بعد انتشار فيروس كورونا في العالم، وفي لبنان، انتاب الناس الهلع ومن ثم أقدموا عن جهل طبعا الى التخلص من حيواناتهم باعتقاد منهم أن الحيوانات من شأنها أن تنقل العدوى. ولم يكتف الناس من التخلص من حيواناتهم عبر التخلي عنهم، فمنهم من عمد الى أذية هذه الحيوانات أو تسميمها أو قتلها بأبشع الوسائل، التي ان دلت على شيء فهي تدل على نية غير رحومة وخالية من الرأفة والشفقة. بل تعكس اجرام وخصال لا تمت حقيقة بمن يتعلق بالحيوانات ومن يربي الحيوانات الأليفة عن قناعة بأن هذه الحيوانات هي صديقة للناس وللبشر.
يتناسى الناس اللحظات التي كانوا يقضونها مع حيواناتهم، أجملها وما رافقها من ذكريات ومن لجوء عاطفي حينما ضاقت الدنيا بالناس وبالبشر وضاقت ذرعا بأفعالهم. فكانت الحيوانات الأليفة ملاذ الناس وكان الناس الحضن الدافىء لهذه الحيوانات التي شكل بعضها ركنا من أركان المنزل الرئيسية.
وعليه، لقد شاهد اللبنانيون كيف عمد البعض الى التخلي عن حيواناتهم الأليفة، وكيف أن البعض الآخر قام بتسميم الحيوانات، وكيف شاهدنا حيوانات مذبوحة على الطرقات وفي الأحياء. وعلى الرغم من الحملة التوعوية التي قادتها وسائل الاعلام وجمعيات الرفق بالحيوانات ونقابة الأطباء البيطريين لتوعية الناس على أن مرض الكورونا لا ينتقل عبر الحيوانات الأليفة، الا أنّ البعض استمر بهذا النمط.
ولو افترضنا أنه كان يقتضي قطع الشك باليقين وبغية اراحة بعض الذين يقتنون الحيوانات الأليفة، فانّ حتى طريقة التخلص منهم كان يجب أن تكون أكثر أخلاقية ومراعية بالحد الأدنى لشعور الرأفة والرحمة بالحيوانات التي تمتلك بدورها روح. ومثال على ذلك، الاتصال بالبلديات أو بالجمعيات التي تعنى بالحيوانات وما أكثرها أو بوزارة الزراعة أو مناشدة اعلامية.
اذا، لا يمكننا القول الا أنّ هذا التعرض للحيوانات والحاق الأذية بها لا يمكن وضعه الا في خانة النفس الاجرامي الذي يعكس عقلية مريضة تجنح نحو النزعات الاجرامية والأفعال الاجرامية وينبغي وضع حد لها. فمن هو قادر على ازهاق أرواح الحيوانات هو أيضا قادر على ازهاق أرواح الناس.
وقد يقول البعض أنّكم تلتفتون الى حقوق الحيوانات فيما الناس تموت جوعا وقهرا وأن الامراض تعصف بالناس من كل حدب أو صوب. أما الجواب على هذا البعض، فانّ أذية الحيوانات ليس من شأنها بأي شكل من الأشكال أن تحد من الفقر أو العوز أو تمنع من تفشي الأمراض. وأن المطلوب فقط هو نشر الوعي في هذا المجال. هذا اضافة الى أنّ الوعي في هذا المجال لا يعني بأي شكل من الأشكال ألا نكون ناشطين أيضا في حقول أخرى يكون فيها الانسان الأولوية دون منازع.
ونضيف أن الحاق الأذية بالحيوانات هو أمر غير أخلاقي أيضا، والتخلي عن الحيوانات الأليفة بسبب انتشار الوباء ودون أدنى معرفة أو حتى السعي والجهد لمعرفة تأثير اقتناء الحيوانات الأليفة على انتشار الوباء، انما ينم عن عدم اخلاص صاحب الحيوان وعدم وفاءه.
