بينما البلاد منهمكة في مواجهة الانهيار الاقتصادي الداهم والذي بات وشيك الوقوع، وأضف الى ذلك تفشي وباء الكورونا الذي عطّل أواصر الحياة الاقتصادية والاجتماعية وجعل البلاد لا وبل العالم في حالة شلل تام، لا تزال الحكومة منهمكة في كيفية متابعة والسيد بمشروع سد بسري. مشروع سد بسري الذي شغل اللبنانيين، فبحيث عزا بعضهم هذا المشروع الى أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والبعض الآخر اعتبر أنّ هذا المشروع هو من مجموعة المشاريع المطلوبة للانعاش الاقتصادي.
وحيث أنّه وفي الحقيقة، ذهب رأي عام لبناني، مبني على سوابق، بأنّ المشاريع هي أدوات المحاصصة، والمدخل الى الصفقات والهدر والسرقات. وبالاضافة الى هذا الرأي، يجنح الرأي البيئي الى معارضة هذا المشروع حتى الموت، كونه يهدم الطبيعة الخلابة، ويؤدي الى التصحر عبر رفع الغطاء البيئي وانشاء المقلع، ولأن بسري باختصار هي محمية وليست مقلع ولا سد.
لماذا أنشىء مشروع سد بسري؟ وعلى ماذا يرتكز هذا المشروع؟
سوف نقوم بالدراسة الحاضرة الى تحليل ودراسة مرسوم المنفعة العامة والتوقف عند مفهوم المنفعة العامة من الناحية القانونية، تاركين للاختصاصيين البيئيين تحديد المضار من المنافع التي يخلفها مشروع سد بسري.
بتاريخ 27\5\2015، صدر المرسوم رقم 2066 عن مجلس الوزراء اللبناني والذي نشر في الجريدة الرسمية رقم 23، تاريخ النشر 4\6\2015 في الصفحة 1928 – 1930. موضوع المرسوم المذكور هو اعتبار الأشغال العائدة لمشروع انشاء سد وبحيرة بسري وتخطيط طريق لتمرير خطوط الجر نحو بركة انان في بعض قرى وبلدات قضائي الشوف وجزين من المنافع العامة (محافظتي لبنان الجنوبي وجبل لبنان – قضائي جزين والشوف).
في الشكل:
وقع على المرسوم المذكور رئيس مجلس الوزراء آنذاك الرئيس تمام سلام، الوزراء سمير مقبل، أكرم شهيب، أرثيور نظريان، علي حسن خليل، وائل أبو فاعور، بطرس حرب، غازي زعيتر، ميشال فرعون، محمد فنيش، حسين الحاج حسن، نبيل دي فريج، رشيد درباس، أليس شبطيني، سجعان قزي، جبران باسيل، نهاد المشنوق، رمزي جريج، محمد المشنوق، عبد المطلب الحناوي، الياس أبو صعب، أشرف ريفي.
الملفت بهذه الأسماء ما يلي:
- هناك فئة وقعت على المرسوم، ولا زالت على موقفها منه لأسبابها أو أسباب كتلها لا سيما من يمثلون نواب بيروت الذي وضع المشروع لانتفاع بيروت الكبرى منه.
- وهنالك فئة أخرى، تبدل موقف كتلها السياسية منه، اما مجاراة للضغط الشعبي الذي يقف سدا منيعا بوجه هذا المشروع، أو بفضل التقلبات والتبدلات السياسية التي تحتم الاستمرار بالكيدية السياسية.
على كل، النتيجة لا تهم، المهم أن هنالك من وقع على هذا المرسوم ومن ثم تراجع، ومهما كان سبب هذا التراجع، فليستفد من التبدل في سبيل اسقاط الوحش البيئي!
واذا ما قمنا بتفنيد المرسوم، أول ما يلفت الانتباه ما يلي:
في المقدمة يستند الى مرسوم الاستملاك، والى موافقات البلديات والمخاتير. وهنا لا بد أن نلفت النظر الى أمرين:
- أنه تم الاستناد الى موافقة صمنية لبلدية الميدان معزوة الى ارسال كتاب بواسطة الفاكس ولم يتم الرد عليه. مع العلم أنه نشر على وسائل الاعلام خبر مفاده أن بلدية الميدان رفضت هذا المشروع بالمطلق.
- أن بلدية مزرعة الشوف التي كانت قد وافقت على المشروع، عادت وأصدرت قرار بالرجوع عن موافقتها.
