* تمهيـــــــــــد
من المسلّم به ان الدعوى العامة تقام أمام القضاء الجزائي، والدعوى المدنية تقام، وفق خيار المتضرر، إما أمام القضاء الجزائي تبعاً لدعوى الحق العام، أو أمام القضاء المدني.
هذا الأمر دفع ببعض المعترضين الى التشكيك به، لأنه يتيح للمتضرر أن يتدخل بدعواه المدنية أمام القضاء الجزائي، وقد يُخشى بتدخله هذا أن يؤثر على سير الدعوى العامة بما يمكن أن يثيره من مطالب ودفوع او إتهامات قد تنمّ عن رغبة دفينة في التضليل. إلا ان مبدأ الخيار هذا بقي قائماً ومكرساً في التعامل والتشريع، رغم اعتراض البعض، وهو لا يخلو من مميزات ترجحه على المبدأ الذي لا يقبل المتضرر مدعياً بتعويض أمام القضاء الجزائي على انه المختص وحده بالدعوى العامة.
فالدعوى العامة تنشأ عن وقوع جريمة معيّنة. وبمجرد وقوعها يتولد للمجتمع الحق في معاقبة مرتكبها، لكونها تمثل اعتداءً صارخاً على مصالحه الأساسية، وذلك عن طريق دعوى أُنيط بالنيابة العامة أمر مباشرتها بحيث تمثل المجتمع وتنوب عنه.
وبالفعل، فقد أناطت المادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات الجزائية دعوى الحق العام الرامية إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم والمسهمين فيها والى تطبيق العقوبات والتدابير في حقهم، بقضاة النيابة العامة. في حين ان دعوى الحق الشخصي بالتعويض عن الضرر الناتج عن تلك الجرائم هي حق مُتاح لكل متضرر.
هذا ويختلــــــــــف تحريــــــــــك الـــــــدعـــــوى العامة sa mise en mouvement عــــــــــن استعمـــــــــــالهــــــــــا son exercice، بحيث أن تحريكها يعني وضعها بيد السلطات القضائية المختصة. أما الاستعمال فهو يشمل التحريك مع ما يستتبع ذلك من إجراءات تليه ولغاية صدور الحكم النهائي.
فقانون الأصول الجزائية اعطى النيابة العامة حق تحريك الدعوى العامة واستعمالها، في حين أعطي للمتضرر الحق في تحريكها دون استعمالها.
ولخصائص مبدأ الخيار جملة أسباب تبرر الادعاء امام القضاء الجزائي وتؤمن عن طريقه مصلحة شخصية للمتضرر، ومصلحة مشتركة في بعض الأحيان، ومنها:
- أن من شأن اقامة الدعوى المدنية أمام القضاء الجزائي تحريك الدعوى العامة. فقد تهمل النيابة العامة تحريكها، وإذ ذاك تأخذ هذه الدعوى مسارها الطبيعي حتى ختامها بقرار قضائي. والدعوى المدنية تفيد المجتمع في حال إنكفاء النيابة العامة عن تحريك الدعوى العامة.
- من العدل والمنطق في آن ألاّ يُفرض على المتضرر من جرم جزائي الخضوع للقيود والإجراءات المتّبعة امام القضاء المدني.
- من حسن سير العدالة أن ينظر القضاء الجزائي، الواضع يده على الدعوى العامة، في دعوى الحق المدني، ما يمكّنه من أن يستمد عناصر التقدير من الدعوى الجزائية للحكم في الدعوى المدنية، وهذا ما يحول بدوره دون تناقض الأحكام بين المحاكم المدنية والمحاكم الجزائية التي قلّما تتقيد بما يصدر عن القضاء المدني. فقد تتمكن المحاكم الجزائية من تقدير النتائج المدنية في بحثها عن طبيعة الجرم، ناهيك عن ان الرجوع الى هذه المحاكم، كما أسلفنا، من شأنه تلافي التناقضات التي يمكن أن يتضمنها حكم المحاكم المدنية فيما إذا أقيمت الدعوى المدنية امامها قبل إقامتها أمام المحكمة الجزائية، سيما وان قرارها يتمتع بقوة القضية المحكوم بها تجاه المرجع المدني.
- إلى جانب ما تقدم، فإن المتضرر يساهم بتدخله هذا في جمع الأدلة فيما خص الفعل الجرمي وفاعله في آن، وعلى المحكمة أن تستعرض الأدلة بالنسبة للدعويين العامة والمدنية معاً بالنظر للترابط الوثيق بينهما.
هذا وأخذ القانون اللبناني بمبدأ الخيار بين المحاكم المدنية والمحاكم الجزائية في إقامة الدعوى المدنية في المادة الثامنة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد (تقابلها المادة الخامسة من قانون الاصول الجزائية الفرنسي بالنسبة للفقرة الاولى، والمادة 4 فقرة 2 بالنسبة للفقرة الثانيـة) التي أعطت المتضرر حق الخيار، مُجيزةً له ان يرفع دعواه المدنية امام المحكمة المدنية المختصة أو امام المحكمة الجزائية تبعاً لدعوى الحق العام.
وبموجب هذه المادة، إذا اختار المتضرر سلوك الطريق المدنية للمطالبة بالتعويض، فإنه لا يجوز له مبدئياً العدول عن خياره وإقامة دعواه مجدداً أمام القضاء الجزائي. والقاعدة هذه قديمة كان معمولاً بها في التشريع الروماني القديم تُعرف بـ Electa una via non datur recursus ad alteram، وقد كرستها المادة المشار اليها.
والعودة إلى القضاء الجزائي متاحة في حالة واحدة، عندما تتحرك فيها الدعوى العامة من جانب النيابة العامة بتاريخ لاحق لادعاء المتضرر امام القضاء المدني، شرط ألاّ تكون الدعوى المدنية قد تم فصلها بحكم نهائي.
- في الشروط الواجب توافرها إعمالاً لمبدأ الخيـار:
لإعمال المبدأ الذي تحدثت عنه المادة الثامنة من قانون اصول المحاكمات الجزائية الجديد تمكيناً للمتضرر من استعمال حقه في الخيار، يجب ان يكون امامه مرجعان: الأول جزائي والثاني مدني.
- في شروط إقامة الدعوى المدنية امام المرجع الجزائي:
لكي يتمكن المتضرر من إقامة الدعوى المدنية أمام المرجع الجزائي يقتضي توافر عدة شروط:
1 – للمتضرر من جرم جزائي الحق في اقامة الدعوى المدنية وذلك إما بتقديمه الدعوى المباشرة، في حال تلكؤ النيابة العامة عن الإدعاء، وإما من خلال إنضمانه إلى الدعوى العامة تلك التي تكون قد باشرتها النيابة العامة كي يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحق به تبعاً لدعوى الحق العام.
2 – لا يجوز إقامة الدعوى المدنية إلا امام المحاكم العادية، إذ من غير المقبول مباشرتها امام المحاكم الاستثنائية، كالمحاكم العسكرية.
3 – لا يجوز توجيه الدعوى المدنية بوجه فاعل الجرم او إليه مع المسؤول عنه مدنياً ما لم تُحرك الدعوى العامة بواسطة النيابة العامة او الشكوى المقرونة بادعاء شخصي، نظراً لكونها تابعة لها في أوجهها. فإذا ما تم رفع الدعوى المدنية امام القضاء الجزائي على المسؤول بالمال دون توجيهها الى فاعل الجرم ودون ان تكون الدعوى العامة قد بوشرت، فتُرد قانوناً.
وانطلاقاً من مبدأ التبعية بين الدعويين العامة والمدنية، يجب ان يتم الفصل فيهما بحكم واحد. إلا انه لا مانع من ان تقرر المحكمة مبدأ التعويض عند قضائها بالعقوبة على أن تترك تحديده لحكمٍ يلي قرارها بعد إجراء الخبرة.
4 – من غير الجائز إقامة الدعوى المدنية امام القضاء الجزائي ما لم يتم قبول الدعوى العامة، على أن يكون تحريكها والبحث فيها جائزين.
وعليـه؛
- تُرد الدعوى المدنية إذا قدمت اساساً امام القضاء الجزائي بعد انقضاء الدعوى العامة إما بالوفاة أو بالعفو العام أو بمرور الزمن أو بالحكم النهائي.
- كما وتُرد الدعوى المدنية إذا قُدمت مباشرة قبل الحصول على الإجازة التي تعلّق عليها مباشرة الدعوى العامة في الاحوال التي تشترط الملاحقة الجزائية الحصول مسبقاً على إجازة بها.
- لا يمكن للمحكمة الجزائية أن تحكم بالتعويض ما لم تتثبت من كون الفعل يؤلف جرماً جزائياً والحكم على الفاعل بعقوبة.
- ليس للمحكمة الجزائية صلاحية البت في الدعوى المدنية فيما لو قررت رد الدعوى العامة شكلاً أو اذا أعلنت عدم إختصاصها.
وقد يتوفى المدعي الشخصي أثناء السير في الدعوى المدنية، فيكون لورثته الحق في متابعتها، كما ولهم حق الرجوع عنها او التنازل عن حقوقهم فيها، وإذ ذاك تتوقف الدعوى بالرجوع عنها، وتنقضي بتنازلهم عن حقوقهم فيها.