أما من الناحية القانونية، فقبل صدور قانون حماية الحيوانات والرفق بها رقم 47 الصادر في 5 أيلول 2017، فهنالك بعض المواد في قانون العقوبات اللبناني التي تجرم التعرض للحيوانات. وعليه، نعرض فيما يلي المواد التي جرمت التعرض للحيوانات في قانون العقوبات اللبناني.
فقد نصت المادة 742 من قانون العقوبات اللبناني على أنّه "من أقدم قصداً غير مضطر على قتل حيوان جر أو حمل أو ركوب أو مواشي من مختلف الأنواع تخص غيره يعاقب بالتوقيف التكديري إذا وقع الجرم في ما هو جار على ملك الفاعل أو بإجارته أو حيازته بأي صفة كانت من الأراضي أو الإسطبلات أو الحظائر أو الأبنية وما يتبعها.
وبالحبس حتى ستة أشهر إذا وقع الجرم في مكان جار على ملك صاحب الحيوان أو بإجارته أو حيازته بأي صفة كانت.
وبالحبس من خمسة عشر يوماً إلى شهرين إذا ارتكب المجرم في أي مكان آخر.
وإذا قتل بالتسميم أحد الحيوانات المذكورة أعلاه كانت العقوبة في كل حال الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين."
وكما نصت المادة المادة 761 من قانون العقوبات على ما حرفيته:
" يعتبر داجناً بالمعنى المقصود في هذه النبذة كل حيوان يعيش في حراسة من استملكه ورباه."
في حين نصت المادة 762 من قانون العقوبات المعدلة وفقا للقانون 239 تاريخ 27/5/1993 على ما حرفيته:
"يعاقب بالتوقيف التكديري وبالغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة كل شخص يقدم بدون داع على إساءة معاملة حيوان داجن أو على إرهاقه."
وكما نصت المادة 763 على أنه "يعاقب بالغرامة المنصوص عليها أعلاه من أساء علناً وبدون داع معاملة حيوان غير داجن."
وأخيرا نصت المادة 765 المعدلة وفقا للقانون 239 تاريخ 27/5/1993 على ما حرفيته:
"يعاقب بالغرامة من ألفي إلى عشرين ألف ليرة.
1- من أقدم على دخول أرض الغير المحرزة أو المزروعة أو التي فيها محصولات دون أن يكون له حق المرور.
2- من رعى أو أطلق ماشية أو سائر حيوانات الجر والحمل والركوب في ما كان لغيره من أرض محرزة أو مغروسة أشجاراً مثمرة أو مزروعة أو التي فيها محصولات، بالإجمال كل من أتى إلى أرض لا تخصه أو ليس له عليها حق المرور أو الرعي بحيوانات يمكن أن تحدث ضرراً فيها.
3- من سبب بخطأه موت حيوانات الغير وجرحها أو إيذائها."
وعليه، يتبين أن قانون العقوبات اللبناني عاقب على الأفعال التالية:
- قتل حيوان جر أو حمل أو ركوب أو مواشي من مختلف الأنواع تخص غيره (المادة 742 من قانون العقوبات) حيث تصل العقوبة الى حبس سنتين اذا كانت وسيلة القتل التسميم.
- الاقدام بدون داع على إساءة معاملة حيوان داجن أو على إرهاقه (المادة 762 قانون العقوبات) والمادة 763 من قانون العقوبات عاقبت على اساءة معاملة حيوان غير داجن وارهاقه.
- معاقبة من سبب بخطأه موت حيوانات الغير وجرحها أو إيذائها (المادة 756 من قانون العقوبات).
