادات والتقاليد مهما كانت المهنة التي يمارسها أفراده وبغض النظر عن مستوى تعليمه، فالطبيب والمحامي والمهندس والمدرس ... وصاحب الشهادات والدرجات الجامعية في التخصصات العلمية أو الإنسانية، بصرف النظر عن الدرجة التي وصلوا إليها في سلم الهرم التعليمي أو الوظيفي، جميعهم يقعون تحت سلطة المجتمع وتقاليده وعاداته وأدبياته، والاستثناء هو الشاذ عن هذه الحقيقة. والمألوف يمكن ان يكون عادة، عرف، شرط، تصرف او تعامل سابق. فمتى تجاوز عما هو معتاد يصبح تصرفاً غير مألوف تترتب بنتيجته المسؤوليه على من صدر عنه.
تعتبر نظرية مضار الجوار من النظريات المكرسة في العديد من الانظمة القانونية. وكانت في الأصل تنطبق على المضار المرتبطة بعلاقات الجوار التقليدية (ضجيج، روائح كريهة، أدخنة... ) ([1]) وتوسعت لتمشل المضار البيئية. وقد أدى التطور الكبير الذي شهدته المجتمعات المعاصرة في المجال الصناعي والتكنولوجي الى ظهور أضرار بيئية لم تأخذها القوانين الوضعية بالحسبان، كالأضرار الناتجة عن الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من أبراج الاتصالات.
وقد نصت المادة 122 من قانون الموجبات والعقود على أن "كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر غير مشروع بمصلحة الغير، يجبر فاعله إذا كان مميزاً على التعويض..." بمعنى أن المشترع قد قصد التفريق بين الضرر غير المشروع والضرر المشروع. الاول، هو الضرر الذي يمس بمصالح وحقوق الأفراد ويكون ناتجاً عن خطأ صادر من قبل شخص ما، يشكل جرماً او شبه جرم وفقاً لما نصت عليه المادة 121 من قانون الموجبات والعقود([2]). أما الثاني، فهو الضرر الذي يرتب على من يصيبه أن يتحمله لأنه يقع ضمن "المجرى العادي للأمور" فهذا الضرر لم ينتج عن قصد فاعله أو إهماله أو عدم تبصره ... وإنما هي أضرار ترافق نشاط مشروع ضمن الإطار العادي والمألوف وضمن الحدود المتسامح بها([3]). وهذا النوع الأخير من الأضرار هي التي تهمنا في هذا الموضوع والتي سوف نلقي الضوء عليها تالياً. ونظراً للتطور الذي نشهده اليوم أصبحت الاضرار البيئية أكثر خطورة، ولم تعد الأضرار الناجمة عن الأدخنة المنبعثة عن المصانع والروائح الكريهة التي تنتشر من نافذة مطبخ أو ضجيج أصوات طلاب من مدرسة مجاورة لأحد السكان، بل تجاوزت هذه الحدود وتوسعت لتشمل كل ما يتعلق بالأضرار المصنفة أضراراً بيئية .
الفقرة الأولى: احتواء البيئة لمضار الجوار
على الرغم من عدم النص في التشريع اللبناني على نظرية مضار الجوار وتركها للسلطة التقديرية للقضاء الناظر بالموضوع، الا اننا وبالبحث في النصوص المتعلق بالبيئة مباشرة أو غير مباشرة، نجد نصوصاً وتطبيقات قضائية تعالج المسالة المطروحة، منها ما يتعلق بالصناعة واخرى تتعلق بالبناء وغيرها يتعلق بالنقل وأخرى بحماية البيئة وغيرها... سوف نلقي الضوء على بعضها في محاولة لادراك أهمية البيئة التي أصبحت تحتوي على جزء كبير من نظرية مضار الجوار.
أولاً: في إطار الصناعة
تصنف المؤسسات الصناعية وفقاً لمعايير حددتها المادة الثالثة من القانون رقم 8018 الصادر بتاريخ 12/6/2002 ([4]) المتعلق بتحديد أصول وإجراءات وشروط الترخيص بإنشاء المؤسسات الصناعية واستثمارها الى خمس فئات وهي :
- الفئة الأولى، وهي التي ينتج عنها خطر جدي للبيئة والمحيط وللصحة العامة، مما يوجب إبعادها عن المساكن لمنع كل ضرر ينتج عنها.
- الفئة الثانية، وهي التي ينتج عنها خطر للبيئة والمحيط والصحة العامة، ولا تحتم الضرورة أبعادها عن المساكن غير أنه لا يمكن الترخيص باستثمارها إلا إذا فرضت عليها بعض التدابير لتلافي الضرر الناتج عنها.
- الفئة الثالثة، وهي التي ينتج عنها خطر محدود للبيئة والمحيط وللصحة العامة، ويجب إخضاعها لأحكام خاصة تؤمن تلافي الضرر المحدود الناتج عنها.
- الفئة الرابعة، وهي التي ينتج عنها ضرر بسيط للبيئة والمحيط والصحة العامة، ويجب إخضاعها لإحكام خاصة لأجل تلافي الضرر البسيط الناتج عنها.
- الفئة الخامسة، هي التي لا تسبب أي ضرر للبيئة والمحيط وللصحة العامة.
وتجدر الإشارة هنا الى ان المرسوم 8081/2002 المذكور لم يحدد ما اذا كان الضجيج او الازعاج المتأتي من هذه الصناعات هو احد العوامل المؤثرة على تصنيف الاستعمال الصناعي، مشكلاً نقصاً كبيراً خاصة اذا ما قورن النص بنص المرسوم الاشتراعي رقم 21/1932 الذي اشار الى ضرورة الاخذ بمستوى الازعاج للجوار الناتج عن المحلات عند تصنيفها ([5]). وفي هذا الإطار اعتبر القاضي المنفرد المدني في النبطية في قراره رقم 46 تاريخ 23/9/2006 ([6])، ان "العمل الطبيعي لمعمل تكسير صخور من شأنه ان يلحق أضراراً كبيرة بالغير بسبب الأصوات المزعجة والغبار والأتربة السامة الناتجة عن عمل المعمل"([7]).
كما أجاز قانون الرقابة والتدبير والعقوبات المتعلقة بالمؤسسات الصناعية رقم 9765 الصادر بتاريخ 11/3/2003 ([8]) في الفصل الثالث منه "التدابير والعقوبات" للأشخاص الذين يرون ان مصالح الجوار يمكن ان تكون معرضة للضرر بسبب عدم إكتمال الشروط المطلوبة في الترخيص أو بسبب التعديل الحاصل عليه وذلك في المادتين 11 و 12 منه، أن يلجأوا الى مصدر القرار سواء أكان المحافظ او القائمقام بالنسبة الى المؤسسات المصنفة([9]) ، أو وزير الصناعة بالنسبة الى المؤسسات الصناعية([10])، وذلك بموجب مراجعة خطية للنظر في الترخيص. كما اجاز في المادة 13 منه، لمجاوري المؤسسة الصناعية مطالبة صاحبها بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بالجوار او بالصحة العامة او بالبيئة من جراء مخالفة شروط الترخيص او القوانين النافذة. وقد اعتبر مجلس شورى الدولة في قراره رقم 757 تاريخ 31/10/1962 ([11]) انه اذا ثبت من الملف الاداري ومن التحقيقات الجارية أن المؤسسة الخطرة والمضرة بالصحة والمزعجة هي من الفئة الاولى التي توجب المادة الثالثة من المرسوم الاشتراعي 21 تاريخ 7/7/1932 ابعادها عن المحلات الآهلة بالسكان لما ينشأ عنها من أضرار وأخطار بين محلات السكن، فيكون القرار المرخص باستثمارها قابلاً للابطال. أما بالنسبة الى المؤسسات المصنفة من الفئة الثانية فقد اعتبر قرار مجلس شورى الدولة رقم 518 تاريخ 1/12/970([12]) انه حتى وان كانت المادة 3 من المرسوم الاشتراعي 21 / 1932 تخول الادارة حق الترخيص لمثل هذه المؤسسة المصنفة من الفئة الثانية، فأنه يشترط ان تفرض على اصحابها اخذ التدابير الفنية اللازمة لازالة المخاطر والمحاذير ومنها الضجيج والغبار والا يكون الترخيص معرضاً للابطال.
فشروط ابعاد المؤسسات الصناعية المصنفة من الفئة الأولى والثانية عن المساكن وحدها، المنصوص عنها تكون غير كافية، اذ لا بد من اتخاذ تدابير كافية لتلافي المخاطر والمحاذير، تسمح لها بالتواجد بالقرب من المنازل ويتوجب ان "لا يعطى الترخيص لفتح محل مصنف الا بعد التثبت من ان المضار والمخاطر التي قد تتولد عن نشاطه يمكن درؤها واستبعادها بتدابير واجراءات تكفل بصورة اكيدة الصحة والسلامة العامة في محيطه... وذلك تحت طائلة ابطال الترخيص المخالف لتلك الشروط"([13])، وتقدير ذلك يعود للقضاء الاداري والذي اعتبر في قراره رقم 603 تاريخ 9/7/2001 ([14])، بأن "مصنعاً لا يبتعد عن المنازل السكنية المسافة القانونية التي نصت عليها المادة 3 من المرسوم الاشتراعي 21/1932 والتي أناطت بالادارة حق تقدير كل حالة معينة والحكم فيما اذا كان بعد موقعها كافياً لمنع كل ضرر يتعلق بالأمن وطيب الهواء ومنع الازعاج".
ثانياً: في إطار النقل
لجهة الشروط والمعايير المفروضة على مركبات النقل البري للحد من آثار الملوثات المرتبطة بها البيئة والسلامة العامة، وضعت نصوص في قانون رقم 124 تاريخ 10/3/2003 في المادة 24 فقرتها 2 ، تتعلق بمواصفات الدراجات النارية وشروط قيادتها وتجهيزها بما يحد من الضجيج وانبعاث ملوثات الهواء وغيرها .كما فرض قانون السير رقم 243 الصادر بتاريخ 22/10/2012 شروطاً لأجهزة التنبيه بالمركبات، وعدم استعمالها في المناطق المأهولة وذلك للحد من مشكلة الضجيج، كما منع قانون السير المذكور إخراج السيارات دخاناً مضراً بالصحة العامة أو مسبباً لازعاج المنتفعين من الطريق ومنع ان يكون تصريف الغاز الناجم عن المركبات طليقاً، كما منع إحداث السيارات ضوضاء تزعج المنتفعين من الطريق أو مجاوريها.