وتستمر الدعوى العامة حتى بعد وفاة المدعي الشخصي بالوصف القانوني الذي سبق وأن عُرضت فيه. اما اذا كانت الوفاة نتيجة مباشرة للفعل الجرمي، فيبنى على ذلك تغيير الوصف الجرمي.
يبقى أن نشير الى انه لا يمكن المحكمة، فيما خص الدعوى المدنية، ان تحكم بالتعويض بعد وفاة المدعي الشخصي إلاّ تبعاً لمطالبة ورثته به، إذ لا تعويض دون طلب. هذا بالاضافة الى شرط التثبّت فيما إذا كان الورثة على علم بالدعوى هذه.
- في شروط إقامة الدعوى المدنية امام القضاء المدني:
للمتضرر الحق، ساعة يشاء، بأن يتقدم بدعواه المدنية لدى المرجع المدني على اعتبار ان إختصاص المحاكم المدنية برؤية هذه الدعوى هو الاساس، فتخضع دعواه لقواعد القوانين المدنية لناحية الصلاحية المتاحة من حيث النوع والمكان، وكذلك لناحية الاصول المدنية المتبعة للتحقيق وطرق الإثبات والحكم فيها. من هنا فإن اختصاص المحاكم الجزائية للنظر في الدعوى المدنية تبعاً لدعوى الحق العام هو استثنائي في حين ان اختصاص المحاكم المدنية للنظر فيها هو الأصلي.
إذا أقيمت الدعوى المدنية امام المرجع الطبيعي، وهو المرجع المدني، فتخضع لقواعد القوانين المدنية، ولا يمكن بالتالي رفعها إلا امام محكمة ذات اختصاص نوعي، أي أمام القاضي المنفرد الجزائي، أما الاختصاص المكاني فمعقود الى محكمة محل اقامة المدعى عليه او محكمة مكان حصول الجرم، كما وتسري عليها الاصول المدنية في تحقيقها وطرق اثباتها والحكم فيها، ولا سبيل لتحرير الدعوى المدنية الناشئة عن الجرم الجزائي من أثار الدعوى العامة، بحيث اذا أقيمت هذه الدعوى وتم الفصل فيها، كان للحكم الجزائي قوة القضية المحكوم بها على المحكمة المدنية.
- يراجع مؤلف الرئيس عاطف النقيب: أثر القضية المحكوم بها جزائياً على الدعوى المدنية وعلى الدعوى العامة – الطبعة الاولى – 1962 – منشورات عويدات.
أما اذا لم يفصل فيها بعد، فيتعين عند ذلك على المحكمة المدنية ان تتوقف عن النظر في دعوى التعويض الى ان يبـــــــــت المرجـــــــــــــع الجـــــــــــزائي بالدعوى العامة إعمالاً لقاعدة "الجـــــــــزاء يعقـــــــــــل الحقــــــــــوق" Le pénal tient le civil en Etat.
هذا ولا بد من الاشارة الى ان قاعدة المادة الثامنة من قانون اصول المحاكمات الجزائية – القديمة والجديدة – ما هي إلا نتيجة طبيعية لمبدأ تبعية الدعوى المدنية للدعوى العامة، وغايتها تكمن في منع تناقض الأحكام بين المرجعين المدني والجزائي، والحؤول دون تأثر هذا الاخير بما يمكن أن يقرره المرجع المدني، إلى جانب اعطاء الحكم الجزائي قوة القضية المحكمة على المرجع المدني فيما خص المسائل المشتركة بين الدعويين، ما يعني توقف الدعوى المدنية في كل مرة تكون ثمة مسائل مشتركة بين الدعويين، وكان يُخشى تضارب الرأي حولها بين القضاء المدني والقضاء الجزائي، وكان الحكم الذي يفصل في الدعوى العامة هو موجّه ضرورة لما يقرّر من حل في الدعوى المدنية.
ويتوقف المرجع المدني بمجرد علمه بأن الدعوى العامة قد أقيمت قبل أو بعد إقامة الدعوى المدنية، على أن يتابع النظر بها فور صدور حكم قطعي عن محاكم الأساس الجزائية، أو قرار يصدر عن قاضي التحقيق بمنع المحاكمة، أو اذا صدر حكم غيابي على متهم فار في دعوى جنائية، وإن يكن هذا الحكم قابلاً للسقوط بمجرد تسليم المتهم نفسه للعدالة. وهذا الحل منطقي، لأنه يخشى سقوط الدعوى المدنية بمرور الزمن فيما لو طُلب الى المحكمة المدنية أن تتوقف حتى بعد صدور الحكم الغيابي.
- ولا تتوقف الدعوى المدنية إلا في حال توافرت الشروط التالية:
- أن تكون الدعوى العامة قد أُقيمت فعلاً بالإدعاء امام المحكمة أو أمام قاضي التحقيق ولا يكفي لإيقافها تقديم شكوى أو إخبار لم يعقبهما تحريك للدعوى العامة. ولا تتوقف الدعوى المدنية إذا قدمت الشكوى المقرونة بالإدعاء الشخصي إلى النائب العام ولم تتبعها مباشرة منه للدعوى العامة.
ولا يفرّق القانون والفقه بين إقامة الدعوى بواسطة النيابة العامة وبين إقامتها بواسطة إدعاء المتضرر المباشر لدى المحكمة الجزائية أو قاضي التحقيق، لأنه في هذه الحالة أو تلك يُفرض على القاضي قانوناً أن ينظر بدعوى الحق العام ويصدر قراراً بها.
غاية هذه القاعدة، هي منع تناقض الأحكام بين المرجعين الجزائي والمدني، وإعطاء الحكم الصادر في الدعوى العامة قوة الشيء المحكوم به لدى المحاكم المدنية، وهي بالتالي توجب التوقف حتى يُحكم في الدعوى الجزائية بالصورة القانونية سواءً كانت إقامتها عن طريق النيابة العامة أو عن طريق الدعوى المباشرة المقدمة من المتضرر طالما أن الدعوى العامة قد حرّكت بهذه الطريقة أو تلك واقتضى الفصل فيها بحكم قضائي. ولا تتحقق هذه الغاية إذا عمد كل من المرجعين الجزائي والمدني إلى الإستمرار في رؤية الدعوى المعروضة أمامه وانتهيا إلى حكمين قد يناقض أحدهما الآخر، وتكون بذلك المحكمة المدنية قد انعتقت من قيد الحكم الجزائي.
واذا كان المتضرر قد أقام دعواه أولاً أمام المحكمة المدنية فلا يحق له أصلاً أن يعود ويقيمها أمام المرجع الجزائي بالصورة المباشرة، ويعود لهذا المرجع أن يرد الدعوى إذا تحقق من سبق الإدعاء أمام المحكمة المدنية وكان المدعى عليه قد أثار هذا الدفع في بدء استجوابه، وعلى المحكمة المدنية عندها أن تتوقف مؤقتاً طالما أن القاضي الجزائي لم يبتّ بالدفع المتعلق بسبق الإدعاء أو لم يرفع يده عن الدعوى.
أما إذا كان المتضرر قد قدّم دعواه المدنية أولاً إلى المحكمة الجزائية وحرّك الدعوى العامة فليس ما يمنعه من أن يتوجّه إلى القضاء المدني الذي هو صاحب الإختصاص الأصلي وعلى المحكمة المدنية أن تتوقف عن السير بالدعوى.
إلى ذلك، إذا كانت النيابة العامة قد ادّعت سابقاً أو انضمّت لاحقاً إلى الدعوى المباشرة وطلبت صراحةً الملاحقة والإدانة مدّعية بالجرم وعلى الفاعل، تحتّم على القضاء المدني أن يتوقف في كل الأحوال.
وتبعاً لما تقدم، يكون اتّخاذ الإدعاء الشخصي لدى قاضي التحقيق من قبل شاكٍ إدّعى أن ضرراً أصابه من جرم جزائي محرّكاً الدعوى العامة وإن لم يعيّن المدّعي المشكو منه بإسمه، فيكـــــــــون على القاضي
المدني الواضع يده على الأفعال ذاتها المؤلّفة أساساً للدعوى العامة التي حُرّكت أن يتوقف عن متابعة الدعوى المدنية، لو أُقيمت لديه، حتى صدور قرار بمنع المحاكمة أو حتى الفصل قضاءً ونهائياً في الدعوى العامة إن أُحيلت القضية على المحكمة للفصل بها بوجه المدعى عليه. ويكون التوقف واجباً كلما كان من شأن القرار الذي يصدر في الدعوى العامة أن يؤثّر في قرار القضاء المدني.
Cass.civ. 2°. 26 oct. 1961. Semaine Juridique 1962.
2° - “Le criminel tient le civil en l’état”. Conditions de l’exception. Décision, sur l’action publique, susceptible d’influer sur celle de la Juridiction civile. Mise en mouvement de l’action publique. Absence d’inclupation contre personne dénommée. Sursis applicable”.
Cass.civ. 2°. 26 octobre 1961; consorts Pigaglio c. Hauet) (Ed.G).
Observations par Pierre Chambon.
A notre point de vue, et contrairement à ce qu’a décidé la deuxième Chambre civile, la règle “le criminal tient le civil en état” entendue dans ses limites légales, n’obligeait pas le juge civil d’appel à surseoir: l’action publique était bien pendante, mais cette action et l’action civile en cause ne prenaient pas leur source dans le même fait. Ce n’est qu’en vertu d’une lointaine analogie de situation que l’on pouvait conclure au sursis.