أما جوهر المرسوم فهو ما ورد في المادة الأولى منه لناحية اعتبار الأشغال العائدة لمشروع انشاء سد وبحيرة بسري وتخطيط طريق لتمرير خطوط الجر نحو بركة انان في بعض قرى وبلدات قضائي الشوف وجزين من المنافع العامة.
وتبعا للمادة الاولى، نصت لمادة الثانية على استملاك الأراضي والعقارات المحددة لتنفيذ المشروع.
ان محور دراستنا الحاضرة تتمحور حول مفهوم المنفعة العامة، وكيفية تحديدها وعناصرها، وهل أنّ مشروع سد بسري فعلا منفعة عامة أم أنه مضار عام؟
قبل البحث في تعريف المنفعة العامة، ارتأينا تحديد مواضع المنفعة العامة في القانون. وقد استند مرسوم سد بسري الى قانون الاستملاك رقم 58 الصادر في 29 أيار سنة 1991 المعدل بموجب القانون رقم 326 تاريخ 28\1\2001 والقانون تاريخ 8\\12\2006، حيث ورد في المادة الأولى منه على ما يلي:
"تستملك العقارات أو اقسامها وتنشأ عليها حقوق ارتفاق لمصلحة الادارة. كما يجوز ان يستملك ما لمالك العقار من حقوق في الفضاء الذي يعلوه وفي الباطن الذي هو تحت سطحه، كما تستملك الحقوق العينية العقارية، كل ذلك لاجل منفعة عامة.
ولا يجوز ان ينزع عن احد ملكه الا لاسباب المنفعة العامة وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً. وفقاً لاحكام هذا القانون"
في حين أنّ المادة الثانية من القانون المذكور قد نص على أنّه "تقرر المنفعة العامة بمرسوم بناء على اقتراح الوزير المختص المبني على طلب الادارة المعنية او البلدية او الهيئة الاختيارية في القرية التي لا بلدية فيها او المؤسسة العامة او صاحب الامتياز ويمكن للادارة العامة والبلديات استملاك عقارات لمصلحة اشخاص عينهم القانون"
وعليه، فانّ قانون الاستملاك قد أتى على ذكر المنفعة العامة، الا أنّه لم يعط تعريفا واضحا وصريحا لمفهوم المنفعة العامة، بحيث أخذ الفقه والاجتهاد الاداري مبادرة اعطار تعريفا للمنفعة العامة.
قبل الدخول بتفسير المنفعة العامة ومفهومها، لا بد من الاشارة الى أنّ الدستور اللبناني والشرائع الدولية جعلت من الملكية الفردية مكانة ولا يجوز تجريده من ملكه تعسفا.
تنص المادة 15 من الدستور اللبناني على ما يلي:
"الملكية هي في حمى القانون فلا يجوز ان ينزع عن احد ملكه الا لاسباب المنفعة العامة في الاحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضا عادلا".
وفي هذا المجال نصت المادة 17 من شرعة حقوق الانسان على أنه لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيرة. لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا.
وقد جاء قانون الاستملاك ليشكل استثناء على عدم جواز التعرض للملكية الفردية ولكن القانون وضع له ضوابط، وهذه الضوابط تتلخص بأن يكون الاستملاك تحقيقا لمنفعة عامة، وان يصار الى التعويض العادل على المالك المستملك منه.
وفي هذا المجال، اعتبر الفقه أن "الغاية من الاستملاك هي الالزام بالتفرغ عت الملكية العقارية، في سبيل المنفعة العامة ولقاء تعويض عادل."
(لطفا مراجعة ألبرت سرحان، القانون الاداري الخاص، محاضرات، 1995-1996 ص 112)
وقد أجمع الاجتهاد الاداري على أن مفهوم المنفعة العامة قد أخذ بالاتساع نسبة الى المواضيع الكثيرة المتعلقة به. وفي هذا المجال ورد في قرار مجلس شورة الدولة رقم 340 تاريخ 2\10\1962، المجموعة الادارية رقم 1962 ص 156، على أنّ " مفهوم المنفعة العامة قد اخذ بالاتساع، لان ليس له تعريف محدد ضمن القانون. فالمنفعة العامة تتناول مواضيع كثيرة سواء اكانت اجتماعية، دينية، سياحية، اقتصادية او غيرها من المواضيع. لذلك قامت المحاكم بتعريف هذه العبارة. (راجع هذا الشرح اجتهاد رقم 15).
ان مقياس المنفعة العامة المعتمد لمعرفة ما إذا كان التخطيط قد وضع لمنفعة عامة ام خاصة هو ان تكون المنفعة العامة منه تفوق المنفعة الخاصة التي يجنيها بعض المالكين من قيامه."