وقد قضى مجلس شورى الدولة في قراره رقم 265 تاريخ 31/1/1995([15]) ، بالتعويض عن الأضرار المعتبرة من الأضرار التي تتجاوز المحاذير العادية المفروض بأهل الجوار أن يتحملوها بصفتهم هذه. كما قضي المجلس ايضاً في قرار آخر رقم 584 تاريخ 28/6/2001 ([16])، بانه يقتضي، علماً واجتهاداً، ان يكون المتضرر من مجاوري الاشغال العامة لكي تترتب له الاضرار الناشئة عن المسؤولية الناجمة عن التنفيذ إضافة الى:
- حصول ضرر غير مألوف يتجاوز الأعباء المفروض بأهل الجوار أن يتحملوها بصفتهم من مجاوري الاشغال العامة.
- الرابطة السببية المباشرة بين الضرر المشكو منه والاشغال العامة.
ورأى مجلس شورى الدولة في قراره رقم 323 تاريخ 4/2/2002 ([17])،أن "ضرراً ليس من الأضرار الطفيفة التي يتوجب على مجاوري الاشغال العامة تحملها بل تجاوز الحد المألوف المفروض بأهل الجوار ان يتحملوه بصفتهم هذه ، هو ضرر يستوجب التعويض".
ثالثاً: في إطار البناء
في ظل النقص في النصوص البيئية المتعلقة بتنظيم قطاع البناء، فتح الباب واسعاً أمام القضاء خاصة ان غياب هذه النصوص المتعلقة بالشروط البيئية لا يعفي القطاع من وجوب المحافظة على البيئة والصحة العامة وهو ما طرح في قرارات المحاكم الادارية والعدلية خاصة عبر المراجعات المختلفة من المتضررين. وقد قضى مجلس شورى الدولة في هذا الإطار في قراره رقم 578 تاريخ 20/6/2002 ([18])، ان قرار إقفال مؤسسة تقدم مشروبات روحية واقعاً في محله القانوني كونه جاء متوافقاً مع الأحكام القانونية التي ترعى بعد المؤسسات التي تقدم مشروبات روحية على مداخل المعابد والمدارس، وذلك بناء على اقرار صاحب المؤسسة ان بناء المدرسة ملاصق للبناء الذي يقع فيه المقهى . واعتبر ان عمل الادراة يندرج في اطار مهام الضابطة الادارية التي من أهدافها ومهامها المحافظة على السلامة العامة والطمأنينة والتوفيق ما بين الحقوق الفردية ومقتضيات العيش الجماعي ومنها مثلاً منع الضجيج.
كما اعتبر مجلس شورى الدولة في قراره رقم 285 تاريخ 16/1/1996 ([19])، ان رفض اعطاء ترخيص للمدعي بإنشاء كسارة في عقاره يكون قانونياً، لا سيما انه في حال لم يكن بالامكان تلافي المحاذير التي تنجم عنها وهي الضجيج والغبار لقرب الكسارة من المنازل، وانه اذا كان بالامكان الحد من الضجيج باعتماد وسائل تقنية حديثة فانه لا يمكن التحكم بالغبار الذي يحدثه تفتيت الصخور والذي ينتشر في كل اتجاه. وقد أكد الاجتهاد اللبناني([20]) أنه اذا كان " المتضرر من مجاوري الطريق العام يكفي لترتيب مسؤولية المستدعى ضدها (الدولة) توافر الرابطة السببية بين الضرر اللاحق بعقاره والطريق العام وان يكون هذا الضرر غير مألوف يتجاوز في جسامته الاعباء المفروض بأهل الجوار ان يتحملوها بصفتهم هذه".
وفي قضية هي الأشهر في لبنان، قضية إقفال كسارة عائدة لأحد الحاصلين على رخصة من وزارة الصناعة لبناء مجمعهم الصناعي في بلدة عين دارة (عالية)، يضم معمل اسمنت على مساحة مليون ومئتي ألف متر مربع في خراج البلدة. تخوّف أهالي البلدة على أثر هذا الترخيص وبنتيجة دراسة متخصصة لصالح البلدية عن مدى الاضرار التي يمكن أن تلحق بأبناء البلدة، خلصت بنتيجتها الى ان "المجمع الصناعي المنوي إنشاءه سيحدث ضرراً بيئياً كبيراً، سواء من خلال ترسبات الغبار التي تؤثر على صحة الانسان أو على المياه الجوفية". وبالرغم من هذه الدراسة ورفض البلدية اعطاء الترخيص تم الحصول عليه من وزارة البيئة وبالاستناد الى دراسة مناقضة للدراسة المذكورة قدمت لصالح وزارة البيئة. على اثره تقدم وزير الصحة بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة للمطالبة بإبطال قرار انشاء المصنع، نظراً لأضراره البيئية والصحية على السكان، وعندما قررت الحكومة تنظيم استثمار المقالع والكسارات اعطت مهلاً ادارية لإقفال الكسارات وتفكيك المنشآت أقصاها سنتان وثلاثة أشهر. طعن اصحاب المشروع بالقرار لتجاوز حد السلطة ولتجاهله الحقوق المكتسبة. أصدر مجلس شورى الدولة قراراً أبطل بموجبه القرار الوزاري في الشق غير التنظيمي وقضى أن الترخيص الممنوح هو محمي قانونياً. وحكم لأصحاب المشروع بموجب قراري مجلس شورى الدولة رقم 11 و 15 الصادرين عام 2005 بقيمة تفوق الـ 218 مليون د.أ. إضافة الى الفوائد([21]). وقد جاء في القرار ([22]):
"... وبما انه وعلى ضوء ما تقدم، فإن تقاعس المستدعى ضدها وتأخرها في تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة رقم 395 الذي اعتبر "أن جميع الرخص الممنوحة للجهة المستدعية مطابقة تماماً لأحكام القانون والانظمة وانها وجدت في مرتبة قانونية محمية ... ينطوي على مخالفة وتجاهل حجية الشيء المقضي به.
"وبما أن هذا المجلس اعتبر أن تجاهل الإدارة للشيء المقضي به في قضاء الابطال يشكل تجاوزاً لحد السلطة كما يشكل هذا التجاهل خطأ من شانه أن يرتب مسؤولية السلطة العامة
...
"وبما أنه تاسيساً على ما تقدم فإنه لا جدال فيه أن المستدعى ضدها بتأخرها وتقاعسها عن تنفيذ الحكم القضائي رقم 395/2001 – 2002، الصادر لمصلحة الجهة المستدعية وإقفال الكسارة بالرغم من وجود رخصة قانونية منحت لمدة 25 سنة وبالرغم من وجود حقوق مكتسبة، تكون قد ارتكبت خطأ جسيماً، مما يجعلها مسؤولة بالكامل عن الأضرار اللاحقة بالجهة المستدعية".
لو سلمنا جدلاً بأن الرخص الممنوحة هي قانونية ومحمية بموجب القانون كما قضى مجلس شورى الدولة، الا ان السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو عن ماهية مسؤولية الجار الذي سبب سلوكه في ملكه الى إلحاق الضرر غير المألوف بجاره؟
- هل هي مسؤولية دون خطأ؟ إذ ان العمل الذي يؤدي الى ذلك الضرر هو عمل مشروع، (السلوك المشروع) . ولكن نتيجته قد تسبب إزعاجاً يشذ عما هو مألوف.
- هل هي مسؤولية على أساس الخطأ؟ وتكون بالتالي النتيجة التي تنشأ عن ذلك العمل (السلوك غير المشروع) هي نتيجة غير مشروعة، شاذة عن المألوف وتلحق بالجار إزعاجاً لا يطاق.
وبعبارة أخرى هل المسؤولية تترتب على اساس الخطأ وعلى الفعل الخاطئ؟ وهل يعتبر السلوك الذي أدى الى الضرر سلوك مشروع أم غير مشروع؟ وهل النتيجة الناجمة عن هذا السلوك هي نتيجة مشروعة للجوار؟
إن الإجابة على التساءلات المتقدمة تنحصر في البحث عن أنواع المسؤولية وتأسيسها جمعياً على فكرة الخطأ، وتعريفه بأنه النتيجة الطبيعية للإخلال بالسلطة التي منحها النص القانوني على الاشخاص المذكورين: سلطة الفرد على نفسه (المواد 122 و 123 و 124 موجبات وعقود)، والسلطة على الغير (المواد 125 و 126 و 127 و 128 و 132 و 133 موجبات وعقود) والسلطة على الحيوان وإن يكن قد ضل أو هرب (المادة 129 موجبات وعقود)، والمضار غير المألوفة التي تلحق بالمالكين المجاورين فهي تصدر عن الاشياء العائدة لأصحابها، وذلك على الأساس القانوني عينه وهو قرينة الإخلال بالسلطة التي تعود لمالك تلك الاشياء أو على النتيجة الشاذة التي تترتب على الاستعمال الطبيعي لحق الملكية على تلك الأشياء على النحو الذي عبرت عنه أحكام المادة 1244 من مشروع تعديل قواعد المسؤولية المدنية الفرنسي الذي أعد في الشهر الثالث لسنة 2017 تاريخ 13 منه. وقد جاء فيها أن المالك، المستأجر، والمستفيد من سند موضوعه الأساسي أن يجيز له إشغال أو استغلال مُلْكٍ، فإن سيد المال أو من يستعمل سلطاته عليه ويكون مصدراً لمضار الجوار، يُعَوَّض عن الأضرار التي تتجاوز المخاطر الطبيعية التي تترتب على الجوار، على اساس إخلال بتلك السلطة التي منحت له على هذا المال لحماية الغير بمنع ذلك المال من إحداث أي ضرر. وهو ما يذكرنا بنظرية الضمانة التي عرفتها أحكام الشريعة الاسلامية بالضمانة كأساس لقواعد المسؤولية التي كرستها بعض القوانين المدنية العربية، من ذلك نص المادة 282 من قانون المعاملات المدنية الاماراتي، القانون الاتحادي رقم 5 تاريخ 15/12/1985، وقد جاء فيها تحت الفصل الثالث بعنوان الفعل الضار، فقد جاء فيها ما يلي: "الالتزام بضمان الضرر: كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بضمان الضرر" فالمشترع عندما يخول المرء سلطة على شيء إنما يقابل هذه السلطة ان يحول هذا المرء دون أن يصدر عن هذا الشيء اي ضرر"([23]).