- أن تستند الدعوى المدنية والدعوى العامة إلى ذات الوقائع الجرمية المشكو منها ومن نتائجها، أي أن تكون الدعوى المدنية مرتكزة على ضرر ناشىء عن فعل جرمي معين وأن تكون الدعوى العامة مبنية على الفعل ذاته المتّخذ أساساً للملاحقة الجزائية فتكون بين الدعويين وحدة في الواقعة الجرمية. فإذا وجّهت الدعوى الجزائية إلى شخص بتهمة أنه أدّى شهادة كاذبة أثناء النظر في دعوى مدنية فإن الدعوى الجزائية هذه لا تلزم حكماً المحكمة المدنية بأن تتوقف عن متابعة النظر بالدعوى الأساسية التي أُدّيت فيها الشهادة.
وإذا بُنيت الدعوى المدنية على سبب يختلف أساساً عن سبب الدعوى الجزائية فلا يقتضي إيقافها لدى المرجع المدني.
وتطبيقاً لذلك لا تتوقف المحكمة المدنية إذا أُقيمت الدعوى لديها على أساس المسؤولية الموضوعية المنصوص عليهــــــــــــــــــا في المادة 131 من قانون الموجبات والعقود أو على أساس الإخلال برابطة عقدية، أو
على أساس الكسب غير المشروع أو بالإستناد إلى سبب أو مصدر حق لا يستثير البحث في الجرم أو لا يتأثّر بنتيجة الحكم به جزئياً أو لا يرجع إليه.
ولا تتوقف أيضاً دعوى المطالبة بدين عادي إذا أُقيمت دعوى جزائية بطلب التعويض عن تزوير السند الذي أُعطي تأييداً له.
ومن المقرر أن المحكمة المدنية تتوقف عن النظر بالدعوى ليس فقط إذا كانت هذه الدعوى ناتجة عن جرم جزائي وكانت تهدف إلى التعويض وإنما أيضاً إذا كانت من الدعاوى المدنية التي تربطها بالجريمة رابطة وثيقة متعلقة بواقعة مشتركة بحيث تتأثّر حتماً بالحكم الجزائي وإن لم يكن موضوعها التعويض.
- كانت القاعدة تشترط ايضاً في نظر الاجتهاد ان تكون الدعوى العامة مقامة بحق شخص معين. الا ان محكمة التمييز الفرنسية عادت عن هذا الاجتهاد وأقرت رأياً مخالفاً تقول فيه ان الدعوى العامة تتحرك بمجرد تقديم شكوى مقرونة بادعاء شخصي امام قاضي التحقيق، وتبقى قائمة طالما لم تنتهٍ بقرار منع محاكمة او بحكم عن قاضي الاساس في حال احالتها عليه، وتقدم الدعوى العامة سواءً أكان الادعاء موجهاً ضد شخص معلوم، او ضد شخص مجهول، ولا يوجد نص يشذّ عن هذا المبدأ اذا كان التحقيق قد اجري بحق من يظهره التحقيق.
وعليه تكون المحكمة المدنية ملزمة بالتوقف عن النظر بالدعوى المدنية المبنية على ذات الافعال المعروضة امام قاضي التحقيق متى تحركت الدعوى العامة وفقاً للأصول، وإن كانت موجهة ضد مجهول دون ان يحتج على هذا التوقف بأن الشكوى المقرونة بادعاء شخصي لم يعقبها ادعاء بحق شخص معين بصفة مدعى عليه.
Cass. Civile 2°, 22 nov. 1957, Tabar c. dame. Tabar (10439) sem. Jur. 1958.
“Le criminal tient le civil en l’état” conditions de l’exception. Mise en mouvement de l’action publique. Absence d’inculpation contre personne dénommée. Sursis applicable.
وهذا الحل هو حل قانوني، والعبرة تبقى في تحريك الدعوى العامة لا في تعيين الشخص الذي حرّكت بوجهه، لأن الادعاء ينصبّ على فعل ويكون على قاضي التحقيق ان يكشــــــــــــــــــــــف فاعله اذا كان في
البداية مجهولاً، أو ان يجمع الادلة عليه اذا اشتبه به اصلاً. ومتى اقيمت الدعوى العامة وجب ان تأخذ مجراها حتى تقترن بقرار ينهيها سواءً أكان الادعاء يحمل اسم الفاعل أو تُرك الى التحقيق أن يُظهره. وفي هذه الحالة يكون على المحكمة المدنية ان تتوقف حتى البت بالدعوى العامة. فلو اخذ بالحل المعاكس الذي يعتق المحكمة المدنية من قيد التوقف طالما ان التحقيق ما برح جارياً بحق مجهول، لشُلَّـتْ القاعدة في جانب كبير من نطاقها العملي.
بالمقابل، فإن اقامة الدعوى العامة بحق مجهول لا يمنع قاضي التحقيق من توجيه اجراءاته ضد شخص معين، متى قدّر أن الادلة تحمل على الاشتباه به، ومن دعوته لاستجوابه كمدعى عليه دون ان ينتظر ادعاء من النيابة العامة بحق المشتبه به، وبما انه من المحتمل ان يكشف التحقيق الجزائي عن الفاعل لتقديمه الى المحاكمة، فما على المرجع المدني الا ان ينتظر صدور القرار الظني بعد اختتام التحقيق. فإذا اقفل التحقيق دون ظهور الفاعل، يتابع القاضي النظر في الدعوى لديه، وإن توصل الى الظن بشخص على انه الجاني، بقيت الدعوى المدنية متوقفة حتى صدور حكم عن المحكمة الجزائية في الدعوى العامة المساقة بحق من ظُـنّ به.
وثمة من يتراءى له ان لا موجب لتوقف المرجع المدني لأن لا وحدة بين الخصوم في الدعويين. إلا أن هذه الحجة لا ترتكز الى مقومات سليمة، سيما وان وحدة الخصوم ليست من شروط القاعدة التي ترمي الى منع القضاء المدني من مخالفة القضاء الجزائي فيما انتهى اليه من حكم حفاظاً على القضية المحكمة العالقة به والمعترف لها بمفهول تجاه الجميع. وهذه القاعدة تتطلب فقط وحدة في الافعال المتخذة سنداً للدعوى المدنية والدعوى العامة.
- إلاّ يكون قد فصل في الدعوى العامة بصورة قطعية، ما يستوجب بقاء الدعوى العامة لدى المرجع الجزائي كي يكون على المرجع المدني ان يتوقف عن رؤية الدعوى المدنية.
وهنا يجب عدم الخلط بين الاحكام المبرمة تلك الصادرة عن المحاكم وبين القرارات الصادرة في ختام التحقيق الابتدائي وبين الاحكام الغيابية على وجه الخصوص، إذ لكل منها أثر في مسألة اطلاق الدعوى المدنية لتستأنف مسارها لدى القضاء المدني بحيث:
أ – ان الاحكام المبرمة تعيد للمحكمة المدنية حريتها في متابعة الدعوى التي توقفت.
ب – من المجدي أن تُقسم القرارات التي تصدر في ختام التحقيقات الابتدائية إلى فئتين:
- قرارات تقضي بالظن او بالاتهام تستمر معها الدعوى العامة وتلزم المحكمة المدنية بالتوقف الى حين صدور حكم جزائي بحق الظنين او المتهم الذي أحيل للمحاكمة،
- قرارات تقضي بمنع المحاكمة، فلا تنتهي بها الدعوى العامة نهائياً بل يصيبها الركود، لأن هذه القرارات تبقى قائمة طالما ان أدلة جديدة لم تظهر لتبرر قيام الدعوى العامة من ثباتها.
إلى ذلك ورغم الطابع المؤقت لقرارات منع المحاكمة، فمن المنطق ان يعاود القاضي المدني، فور صدورها، رؤية الدعوى المدنية، بحيث ان حمله على انتظار مضي المدة اللازمة لمرور الزمن على الدعوى العامة بقرار معلّق على شرط الغاء، يتمثل باكتشاف دليل جديد.
ج – فيما خص الاحكام الغيابية، يجب التفريق بين تلك التي تصدر عن محكمة الجنح وبين التي تصدر في قضايا جنائية.
فالحكم الصادر في قضية جنحية يحل المحكمة المدنية من التزامها بأن تتوقف في حالتين:
1 – اذا كان الحكم قد أُبلغ من المحكوم عليه بالذات وانقضت مهلة الطعن به اعتراضاً أو إستئنافاً.
هذا من جهة؛
2 – أو اذا كان قد أٌبلغ منه في محل اقامته ومضت مدة عشرة ايام على تبلغه وفق الاصول المعيّنة في المواد 147 وما يليها من قانون اصول المحاكمات الجزائية، ما يُكسب الحكم كيانه القانوني، لكنه يبقى معرضاً للسقوط اذا ورد الاعتراض عليه خلال المدة المقررة لمرور الزمن على العقوبة عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 171 اصول جزائية (تقابلها تسلسلياً، وجزئياً، احكام المواد 488 و491 و527 فقرة ثالثة من قانون اصول المحاكمات الجزائية الفرنسي) بحيث نصت على مهلة استثنائية مدّد بموجبها المشترع مهلة الاعتراض على الحكم الغيابي طيلة مدة مرور الزمن على العقوبة المحكوم بها بمجرد عدم مراعاة اصول التبليغ.