وقد تولت هيئة التشريع والاستشارات تفسير مفهوم المنفعة العامة وتطور هذا المفهوم اذ اعتبرت: أنه "كانت الفكرة السائدة في القرن التاسع عشر في فرنسا كامنة في ان المنفعة العامة لا تكون متوفرة الا عندما يؤدي الاستملاك الى انشاء ملك عام على اثر قيام الادارة باشغال عامة وبالواقع كانت الغاية الرئيسية المتوخاة آنذاك من الاستملاك لاجل المنفعة العامة تمكين الادارة من القيام بشق الطرق العامة .
الا ان سرعان ما تطور مفهوم المنفعة العامة في القانون الفرنسي على اثر تدخل المشرع واجتهاد المحاكم.
فان القوانين التي صدرت في فرنسا منذ اوائل القرن العشرين تحت تأثير هذا التطور هي اكثر من ان تحصى وقد كرست ال مفهوم الجديد للمنفعة العامة وشرعية سلوك طريق الاستملاك بصرف النظر عما اذا كان هذا الاستملاك يؤدي او لا يؤديلى انشاء ملك عام."
(يراجع بهذا الشأن الاستشارة رقم 151\1973، تاريخ 22\5\1973، الهيئة الرئيس روجيه الشدياق، طالب الرأي وزير الداخلية، المنشور في البوابة الالكترونية صادر، هيئة التشريع والاستشارات)
وعليه، أصبح ثابت أن القانون لم يعط مفهوم واضح للمنفعة العامة، الا أن الدستور وشرعة حقوق الانسان جعلت الملكية الفردية مصانة وبحمى الدستور ولا يمكن نزعها تعسفا. وأن قانون الاستملاك جاء كاستثناء على هذا الحق مع بعض الضوابط أولها وأهمها أن يكون الاستملاك ونزع الملكية بواسطة الاستملاك هو لتحقيق منفعة عامة.
وان المنفعة العامة، هي الغاية التي تبرر أو التي تجيز للادارة نزع الملكية الفردية مقابل تعويض عادل، وأن هذه المنفعة العامة تكون للصالح العام وليس للصالح الخاص.
يبقى أن المنفعة العامة تتعلق بنتائج الاستملاك على أن لا تكون لهذه النتائح انعكاسات سلبية عامة يترتب عليها ازعاج كبير يتعدى كثيرا المنفعة العامة المتوخاة من الاستملاك، وقد ورد في هذا الشأن:
" بما أن مفهوم المنفعة العامة وتحديدها يستندان في أي حال، ليس فقط الى موضوع الاستملاك وغايته، بل أيضا الى النتائج المتأتية من جرائه على مختلف الصعد، فردية كانت أم اجتماعية أم مالية، على أن لا تكون لهذه النتائج انعكاسات سلبية عامة يترتب عليها ازعاج كبير يتعدى كثيرا المنفعة المتوخاة من الاستملاك."
شورى الدولة رقم 88 تاريخ 18/2/1988 - العدل 1988 - عدد 2 - ص 114.
- معايير تحقق المنفعة العامة:
اذا، يمكن الاستخلاص من التعريف الذي عطيناه أعلاه معايير يمكن الاستناد اليها للقول بمدى تحقق المنفعة العامة من عدم تحققها. وقد وضع الفقه، مستندا بدوره الى الاجتهاد الفرنسي بعض المقاييس وهي التاللية:
- أهمية التعدي على الملكية الخاصة
- تكاليف المشروع بالنسبة للمنافع التي قد تنتج عنه.
- مساوىء المشروع من الناحية الاجتماعية.
- أهمية المشروع بالنسبة لمشروع آخر اعتبر من المنافع العامة.
(يراجع بهذا الشأن ألبرت سرحان، القانون الاداري الخاص، محاضرات، 1995-1996، ص 128)
بعد أن استخلصنا مفهوم المنفعة العامة، فما هي المبادىء التي ترعى الاستملاك؟
ان المبادىء التي ترعى الاستملاك هي ثلاثة. وقد أتت على ذكرها استشارة هيئة التشريع والاستشارات المشار اليها أعلاه (المرجع السابق) حيث أشارت الى ما يلي:
"ان المادة 15 نصت على ان "الملكية في حمى القانون ولا يجوز ان ينزع عن احد ملكه الا لاسباب المنفعة العامة وفي الاحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً، فيكون الدستور قد وضع بالتالي المبادئ الثالثة التي ترعى قضايا الاستملاك وهي التالية:
1- توفر شرط المنفعة العامة .
2- دفع تعويض عادل ومسبق.