وعندما تكون ممارسة النشاط الضار هي مجازة بالطرق الإدارية ، فإن القاضي، مع ذلك يمكنه ان يعطي عطلاً وضرراً والفوائد أو ان يأمر بتدابير معقولة منطقية، تسمح بوقف هذه المضار شرط أن لا تتعارض مع الأوامر التي وضعتها السطات الادارية في مصلحة الأمان والسلامة العام)[24](.
وبالتالي فإنه وفقاً لما تقدم، قد تكون التراخيص الممنوحة لأصحاب الكسارة مشروعة وقانونية، إلا ان النتيجة التي تسببها أعمال الكسارة والمصنع للجوار غير مشروعة، ومنها ترسبات الغبار وتلوث المياه الجوفيه، الأمر الذي ينعكس سلباً على صحة السكان المجاورة وسلامة السياحة في تلك المنطقة، وهنا يبرز دور القضاء في حماية الملكية والحرية الفردية ولو كان الترخيص صادراً عن عمل الإدارة.
رابعاً: في إطار قانون حماية البيئة
صدر قانون حماية البيئة رقم 444 بتاريخ 29/7/2002 ([25]) وهو قانون شامل لكل ما يتعلق بحماية البيئة واوجهها، بما في ذلك ما يتعلق بالمسؤوليات والعقوبات في بابه السادس . من هنا يتبين ان هذا القانون يمكن للقضاء الاستناد اليه في كثير من الحالات التي تضر بالجوار. فقد أدين فعل انتاج دخان كثيف ومشبع بالمازوت من داخون مولد كهربائي خاص بالجنحة المنصوص عنها في المادة 59 من القانون رقم المذكور الذي فرض على كل شخص طبيعي أو معنوي ان يلتزم بعدم التسبب بانبعاث او تسرب ملوثات للهواء بما فيها الروائح المزعجة او الضارة ، كما حظر استعمال او استثمار محركات ينتج عنها انبعاث او تسرب ملوثات للهواء بما فيها الروائح الضارة أو المزعجة([26]).
كما استند الى هذا القانون قاضي الامور المستعجلة في كسروان رقم 131 تاريخ 19\3\2015 في قضية مدينة الملاهي دريم بارك ([27]) . جاء في القرار:
" وحيث يدخل في خانة الحقوق والأوضاع المشروعة حق الإنسان في الراحة والعيش بسلامة وطمأنينة في مسكنه.
"وحيث أنه من الثابت أن الضجيج يعد من الملوثات البيئية (التلوث الضوضائي الذي خصه قانون حماية البيئة رقم 444/2002 في المادتين 26 و 27 بآليات إدارية للحماية منه) التي تشكل إقلاقاً للراحة وإزعاجاً للجوار وضرراً بالسلامة والصحة العامتين.
"وحيث من الثابت على وجه اليقين أن الضرر اللاحق بالمدعي نتيجة تشغيل آلة أل MONTAGNE RUSSE التي تستثمرها المدعي عليها في مدينة الملاهي "دريم بارك" هو ضرر فادح وجسيم ناتج مباشرة عن تشغيل تلك الآلة على الوجه المؤكد في تقرير لجنة الخبراء خلافاً لأقوال المدعى عليها ويشكل تعدياً واضحاً على حقه بالراحة والطمأنينة في السكن والعيش بسلام والانتفاع الكامل بشتى أنحاء منزله وفقاً للمجرى الطبيعي للأمور، ويقتضي بالتالي وضع حد لهذا التعدي الواضح.
"وحيث وفي الإطار نفسه فإنه من غير المفيد إقفال مدينة الملاهي برمتها على الوجه المطلوب من المدعي لأن الضرر بمعظمه ناتج عن آلة محددة ولأن قرار الإقفال فيه مساس بقرار الترخيص الإداري الذي يمتنع على هذه المحكمة بوصفها فرعاً من القضاء العدلي المساس به عملاً بمبدأ فصل السلطات، فيرد طلب المدعي لهذه الناحية".
ان الحكم المتقدم ذكره أسس المسؤولية عن مضار الجوار بالاستناد الى قانون حماية البيئة المذكور وخاصة المادتان 26([28]) و 27([29]) منه والتي تتناول الضجيج الصادر عن المحركات والآلات، أو مكبّرات الصوت، والمعدّات المستخدمة، إذا ما تجاوز الحدّ المسموح به. ولا شك أن قانون حماية البيئة قد افرد الفصل الخامس تحت عنوان "حماية الأوساط البيئية"، الذي يتناول حماية الهواء ومكافحة الروائح المزعجة ، فقد فرض على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يلتزم اثناء ممارسة نشاطه بعدم انبعاث أو تسرب الملوثات أو الروائح المزعجة أو الضارة او إصدار الضجيج . وحماية السواحل والبيئة البرية والبحرية من التلوث، المنشآت، المواد الكيميائية او المواد الخطرة، الأذية الصوتية والضجيج وغيرها من الأضرار البيئية التي يمكن تطبيقها على الأضرار غير المألوفة التي يشكو منها الجوار )[30](.
فالبرغم من وجود قانون حماية البيئة منذ نحو ما يقارب العشرون عاماً الا ان الأحكام الصادرة بالاستناد اليه هي قليلة، على الرغم من معالجته لأضرار كثيرة ترتبط بمضار الجوار، كما انه نص في الباب السادس على المسؤوليات والعقوبات المترتبة معطوفاً على قانون الموجبات والعقود وقانون العقوبات. وبالتالي فأمام المتقاضين وامام القضاء قانون حديث يمكن تطبيقه ونصوص خاصة يمكن الاستناد اليها سواء لترتيب المسؤولية وإزالة الضرر والتعويض والعقوبة الجزائية .
الفقرة الثانية: تطور نظرية مضار الجوار غير المألوفة
تمكنت نظرية مضار الجوار من التقدم خطوات لتواكب متطلبات العصر الحديث الذي تسيطر عليه النزعة التكنولوجية والتقنيات المتطورة، والتي بدورها تطال البيئة وتنمو على حسابها. لذا كان لا بد لهذه النظرية ان تتوسع في مفهومها لتطال المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن التلوث البيئي استناداً الى نظرية مضار الجوار غير المألوفة وذلك من ناحيتين:
الناحية الأولى: التوسع في مفهوم الجوار: توسع القضاء في بعض الحالات في مفهوم الجوار ليتجاوز حدود الجار بملكه ليصل الى نوعية الأنشطة الضارة بغض النظر عن قربها وتلاصقها العقاري، وهذا التوجه نجده في القضاء اللبناني حيث توسع في مفهوم الجوار وأعطى لمالك العقار المجاور مصلحة في التدخل في المراجعة والطعن في قرارات ترخيص البناء لمجرد مجاورة عقاره له او وجوده في الشارع ذاته، ولا يفترض عنصر المجاورة الذي يبرر المصلحة للادعاء، بالضرورة حصول التلاصق بين عقار المستدعي وعقار المرخص له بل أن صفة العقار القريب أو احد سكان المنطقة تكفي شرط ان يكون للرخصة اثر مباشر على مصالح المستدعي( [31]). وهذا ما أكد عليه مجلس شورى الدولة في مفهوم المجاورة اذ اعتبر في قرار صادر عنه رقم 403 تاريخ 12/2/1974 ([32])، أنه "لا يشترط ان يكون طالب الطعن صاحب حق معتدى عليه أو ان يكون عقاره متاخماً للعقار الذي حصل صاحبه على رخصة مخالفة للقانون، بل يكفي ان يكون عقاره مجاوراً ، وتتوافر المجاورة في وجود العقار ضمن الشارع الذي يشيد فيه البناء المطعون في الرخصة المعطاة له ولا تأثير لمكان العقار في الشارع المشترك الذي تتوفر لدى الماكين فيه مصلحة شخصية مباشرة ومشروعة في المحافظة على احترام القوانين وانظمة البناء التي تتعلق بالانتظام العام".
كما نجد هذا التوسع في القضاء الفرنسي اذ انه لم يشترط فيها التلاصق او القرب المادي لتوفر المصلحة في الإدعاء، مستنداً على المسؤولية على اساس مضار الجوار. فمحكمة التمييز الفرنسية غرفتها الثانية تاريخ 22/10/1964)[33]( أقرت مسؤولية مصنع ينتج زيت الخروع عن الأدخنة الضارة المنبعثة منه والتي تسببت في أضرار صحية لبعض الساكنين غير المجاورين للمصنع.
- الناحية الثانية: التوسع في مفهوم الضرر: نرى التطور العلمي الذي نشهده في واقعنا اليوم ينتج نوعاً جديداً من الأضرار الناتجة عن ابراج الهوائيات الخاصة للبث التلفزيوني والاذاعي وتلك الخاصة بأجهزة الاتصالات وغيرها من هذه الامور التي تطرح صنفاً مستحدثاً من الأضرار البيئية التي يؤسس القضاء المسؤولية المترتبة على نظرية مضارالجوار، وتطرح الاشعاعات الصادرة عن هذه الهوائيات اشكاليات قانونية بالنظر الى الشكوك التي تحوم حول خطورتها من عدمها.
ولم تمنع الصبغة الاحتمالية للأضرار الناجمة عن أبراج الهوائيات القضاء اللبناني من إقرار مسؤولية المؤسسة اللبنانية للارسال التي ثبتت إحدى هذه الابراج بالقرب من منطقة سكنية، مستنداً على نظرية مضار الجوار وقد الزمت المحكمة المؤسسة المذكورة نقل هذا البرج الى مكان آخر.