يتبين من مضمون الفقرة الثالثة من المادة /171/أ.م.م.ج. ان تطبيق احكامها يستوجب ان نكون امام حكم إدانة قضى بعقوبة جنحية أو مخالفة، وألا يكون التبليغ قد تم اصولاً وفق المواد 147 وما يليها اصول جزائية.
فإذا اجتمع هذان الشرطان، سقطت المهلة العادية للاعتراض وحلّت مكانها المهلة الاستثنائية الخاصة التي كرستها الفقرة الثالثة من المادة 171، بحيث يبقى الاعتراض مقبولاً طيلة مدة مرور الزمن على العقوبة المحكوم بها.
إشارة إلى ان نص المادة 171 المشار إليها لم يأتِ على تكريس الإعتراض على حكم صادر عن محكمة الجنايات، على اعتبار أن المتهم الفار من وجه العدالة يُحاكم غيابياً وفقاً للأصول الخاصة المنصوص عليها في المواد 282 وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وليس وفقاً للقواعد الراعية لطريق الإعتراض، بحيث إذا سلّم المحكوم عليه الفار نفسه أو قُبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بمرور الزمن، تقرر محكمة الجنايات إعلان سقوط الحكم الغيابي الصادر بحقه، وسائر المعاملات التي أجرتها اعتباراً من تاريخ وضع يدها على الدعوى، ومن ثم تقرّر محاكمة المتهم وفقاً للأصول العادية.
René et Pierre Garraud: Traité théorique et pratique d’instruction criminelle et de procédure pénale. Edit. Sirey 1928. Tome 5. P. 8 Avant dernier paragraphe.
وهنا، نلفت الى مسألة هامة وهي ان الفقرة الثالثة من المادة 171 المذكورة، اشارت الى مدة مرور الزمن "على العقوبة" المحكوم بها، ما يعني ان نطاق تطبيق فكرة تمديد مهلة الاعتراض مرتبط ارتباطاً وثيقاً "بوجود عقوبة"، وعلى هذا وحده الخصم الذي أُنزلت بحقه عقوبة جزائية يستفيد من هذا التمديد لمهلة الاعتراض بدلالة النص عينه. فعندما يذكر النص شيئاً صريحاً، فهذا يعني أنه أنكر عكسه، عملاً بالمبدأ الكلي:
Qui dicit de uno, negat de altero.
(Quand le texte dit quelque chose, il est censé en nier le contraire)
والنصّ المشار اليه، نصّ على تمديد مهلة الاعتراض لصالح المحكوم عليه غيابياً بعقوبة، وحده دون غيره، بحيث ان وضوح النص يمنع تفسيره، عملاً بالمبدأ الكلي:
Interpretatio cessat in Claris.
(L’interprétation cesse lorsque le texte est clair).
وقد تسنى للاجتهاد توضيح هذه النقطة، فقضى بالنسبة لاعتراض الضامن:
Les dispositions de l’article 492 relatives à l’opposition, applicables au prévenu, ne le sont pas à son assureur.
(Cass.crim. 28 Fév. 1991. J.C.P. 1991 – IV – 218)
وفيما خص الحكم الغيابي الصادر في قضية جنائية على المتهم الفار من وجه العدالة، فإن مجرد صدوره يحلّ المحكمة المدنية كي تتابع النظر في الدعوى العالقة لديها. "وهذا الحل يفرض نفسه بنفسه، وإلاّ لأدّى الرأي المخالف الى نتائج غير مقبولة، لأن مدة مرور الزمن على الحكم الجنائي لا تقل عن العشر سنوات، ولا يمكن انتظار كل هذه المدة حتى يستأنف النظر في الدعوى المدنية".
(الرئيس د. عاطف النقيب: أصول المحاكمات الجزائية. أيضاً: ن.ق. 1960 ص 32).
- خصاص مبدأ الخيار بين المرجعين المدني والجزائي في إقامة الدعوى المدنية:
إن أُجيز لكل متضرر أن يختار أيّ من المرجعين المدني والجزائي لإقامة الدعوى المدنية، فليس له ان يختار المرجع المدني ثم يرجع عن اختياره ويقيم دعوى ثانية امام المرجع الجزائي، لأن القاعدة هي أن الاختيار نهائي عملاً بالمبدأ الذي كان معمولاً به في التشريع الروماني القديم “una via electa”، والذي أُقـرّ تأميناً لمصلحة المدعى عليه كي لا يجبر على أن يدافع عن نفسه امام محكمتين في الوقت عينه، وبالتالي ان يتحمل نفقاتها.
هذه القاعدة تمتد بجذورها الى قانون 1870 الفرنسي، الا ان قانون التحقيق الجنائي الصادر عام 1808 لم يتعرض لها، في حين نصّ عليها التشريع اللبناني في المادة الثامنة من قانون اصول المحاكمات الجزائية كما أسلفنا.
ففي حين كان النص القديم لهذه المادة (فقرة ثانية) يقول:
"إذا اقام المدعي الشخصي دعواه لدى القضاء المدني فلا يسوغ له العدول عنها واقامتها لدى المرجع الجزائي".
عاد النص الجديد (فقرة أولى) ليقول:
"إذا اقام المتضرر دعواه امام القضاء المدني المختص فلا يجوز له العدول عنها واقامتها امام القضاء الجزائي ما لم تكن النيابة العامة قد حرّكت الدعوى العامة بتاريخ لاحق لادعائه امام القضاء المدني، شرط ألا تكون الدعوى قد فُصلت بحكم نهائي".
والفقرة الاولى من المادة الثامنة المشار اليها، قابلتها المادة الخامسة من الاصول الجزائية الفرنسية والتي نصت على ما حرفيته:
“La partie qui a excercé son action devant la juridiction civile compétente ne peut la porter devant la juridiction repressive. Il n’en est autrement que si celle-ci a été saisie par le ministère public avant qu’un jugement sur le fond ait été rendu par la juridiction civile”.
إن قاعدة عدم جواز العدول عن المرجع المدني، ومنه الى المرجع الجزائي لا تتعلق بالنظام العام، ويبقى من حق المدعى عليه الذي أقيمت عليه الدعوى المدنية ثانيةً أمام المرجع الجزائي، ان يدلي بدفع سبق الادعاء قبل المناقشة بالاساس، ما يفيد بأنه لا يمكن المحكمة ولا النيابة العامة ولا سلطة التحقيق أن تثيره عفواً. مع الاشارة إلى انه لا يمكن التذرع بتلك القاعدة بمواجهة النيابة العامة التي لها ان تباشر الدعوى العامة بصرف النظر عن الدعوى المدنية بحيث لا علاقة لها بها.
1 – في حال وقع الخيار على المرجع المدني:
المبدأ انه اذا وقع خيار المدعي المتضرر على القضاء المدني مرجعاً للمطالبة بالعطل والضرر، فلا يسوغ له ترك دعواه هذه ليعود مجدداً ويداعي امام القضاء الجزائي، ما يعني بأن خياره بات نهائياً ولا عدول عنه.
ولأجل تطبيق هذا المبدأ شروط:
- يجب ان يكون الطلب المقدم امام المحكمة المدنية هو ذاته المقدم امام المحكمة الجزائية، أي ان تكون الدعويان مبنيتين على ذات الواقعة والسبب والموضوع والاشخاص، ما يعني وجوب توافر ذاتية السبب والموضوع والاشخاص، فإذا فُقـد احد هذه الاركان لم يعد من موجب للتقيد بها.
(Cass.Crim. 6 sept. 1990. Bull.Crim. 1990. No. 314)
- يجب أن تكون الدعوى الاولى امام المحكمة المدنية قد قُدمت فعلياً وان المدعي اصبح طرفاً فيها. فإذا لم يقم هذا الاخير بما تفرضه الاصول والمعاملات لوضع الدعوى امام القضاء، ينتفي هذا الشرط، وبالتالي فهو يبقى حراً بأن يدّعي امام المرجع الجزائي فيما لو لم ترتبط الخصومة بين طرفيها امام المرجع المدني ولم يكن المدعي قد تقدم بمطاليبه بعد.
Cass.Crim. 22 avril 1958. Semaine Juridique 1958,2,10620.
Action civil – Règle “una via electa” désistement avant que les causes soient liées devant le tribunal de commerce. Défaut d’identité.
“La maxime “una via electa” ne peut avoir effet devant la juridiction correctionnelle à l’égard de l’action civile que si une autre instance ayant la même base avait été auparavant engagée et liée devant la juridiction commerciale”.
- يجب ان يكون المرجع المدني المقامة لديه الدعوى اولاً صالحاً في الاصل للنظر في الدعوى المدنية، بحيث إذا اقام المتضرر دعواه المدنية امام مرجع غير مختص، ولا فرق في ان يكون عدم الاختصاص بالنسبة الى المكان او النوع، عندها يعود وضع الاطراف الى ما كان عليه قبل اقامة الدعوى ويكون للمدعي ان يتجه مجدداً الى القضاء الجزائي.
- ان يكون المتضرر الذي داعى امام المرجع المدني غير عالم بأن دعواه مبنية على فعل جرمي يشكل جرماً جزائياً ومعتقداً بأن عناصرها هي مدنية. فإذا تبين له بعد مداعاته هذه ما يعطي الواقعة الاصلية بعد انضمامه اليها الصفة الجزائية، جاز له ان ينتقل الى المرجع الجزائي للمطالبة بالتعويض.
