دراسة مقدمة للامانة العامة للمدارس الكاثوليكية
في عرض المسألة:
- التلامذة محجورون في المنازل وغير معروف مصير العام الدراسي 2019 - 2020
- الاساتذة منهم من ساهم بالتعليم عن بعد ومن بينهم من لم يتمكن، ومنهم من تقاضى قسم من راتبه ويطالب بالقسم الباقي.
- نقابة المعلمين تطالب بكامل الاقساط وتدعو المدارس الى الاستدانة من المصارف لدفعها.
- المدارس بحسب ميزانيتها وما سدد لها من القسط المدرسي لغاية تاريخه لم تتمكن من تسديد رواتب الاساتذة والمستحقات عليها وتجد نفسها عاجزة عن الاستمرار وقد اعلن العديد منها رغبته بالاقفال في حال استمرار الحال على ما هي عليه حاضرا.
- وزارة التربية لم تتخذ اي قرار بعد / تعاونية موظفي الدولة تحاول تغيير تعاملها السابق مع المستحقين / وفرص ايجاد مصادر تمويل شبه معدومة.
- الدولة متأخرة عن تسديد مساهمات المدارس شبه المجانية.
هذا في العام،
اما في الخاص فإن كل طرف من هؤلاء الاطراف يرمي المسؤولية على الآخر ولا يرضى تنازلا عن جزء من حقوقه لايجاد مخرج لهذه الازمة.
- فنقابة المعلمين تهدد برفع الدعاوى ومتابعتها وتطالب بكامل الرواتب وحتى بالدرجات الاستثنائية وتحرض من بين المعلمين الذي يشارك في التعليم عن بعد قبل قبض كامل راتبه بالتوقف عن ذلك.
- لجان الاهل تطالب بحسم القسط الثالث بالكامل واسترداد جزء من القسط الثاني او اعتباره دفعة من قسط السنة القادمة.
- المدارس تطالب الاهل بدفع كامل الراتب على اعتبار ان السنة الدراسية سيتم متابعتها في المدرسة او عن بعد وبكلا الحالتين سيصار الى اتمام العام الدراسي وتطالب الدولة بتحمل مسؤولياتها بهذا الشأن والخصوص.
- الدولة تؤجل دفع مساهمتها للمدارس شبه المجانية.
ان اقتناع الفرقاء الاربعة بأن مركب التعليم سيغرق بهم جميعا فيما لو تمسك كل منهم بمطالبه، في هذا الزمن غير العادي هو بداية الحل، اما تمسك كل منهم بمطالبه لعله ينجو بتحقيقها منفردا فلا طائل منه طالما ان هذا الامر لن يتحقق له بحسب المعطيات المتوفرة.
كما ان نظرة قانونية على الموضوع يمكن ان تساعد في تقبل فكرة التنازل عن جزء من المطالب لاجل ايجاد الحلول المناسبة للجميع حسب قاعدة win win.
ان اطراف الجسم التربوي تعاني من معضلة خطيرة تهدد كيانه وديمومته والجميع متضرر وكل منهم يتحمل وزر مشاكل مادية وضائقة اقتصادية لم يكن له دور في ظهورها او تفاقمها:
فمن اللحظة التي بدأ فيها اولياء التلامذة يتقاضون نصف راتب او قد اضحوا بدون عمل وقد تم صرف قسم كبير منهم نتيجة اقفال المؤسسات التي كانوا يعملون فيها وقد باتوا غير قادرين على تسديد الاقساط المدرسية بالكامل بدأت المشكلة تتفاقم.
من هنا،
١- على المعلمين ان يدركوا ان الحفاظ على مدارسهم يصب في مصلحتهم اولا ومن باب ثان يحفظ لهم مستقبلهم ومستقبل اولادهم وانهم من بين شرائح هذا المجتمع التي تحملت جميع فئاته وزر هذا الوباء وهذه الضائقة الاقتصادية بشكل او بآخر فلا يعقل ان يكونوا غرباء عن هذا الامر وتلك التضحية المؤقتة والمحصورة ويمتنعوا عن المشاركة في تحمل تلك الاعباء ولو بجزء ضئيل منها.
كما ان اللجوء الى المحاكم ليس بالامر اليسير ولا يضمن بحسب واقع الحال علاقة حسنة مستقبلا مع المدرسة.