ففي قرار محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان غرفتها الأولى في قرارها رقم 133 تاريخ 13/9/2005 في قضية جوزيف روحانا/المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال ش.م.ل.([34])– قضية روحانا/المؤسسة اللبنانية للارسال – إذ ان وقائع القضية تتعلق بدعوى أقامها السيد ج. روحانا ضد المؤسسة اللبنانية للارسال انترناسيونال ش.م.ل. ، بنزع البرج الحديدي والأنتين المثبت أعلاه المتعلق ببثها التلفزيوني والذي أنشأته في العقار المجاور لعقاره، وذلك بسبب الأضرار الصحية (مرض السرطان) والازعاج والضجيج التي تسبب بها الانتين والمولدات التابعة لها.
في حيثيات القرار :
"... وحيث اذا كانت إصابة المدعي بهذا المرض بسبب تعرضه لإشعاعات هوائي البث التلفزيوني المركز بالقرب من منزله هو مجرد ضرر احتمالي غير ثابت علمياً وقوعه بصورة أكيدة كما صار ذكره، الا ان قلق المدعي من مجرد إمكانية إصابته بهذا المرض من جراء هذه الاشعاعات انطلاقاً من الاحتمال العلمي من تحقق ذلك وهاجسه من إمكانية تحول هذا الاحتمال الى واقعة علمية أكيدة في المستقبل، هما بلا شك، أضرار متحققة أكيدة ومستمرة لحقت وتلحق بالمدعي منذ أكثر من عشر سنوات،
"وحيث أن المشترع اللبناني أخذ بعين الاعتبار الاضرار التي تنتجها الاشعاعات المذكورة في المادة المومأ اليها سابقاً عندما أوجب على المؤسسة أخذ الاحتياطات اللازمة لحماية الجوار من الاشعاع الراديوي عنها دون أن يحدد كيفية تفادي هذه الأضرار...
"وحيث بالتالي فإن المسافة التي تفصل الهوائي ومنزل المدعي غير كافية لتأمين راحة البال الطبيعية لدى الساكنين بجوار محطة البث التلفزيوني،
"وحيث بالتالي فإن احتمال اصابة المدعي بداء السرطان نتيجة لذبذبات الهوائي الهوائي المثبت بجوار مقامه والذي تتمسك به المدعى عليها لنفي توافر الضرر الأكيد في الدعوى، هو بحد ذاته مسبباً لضرر معنوي ساواه المشرع بأي ضرر مادي في المادة 134 م.ع.؛ هذا من نحو اول،
"وحيث من نحو ثانٍ، بعد ثبوت الضرر المعنوي والشخصي الذي لحق ويلحق بالمدعي، لا بد من تحديد ما اذا كانت المسؤولية في هذا النطاق تقوم على خطأ ارتكبته المدعى عليها أم أنها تقوم على مجرد اثبات الضرر الأكيد،
" وحيث تقوم المسؤولية عن الفعل الشخصي في النظامين اللبناني والفرنسي على الخطأ الواجب اثباته عملاً بأحكام المادة 122 م.ع. التي تقابلها المادتان 1382- 1383 من القانون المدني الفرنسي، مستبعداً المشرع النظريات التي تقوم على البدائل عن الخطأ الا أن تطور الحياة الاجتماعية الذي ترافق ايضاً مع التطور الالكتروني والآلي وضع المحاكم أمام حالات من الضرر ناتجة عن علاقة الجيرة ضمن التعايش الاجتماعي، غير مشمولة بأحكام المواد القانونية القائمة ، مما حث الاجتهاد على خلق نظرية مضار الجوار (La théorie des troubles du voisinage) التي استندت بادئ الامر الى الخطأ لتصبح فيما بعد مسؤولية موضوعية (de plein droit) قوامها مبدأ "Nul ne doit causer à autrui un trouble de voisinage"....
"وحيث سنداً لأساس مسؤولية مضار الجوار، فإنه أضحى من النافل التطرق الى مدى قانونية وضع الهوائي، أي أن مسؤولية المدعى عليها تقوم بمعزل عما اذا كانت قد استحصلت على التراخيص الادارية اللازمة لاستعمالها هذا الهوائي ضمن المنطقة السكنية وما اذا راعت معايير سلامة الفرد والبيئة لمجرد ثبوت الضرر غير المألوف الذي يتجاوز تبعات الجوار المتسامح بها والمقبولة،
"وحيث ترى المحكمة أن الخطأ في المسؤولية عن مضار الجوار يتمثل في بعض الأحيان في ممارسة الفرد لحقّ ما أقرت له اياه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء دون أن تكون هذه الأخيرة قد لحظت تبعات هذا الوضع القانوني،
"وحيث هل أن الضرر الذي صار تفصيله يندرج ضمن طائفة الاضرار غير المألوفة هذه التي تستتبع مسؤولية المدعى عليها عن مضار الجوار.
"وحيث أن الضرر غير المألوف هو الضرر الذي يتجاوز الحد الطبيعي الذي تسببه حالة الجوار الواجب تحمله من قبل المجاورين والذي من شأنه تعكير صفوة الحياة ونوعيتها،
"وحيث مما لا شك فيه ان قلق وهاجس المدعي من اصابته بالسرطان نتيجة لجواره محطة لبث تلفزيوني بقوة 41.39 KWERP في قلب منطقة بيت مري ليس ضرراً مألوفاً في علاقة الجيرة وهو لا يندرج ضمن الأضرار الطبيعية التي تحدثها هذا الجيرة (كصريخ أطفال، ضجيج اعتيادي كونه لمولد...) وهو يتجاوز الحد المقبول الممكن تحمله من الكافة نظراً لقرب مساحة الهوائي ومنزل المدعي ولطبيعة الأضرار المحتملة، فلم يأت هذا القلق نتيجة لتخوف غير اعتيادي وغير منطقي،
"وحيث سنداً لذلك، تكون المدعى عليها مسؤولة عن الضرر غير المألوف الذي يلحق بالمدعي بفعل تركيزها هوائي لبثها التلفزيوني لتغطية منطقة بيت مري بقوة 41.39 KWERP بالقر من منزله سنداً لنظرية مضار الجوار؛
"وحيث من نحو ثالث يقتضي التطرق الى الحل الواجب اعتماده للحد من الضرر المشكو منه، هل يعود للمحكمة الحكم فقط بتعويض بدلي أم أنه يعود لها أيضاً تقرير عيني عبر الحكم بإزالة الهوائي مسبب الضرر كما هو مطلوب؛
"وحيث من البديهي القول بأن الحكم بإزالة مصدر الضرر هو للوهلة الاولى التدبير المنطقي الواجب تقريره لوضع حد للضرر المشكو منه، الا ان مثل هذا الحكم قد يتعارض أحياناً مع مبدأ فصل السلطات المكرس في الدستور كما هو الحال متى كان المدعى عليها قد استحصلت على ترخيص اداري باستعمال الهوائي المشكو منه...
"وحيث بالتالي، ان الحكم باستبدال مركز الهوائي موضوع الدعوى من العقار رقم 500 بيت مري الى عقار آخر ضمن نفس المنطقة السكنية لا يتعارض إطلاقاً مع المرسوم رقم 97/10057 كونه لا يعطل مفعوله بالترخيص للمدعي عليها باستعمال البث في بيت مري، فلا يتعارض هذا التدبير للاختصاص الوظيفي للقضاء الاداري كونه لم يقرر ازالة الهوائي من منطقة بيت مري كما رخص في المرسوم الجمهوري؛
"وحيث كان يفترض على المدعى عليها وهي الوسيلة الإعلامية الرائدة في مجال المدافعة والمحافظة على حقوق الانسان، أن تبادر من تلقاء نفسها الى استبدال موقع الهوائي المشكو منه بعد قيامها بمفاضلة بسيطة بين تكبدها نفقات استبدال هذا الموقع وبين إراحة بال منطقة سكنية برمتها".
المسألة الأولى في القرار إعلان المحكمة مسؤولية المؤسسة الإعلامية من خلال الاخلال بموجب عدم الإضرار بالغير (الجوار) عن طريق ممارستها لحقها المشروع في وضع الهوائي الخاص بالمؤسسة، ولكن بحسب المحكمة، كان من واجبها (المؤسسة الاعلامية) أن تختار المكان الصحيح لتركيب هذا الهوائي في موقع لا يضر بالجوار ولو ان هذا الضرر كان معنوياً وهو القلق من حصول أضراراً جسدية ناتجة عن الاشعاعات التي يرسلها هذا الهوائي. فنقل الهوائي الذي قضت به المحكمة ليس لثبوت أنه يسبب أمراضاً خطيرة (سرطان) وإنما للهاجس والقلق الذي يخلفه في نفوس المالكين المجاورين. والسؤال الذي يطرح : هل هذا الضرر هو ضرر حقيقي ام احتمالي ؟ المحكمة قضت بذلك واعتبرته من الاضرار غير المألوفة التي هي مصدر الالزام بنقل الهوائي، وبالتالي تتحمله الشركة التلفزيونية بنقله الى منطقة أخرى غير مسكونة. فهل مجرد الإزعاج ولو لم يكن مألوفاً هو من الاضرار الكافية لاعتباره ضرر جوار ؟ هذا بالنسبة للمسألة الأولى.
أما المسألة الثانية في القرار تناولت إشكالية مبدئية، موضوعها العلاقة بين القرار القضائي الفاصل في النزاع في مضار الجوار والقرار الإداري القاضي بالترخيص بالعمل، وهل ان القرار القضائي المرخص به بقرارات إدارية يشكل مساساً بمبدأ الفصل بين السلطات وتعرض من القرار لقرار إداري؟ اعتبر القرار بأن الحكم باستبدال مركز الهوائي موضوع الدعوى من عقار الى آخر ضمن منطقة البث وخارج المنطقة السكنية لا يتعارض إطلاقاً مع القرار الاداري (مرسوم الترخيص). وهذا الأمر على إطلاقه يقبل المناقشة، إذ ماذا لو كان المرسوم حدد الترخيص للشركة التلفزيونية بوضع الهوائي في عقار محدد بالذات، فنقله بقرار قضائي الى مكان آخر الا يشكل تعرضاً من قرار قضائي لقرار إداري ؟
من هنا يطرح القرار المذكور مسألتين قابلتين للنقاش هما: المسألة الأولى هي الضرر الإحتمالي غير المألوف. والمسألة الثانية أثر الترخيص الإداري على المسؤولية عن مضار الجوار ومدى تعارضه مع القرار القضائي المدني.