اما وفي حال كان المتضرر عالماً بأن دعواه مبنية على فعل جرمي يشكل جرماً جزائياً وانه بإمكانه مباشرة دعواه امام المرجع الجزائي ومع ذلك آثر الادعاء امام المرجع المدني فلا يحق له ان يرجع عن خياره هذا ليعود ويطالب بالتعويض امام القضاء الجزائي من جديد.
وثمة حالة خاصة تخرج عن هذا المبدأ، تكون فيها النيابة العامة بعد إقامة الدعوى امام المرجع المدني فقد بادرت الى الادعاء بالجرم الجزائي امام القضاء الجزائي محرّكة بذلك الدعوى العامة، اي بتاريخ لاحق لادعاء المتضرر امام القضاء المدني. عندها يمكن لهذا الاخير ان يدّعي تبعاً للدعوى العامة بالتعويض. وقد ذهب بعض الفقهاء الى تفسير ذلك على ان اقامة الدعوى العامة تعتبر عاملاً جديداً يبرر الانتقال من القضاء المدني الى القضاء الجزائي.
وقد جاء قانون اصول المحاكمات الجزائية الفرنسي مكرساً هذا الحل في المادة الخامسة التي سبق وأشرنا اليها.
2 - في حال وقع الخيار على المرجع الجزائي:
من اختار المرجع الجزائي أولاً يمكنه الرجوع عنه والادعاء مجدداً أمام المرجع المدني ولا يسقط حقه في الدعوى العامة لكونه المرجع الطبيعي للدعوى المدنية، بينما يسقط حق المتضرر نهائياً في المداعاة امام القضاء الجزائي فيما لو اختار اولاً القضاء المدني، ذلك أن الحق في اقامة الدعوى المدنية امام المرجع الجزائي هو "حق استثنائي" مخالف لقواعد الاختصاص، ينقضي عند الادعاء اولاً امام المرجع المدني المختص اصلاً.
وبذا، فإن قاعدة عدم جواز العدول عن مرجع الى آخر تنحصر في حالة واحدة، وهي تلك التي ينتقل فيها المدعي من القضاء المدني الى القضاء الجزائي، في حين يبقى الانتقال المعاكس جائزاً، وهذا ما نستخلصه من صياغة المادة الثامنة من قانون اصول المحاكمات الجزائية – القديمة والجديدة – والتي اقتصرت على عدم جواز عدول المدعي الشخصي عن دعواه امام القضاء المدني لإقامتها ثانية امام القضاء الجزائي، ما يعني بأن الصيغة المعاكسة هي متاحة.
وهذا الاستثناء، يفترض أن من مصلحة المدعى عليه ترك المدعي الشخصي لإجراءات دعواه امام القضاء الجزائي ومباشرتها مجدداً أمام القضاء المدني الأكثر رأفة من المرجع الجزائي، حيث ان المصلحة والإنصاف يفرضان هذا الاستثناء.
بالمقابل، لا شيء يمنع المتضرر من جرم جزائي من الادعاء امام القضاء الجزائي بصورة رئيسية، محركاً بذلك الحق العام، أو تبعياً بعد إدعاء النيابة العامة بالجرم، حتى ولو نشأ بينه وبين الفاعل عقد بمقتضاه يتم عرض الخلاف على محكمة مدنية أو يجري حلّه عن طريق التحكيم، إذ لا يجوز الاتفاق على عدم الادعاء بما ينشأ عن جرم جزائي، لا صراحةً ولا ضمناً، لأن في ذلك ما يخالف النظام العام.
في مطلق الاحوال يمكن للمتضرر ان يتقدم من النيابة العامة بشكوى يعرض من خلالها للجرم الذي أضرّ به، وكل بند تعاقدي يمنع المتضرر من تقديم شكوى تُظهر واقعاً جرمياً حصل، يكون باطلاً حكماً لمخالفته النظام العام. فالتحكيم جائز لحل أي خلاف يمكن أن ينشأ عن تنفيذ او تفسير العقد، وإنما لا يُلزم به الفريق الذي وجد ان العقد ينطوي على جريمة جزائية وأن من مصلحته المداعاة بها للمطالبة بالتعويض نتيجة الضرر الذي لحق به بفعل تلك الجريمة.
- التطبيق العملي لمبدأ الخيار بين القضاء المدني والقضاء الجزائي:
رغم حرص الاجتهاد على عدم المسّ بقاعدة عدم جواز العدول عن المرجع المدني، إلا انه خرج عنها في بعض الحالات من خلال إثارة إمكانية ألا يكون المتضرر عالماً بأن الافعال تؤلف جرماً جزائياً، فلا يعتبر انه اختار بين مرجعين، لأنه لم يكن على بيّنة من وجود مرجعين، ظناً منه بأن المرجع المدني هو طريقه للمطالبة بالتعويض. فإن أخطأ في ظنّـــه، فلا يُحمل خطأه للقول على انه تنازل منه عن المرجع الجزائي، إذ من العدل أن يُعطى فرصة كي يختار بين هذين المرجعين.
في هذه الحال كيف السبيل لإثبات جهل المتضرر وعلى من يقع عبء الاثبات هذا. هل المتضرر بالذات، أم ان المدعى عليه هو من يجب إلزامه بإقامة الدليل على علم المتضرر بالواقعة المدعى بها؟
القاعدة وُضعت لحماية المدعى عليه، وليس له إلاّ أن يتذرع بها بوجه المدعي المتضرر الذي عدل عن المرجع المدني ليقاضيه امام القضاء الجزائي، على اعتبار أنها واجبة التطبيق اساساً. وعلى المدعي الذي يدّعي باستثناء لها لدفعها أن يثبته، وهذا الحل هو الأقرب للواقع.
(الدكتور عاطف النقيب – اصول المحاكمات الجزائية دراسة مقارنة – طبعة اولى 1993)
في مطلق الاحوال من المجدي العودة الى الاستحضار المقدم أمام المرجع المدني، والى ما تضمّنه من مطالب وما عُرض فيه من وقائع، وذلك بغية تحديد الجهل أو عدمه. وربما تكون الواقعة الجديدة المبرّرة للانتقال من المرجع المدني الى المرجع الجزائي مجرد ظروف شخصية او مادية أضافها المدعي الى الوقائع الاولى فخلعت عليها الصفة الجرمية، ما يمكّنه من اقامة دعواه امام القاضي الجزائي.
فإذا كان المتضرر عالماً بأن الفعل يؤلف جرماً جزائياً وبأن له ان يطالب بالتعويض امام القضاء المدني أو الجزائي، فبوسعه ان يمارس حقه في الخيار بحرية مطلقة، اما اذا توجّه نحو القضاء المدني فلا يعود له ان يعدل عنه ليعود الى القضاء الجزائي بحجة ان النيابة العامة حركت الدعوى العامة وانه من السهل الانضمام اليها لمباشرة الدعوى المدنية.
الا ان الاجتهاد ما برح على رأيه، قابلاً انضمام المدعي الشخصي الى الدعوى الجزائية بعد تحريك النيابة العامة لها رغم متانة هذه الحجّة. وقد كرّس قانون اصول المحاكمات الجزائية هنا الرأي بنص أدرجه في المادة الخامسة منه.
ومما لا شك فيه بأن ادعاء النيابة العامة، المحرك للدعوى العامة، يتيح للمتضرر التقدم امامها بشكوى يضمّنها بما لديه من اثبات، فإذا ما ارتأت ان في تلك الشكوى افعالاً جرمية وفيها ما يؤول الى الشبهة او الظن بحق المشكو منه ادّعت بحقه، وبذا تكون قد باشرت الدعوى العامة متيحةً بذلك للمدعي أن يترك المرجع المدني الذي وقع عليه خياره اولاً، ليضم دعواه المدنية الى الدعوى الجزائية مطالباً من خلالها بالتعويض. ولا يعود للمدعي بالتالي ان يحتمي بقاعدة الخيار الملزم للمدعي ليطلب إعلان عدم اختصاص القضاء المدني، لأنه لم يوافق اساساً على صلاحية هذا المرجع، وعليه لا يسعه سوى الرضوخ لإجراءات الدعوى امام القضاء الجزائي حتى ولو سبق له وان اثار مسألة عدم الاختصاص التي لم يكن الهدف منها سوى المماطلة.
هذه القاعدة شرّعت في الاصل لمصلحة المدعى عليه، وله وحده حق التذرع بها، فإن تلكأ او امتنع عن ممارسة حقه هذا، فيكون قد تنازل عن الاختيار الذي منحته إياه تلك القاعدة، ولا يعود له بعد ذلك ان يتظلّم من الإخلال بها. فالقاعدة هذه لا تشتمل على الخصائص التي تربطها بالنظام العام، ما يوجب الادلاء بها في بـــــــــدء المحاكمة وقبل التطرق إلى الاساس، إعمالاً لقاعدة (In limene litis).
Expression Latine du droit procédural signifiant “Dès le commencement du procès”.
فإذا ما قبل المناقشة مدافعاً في الاساس ومن ثم عاد وتذرّع بها مستدركاً، فيكون موقفه المتأخر هذا غير منتج لمفاعيله وبالتالي ليس له ان ينقض تنازله هذا بنفسه، لأن مجرد قبوله المناقشة في الاساس يعني تنازله عن القاعدة. فإن كانت الدعوى قد احيلت على المحكمة المدنية ومن ثم عاد المدعي وادعى مجدداً امام المحكمة الجزائية، وجبَ على المدعى عليه ان يدلي بدفع الدعوى المدنية الثانية، تلك الذي عاد المدعي وباشرها امام القضاء الجزائي، وذلك في مستهل الجلسة أي فور مباشرة رئيس المحكمة تلاوة الاوراق، واستجواب المدعى عليه، وسؤاله عما نُسب اليه.