بناء لما تقدم، يتبين أن قانون العقوبات اللبناني كان قد أشار الى هذه الجرائم وعاقب عليها. الا أن أوضاع الحيوانات في لبنان لم تكن منظمة بالاستناد الى تشريع كامل الا بعد ضغط متواصل من جمعيات تعنى بشؤون الحيوانات، حيث تكلل عملها الدؤوب وضغطها المستمر الى صدور القانون رقم 47 تاريخ 5 أيلول 2017. فماذا تضمن هذا القانون؟
بحسب المادة الثانية من هذا القانون، "يهدف هذا القانون إلى حماية ال حيوانات الحية والرفق بها وتنظيم المنشآت التي تتعامل مع هذه ال حيوانات أو تستخدمها مع مراعاة الاتفاقيات والتوصيات الدولية ذات الصلة لا سيما اتفاقية سايتس وتوصيات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية (OIE)."
أما باقي المواد فقد انصرفت الى تنظيم ومعالجة الشروط الواجب توافرها في المنشآت، والموجبات العامة للتعامل مع ال حيوانات، حيث أنه من المهم الاشارة الى ما نصت عليه المادة الرابعة حيث ورد فيها:
" يجب على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يراعي في التعامل مع ال حيوانات الموجبات التالية:
4.1 باستثناء الحالات التي يسمح بها القانون، الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه التسبب لل حيوانات بأية ضائقة أو الم أو معاناة أو تعريضها للخطر أو التعذيب.
4.2 وجوب تأمين الحاجات الأساسية واللقاحات لل حيوانات وفقاً لفصيلتها وسنها.
4.3 عدم تنظيم أي عراك بين ال حيوانات أو بينها وبين الإنسان.
4.4 عدم استعمال ال حيوانات في الترفيه والمعارض والحملات الإعلانية والأعمال الفنية والسيرك إذا كان استعمالها يسبب الألم أو الأذى أو المعاناة لل حيوانات .
4.5 عدم تقديم ال حيوانات كجوائز.
4.6 اعتماد احدى حالات ووسائل القتل الرحيم المحددة بقرار من وزير الزراعة وفقط تحت إشراف طبيب بيطري ووفقاً لتوصيات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية (OIE).
4.7 إبلاغ وزارة الزراعة فوراً بأي حادث طارئ يتعلق بنفوق ثلاث حيوانات أو أكثر، أو بظهور الأعراض السريرية لأحد الأمراض ذات الإبلاغ الإلزامي أو أي انتشار وبائي المحددة بقرار من وزارة الزراعة.
4.8 إبلاغ وزارة الزراعة والأجهزة الأمنية المختصة بهروب أي من ال حيوانات المستخدمة في الفصل الخامس والمادة 7 خلال 6 ساعات من حدوثه.
4.9 كل ما تقرره السلطات المختصة وفقاً لأهداف هذا القانون وذلك بعد استطلاع رأي وزارة الزراعة"
ويتبين من هذه المادة أنها حرصت على عدم تعريض الحيوانات الى الألم أو التعذيب او ما يضر بها. وكما جاءت مواد أخرى من القانون المذكور لتجيب على هواجس الناس على أنه في حال كان هنالك أي وباء ينتشر عبر الحيوانات، فعندها التعامل مع الحيوانات يكون بقرار مشترك بين وزيري الصحة العامة والزراعة (المادة السادسة من القانون) وبالتالي لا يكون بمبادرة فردية من الناس والأفراد.
وحيث ان وزارة الصحة متابعة بكافة دقائق وتفاصيل انتشار وباء كورونا، ولو كان هنالك أي خطر او شك بهذا الشأن لكانت قد اتخذت التدابير الرامية الى الوقاية بهذا الصدد.
أما عن العقوبات التي تفرض بموجب القانون الخاص المذكور فقد نصت عليها المادة 26 حيث ورد فيها:
" يعاقب بالغرامة من ثلاثة أضعاف إلى عشرة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور كل من يخالف أحكام أي من مواد هذا القانون.
يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر ولغاية سنتين، وبالغرامة من عشرين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية، كل من ينشئ أي من المنشآت المذكورة خلافاً للأصول المنصوص عليها في هذا القانون، أو يخالف أحكام سحب الترخيص أو الموافقة المسبقة أو وقف العمل بهما أو المنع من ممارسة النشاطات موضوع التصريح، أو إذا كان الجرم واقعاً على حيوان مدرج في أي ملحق من ملاحق اتفاقية سايتس.
للمحكمة أن تقضي بمنع المحكوم عليه من القيام بأي من النشاطات المنصوص عليها في هذا القانون لمدة سنة واحدة على الأقل. للمحكمة أن تقضي بإقفال أي منشأة يملكها المحكوم عليها إقفالاً مؤقتاً أو نهائياً.
للمحكمة أن تقضي، بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون، بمصادرة ال حيوانات ووضعها في مركز انقاذ أو عند الاقتضاء قتلها بواسطة إحدى وسائل الموت الرحيم، وذلك على نفقة المحكوم عليه. يحق للمحكمة أن تقضي ببيع ال حيوانات في المزاد العلني إذا لم تكن مدرجة في أي من ملاحق سايتس. وتطبق في هذه الحالة الأصول المحددة في المادة 24 أعلاه.
تضاعف العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون، في حال التكرار."
يتبين أن كل من يخالف موجبات التعامل مع الحيوانات أو أي أحكام منصوص عنها في القانون تفرض عليه العقوبات المنصوص عنها في المادة 26 المذكورة أعلاه. ويتبين أنه فضلا عن العقوبة الجزرية، فقد نصت على عقوبة فرعية\اضافية وهي المصادرة أو القتل الرحيم.
يبقى أن نشير أنه قبل انتشار مرض كورونا فقد ظهرت الى الرأي العام عدة حالات وقضايا تتعلق بايذاء وقتل الحيوانات، نذكر منها تعنيف الحصان في منطقة التبانة في طرابلس حيث تم اقفال الاسطبل، ونشير الى أن وزارة الزراعة تحركت الى جانب جمعية حيوانات لبنان التي تقدمت بشكوى جزائية بوجه من عنف الحصان.
وكما نذكر قصة فيديو الاحداث الذين اعتدوا وعذبوا القطط وأيضا تم التقدم بشكوى جزائية بوجههم حيث احيل الاحداث المذكورين الى محكمة جنح الاحداث في جبل لبنان.
ونشير أيضا الى مسألة قتل الكلاب الشاردة من قبل بلدية الغبيري حيث أيضا تم التقدم باخبار بهذا الشأن وجرى ملاحقة المسؤولين عن الفعل المذكور. وغيرها من الحالات التي كانت مستفزة للرأي العام اللبناني.
في الختام، لا بد من أن نشير الى أنّ معاملة الحيوانات برأفة والامتناع عن الحاق الأضرار المادية والتعذيب هو واجب أخلاقي وينم عن روح انسانية كما ذكرنا أعلاه. فانّ من يقدم على ايذاء حيوان بداعي المرح، أو عن جهل بالحقائق، فيكون مجردا من الروح الانسانية على حد سواء ويخشى من تفاقم هذه النفسية الاجرامية لتصل الى حد الاعتداء على الناس.
مع الاشارة الى أنّ الحيوانات الأليفة هي صديقة للبيئة وصديقة للناس وللمجتمع. ولا بل ان الحيوانات الأليفة هي جزء لا يتجزأ من هذا التوازن الطبيعي. واذا كان المرء يشعر أنه لم يعد قادر على الاحتفاظ بحيوانه الأليف خشية انتشار المرض، نتيجة هاجس أو اشاعات غير صحيحة، فعلى الأقل أن يلجأ الى التخلص منه دون الحاق الأذى به عبر التواصل مع المراجع المتخصصة بهذا الشأن.
عليكم أن تحذروا الاشاعات والوقائع المغلوطة وأن تتحققوا من المعلومات من مراجعها الموثوقة قبل الاقدام على أي عمل متهور، قد يصيبكم في ضميركم أولا وقبل كل شيء!