المسألة الأولى: الضرر غير المألوف الإحتمالي
ان التعويض عن الضرر الناتج عن الجوار يمكن ان يترتب سواءً أكان مادياً أم معنوياً([35]) والامر يعود تقديره الى سلطة القاضي المختص الناظر بالقضية بحسب واقعها وظروفها. ولكن في ظروف الحياة الإجتماعية من منا لا يعيش في قلق ووهم من معظم التطورات السلبية والايجابية التي تظهر في المجتمع سواء بفعل الخالق (الامراض الوبائية) ام بفعل الانسان (كوضع الهوائي وغيره من الأمور)؟ فطالما لم تثبت هذه الوسيلة أنها من الممكن أن تسبب الأضرار، فلا يمكن اعتباره ضرراً لاحقاً احتمالياً يستحق التعويض عنه فالضرر يجب أن يكون مؤكداً وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة 134 من قانون الموجبات والعقود فقرتيها الرابعة والخامسة التي نصت على أنه "وفي الأصل إن الأضرار الحالية الواقعة تدخل وحدها في حساب التعويض . غير أنه يجوز للقاضي بوجه الاستثناء ان ينظر بعين الاعتبار الى الاضرار المستقبلية اذا كان وقوعها مؤكداً من جهة، وكان لديه من جهة اخرى الوسائل اللازمة لتقدير قيمتها الحقيقية مقدماً".
المادة المتقدم ذكرها (134 م.ع.) طرحت مبدأ واستثناء. فالمبدأ نصت عليه في فقرتها الرابعة، وهو وجوب ان يكون الضرر حالاً وواقعاً لتحديد التعويض المترتب عنها. أما الاستثناء فقد نصت عليه في فقرتها الخامسة إذ أعطت القاضي سلطة تقدير الضرر المستقبلي الاحتمالي الوقوع ولكن بشرطين حددتهما الفقرة المذكورة وهما: الأول، وقوع الضرر المستقبلي بصورة مؤكدة. والثاني، توفر الوسائل اللازمة لدى القاضي لمساعدته في تقدير قيمة الضرر الحقيقية بصورة مسبقة. وفي هذا الإطار قضت محكمة التمييز الفرنسية بأنه لا يحكم للمتضرر بمرض عدم المناعة (السيدا) طالما لم يظهر عنده هذا المرض لغاية تاريخه، حيث لا يحكم بالتعويض عن الاضطراب في حياة الانسان الناجم عن المرض الا اذا كان مؤكد الوقوع وممكن التحقق منه([36]). فلتحديد الضرر المستقبلي يجب أن يكون من الثابت حصوله مستقبلاً وكونه نتيجة مؤكدة ومباشرة للوضع الحالي([37]).
فهل مجرد الإزعاج ولو لم يكن مألوفاً هو من الاضرار الكافية لاعتباره ضرر جوار ؟
نصت المادة 124 من قانون الموجبات والعقود على أنه "يلزم أيضاً بالتعويض من يضر الغير بتجاوزه، في أثناء إستعمال حقه، حدود حسن النية أو الغرض الذي أجله منح هذا الحق". أشارت المادة المذكورة الى الحالة التي يتجاوز فيها المالك حدود حسن النية في ممارسته لحقه ولم تأتِ على ذكر مسألة الضرر الشاذ وغير المعتاد (غير المألوف) الذي يمكن أن يلحق بالجار نتيجة ممارسة هذا الحق عكس تشريعات أخرى عالجت هذه المسألة([38]). الا ان الاجتهاد اللبناني وفي قرار مبدئي لمحكمة التمييز غرفتها الثانية قرارها رقم 15 تاريخ 30/1/1968([39]) طبق المسؤولية الناتجة عن الازعاج الصادر من الجوار باعتباره ازعاجاً جاوز الحدود المتسامح بها والمألوفة في العلاقات بين الجيران، وفاق قدرة احتمالها بحيث أصبحت لا تطاق. جاء في القرار:
"أن محكمة الاستئناف قد اعتبرت بسلطانها المطلق بأن الإزعاج المشكو منه هو من النوع غير المألوف الذي لا يطاق خصوصاً في منطقة سكن وإقامة، ويتجاوز بكثير الإزعاج الناتج عن صلة الجوار المتسامح به في مكان وزمان معينيين... وإن الإزعاج الحاصل من استعمال الكومبروسور يتجاوز الإزعاج العادي ويرتب على صاحبه المسؤولية بعد أن كانت (أي محكمة الاستئناف) اعتبرت بأن الازعاج لا يطاق لا سيما عندما يعمل الكومبروسور في نقر الصخور، تكون (محكمة الاستئناف) قد ركزت قرارها على أساس قانوني".
ومن هنا فإن محكمة الاستئناف،موضوع الطعن التمييزي قرارها أعلاه، قد وضعت معياراً أشد من المعيار الذي وضعته محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان غرفتها الأولى في قرارها رقم 133 تاريخ 13/9/2005 في قضية جوزيف روحانا/المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال ش.م.ل. المذكور، وهو : ان يكون الازعاج غير مألوف ولا يطاق. الا ان الملفت في قرار المحكمة (روحانا / المؤسسة اللبنانية للارسال) هو ترتيب المسؤولية لمجرد قلق ووهم غير ثابت لضرر غير مؤكد الوقوع، تكون قد سايرت التطور الحاصل في هذا المجال ووسعت من تطبيق نظرية مضار الجوار للوقاية من الاضرار المستقبلية على مبدأ "أخذ الحيطة".
والجدير بالذكر ان هذا القرار يعتبر قراراً مبدئياً سبق القضاء الفرنسي الذي اصدر بدوره قراراً يعتبر مبدئياً Lagouge الصادر عن محكمة الاستئناف في فرساي بتاريخ 4/2/2009([40])، حيث ألزمت المحكمة شركة الاتصالات بتفكيك برج اتصالات تابع لها. واعتبرت المحكمة من قبيل المضار غير المألوفة الضرر المعنوي الناجم عن الشعور بالتوتر الذي يعيشه المدعون من جراء تثبيت برج الاتصالات على الملك المجاور لهم. وقد لقي هذا القرار شهرة واسعة فاتحاً المجال لإمكانية إزالة ابراج الاتصالات بناء على نظرية مضار الجوار غير المألوفة.
المسألة الثانية: أثر الترخيص الإداري على المسؤولية في مضار الجوار
إن الترخيص الإداري هو عبارة عن إذن أو موافقة السلطة الإدارية المختصة التي تشرف على ممارسة نشاط ما يمنح لطالبه اذا تحققت فيه الشروط القانونية المحددة. والترخيص الاداري يدخل ضمن الوسائل الرقابية الوقائية التي يخولها المشترع للسلطة الادارية بهدف تنظيم بعض الحريات الفردية، اذ لا يمكن ممارسة هذه الحريات الا بعد الحصول على الموافقة المسبقة للسلطة الإدارية.
فلا يعطى الترخيص الاداري الا بعد توفر شروط معينة حددها المشترع في النصوص القانونية)[41])، وهي الحفاظ على المصلحة العامة والحد من الاضرار التي يمكن أن تطال الجوار، كالضجيج الناتج عن أعمال البناء والتشييد، أو الإزعاج الصادر عن إحدى المنشآت الصناعية والتجارية، وتعتبر التراخيص من القرارات الادارية النافذة([42]) التي ترتب آثاراً قانونية من خلال إنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم كتقرير حق لشخص معين أو أشخاص معينين كرخصة تشييد بناء، وهي بالتالي تعتبر من القرارات الادارية غير التنظيمية التي تتناول هؤلاء الاشخاص بأسمائهم سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم معنويين. والسؤال الذي يطرح في هذا الاطار هل يستطيع القضاء المدني تعديل اي خاصة من خصائص الترخيص المعطى من قبل الإدارة أو حتى إلغاءه، وذلك بحجة إزالة الضرر الذي يمكن أن يتسبب بها الشيء الذي يخدم مصلحة المؤسسة التي منحت هذا الترخيص؟
تدور المسؤولية عن مضار الجوار حول مسألة أساسية هي: وجود الضرر غير المألوف من عدمه، واذا ما تجاوز الحد المألوف وجب إزالته والتعويض عنه.
وقد نصت المادة 120 من قانون الموجبات والعقود على ان "الموجبات القانونية هي التي تستمد مباشرة من القانون دون سواه كالموجبات الكائنة بين ملاك متجاورين..." كما نصت المادة 122 من القانون عينه على ان "كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر غير مشروع يجبر فاعله اذا كان مميزاً على التعويض...". فالمواد المتقدمة تبين عدم مشروعية النتيجة التي يمكن أن يتسبب بها العمل المشروع من ضرر غير مألوف والتي توجب على فاعله إزالة الضرر والتعويض على المتضرر.
فمن جهة إزالة الضرر نصت المادة 250 من قانون الموجبات والعقود على حق المدين بأن يطلب من المحكمة إزالة ما أجري خلافاً لموجب الامتناع. ففي حالة الترخيص الإداري الممنوح للجار والذي يتسبب بضرر لا يطاق لجاره، نجد أنه من الممكن للمتضرر استعمال حقه والطلب من المحكمة إما الترخيص له بمباشرة العمل لإزالة الضرر اللاحق به، وإما الطلب من المحكمة إزالته. وفي هذه الحالة لا يشكل الحكم بنقل الهوائي من مكان الى آخر تعدٍ من القضاء المدني على قرار إداري وإنما مارس صلاحيته بإزالة الضرر المكرسة له في القانون([43]).