أما اذا اقيمت الدعوى الثانية امام قاضي التحقيق، فعلى المدعى عليه ان يقدّم الدفع قبل الشروع باستجوابه. ولتطبيق هذه القاعدة يُفترض ان تكون الدعوى المدنية ما زالت عالقة امام المحكمة المدنية، فإن تم فصلها بموجب حكم اصبح مبرماً، عندها لا يكون للمدعى عليه ان يصرّ على عدم جواز الرجوع عن المرجع المدني الذي وقع عليه الخيار أولاً، وإنما يمكنه الادلاء بالقضية المحكوم بها مدنياً اذا ما تمت مداعاته بالتعويض مجدداً امام المرجع الجزائي.
الى ذلك، يجب ان تُفضي الدعوى المدنية امام القضاء المدني الى بحث أساسها والبتّ به. فإذا كانت مهمة المحكمة المدنية مقتصرة على الفصل في مسألة لا تتناول الجوهر، فلا يكون المدعــــــي قد استنفذ حق الخيار، لأن خياره لم يقع على مرجع يغنيه عن أية مراجعة اخرى امام مرجع آخر لينظر بأساس حقه الذي يدعيه.
وقد تُعلن المحكمة المدنية عدم اختصاصها عفواً، فهي بذلك لا تكون قد بحثت في اساس النزاع، وبالتالي لا يمكن حرمان المدعي من حق مراجعة القضاء الجزائي.
ويبدو بأن الاجتهاد تقصّد، من خلال تضييق نطاق القاعدة، تمكين المتضرر من ان يتحوّل من القضاء المدني الى القضاء الجزائي في قوله بأن للمدعي المتضرر الذي اقام دعواه الاولى امام المحكمة المدنية ان يرجع عنها ليطالب بحقوقه امام المحكمة الجزائية اذا كان المدعى عليه في القضية المعروضة امام المحكمة المدنية لم يتقدم بدفع او دفاع او اي طلب مقابل، بل أهمل الجواب بالمطلق.
ويستند الاجتهاد لتبرير جواز الرجوع، الى فكرة العقد القضائي contrat judiciaire وأن عرض المدعي لم يقابله ردّ من المدعى عليه.
* Cour de Cassation (CH. Des requêtes) D.P. 21 Mars 1939.
“La validité du désistement d’une instance n’est pas subordonnée au consentement du défendeur tant que celui-ci n’a pas accepté le débat sur le terrain où il a été engagé par l’adversaire, soit par la signification des défenses au fond, soit par l’introduction d’une demande reconventionnelle, jusqu’à ce moment l’instance appartient au demandeur, et le défendeur n’a pas un droit acquis à ce qu’elle se poursuive.
Observation: (Sur la validité du désistement qui intervient avant la formation du contrat judiciaire,
V. Rép. Prat., V Désistement, no. 92 et suiv; suppl., cod.v°, no. 93 -2°; Nouveau Code de procedure civile annoté, art. 402, no. 335 et suiv. Additions 1933, art. 402, no. 342-2°).
Chambre Criminelle 31 Mai 1946. D.P. 1946 p. 327.
Action civile, maxime “Una via electa”, voie civile, Abandon, Plainte avant mise au role.
Note: (En ce sens que la règle “Electa una via” ne peut s’appliquer qu’autant que l’action a été réellement exercée devant la juridiction civile, V. Rép. Prat. V° Action civile, no. 107).
إلاّ أن فكرة العقد القضائي هذه بقيت موضع إنتقاد ونقاش، بحيث أن لجوء المتضرر الى القضاء يبقى خياره الأوحد لعرض النزاع امامه بعد تعذر حلّ الخلاف مع خصمه رضاءً. ومن البديهي ان يرد المدعى عليه إدعاء من يقاضيه بالمدافعة عن نفسه ورد التهمة عنه. أما وفي حال لم يقدم ردّه على الادعاء رغم إبلاغه وانقضاء المهل المقررة، عندها على المحكمة ان تفصل في الادعاء.
وتجدر الاشارة الى ان الحق المعطى للمدعى عليه التذرع بقاعدة عدم جواز الرجوع عن اختيار المرجع بعد وقوعه، هو في حال كانت الدعوى المدنية التي اقامها المدعي اولاً هي ذاتها المقدمة ثانية امام المرجع الجزائي، اي أن يجمع بين الدعويين ذاتية السبب والموضوع والاطراف. ولا مجال لإعمال القاعدة إذا لم تكتمل الوحدة باكتمال اركانها مجتمعة، وهذا ما فتح باب الاجتهاد امام ثغراتٍ جديدة وفي حالات عديدة. فالفكرة المرجوة وراء هذه الشروط ووجوب توافرها مجتمعة، تذكّر بشروط قوة القضية المحكمة التي تستوجب ايضاً الذاتيات الثلاث مجتمعة.
فالشروط المطلوبة مفروضة مجتمعة conditions cumulatives بحيث ان عدم توافر إحداها، يؤدي منفرداً إلى تعطيل المبدأ.
نعود لنشير ايضاً إلى ان قاعدة المادة الثامنة، القديمة والجديدة، لا ترتبط بالنظام العام، ولا يمكن المحكمة ان تثيرها عفواً من تلقاء ذاتها، إذ لا بد من ان يتلقفها المدعى عليه الذي اقيمت بوجهه الدعوى المدنية ثانية امام المحاكم الجزائية.
يراجع بهذا الخصوص في الفقه والاجتهاد:
- جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الثالث صفحة 664.
- عمر السعيد رمضان، اصول المحاكمات الجزائية اللبناني، صفحة 224.
- Merle et Vétu: Traité de droit criminel. Edit. CUJAS 1967 page 880.
- Garraud: Proc. Pén. Vol.1 – p. 405.
- Cass. Crim. 7 mai 1937. Gaz. P. 1937-2-262.
* ويبقى السؤال، هل يمكن المدعي الذي اقام دعواه اولاً امام المرجع المدعي وحصرها بموضوع حدّده، ان يستند الى الواقعة عينها ليطالب ثانية امام المرجع الجزائي بتعويض يختلف نوعياً في الموضوع الذي حدّده في دعواه الأولى؟
بإمكان المدعي التقدم بطلب كهذا اذا اثبت أن ضرراً يختلف عن الذي عرضه امام المرجع المدني قد لحق به، كأن يطالب امام المرجع المدني بالمبالغ التي سددها للمدعى عليه نتيجة خداع هذا الاخير له عبر مناورات احتيالية، ليعود ويطالب ايضاً امام المرجع الجزائي بتعويض آخر مبني على الضرر الادبي الذي لحقه جرّاء تلك المناورات الاحتيالية التي مسّت بسمعته وشخصه، وليس على الضرر المادي المتمثل بخسارته للمال.
ويرى بعض الفقهاء ان الطلب الاضافي هذا يجب ان يكون مبنياً على مصلحة تبرر الادعاء على اساسه ومشتقاً عن الوقائع عينها تلك التي شكلت سنداً للطلب الاصلي الاول.
يراجع بهذا المعنى:
- الرئيس عاطف النقيب – ن.ق. 1960 – قسم المقالات الحقوقية.
فإن كان الطلب الاضافي مختلفاً بوقائعه عن الطلب الاصلي، أو غير مؤيد بضررٍ محقق موجب للتعويض، فيكون الهدف منه التحايل على مبدأ الخيار لتحويل الدعوى عن مرجعها الطبيعي، وهو المرجع المدني، الى المرجع الجزائي دون اي سبب قانوني وجيه.
بالمقابل، اذا كان الطلب الاضافي مستنداً بصورة قاطعة على ضرر موجب للتعويض، فإن المرجع الجزائي يكون ملزماً بأن ينظر به، وبالتالي يكون للانتقال من المرجع المدني الى المرجع الجزائي ما يبرره، ويكون هذا الاخير المرجع الصالح لرؤية الدعوى برمتها. وفي تلك الفرضية ليس للمدعى عليه ان ينكر على المدعي المتضرر حقه في المطالبة امام المرجع الجزائي بتعويض عن ضرر لم يدّع به امام المرجع المدني، كما وليس له ان يشكو من تصرف المدعي طالما ان الدعوى العامة تم تحريكها بالنسبة للفعل الجرمي تبعاً للادعاء الشخصي، سواءً كان هذا الادعاء محصوراً بضرر واحد من جملة الأضرار التي نجمت عن الفعل، او بالأضرار كلها، لأن للمتضرر أن يدلّل على وجود ضرر لم يطالب بالتعويض عنه حتى تقبل دعواه المباشرة وتقام الدعوى العامة تبعاً لها، اذا لم تكن النيابة العامة قد إدّعت اصلاً.
أما من ناحية السبب، وهو السند القانوني للطلب، فإن الدعوى المقامة اولاً امام المرجع المدني على اساس رابطة تعاقدية، لا تمنع من إقامة الدعوى ثانية امام المرجع الجزائي على اساس ان جرماً جزائياً قد ارتكب اثناء إعداد العقد او إنفاذه.