3 - حصول الاستملاك وفقاً للقانون وفي الاحوال التي ينص عليها
وكما قضي بأن يجب أن تبدو المنفعة العامة واضحة من الاستملاك الجاري والا قضى مجلس الشورى بابطال المرسوم الذي يعلن عنها.
(يراجع بهذا الشأن، شورى الدولة رقم 572 تاريخ 20\5\1968، المجموعة الادارية 1968 ص 117)
الخلاصة:
وعليه، وبناء لما تقدم، يبقى السؤال ما مدى توافر المنفعة العامة في مشروع مرج بسري؟
بعد أن قدمنا دراسة قانونية عن مفهوم المنفعة العامة وخصائصه ومقاييس المنفعة العامة، يختلج في ذهننا بضعة أسئلة:
هل تتحقق المنفعة العامة من جراء مرسوم 2066 المتعلق بانشاء سد بسري؟ هل يؤدي الاستملاك المذكور الى ازعاج يفوق المنفعة المتوخاة منه؟
في جوابنا على هذا الشق، سوف نترك المجال لأهل الاختصاص البيئيين للجواب عنه. ولكننا سوف نسهل الأمر عبر عرض نقاط قانونية.
وفي هذا المجال، نعرض الى أن القانون رقم 444 الصادر في 29 تموز سنة 2002، قانون حماية البيئة، قد نص في المادة الأولى على أن هذا القانون يحدد الاطار القانوني العام لتنفيذ سياسة حماية البيئة الوطنية بهدف الوقاية من كل أشكال التدهور والتلوث والأذية وكبحها وتعزيز الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية وتأمين اطار حياة سليمة ومستقرة بيئيا.
في حين أن المادة الثانية من قانون حماية البيئة قد عرفت المفاهيم التالية:
دراسة أولية تهدف الى تحديد الآثار البيئية المحتملة لمشروع ما بغية تحديد مدى ضرورة إجراء دراسة تقييم أثر بيئي للمشروع.
- تقييم الأثر البيئي: تحديد وتقدير وتقييم آثار مشروع ما على البيئة وتعيين التدابير اللازمة للتخفيف من الآثار السلبية وزيادة الآثار الإيجابية على البيئة والموارد الطبيعية وذلك قبل إعطاء القرار بالموافقة على المشروع أو رفضه.
- خطة الإدارة البيئية: مجموعة التدابير التخفيفية ووسائل الرصد والمراقبة والإجراءات المؤسساتية المتخذة خلال إنشاء أو تشغيل أو تفكيك المشروع والتي من شأنها إلغاء الآثار البيئية السلبية أو تخفيفها الى المستويات المقبولة محليا إن وجدت وإلا وفقا لمعايير الأمم المتحدة.
كما وأنّ المادة الرابعة من القانون المذكور قد حددت موجبات ومبادىء يقتضي التقيد بها من قبل كل شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص، حيث ورد فيها ما يلي:
"في إطار حماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، على كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص أن يلتزم بالمبادئ الآتية:
أ - مبدأ الاحتراس، الذي يقضي باعتماد تدابير فعالة ومناسبة بالاستناد الى المعلومات العلمية وأفضل التقنيات النظيفة المتاحة الهادفة الى الوقاية من أي تهديد بضرر محتمل وغير قابل للتصحيح يلحق بالبيئة.
ب - مبدأ العمل الوقائي لكل الأضرار التي تصيب البيئة، من خلال استعمال أفضل التقنيات المتوافرة.
ج - مبدأ "الملوث - يدفع" الذي يقضي بأن يتحمل الملوث تكاليف التدابير الوقائية ومكافحة التلوث وتقليصه.
د - مبدأ الحفاظ على التنوع البيولوجي الذي يقضي بأن تتفادى النشاطات كافة إصابة المكونات المختلفة للتنوع البيولوجي بضرر.
هـ - مبدأ تفادي تدهور الموارد الطبيعية، الذي يقضي بأن تتفادى كل النشاطات التسبب بأي أضرار غير قابلة للتصحيح للموارد الطبيعية كالماء والهواء والتربة والغابات والبحر والأنهر وغيرها.
و - مبدأ المشاركة القاضي بأن:
1 - يكون لكل مواطن حق الحصول على المعلومات المتعلقة بالبيئة، وفقا للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
2 - يسهر كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، على سلامة البيئة، ويساهم في حمايتها وأن يبلغ عن أي خطر قد يهددها.
ز - مبدأ التعاون، الذي يقضي بأن تتعاون السلطات العامة والمحلية والمواطنون على حماية البيئة على كل المستويات.