وفي حكم لمحكمة الاستئناف في بيروت غرفتها العاشرة بصفتها المناوبة تاريخ 31/7/2003 ([44]) ، اعتبر ان لقاضي الأمور المستعجلة صلاحية إقفال الملهى ووضع الأختام وإن صلاحيته هذه لا تتعارض مع أحكام المادة 20 من المرسوم رقم 4221 تاريخ 18/10/2000 والتي تنص على انه "يمكن لوزارة السياحة ان توقف مفعول إجازة الاستثمار بصورة مؤقته، أو إلغاؤها وسحبها نهائياً، عندما تتحقق من إخلال المؤسسة لشروط الاستثمار أو مخالفتها للقوانين والأنظمة النافذة".
أصدرت المحكمة الاستئنافية غرفتها الثالثة، الناظرة اساساً في القضية، قرارها النهائي رقم 385 تاريخ 4/3/2004 ([45])،عطفت فيه على قرار الهيئة الاستئنافية المناوبة المشار اليه أعلاه تاريخ 31/7/2003 وقضت بنتيجته برد الاستئناف اساساً وتصديق القرار المستأنف من حيث النتيجة التي توصل اليها. ومما جاء في القرار بما يهم المسألة القانونية التي نعالجها، مضار الجوار، هو ما يلي:
"وحيث بالعودة الى تقارير الخبراء المعينين قبل استئناف القرار المطعون فيه، يتبين ان شركة نايت انفست ش.م.م. تستثمر مهلى ليلياً في المأجور موضوع النزاع لا مطعماً، وذلك ثابت في مجمل أوراق الملف بدليل وجود الموسيقى الصاخبة حتى ساعة متأخرة جداً في الليل وتقديم الكحول للزبائن بشكل اساسي، علماً أن تقديم الطعام في الملهى لا يضفي عليه صفة المطعم في ظل وجود الموسيقى الصاخبة وتواجد رواد الملهى فيه حتى ساعات الصباح الأولى، الأمر الذي سبب إزعاجاً للجهة المستأنف عليها وإقلاقاً لراحتها.
"وحيث بالعودة الى ما سبق، يتبين ان التدابير التي اتخذتها الجهة المستأنفة بقيت غير كافية لدرء كل ضرر عن الجهة المستأنف عليها اذ ان صوت الموسيقى بقي مسموعاً في منازل بعض أفراد الجهة المستأنف عليها بالرغم من التدابير المستحدثة ،
"وحيث من حق أفراد الجهة المستأنف عليها التمتع بالراحة والكسينة في منازلهم، الأمر الذي لم توفره لهم المستأنفة شركة نايت انفست ، فيشكل عملها إزعاجاً وإقلاقاً للراحة وبالتالي تعدياً على حقهم الطبيعي بالسكينة في منازلهم، مما يبرر تدخل قضاء العجلة لإزالة هذا التعدي والابقاء على إقفال المؤسسة موضوع النزاع وختمها بالشمع الأحمر منعاً من ممارسة نشاطها الفعلي بتاريخ الاقفال".
في المقابل نجد أن قاضي الامور المستعجلة في كسروان ، قرار رقم 131 تاريخ 19/3/2015 تاريخ 19/3/2015 في قضية مدينة الملاهي دريم بارك، المذكورة سابقاً، رفض إقفال مدينة الملاهي على اعتبار" أن قرار الاقفال فيه مساس بقرار الترخيص الإداري الذي يمتنع على هذه المحكمة بوصفها فرعاً من القضاء العدلي المساس به عملاً بمبدأ فصل السلطات، فيرد طلب المدعي لهذه الناحية".
إن إزالة الضرر في حالة مضارالجوار قد تكون بإغلاق المكان مؤقتاً حتى الوقت الذي يزال فيه الضرر الذي تسبب بذلك التدبير، دون ان يشكل ذلك الاغلاق تعرضاً لقرار اداري. فالقرار الاداري يرخص بمباشرة العمل، ولكن لا يملك تخويل المستفيد الاضرار بالغير، فبإقفال المحل يكون القضاء المدني قد مارس الصلاحية العائدة له بإزالة الضرر([46]). فالمالك عليه ان يمتنع عن الاضرار بجاره بشكل غير مألوف ومتجاوز، ويحق للدائن (الجار المتضرر) عملاً باحكام المادة 250 موجبات وعقود ان يطلب من المحكمة إزالة ما تم خلافاً لموجب الامتناع ([47]).
ان القاعدة، حسب هذا النص، هي في التنفيذ العيني للموجب، والذي قد يكون موضوعه أداءً معيناً أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل (المادة 45 موجبات وعقود وما يليها). واذا كان لا يمكن تطبيق معاملة التنفيذ العيني على الموجبات التي تستلزم في إيفائها عيناً قيام المديون نفسه بالعمل، يحق للدائن، وفق أحكام المادة 251 موجبات وعقود، ان يطلب الحكم على المديون بغرامة إكراهية عن كل يوم او كل اسبوع أو كل شهر يتأخر فيه، وذلك لإكراهه على التنفيذ العيني المشار اليه. والتنفيذ العيني يتدرج من الامر بتعديل طريقة استعمال الحق، الى الامر بتحديده نسبياً ان في الزمان – العمل في اوقات معينة – أو في المكان – وضع الآلة مثلاً في مكان بحيث يتم تجنب إحداث ذالك الضرر أو التخفيف من وطأته الى الحد المتسامح به – الى الحكم بوقفه مؤقتاً أو جزئياً الى ان نصل في الحالات القصوى الى إزالة الضرر كلياً بإغلاق المكان (المحل أو المصنع مثلاً)، وقد نصت المادة 589 من قانون اصول المحاكمات المدنية، على ان "لقاضي الموضوع الناظر في الدعوى، كما لقاضي الأمور المستعجلة مع مراعاة أحكام المادة 581، ان يتخذ بناء على طلب أحد الخصوم، مقابل كفالة أو بدونها، جميع التدابير المؤقتة والاحتياطية التي من شانها حفظ الحقوق ومنع الضرر". فللقضاء المستعجل (المادة 579 أصول محاكمات مدنية) كما لقضاء الاساس في هذا الاطار الحق في اتخاذ مثل تلك التدابير لا يكون قد تعرض لقرار إداري وإنما مارس صلاحيته بإزالة الضرر، وهي صلاحية مكرسة في القانون.
وهذا ما عبرت عنه أحكام المادة 1244 من مشروع تعديل قواعد المسؤولية المدنية في الشهر الثالث لسنة 2017 تاريخ 13 منه. جاء فيها "أن المالك، المستأجر، والمستفيد من سند موضوعه الأساسي أن يجيز له إشغال أو استغلال مُلْكٍ، فإن سيد المال أو من يستعمل سلطاته عليه ويكون مصدراً لمضار الجوار، يُعَوَّض عن الأضرار التي تتجاوز المخاطر الطبيعية التي تترتب على الجوار.
وعندما تكون ممارسة النشاط الضار هي مجازة بالطرق الإدارية ، فإن القاضي، مع ذلك يمكنه ان يعطي عطلاً وضرراً والفوائد أو ان يأمر بتدابير معقولة منطقية، تسمح بوقف هذه المضار شرط أن لا تتعارض مع الأوامر التي وضعتها السطات الادارية في مصلحة الأمان والسلامة العامة")[48](.
ووفق المادة 1200 من مجلة الأحكام العدلية التي تنص على توجب دفع الضرر الفاحش بأي وجه كان وتزال ولا ضرر ولا ضرار (المادة 19 من أحكام المجلة العدلية ) الضرر يزال (المادة 20 من نفس المجلة) . من هنا قد يلزم في حالة الضرر غير المألوف المستمر إزالته أو عدم إزالته وذلك بحسب تقدير القاضي المطروح النزاع أمامه.
كما اعتبرت محكمة التمييز المدنية في قرارها رقم 7 تاريخ 29/3/1963 ([49])،أنه اذا كان انجاز البناء قانونياً فإن ذلك لا يجيز للمالك المتسبب بالضرر بحجة عدم وجود مخالفة تشوب ترخيصه أو تكتنف الانجاز، جاء في القرار :" أن صاحب ملك، وان كان له الحق في التصرف بملكه في غرس وبناء وحفر كيف ما يشاء، الا أن هذا التصرف لا يجوز ان يتعدى الحد الذي يتجاوزه يصيب المجاورين بضرر في ممارسة حقوقهم" .
ختاماً، ان نظرية مضار الجوار غير المألوفة قد شهدت تطوراً وتوسعاً كبيراً في المسؤولية المترتبة على المتسببين في الأضرار البيئية، كما أنها عرفت مرونة ذات فائدة عملية بالنسبة للمتضررين من بعض الأضرار الناجمة عنها من خلال النصوص الخاصة والمتعلقة بكل ما يتعلق بالبيئة، وهي بذلك (أي نظرية مضار الحوار) توسعت وتطورت في مفهوم الجوار وفي مفهوم الضرر نفسه . ولكن يبقى سؤالاً جوهرياً يتمحور حول مضار الجوار الاخلاقية والاجتماعية وهي عبارة عن مجموعة العلاقات الاجتماعية الناتجة عن الدين والاقتصاد والاعلام والفنون والآداب والظروف الصحية وكل ما يشمل الثقافة التي تلقاها الفرد في مجتمعه .... فالعادات والأعراف والتقاليد لبيئة ما قد تتأثر بما هو غير مألوف عنها، لا سيما تلك المتعلقة بحق المواطن بعدم التعدي على أحاسيسه ومشاعره وذلك من خلال نشر الصور والاعلانات المتشعبة في شتى المجالات والميادين: خاصة كالذوق، وعامة من سياسية وأدبية وفنية، الامر الذي يولّد قانوناً مسؤولية عن مضار الجوار التي وصفتها محكمة التمييز المدنية في قرارها الصادر بتاريخ 30/1/1968 المذكور، بأنه إزعاجاً غير مألوف ولا يطاق، إضافة الى ان هذا التعدي هو أيضاً من جرائم التعدي على البيئة الاجتماعية والذوق العام تؤهل المدعي العام البيئي التحرك دفاعاً عن المجتمع.