ويختلف الأمر لو ان الدعوى الاولى اقيمت على اساس ان الوقائع تؤلف جرماً مدنياً أو شبه جرم مدني دون اتخاذ العقد سبباً لها، وفي هذه الحالة لا يمكن المدعي ان يقيم دعواه المدنية ثانية امام القاضي الجزائي على اعتبار ان الوقائع ذاتها تشكّل جرماً جزائياً، لأن الدعويين تقومان على خطأ مرجعه وقائع واحدة. أما اذا كان المدعي قد بنى دعواه المدنية على اساس المسؤولية الوضعية التي تطال حارس الشيء الذي نتج عنه الضرر، فلا مانع من ان يقيم دعوى مدنية بوجه من اتى الفعل الضار إذا كان فعله يؤلف جرماً جزائياً. فالسبب يختلف في الدعويين، وينتقل البحث ساعتئذٍ الى مبدأ آخر يتعلق بعدم جواز الحصول على تعويضين عن ضرر واحد محدّد النتائج والمعالم.
- مفاعيل قاعدة "الجزاء يعقل الحقوق":
ان التوقف عن رؤية الدعوى المدنية أمرٌ يتعلق بالنظام العام، ما يوجب على القاضي المدني ان يقرر إعماله اذا ما اقيمت الدعوى العامة فعلياً وجرى التثبت من مباشرتها والادعاء بها، وليس له حق التقدير بهذا الخصوص.
(Cass.civ. 21-7-1947. Gaz du Pal. 4-11-1947)
ما يعني ان عليه ان يتوقف عن رؤية الدعوى لديه سواءً كانت موجهة ضد من قام بالفعل الضار، او حتى ضد المتدخل او المسؤول بالمال. وسواءً تمسك الفرقاء بالقاعدة او ارتضوا مخالفتها، والا اعتبرت اجراءاته باطلة بالمطلق.
* إضاءة في الفقه والاجتهاد حول المبادىء والقواعد المستقاة من احكام المادة الثامنة من قانون اصول المحاكمات الجزائية اللبناني، والمادة الخامسة المقابلة لها من قانون اصول المحاكمات الجزائية الفرنسي فيما خص الفقرة الاولى، والمادة الرابعة فقرة ثانية فيما خص الفقرة الثانية.
* حيث إن المشترع اللبناني قد أقرّ المبدأ الحقوقي المعروف منذ القدم بمبدأ Electa una via أي من اختار الطريقة المدنية لا يحق له العدول عنها إلى الطريقة الجزائية، وذلك بأن ثبّته في المادة 8 من قانون اصول المحاكمات الجزائية القائلة إذا اقام المدعي الشخصي دعواه لدى القضاء المدني، فلا يسوغ له العدول عنها وإقامتها لدى المرجع الجزائي. وحيث إن المستدعي قد أدلى بهذا الدفع، فلم يُصار إلى البحث في هذا الأمر وإلى رد الدعوى الجزائية عند ثبوت إقامتها بعد الدعوى المدنية، مما يؤلف مخالفة للقانون تستوجب نقض القرار المطعون فيه.
(تمييز جزائي، قرار رقم 10 تاريخ 11/1/1951. سمير عاليه: موسوعة الاجتهادات الجزائية،
طبعة 1990، صفحة 317 رقم 1198)
* إن إقامة الدعوى المدنية أمام القضاء المدني تمنع العدول عنها الى القضاء الجزائي. وحيث إن المميز عليه – المدعي أساساً – لا يسوغ له العدول عن دعواه المدنية وإقامة دعوى جديدة أمام محكمة الجـــــــــــــــزاء، لأن سبـــــب الدعوى لم يتغيّر، فالدعوى المدنية ترتكز على ذات السبب، والدعويان تتضمنان ذات الموضوع، وهما قائمتان بين نفس الأشخاص، والمحكمة المدنية كانت وضعت يدها على القضية بناءً على ادعاء المميز عليه، المدعي الشخصي.
(تمييز جزائي، قرار رقم 316 تاريخ 24/11/1959. سمير عاليه: المرجع السابق، صفحة 317
رقم 1199)
* إن مبدأ الجزاء يعقل الحقوق لا يطبّق إلا اذا مورست الدعوى امام المرجع الجزائي، أو، على الاقل، ان تكون دعوى الحق العام قد تحركت بشكل صحيح.
(تمييز جزائي، غرفة العرائض، قرار تاريخ 9/11/1910. داللوز الدوري لعام 1911-1-476).
* وحيث إنه، بغض النظر عن تاريخ تقديم كل من الدعويين المدنية والجزائية، فإن الجهة المدعى عليها لم تتذرع بهذه القاعدة قبل المناقشة في موضوع النزاع أمام حضرة قاضي التحقيق، فيكون الدفع بالتالي وتأسيساً على المبادىء المتقدمة مستوجب الرد.
(القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا. قرار تاريخ 8/1/1978، الرئيس جوزف خليل).
* إشتراط كون الضرر المدعى به ضرراً ممكناً أو محتملاً.
(تمييز جزائية/سادسة، رقم 110 تاريخ 5/5/1998 – صادر – ق.ج. 1998 – ص 529)
* جواز تقديم الدولة طلب تدخل في الدعوى الشخصية عند إعتبار نفسها متضررة.
(تمييز جزائية/سابعة، رقم 104 تاريخ 27/4/2000 – صادر – ق.ج. 2000 – ص 961)
* إن ذاتية السبب تعني أنه يجب أن تستند الدعوى المدنية والدعوى العامة إلى ذات الوقائع الجرمية المشكو منها ومن نتائجها. وتطبيقاً لذلك، لا تتوقف المحكمة المدنية إذا أُقيمت لديها الدعوى على أساس المسؤولية الوضعية أو على أساس الإخلال برابطة عقدية أو بالإستناد إلى سبب أو مصدر حق لا يستثير البحث في الجرم، أو لا يتأثر بنتيجة الحكم به جزئياً أو لا يرجع إليه.
(الرئيس د. عاطف النقيب: أصول المحاكمات الجزائية/دراسة مقارنة – ص 209)
* كي تجد قاعدة المادة الثامنة ميداناً تطبيقياً، يتعين أن تكون الدعويان المقامتان أمام المرجع المدني والمرجع الجزائي ممارستان من قبل نفس الأشخاص، ولهما ذات الموضوع وذات السبب.
(Cass.crim. 6 sept. 1990. Bull.crim. 1990. No. 314)
* وحدة الشروط أمام المرجعين المدني والجزائي لقبول الدعوى المدنية.
(استئناف بيروت المدنية (الهيئة الاتهامية) رقم 167 تاريخ 4/6/1991. ن.ق. 1990 – 1991
عدد 9 ص 857)
Freyria: L’application en jurisprudence de la règle electa una via.
Rev.sc. Crim. 1951. Pages 212s.
* L’application de la maxime suppose que les deux demandes portées devant le juge civil et le juge pénal opposent les mêmes parties, aient le même objet et la même cause.
(Cass.Crim. 26 Avril 1983. Bull.Crim. 1983 No. 114).
* La maxime “una via electa” ne peut être invoquée quand la partie lésée ignorait, au moment où elle a saisi la juridiction civil, le délit qui avait été commis à son préjudice. Spécialement, l’acheteur de valeurs mobilières qui a d’abord assigné devant la juridiction civile un mandataire, chargé de l’opération, pour obtenir livraison de ses titres, peut le poursuivre devant le tribunal correctionnel s’il est établi ensuite qu’il y a eu détourmement frauduleux, constitutif du délit d’abus de confiance.
(Cass.Crim. 10 Décembre 1925. Dalloz 1927.1.79). V., dans le même sens: (Cass.Crim. 5 Juin 1940. Gaz.Pal. 1940.2.82).
* Le principe que “le criminel tient le civil en l’état” ne s’applique que si une instance a été engagée devant une juridiction rérpessive ou que si, tout au moins, l’action publique a été régulièrement mise en mouvement. Vaut mise en mouvement de l’action publique, la constitution de partie civile devant un juge d’instruction, même contre X.
(Cass.civ. 22 Novembre 1957. J.C.P. 1958-II-10439).
* La règle “le criminel tient le civil en l’état” n’est pas applicable devant le juge des référés.
(Cass.Civ. 4 Décembre 1985. Bull.civ. 1958.II. No. 189).
“La jurisprudence a enfin reconnu à l’irrévocabilité du choix un caractère d’ordre privé; le prévenu peut valablement renoncer au bénéfice de la règle; s’il veut, au contraire, s’en prévaloir, il doit le faire en proposant une exception “in limine litis”, soit devant le juge d’instruction, soit devant la juridiction de jugement.
(Merle et Vitu; Proc.Pén. P. 371).
* La fin de non recevoir, qui résulte de l’exercice de l’option, en cas de passage de la voie civile à la voie criminelle, n’est pas certainement d’ordre public; elle a été maintenue par la jurisprudence, comme une conséquence de l’acceptation, par le défendeur, de la juridiction saisie la première. Nous en concluons: 1 – qu’elle ne peut être soulevée d’office; 2 – qu’elle doit l’être, par le défendeur, avant tout débat sur le fond.
(Garraud: Proc.Pén. Tome 1. P. 405).
* La jurisprudence n’a jamais reconnu à la règle “Electa una via” un caractère d’ordre public. Elle y voit une simple règle d’intérêt privé, qui ne peut être invoquée que par le prévenu lui-même, jamais par le juge, ni par le ministère public, et qui doit être invoquée in limine litis, avant toute défense au fond au début du procès pénal et en première instance.
