هو ليس الاضراب المفتوح الاول الذي تنفذه نقابة المحامين، الا ان الظروف الاقتصادية والصحية والامنية الصعبة التي ترافق هذا الاضراب وضعت محامين في صف الاعتراض. في هذا التحقيق نحاول ان نستفتي مختلف الاراء من محامين وقضاة وطبعا النقابة صاحبة القرار.
اضرابات النقابة عبر التاريخ
بداية للتذكير بان نقابة المحامين نفذت خلال مئة سنة من تاريخها اكثر من اضراب مفتوح على خلفية قضايا وطنية. ففي العام 1924 في عهد النقيب بترو طراد، اعلنت النقابة الاضراب احتجاجًا على قرار الحكومة المنتدبة ادغام القضاء الوطني بالقضاء الاجنبي. وفي العام 1940، في عهد النقيب فؤاد الخوري، اعلن الاضراب دفاعاً عن إستقلال النقابة بوجه قرار حكومة الانتداب بحرمان المحامين من حق انتخاب مجلس نقابتهم وجعله بالتعيين من قبل الحكومة. في العام 1943، في عهد النقيب جان تيان كان الاضراب احتجاجاً على اعتقال رئيس الجمهورية وأركان الحكومة، وقد استمر حتى اعلان الاستقلال. في العام 1952، في عهد النقيب نجيب الدبس، اعلن الاضراب احتجاجاً على قانون 2 نيسان 1952 المتضمن الشؤون والقضايا العائدة لصلاحية المحاكم المذهبية للطوائف المسيحيّة والاسرائليّة، وإهمال طلب نقابة المحامين سنّ قانون مدني للأحوال الشخصيّة يشمل جميع الطوائف. في العام 1961، في عهد النقيب فيليب سعاده، كان الاضراب الاطول وقد دام 9 اشهر وذلك احتجاجاً على فتح المجال لمنح تراخيص جديدة لمعاهد حقوق جديدة. الى ذلك كان لنقابة المحامين وقفات عدة خلال مرحلة التسعينيات حيث كانت الاضرابات تتزامن مع حملات النظام الامني السوري – اللبناني على الحريات العامة. لكن قلة من هذه الاضرابات المفتوحة انتهت بتحقيق المطالب، اذ سرعان ما يتحول الاضراب الى عبء على كاهل النقابة والمحامين بسبب ضغط الناس والمتقاضين، فهل تكسر النقابة هذا الهاجس في اضرابها المستمر منذ اكثر من شهر؟
نقابة المحامين: الاضراب من اجل علاقة سليمة مع القضاء والانتفاضة من اجل وطن سليم
مصادر نقابة المحامين تعتبر بأن العلاقة تعثرت مع القضاء بشكل متدرج منذ اشهر، مع انطلاق الثورة في 17 تشرين الأول. ويعدد المصدر: "المشكل الاول كان مع الرئيس سامي صدقي مع احد المحامين الكبار بالعمر، قاطعنا عندها الجلسات لديه لفترة ثلاثين يوماً كان خلالها الرئيس سهيل عبود يعد بأن يقوم القاضي بخطوات ايجابية تجاه النقابة لذا اصدرنا بيانا وتراجعنا عن المقاطعة لكن القاضي صدقي لم يصدق بالوعود. الحادثة الثانية كانت حين القوى الامنية ضربت احد المحامين وحجزته في المخفر، حينها نزل النقيب خلف وسحب المحامي من المخفر، عندها القضاء لم يلتزم بمحاسبة عناصر القوى الامنية المخالفة. ثم كانت حادثة الاعتداء على احد المحامين في الشارع امام عائلته، عندها احتجزوا المحامي في المخفر حيث اتى الدراج الذي تعرض للمحامي على الطريق وصفعه مرة اضافية في المخفر، وهنا وبدل ان يوقف المدعي العام العسكري.. اوقف المحامي والعسكري. في قضية المحامي والناشط السياسي واصف الحركة الذي تعرض لمحاولة قتل على يد مجموعة تابعة لوزير، هنا كل العناصر التي تشير الى محاولة القتل بسابق تصور وتصميم، الا ان التدخل السياسي الكبير في الملف اخرج المتهمين بعد شهر من التوقيف بجنحة.