[1] - القاضي المنفرد المدني، تاريخ 28/11/1957، النشرة القضائية اللبنانية، سنة 1968 ص 255 وما يليها. واعتبر ان إقدام المدعى عليه على وضع كمية من السماد الطبيعي بالقرب من محل معد لبيع الفاكهة يعتبر استعملاً شاذاً أو غير مألوف ويستهدف للمسؤولية طالما انه كان عالماً بما سينتج عن عمله من ضرر؛ تمييز سوري رقم 7/ 63 النشرة القضائية اللبنانية سنة 1964 ص 771 وما يليها. اعتبرت انه لا يجوز للمالك ان يغالي في استعمال حقه الى حد غير مألوف. مثال ذلك فتح نافذة في مطبخ العقار تطل مباشرة على غرف عقار الجار وتنشر فيها الروائح والضجيج ؛ محكمة استئناف بيروت رقم 681 تاريخ 14/5/1975، مذكور في كتاب "واقع البيئة في المحاكم اللبنانية" الصادر عن وزارة العدل سنة 2010. اعتبرت المحكمة "ان البناء وما يحدثه من حجب رؤية بالنسبة للعقار المجاور لا يشكلان ضرراً غير مألوف في الظرف المكاني للمدينة ولوسطها العمراني، اذ ان هذا الوضع هو وضع غالبية العقارات في الوسط العمراني حيث يحجب كل بناء الرؤيا عن العقارات المجاورة وذلك على نحو غير مثير لضمير الناس الذين يتقبلون هذا الأمر الملازم لحياة المدينة وما تدلي به المستأنفة بوجه المستأنف عليها لو صح لصح إدلاء جيران المستأنفة به بوجهها ولأصبح البناء في المدن مصدر إرهاقات لا حد لها ولا طائل".
وفي القضاء الفرنسي قضت محكمة التمييز الفرنسية على زوجين بتقليم الشجرة التي تعيق المنظر الذي تتمتع به الجارة من شقتها معتبرة أن المبدأ يقتضي بأنه لا يحق لأي أحد أن يتسبب في ازعاج الآخرين في الجوار .
Cour de Cassation, Chambre civile 2, du 17 mars 2005, 04-11.279, www.legifrance.gouv.fr. ; Cour de cassation, civile, Chambre civile 3, 28 juin 2018, 17-18.755. , www.legifrance.gouv.fr; Cour de Cassation, Chambre commerciale, du 7 décembre 2004, 02-13.804, www.legifrance.gouv.fr
[2] - تنص المادة 121 من قانون الموجبات على ما يلي : "الجرم عمل مضر بمصلحة الغير عن قصد وبدون حق وشبه الجرم عمل ينال من مصلحة الغير بدون حق ولكن عن غير قصد".
[3] - راجع في ذللك: مصطفى العوجي، القانون المدني – الجزء الثاني – المسؤولية المدنية، مؤسسة بحسون، بيروت سنة 1996 ص 161.
[4] - منشور في الجريدة الرسمية العدد 37 ، تاريخ 27/6/2002، ص 4681 وما يليها.
[5] - قبل صدور قانون رقم 8081/2002 قسم المرسوم الاشتراعي رقم 21/1932 المحلات الخطرة والضارة والمزعجة الى ثلاثة أصناف بحسب المخاطر واهمية المحاذير التي تلازم استثمارها. فيشمل الصنف الأول منها المحلات التي يجب ابعادها عن المنازل بصورة كافية لمنع كل ضرر ممكن ان يلحق بها لناحية الأمن والهواء والازعاج ، الصنف الثاني يشمل المحلات التي لا يتوجب بالضرورة ابعادها عن المنازل ولكن لا يمكن الترخيص لها الا بحال اتخذت كافة التدابير المطلوبة لتلافي المحاذير والمخاطر، اما الصنف الثالث فيشمل المحلات التي لا ينجم عنها اي ضرر هام للجوار أو للصحة العامة . راجع في كل ذلك مؤلف "واقع البيئة في المحاكم اللبنانية" المذكور سابقاً ص 134.
[6] - القاضي المنفرد المدني في النبطية ، قرار رقم 46 تاريخ 23/999/2006 ، ماجد معلم ورفاقه/وسيم اسماعيل وحسن ذياب، مذكور في مؤلف" واقع البيئة في المحاكم اللبنانية " المشار اليه ص 291.
[7] - لم تقتصر قرارات القضاء اللبناني على الضجيج الناتج عن المؤسسات المصنفة بل تعداه ليتناول ايضاً الضجيج الناجم عن أصوات صادرة من مركز للأطفال واعتبر انه يمكن ان يتسبب بالضرر ويمكن ان يحكم عليه بالعطل والضرر الذي لحق بالغير من جراء ضجيج الاولاد وصراخهم الذي كان يؤثر في تأجير المساكن في بناء مقابل. محكمة التمييز المدنية، رقم 40 تاريخ 27/2/1968، وقف جمعية مار منصور/مراد، مذكور في مؤلف "واقع البيئة في المحاكم اللبنانية ، المرجع المذكور ص 292.
[8] - منشور في الجريدة الرسمية العدد 15 تاريخ 20/3/2003، ص 1518 وما يليها.
[9] - اسند المرسوم الاشتراعي رقم 21/1932 المتعلق بالصناعة ، مهام الترخيص الى وزارة الصحة والاسعاف العام في حينه ومن ثم تم تعديل قانون التنظيم الاداري الذي نقل هذه الصلاحيات من وزارة الصحة والاسعاف العام الى المحافظين والقائمقامين، وذلك بموجب المادة 15 و 27 من المرسوم الاشتراعي رقم 18 تاريخ 12/1/1953 ، منشور في الجريدة الرسمية العدد الثاني، تاريخ 14/1/1953، ص 46 الى 114. وراجع قرار مجلس شورى الدولة، رقم 304 تاريخ 7/12/1959، توفيق عبدالله رزق/الدولة، منشور على موقع مركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية الالكتروني http://www.legallaw.ul.edu.lb/.
[10] - اعطت المادة الرابعة فقرتها الثانية من قانون احداث وزارة الصناعة رقم 642 الصادر بتاريخ 2/6/1997 ، وزير الصناعة صلاحية اصدار تراخيص المصانع . جاء فيها: "... 2- خلافاً لأي نص آخر، يعطي الترخيص بالمؤسسة الصناعية بقرار من وزير الصناعة بناء على اقتراح مدير عام الصناعة المبني على رأي لجنة الترخيص المنشأة بموجب هذا القانون...".
[11] - مجلس شورى الدولة قرار رقم 757 تاريخ 31/10/1962، ميشال يوسف جبر/الدولة اللبنانية، منشور على موقع مركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية الالكتروني http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[12] - مجلس شورى الدولة، رقم 518 تاريخ 1/12/1970 طانيوس نعوم الحاج ورفاقه / الدولة ورفاقها، منشور على موقع مركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية الالكتروني http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[13] - مجلس شورى الدولة، رقم 349 تاريخ 23/5/2000، بلدية شكا / الدولة – وزارة الداخلية، منشور على موقع مركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية الالكتروني http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[14] - مجلس شورى الدولة، رقم 603 تاريخ 9/7/2001 ، الاشمندريت يازجي ورفاقه/الدولة، مذكور في مؤلف "وتقع البيئة في المحاكم اللبنانية" الصادر عن وزارة العدل ، 2010، ص 152 – 153.
[15] - مجلس شورى الدولة، رقم 265 تاريخ 31/1/1995 ، مذكور في مؤلف "وتقع البيئة في المحاكم اللبنانية" الصادر عن وزارة العدل ، 2010، ص 94.
[16] - مجلس شورى الدولة رقم 584 تاريخ 28/6/2001 البير بطرس سعادة / بلدية الرابية، ، مذكور في مؤلف "واقع البيئة في المحاكم اللبنانية" الصادر عن وزارة العدل ، 2010، ص95.
[17] - مجلس شورى الدولة رقم 323 تاريخ 4/2/2002، طوني بولس/ مجلس تنفيذ المشاريع الانشائية. منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[18] - مجلس شورى الدولة، رقم 578 تاريخ 20/6/2002، انطوان الياس الحاج/الدولة، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[19] - مجلس شورى الدولة، رقم 285 تاريخ 16/1/1996، حبيب الزغبي / الدولة، منشور على الموقع الالتكروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[20] - مجلس شورى الدولة، رقم 31 تاريخ 28/2/1986، شربل واتمر فرنسيس مدا/الدولة اللبنانية، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[21] - بسام القنطار، جريدة الأخبار، الثلاثاء الثاني تشرين الأول 2012.
[22] - مجلس شورى الدولة، قرار رقم 11 تاريخ 5/11/2005 فتوش/الدولة اللبنانية – وزارة الداخلية، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[23]- في كل ذلك : سامي بديع منصور، الواقعية في القانون Le réalisme en droit – القضاء كمصدر اساسي للقاعدة القانونية والموجب القضائي في النظام القانوني اللبناني، قيد الطبع في المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، 2021.
[24] - Projet fe réforme de la responsabilité, mars 2017, Présenté le 13 mars 2017, par J.J. Urevoas mistre de la justice suite à la consultation menée d’avril 2016.
[25] - خصص قانون حماية البيئة اللبناني في بابه الخامس : حماية الهواء ومكافحة الروائح المزعجة وحماية السواحل والمياه البحرية والمياه الساحلية والبرية وحماية الأرض وجوف الأرض، مع اعتماد معايير وطنية وشروط للحماية بمراسيم تطبيقية تصدر بناء على اقتراح مشترك من وزير البيئة والوزراء المعنيين، وإلى حماية المؤسسات البشرية من خلال المحافظة على العوامل التي تشكل إرثا تاريخيا وثقافيا وأثريا وهندسيا وطبيعيا. وحماية البيئة من النفايات وسبل معالجتها والتخلص منها والقضاء على كل أثر مؤذ قد يتسبب بالاضرار بصحة الإنسان وبالمواد الطبيعية والحيوانات والنباتات، وتنظيم بيئي للمنشآت المصنفة بعد تحديدها بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير البيئة والوزراء المعنيين، والحماية من المواد الكيميائية والمواد الضارة و/أو الخطرة ووضع الأطر لتنظيم كل إصدار لضجيج والأذية الصوتية كما ولإدارة الموارد الطبيعية والمحافظة على التنوع البيولوجي والحماية من المخاطر والكوارث الطبيعية.