(Stéfani, Levasseur et Bouloc: Proc.Pén. Page 203).
* L’affirmation du principe mérite quelques explications. Sous l’ancien droit, l’interdiction de changer de voie avait une portée considérable puisqu’on interdisait aussi bien le passage de la voie criminelle à la voie civile que l’inverse (ord. 1670). Selon un adage traditionnel, electa una via, non datur recursus ad alteram (une fois choisie une voie, on ne peut plus s’engager dans l’autre). Malgré le silence du Code de 1808, la doctrine officielle, notamment avec la note secrète du président Barris de 1813, restait favorable à l’irrévocabilité de l’option dans les deux sens. Et bientôt la jurisprudence allait affirmer la règle Electa una via (Crim.; 11 juin 1846, D., 1846, I, 282, S., 1846, I, 710). Mais par la suite, elle devait réduire l’irrévocabilité en ne la maintenant qu’à sens unique, c’est-à-dire en permettant à la victim de passer de la voie répressive à la voie civile (Req., 5 décembre 1933. S., 1934, 63; Req., 13 janvier 1947, S., 1947, I, 77). C’est cette jurisprudence que le Code de 1959 allait consacrer, son article 5 décidant que “la partie qui a exercé son action devant la juridiction civile compétente ne peut la porter devant la juridiction répressive” et son article 426 ajoutant symétriquement que “le désistement de la partie civile ne met pas obstacle à l’action civile devant la juridiction compétente”. On ne doit donc plus parler aujourd’hui d’irrévocabilité de l’option, mais seulement d’interdiction pour la victime de passer de la voie civile à la voie pénale.
La justification du principe de l’interdiction de passer du civil au criminal est malaisée. On a d’abord invoqué en sa faveur le concept de “contrat judiciaire” en vertu duquel un accord serait né entre la victime et son adversaire sur le tribunal devant lequel ce dernier accepte d’être jugé, de sorte que la partie lésée ne peut plus revenir sur le choix effectué. Mais cette explication, qui tend du reste à justifier l’irrévocabilité dans les deux sens, n’est qu’une fiction aujourd’hui abandonee. Plus sérieusement, on invoque maintenant l’intérêt du délinquant (v. Crim., 11 jui 1846 où il est fait allusion au “légitime intérêt de la defense”); alors qu’il lui est avantageux que la victim puisse passer de la voie criminelle à la voie civile réputée plus douce, l’inverse lui nuit, dit-on, puisqu’il est générateur de sanctions pénales, la constitution de partie civile mettant en mouvement l’action
publique. L’argument n’est pas pleinement convaincant. D’une part, le délinquant n’a pas intérêt à ce que la victime puisse aller du “criminel” au “civil” puisque le désistement de cette dernière est sans influence sur l’action publique et que le premier va devoir faire face à deux instances. D’autre part, le passage du “civil” au “criminel” ne nuit pas au délinquant dans la mesure où, le plus souvent, le Ministère public aura déjà mis en mouvement l’action publique et où, par conséquent, il n’aura plus à faire face qu’à une seule instance. C’est pourquoi la loi et la jurisprudence apportent des tempéraments à l’interdiction de passer du “civil” au “criminel”.
On peut discerner cinq tempéraments au principe qui tendent à faciliter l’usage de la voie criminelle par la victime et contrastent ainsi avec la tendance restrictive que nous avions constatée à propos de la determination des sujets actifs de l’action civile.
* En premier lieu, l’interdiction d’aller au “pénal” ne joue pas si le tribunal civil est une jurisprudence étrangère (Crim., 22 novembre 1967, D., 1968, 221 et R.S.C., 1968, 359, obs, Robert) ou si, française, elle est incompétente (Crim., 17 janvier 1885, S., 1885, I, 283 rapport Tanon).
* En second lieu, la victime peut agir au “pénal” dès lors qu’elle ignorait, quand elle avait agi au “civil”, le caractère pénal du fait dommageable (Crim., 10 décembre 1925, D., 1927, I, 79; Crim., 5 Juin 1940, G.P., 1940, II, 82). Si donc, de bonne foi, elle apprend que le Ministère public a intenté des poursuites, elle peut abandonner la voie civile et joindre son action à celle du parquet. Un tel changement ne nuit d’ailleurs pas au prévenu qui risque déjà une sanction pénale (Crim., 22 avril 1958, J.C.P. 1958, II, 10620).
* En troisième lieu, l’interdiction d’agir au “pénal” ne s’applique que si les deux actions comportent le même objet (c’est-à-dire la reparation du dommage subi du fait de l’infraction), la même cause (c’est-à-dire la source du dommage, donc l’infraction) et les mêmes parties. Rien n’empêchera donc la partie lésée d’intenter devant le juge répressif une action différente par son objet, sa cause ou ses sujets, de celle qui a déjà été exercée devant le juge civil (Crim., 19 mai 1893, S., 1894, I, 425, note Villey, 21 mars 1930, S., 1931, I, 314; 29 novembre 1960, J.C.P. 1961, II, 12136, note Bouzat; 11 juillet 1970, B.C., no. 237; 11 janvier 1972, B.C., no. 9; 16 janvier 1973, B.C., no. 17; 9 mai et 6 décembre 1977, B.C., no. 158 et 385; 4 octobre 1983, B.C., no. 237). Soit une personne qui a prêté à une autre des fonds dissipés par cette dernière. La créancier peut agir successivement devant le tribunal civil et devant le tribunal correctionnel; la
première action a pour objet la restitution de fonds et pour cause le contrat de prêt, tandis que la seconde a pour objet la réparation du dommage causé par l’abus de confiance et pour cause ce délit lui-même (v. aussi Paris, 15 novembre 1974: G.P., 27-29 avril 1975, la première action ayant pour cause une constitution de partie civile fondée sur le délit pénal d’adultère et la seconde étant fondée sur l’art. 1382, C. civ). De même, après avoir saisi le juge des référés afin de voir ordonner une simple mesure conservatoire, la victime peut saisir le juge pénal.
Toutefois, il y a identité de partie lorsque la demande est d’abord portée devant la juridiction civile (contre des personnes morales) et ensuite devant la juridiction pénale (contre leurs dirigeants) (Crim., 21 novembre 1983, J.C.P. 1984, II, 20627. concl. Clerget et note Boccara).
* En quatrième lieu, l’interdiction de passer du “civil” au “pénal” ne joue pas tant que le débat civil n’a pas été lié au fond par un échange de conclusions (Req., 21 mars 1939, G.P. 1939, II, 48).
* Enfin, en cinquième lieu, la règle de l’interdiction n’est pas d’ordre public puisqu’elle a été édictée dans le seul intérêt du prévenu. De là, plusieurs conséquences. D’abord, la règle de l’article 5 doit être invoquée avant toute defense au fond et ne saurait donc être soulevée pour la première fois devant la cour d’appel (Crim., 8 janvier 1990. B.C., no. 12) ou devant la Cour de cassation (Crim., 8 février 1940, D.H., 1940, 101; 21 juin 1976, B.C., no. 221). Ensuite, le défenseur peut renoncer à se prévaloir de cette règle (Crim., 7 mai 1937, G.P. 1937, II, 262). De plus, la règle ne peut être soulevée d’office ni par le parquet, ni par le juge d’instruction, ni par la juridiction de jugement (Crim., 13 janvier 1987, D., 1987, Somm., p. 406 et obs).
Jean Pradel: Procédure Pénal. 9ème édit. No. 403 – 404. Edition CUJAS.
* Ch - CRIM, 31 mai 1946 – Action Civile, Maxime “una via electa”, Voie Civile, ABANDON, plainte avant mise au role.
Lorsqu’une partie, après avoir assigné devant la juridiction commerciale en annulation de vente et dommages – intérêts, a, avant la mise au rôle de l’affaire et l’acceptation du débat par l’adversaire, porté plainte contre celui-ci pour tromperie sur la qualité de la marchandise vendue et s’est constituée partie civile, les juges du fond peuvent décider qu’elle a manifesté son intention d’abandonner la voie civile et de se désister de l’instance engagée devant le tribunal de commerce (1);
Par suite, il n’y a pas lieu à application de la règle electa una via(2),
Note: (1 et 2) En ce sens que la règle electa una via ne peut s’appliquer qu’autant que l’action a été réellement exercée devant la juridiction civile, (V. Rép. Prat, vo. Action civile, No. 107).
* Semaine Juridique. 1958
10439: “Le criminel tient le civil en l’état”, - conditions de l’exception, Mise en mouvement de l’action publique. Absence d’inculpation contre personne denommée. Sursis applicable (Cass.civ. 2, 22 novembre 1957; Tabar c. dame Tabar) (Ed. G).
Semaine Juridique. 1958
10620: 1° Escroquerie – Présentation à l’escompte de traites assorties de factures. Défaut d’acceptation du débiteur. Manœuvre frauduleuse; 2° Action civile – Règle: “Una via electa”. Désistement avant que les causes soient liées devant le Tribunal de commerce. Défaut d’identé (Cass.crim., 22 avril 1958; T…) (Ed. G).
* La maxime “una via electa” ne peut avoir effet devant la juridiction correctionnelle à l’égard de l’action civile que si une autre instance ayant la même base avait été auparavant engagée et liée devant la juridiction commerciale.
Annoter: J.Cl.. Pénal: Art. 405.