ك - مبدأ تقييم الأثر البيئي كوسيلة للتخطيط والادارة من أجل مكافحة مصادر التلوث وتدهور الموارد الطبيعية أو تقليصها أو تصغير حجمها الى أدنى حد"
وحيث أن معظم الآراء والدراسات البيئية أجمعت على أنّ مشروع سد بسري يخالف قانون حماية البيئة وكما يخالف المبادىء المنصوص عنها في المادة الرابعة من قانون البيئة، بحيث أن مضار هذا المشروع أكثر من منافعه على الصعيد البيئي لا سيما بالنسبة الى أن من شأنه كما أشرنا أعلاه وبحسب البيئيين أن يؤدي الى تصحر وحرمان المنطقة من الغطاء النباتي والغابات والأحراج وتحويلها الى مقالع.
ويبقى أن نشير الى أن قانون البيئة نص في المادتين السادسة و السابعة منه المجلس الوطني للبيئة، حيث صدر المرسوم رقم 8157 الصادر في 18 أيار سنة 2012 والمتعلق بتأليف المجلس الوطني للبيئة وتحديد مهمامه وتنظيمه. والمؤسف أن نرى آلية تشكيله من وزير البيئة ومن ممثلين عن الوزارات يعينون من الوزراء. فكيف يمكن لهذا المجلس أن يقوم بدوره وأن يرفع التوصيات والمقترحات كما هو منصوص عنه في مرسوم انشاءه ان كان تعيينه هو من السلطة التي تبنت مرسوم انشاء مشروع سد بسري.
وهذا ما يبرر غياب أي رأي فعال في هذا المجال من قبل المجلس الوطني للبيئة الذي أثبت أن دوره لا يعدو كونه رأي استشاري داعم للسلطة التي عينته والسلطة التي تسير بكل قواها بتنفيذ مشروع سد بسري.
وحيث أنه وبالاستناد الى معايير المنفعة العامة، والى ما يحدثه مشروع الاستملاك من ازعاج كبير يتعدى كثيرا المنفعة المتوخاة من الاستملاك لا سيما الازعاج على الأثر وعلى المعالم البيئية في المنطقة،
وحيث أنّنا حددنا أعلاه المقاييس التالية:
- أهمية التعدي على الملكية الخاصة
- تكاليف المشروع بالنسبة للمنافع التي قد تنتج عنه.
- مساوىء المشروع من الناحية الاجتماعية.
- أهمية المشروع بالنسبة لمشروع آخر اعتبر من المنافع العامة.
وحيث أن التعدي الحاصل بموجب مشروع استملاك بسري هو استملاك لمجموعة عقارات متنوعة من حيث نوعها ومساحات شاسعة محددة بالخريطة المرفقة بالمرسوم،
وحيث أنّ تكاليف المشروع مع البدلات التي ستدفع بموب الاستملاك كبيرة جدا قد تتجاوز المليار ومايتي مليون دولار أميركي،
وحيث أنّ مساوىء المشروع ضخمة لا وبل هدّامة من الناحية البيئية ولا تعوّض بمال وهي اذ لقيت معارضة اجتماعية واسعة من قبل أهالي البلدات المعنية،
وحيث أننا في جميع الأحوال أمام مشروع سد بسري لتأمين مياه لبيروت الكبرى، ومشروع مقابل هو تحويل المنطقة الى محمية بيئية، وحيث أنّ تحويل المنطقة الى محمية بيئية له منافع عامة واضحة لا لبس لها ولا سلبيات من أي نوع كانت،
في حين أنّ مشروع السد له مساوىء ومضار أكبر بكثير من منافعه فضلا عن أن أهل البلدات المعنية لا ينتفعون بها بل تنتفع بها منطقة بيروت الادارية.
وعليه، وأمام هذا الواقع، وضعنا دراستنا القانونية حول سد بسري، لا سيما لجهة تحديد المنفعة العامة وهل هي متحققة في هذا المشروع من عدمه، وكما أننا أبدينا رأينا الشخصي باقتضار، تاركين لأهل الاختصاص البيئيين استكمال الشق الفني والعلمي منه، لعل تساهم هذه الدراسة في محاربة ومقاومة الاعتداء الممنهج والرسمي على بيئة لبنان ومعالمه التي تشكل مرتكزا وأساسا لكيان هذا البلد.
آملين أن تكون هذه الدراسة قد أجابت على المسألة المعروضة أو على الأقل طرحت التساؤلات القانونية المتعلقة بهذا المشروع.
والله ولي التوفيق.
المحامي رفيق اورى غريزي