الفصل الاخير من توتر العلاقة مع القضاء كان مع طريقة التعامل مع ملف المحامي رامي عليق، وهو موضوع ملاحقة بعدة قضايا امام المجلس التأديبي في نقابة المحامين الا ان توقيفه امام نقابة المحامين بمخالفة واضحة للاصول حتى لو انه ضبط بجرم مشهود، فهو تكريس للدولة البوليسية. ان القبول بهذا التصرف من قبل الضابطة العدلية، هو تخلي عن سيادة النقابة عن الحصانة. والمستغرب بحسب المصدر النقابي هو تنكر مدعي عام التمييز غسان عويدات لتوقيع والده منيف عويدات على التعاميم التي التزم بها كل المدعين العامين بهدف تنظيم العلاقة بين القضاء والمحامين. فتطبيق المادة 111 من قانون اصول المحاكمات الجزائية على المحامين هو بغير محل، لان الوحيد القادر على ايقاف المحامين عن ممارسة المهنة هو مجلس نقابة المحامين وليس القضاء. فمهنة المحاماة منظمة بقانون خاص، ولا ينطبق عليها القانون العام في هذه الحالة.
ويضيف المصدر: "ان ضرب سيادة النقابة على ملفات المحامين يعني كسر المحامي وكسر الناس وكسر الوطن. من هنا فان الاضراب هدفه تصحيح العلاقة مع القضاء. قد يكون بعض المحامين وبعض الناس غير مقتنعين بالاضراب، لانهم يعتبرون باننا ناخد من دربهم لقمة العيش اليومية. لكن الاضراب هو غير مفتوح، فهذا موقف تعبيري وممكن ان تحدث خطوات تصعيدية. فهناك منظومة سياسية قضائية امنية متربعة بقصور العدل يجب ان نقف بوجهها".
اما انتفاضة المحامين الكبرى فهدفها حماية النقابة والمحامين بدورهم الوطني، وتحصين القضاء من التدخلات السياسية، وتحسين وضع قصور العدل الذي بات معدوم، واسترداد الدولة في ظل الانهيار التام الذي يعيشه المحامي مثله مثل كل الناس. الخطوة الاولى هي بالمطالبة باقرار قانون استقلالية القضاء الذي نفتخر بانه خرج من اللجنة الفرعية تحت ضغط المحامين والشارع. الخطوة الثانية التي اطلقناها هي باطلاق مرصد العدالة لرصد اي مخالفة، وفرزها بحسب الاختصاص إن لوزارة العدل او للتفتيش القضائي او غيره من الهيئات الرقابية او المسؤولة عن المحاسبة. الخطوة الثالثة هو انقاذ مرفق العدالة لان سقوطه يعني العودة الى استيفاء الحق باليد، وعملية انقاذه تكون بلقاء قمة مع نقابة المحامين في طرابلس ومجلس القضاء الاعلى والمساعدين القضائيين ووزارة العدل.
القضاء: بعض القضايا الاشكالية ذات علاقة بالضابطة العدلية وليس بالقضاء وبعضها الاخر يقع ضمن اطار صلاحيات كل قاض
مصادر قضائية اعتبرت ان الاشكال بدأ مع نقيب المحامين عندما القى خطابا من دون "اذن مسبق" في قاعة "الخطى الضائعة" في قصر العدل، تهجم فيه على القضاء والقضاة. هذا الامر إضطر الرئيس الاول بان يرد "أنه حتى جدران قصور العدل وبيت المحامي تأبى أن تسمع لغة التهجم بحقّ السلطة القضائية والقضاة... وأن قصور العدل ستبقى مفتوحة كما دائماً، وهي لم تقفل حتى في أسوأ الظروف، ولن تقفل اليوم". واعتبرت المصادر بأنه اذا كان هناك من تجاوزات في اطار العلاقة بين القضاء والمحاماة، فيجب أن تتم معالجتها من قبل مفوض قصر العدل في نقابة المحامين مؤسساتيا وليس عبر الاعلام. واشار الى ان الرئيس الاول لم يجيب على اخر موقف المتعلق بالموظفين، علما بان الوظيفة هي خدمة عامة والقضاة هم ليسوا موظفين بالاصل.