[26] - القاضي المنفرد الجزائي في البترون، رقم 247 تاريخ 9/7/2003، آلان ضرغام/الحق العام، مذكور في كتاب "واقع البيئة في المحاكم اللبنانية" المذكور، ص 132.
[27]- قاضي الامور المستعجلة في كسروان رقم 131 ت 19\3\2015 العدل عدد 2 سنة 2015 ص 1974 .
[28] - تنص المادة 26 من قانون حماية البيئة رقم 444 / 2002 على ان : "على كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، وخاصة عند استعمال الآلات أو المحركات أو المعدات أو المركبات أو عند استخدام آلات التنبيه ومكبرات الصوت، أن يلتزم بعدم تجاوز الحدود القصوى المسموح بها لشدة الضجيج والتي تحددها المعايير الوطنية لنوعية البيئة، مع الأخذ بالاعتبار نص الفقرة (د) من المادة من هذا القانون.
[29] - كما تنص المادة 27 من قانون حماية البيئة المذكور على ان : " كل شخص طبيعي أو معنوي يخالف أحكام المواد 24 و25 أو 26 من هذا القانون، ينذر من قبل السلطة المحلية المختصة التي تتولى إبلاغ وزارة البيئة والوزارات أو الإدارات المختصة صورة عن الإنذار.
إذا لم يتقيد المخالف بمضمون الإنذار خلال المهلة المحددة فيه، وكذلك في الحالات الطارئة، لوزير البيئة أن يتخذ كل التدابير القانونية الهادفة إلى وقف النشاط الملوث للبيئة الهوائية بعد تحديده".
[30] - في هذا الإطار قضت محكمة التمييز الفرنسية بإيقاف شركة مجاورة لعقار أحد الزوجين لتخزين الغاز السائل لما يشكل خطر ولو محدود ليس لناحية الغازات السامة بل لما يمكن أن يشكل خطر الاشتعال والحرائق التي يمكن ان يتضرر منها الجوار .
Cour de cassation, civile, Chambre civile 2, 17 février 2011, 09-70.137, www.legifrance,gouv,fr.
[31] - مجلس شورى الدولة، قرار رقم 496 تاريخ 5/4/2004، ساميا مكرزل/الدولة – جوزيف يمين ورفاقه، مذكور في واقع البئية في المحاكم اللبنانية، المرجع المذكور سابقاً ص 24؛ مجلس شورى الدولة، رقم 67 تاريخ 40/11/1993، المحامي عز الدين عويدات/بلدية شحيم، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ ؛ مجلس شورى الدولة، رقم 358، تاريخ 12/3/1964، سعيد نسيب غصن/بلدية بيروت، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ ؛ مجلس شورة الدولة، رقم 713 تاريخ 2/4/1974، ابو جودة/بلدية برمانا، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[32] - مجلس شورى الدولة رقم 403 تاريخ 12/2/1974، روزيت بدر/بلدية عالية، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ .
[34] - محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان، الغرفة الاولى، قرار رقم 133 تاريخ 13/9/2005، قضية جوزف روحانا/المؤسسة اللبنانية للارسال انترناشيونال ش.م.ل. منشور في مجلة العدل، سنة 2006، العدد الثالث، ص 1218 وما يليها.
[35] - نقولا أسود، القانون المدني – المدخل والأموال ، مجلس فرع الطلاب- أمانة شؤون المطبوعات في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية- الفرع الاول، 1985 – 1986، ص 624؛ سامي بديع منصور ومروان كركبي، القانون المدني - الاموال والحقوق العينية العقارية الاصلية، 2009، ص 216.
[36] - Cass. Civ. 20 juillet 1993, D.S. 1993, p. 526 note Chartier.
مذكور لدى مصطفى العوجي، القانون المدني – الجزء الثاني – المسؤولية المدنية، مؤسسة بحسون للنشر والتوزيع، بيروت، 1996 ص 198 – 199.
[37] - مصطفى العوجي ، المرجع نفسه، ص 199.
[38] - من هذه التشريعات: المادة 807 من القانون المدني المصري التي نصت :"1- على المالك ألا يغلو في استعمال حقه الى حد يضر بملك الجار. 2- وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعى في ذلك العرف، وطبيعية العقارات وموقع كل منها بالنسبة الى الآخر والغرض الذي خصصت له. ولا يحول الترخيص الصادر عن الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق"؛ والمادة 1051 من القانون المدني العراقي والمادة 691 من القانون المدني الجزائري والمادة 776 من القانون المدني السوري والمادة 1197 من مجلة الاحكام العدلية...
[39] - محكمة التمييز المدنية، الغرفة الثانية، قرار رقم 15 تاريخ 30/1/1968 – العدل سنة 1968 ص 293. وراجع في هذا القرار نقولا اسود ، القانون المدني – المدخل والاموال، المرجع المذكور، ص 624.
[41] - كقانون البناء رقم 646 الصادر بتاريخ 11/12/2004، منشور في الجريدة الرسمية ، العدد 56، تاريخ النشر في 12/12/2005، ص 5857 وما يليها؛ وقانون رقم 642 الصادر بتاريخ 2/6/1997 المتعلق باحداث وزارة الصناعة والمعدل بموجب القانون رقم 20 تاريخ 5/9/2008 والتي حددت الشروط المتوجبة والجهة التي يمكنها منح الترخيص للمؤسسات الصناعية وذلك في المادة 4 منه ؛ قانون تنظيم قطاع خدمات الاتصالات على الاراضي اللبنانية رقم 431 الصادر بتاريخ 22/7/2002 منشور في الجريدة الرسمية ، العدد 41 تاريخ 23/7/2002، ص 3 الى 21 وخاصة في القسم الرابع تحت عنوان "الترخيص لمقدمي خدمات الاتصالات وموجباتهم" من المادة 18 الى المادة 24 وخاصة المادة 23 التي تتناول الصحة والسلامة العامة؛ قانون الصيد البري في لبنان رقم 580 الصادر بتاريخ 25/2/2004، منشور في الجريدة الرسمية، العدد 13 بتاريخ 4/3/2004 ص 1261 الى 1266، وخاصة في الفصل الثاني منه تحت عنوان "في نظام الصيد البري" المادة 6 منه؛ ودفتر الشروط النموذجي للمؤسسات الاعلامية التلفزيونية والمحددة بحسب الفئات وفي القضية (فئة أولى) المنشور في الجريدة الرسمية في الملحق الخاص للعدد رقم 9 تاريخ 29/2/1996، ص 1 وما يليها وقد حددت في القسم الأول تحت عنوان "الشروط العامة" تحت خامساً شروط سلامة الأفرد والبيئة .
[42] - مجلس شورى الدولة رقم 522 تاريخ 14/6/2006، بلدية بعلبك/الفيتروني، مجلة القضاءالإداري، العدد 22 سنة 2011، ص 1002 وما يليها.
[43] - مروان كركبي وسامي منصور، الأموال والحقوق العينية العقارية الأصلية، الطبعة الثانية، بيروت 1999، ص 184 – 185.
[44] - محكمة الاستئناف المدنية في بيروت غرفتها العاشرة تاريخ 31/7/2003.
[45] - محكمة الاستئناف في بيروت غرفتها الثالثة، اساس 1651/2003 رقم 385 تاريخ 4/3/2004، شركة نايت انفست ش.م.م. (Escobar) / منى انيس صوايا وموريس سليم الغريب وآخرون، قرار غير منشور؛ بنفس المعنى محكمة الاستئناف الجزائية في بيروت، رقم 1101 تاريخ 6/2/2002، مذكور في "واقع البيئة في المحاكم اللبنانية" المشار اليه، ص 300.
[46] - محكمة التمييز اللبنانية، رقم 99 تاريخ 30/12/1992، منشور على الموقع الالكتروني لمركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية http://www.legallaw.ul.edu.lb/ . وقد اجرت المحكمة مفاضلة بين الادلة المرتبطة بخطر داهم واعتبرت ان من واجبه (قضاء العجلة) منعاً لوقوع الخطر ولم يرَ في ذلك اي تصد للاساس كما عندما يأخذ قضاء العجلة بظاهر بعض الادلة دون الأخرى، ورأت أن "واقعة ان مدعى عليه لم يقم عند إجرائه الحفريات في عقاره ببناء حائط دعم يحصن عقاره أفضل من غيرها من الوقائع في القضية نظراً لارتباطها بتحقيق الخطر".
[47] - ويرى جانب من الفقه (مصطفى الجمال، نظام الملكية ، منشأة المعارف، الاسكندرية، ص 136) انه يقتضي التمييز بين الانظمة القانونية التي نصت على حق القضاء بإزالة الضرر، بحيث لا يحول الترخيص الصادر عن الجهات المختصة دون استعمال القضاء ذلك الحق، كالمادة 807 من القانون المدني المصري ، وبين الانظمة القانونية التي لم تضع مثل ذلك النص مباشرة، كالقانونيين الفرنسي واللبناني، فإن منع القضاء في هذه الوضعية من اتخاذ تدبير من شانه تعطيل القرار الاداري له ما يبرره فالقضاء لا يجوز له ان يلغي او يعطل قرار اداري الا بالمراجعات القانونية بالطعن في ذلك القرار، وهو مسألة مختلفة. فالحكم بالتعويض العيني هو قاعدة عامة، ولا بد لحرمان القضاء من استعمال هذا الحق من نص خاص على ذلك.
[48] - Projet de réforme de la responsabilité, mars 2017, Présenté le 13 mars 2017, par J.J. Urevoas ministre de la justice suite à la consultation menée d’avril 2016.
[49] - محكمة التمييز المدنية، رقم 7 تاريخ 29/3/1963، مذكور في واقع البيئة في المحاكم اللبنانية، المذكور، ص 26.