أما عن امكانية اللقاء بين الرئيس الاول ونقيب المحامين، ففيما اشار المصدر في نقابة المحامين الى ان الرئيس الاول امتنع عن حضور اللقاء مع نقيب المحامين بدعوة من وزيرة العدل، اشار المصدر القضائي بأن الرئيس سهيل عبود اعتبر ان لا حاجة للقاء مماثل لان لا خلاف شخصي مع النقيب. وسأل: لماذا تراجع النقيب عن الموافقة على خطوة ان تزور وزيرة العدل النقيب وتصحبه لزيارة الرئيس الاول على ان يلي اللقاء بيان مشترك ويستكمل باجتماع مع اعضاء مجلس القضاء الاعلى الحكميين واعضاء مجلس النقابة في بيروت وطربلس وتشكيل لجنة متابعة لحل الاشكالات التي ممكن ان تقع بين القضاة والمحامين؟ واعتبر المصدر القضائي بان بعض هذه القضايا ذات علاقة بالضابطة العدلية وليس بالقضاء وبعضها الاخر يقع ضمن اطار صلاحيات واستقلالية كل قاض ولا يحق لرئيس مجلس القضاء الاعلى بأت يتدخل.
المحامون: معارض ومؤيد
بالنسبة لاحد المحامين غير الموافقين على الاضراب المفتوح، فان هذه الخطوة هي غير مدروسة لانها لن تؤدي الا الى طريق مسدود، فمثلا وبعد واحد من اطول الاضرابات بالتاريخ للقضاة اضطر القضاة ان يوقفوا اضرابهم بسبب ضغط الناس عليهم وذلك مقابل مجرد وعود وليس تنفيذ اي من المطالب. لذا فمن غير المتوقع بأن يكسر النواب موقفهم من اجل نقيب المحامين او من اجل المحامين. فضلا عن ذلك فان القضاة ممتعضين من الوضع وتصريح النقيب عن موضوع الموظفين زاد الطين بلة، اي اعتبار بان القاضي موظف. اما التصريح يوم اعلان الاضراب فكان عنيفا بوجه القضاة وان ميز بين الشرفاء والمستزلمين. ويعتبر هذا الجو بان مصالح المحامين ومصالح الناس توقفت لمدة شهر واكثر بخطوة غير مدروسة، بينما كان بامكاننا ان نقوم بعمل قانوني كأن نستأنف قرار القاضي اسعد بيرم بدل ان تتم مواجهته بهذه الطريقة.
محام اخر مؤيد للاضراب يعتبر بأنه من ناحية المبدأ يقف مع الاضراب لانه لا يتعلق فقط بكرامة المحامي وحصانته التي هي درع المحامين لحماية المواطنين وهو ليس للتكبر على العالم. ويقول: "فمثل ما يحتمي النائب بحصناته من اجل تمثيل المواطن وخدمة المصلحة العامة، نحن نحتمي بالحصانة من اجل ان نحمي الوطن والمواطن وندافع عن الحقوق. فبالتالي اي مس بحصناتنا بطريقة التوقيفات التي يتخذها القضاء او المنع من مزاولة المهنة وبدعاوى القدح والذم يؤدي الى تقويض المحامين وهذا لا يتعلق بالكرامة بقدر ما يتعلق بحصانة المحامي الذي يستخدمها من اجل مزاولة المهنة. هذا الدرع اذا كسروا المحامين المدافعين عن الحرية والحقوق والمظلومين فيكسروا المجتمع والوطن من خلفه". ويضيف: "اما عن تأثير الاضراب على الوضع الاقتصادي للمحامين، فالوضع الاقتصادي عام ولا يقتصر على المحامين بالاضافة لكون الموظفين والمساعدين القضائين مأضربين هم ايضا وبالاساس نحن عاجزين عن العمل بسبب النقص بمادة البنزين وانقطاع الكهرباء والنقص بالاوراق والحبر والطوابع. اصلا المدخول المالي واقف لان البلد واقف، في سبيل صيانة هذا البلد لا مشكل اذا ما اعلنا الاضراب".