2- وعلى لجان الاهل ان تتروى في اطلاق مزايداتها لجهة دعوة اولياء التلامذة ليس فقط الامتناع عن دفع القسط الثالث بكامله وانما ايضا عن حسم جزء من القسط الثاني او عدم دفعه بالكامل لان استمرار المدرسة ودفع رواتب الاساتذة مسؤولية الاهل ايضا اضافة الى ان الوضع القانوني في مثل هذه الحالة ليس الى جانبهم خلافا لما تم تداوله في بعض الدراسات والاستشارات التي اعتبرت ان عنصر القوة القاهرة يلغي العقد القائم بين اولياء التلامذة والمدرسة وبالتالي بحسب تلك الدراسات يصبح اولياء التلامذة بحل من التزاماتهم.. الامر الذي لا يصح قانونا مطلقا.
٣- وعلى الدولة ان تعي بأن اغفال تسديد مساهمتها الى المدارس شبه المجانية وتحديد مساهمة نقدية عاجلة للمدارس الخاصة عن كل تلميذ ( البطاقة التربوية) من شأنه ان يفاقم الازمة ويجعل من الصعب ايجاد حلول لها من قبل باقي الاطراف منفردين.
- كما على تعاونية موظفي الدولة تسديد المنح عن الموظفين دون اية استثناءات فلا تخالف طريقة التعامل السابقة المستمرة منذ عشرات السنين.
- وعلى وزارة المالية تسديد منح العسكريين مباشرة الى المدارس اختصارا للوقت ومنعا للمساومة على اية حسومات.
٤- وعلى المدارس ان تعترف بان الواقع الحالي يفرض اعادة النظر بموازناتها والاقدام طوعا ورضائيا وبكل ارادة حسنة بحسب رسالتها وتوجيهات غبطة ابينا البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى وذلك لاجراء حسومات فعلية ومريحة للاهل.
ان المساعدة المطلوبة من قبلنا لوصول كل هذه الاطراف الى هذه القناعات يفرض علينا البحث ببعض المسائل القانونية التي تجعل موافقة كل طرف من هذه الاطراف يقر بمشروعية توزيع الخسائر او الاقرار بأن التضامن في تحمل بعض الاعباء يمنع غرق المركب ويبقى جميع الفرقاء سالمين.
اما المسائل القانونية التي يجب مراجعتها فهي:
اولا: موضوع القوة القاهرة:
سارع العديد من معلني الرأي بأن احكام القوة القاهرة تنطبق على مثل حال المدارس وبالتالي فإن اولياء التلامذة اصبحوا بحل من التزاماتهم نتيجة مفاعيل القوة القاهرة وبالتالي اطلقوا الدعوات- بدون وجه حق- لعدم دفع الاقساط المدرسية.. الامر الذي لا يصح قانونا.
فاحكام القوة القاهرة (force majeur) بحسب ما اوردتها المادة ٢٥٤ موجبات وعقود تبقي المتعاقد مسؤولا عن عدم تنفيذ الموجب الا اذا اثبت ان التنفيذ اصبح مستحيلا في الاحوال المبينة في المادة ٣٤١ موجبات وعقود لانه فقط في هذه الحالة تبرأ ذمته لاستحالة التنفيذ.
ان نص المادة ٣٤١ موجبات وعقود قد قضى بسقوط الموجب اذا كان بعد نشأته قد اصبح موضوعه مستحيلا من الوجه الطبيعي او الوجه القانوني بدون فعل او خطأ من المديون.
ان الآراء والاستشارات التي تم اطلاقها بهذا الشأن والخصوص والتي انتهت الى القول بعدم دفع القسط المدرسي لان الموجب قد سقط لا تصح بتاتا لان الموجب الملقى على المدرسة لا يسقط الا باعلان انتهاء العام الدراسي دون اكمال العام الدراسي بشكل او بآخر ودون ترفيع التلامذة ودون اجراء امتحانات ودون توزيع افادات مدرسية.
ان ما هو معوّل عليه لهذه الناحية يبقى العقد الذي تم انبرامه لحظة دخول التلميذ الى المدرسة ولحظة قبوله بالنظام الداخلي للمدرسة فولي امر التلميذ اعطى للمدرسة التي اختارها لتعليم اولاده وفق منهاج التعليم الذي تقرره ووفق القرارات الادارية التي تتخذها حفاظا منها على مستوى التعليم الذي ترجوه والذي شكل سبب الموجب يوم اختار ولي امر التلميذ هذه المدرسة دون سواها لتعليم اولاده فيها.
من هنا ، يقتضي النظر في العقد الجاري بين ولي امر الطالب وبين المدرسة والا في حال عدم وجوده يقتضي النظر في النظام الداخلي للمدرسة الامر الذي فرضته المادة ٢٠ من المرسوم رقم ٤٥٦٤ الصادر بتاريخ 12/12/1981 والذي كان موضوع تعميم من قبل وزير التربية الدكتور الياس بو صعب تاريخ ١٦/٤/٢٠٢٠ حمل الرقم ٩/م/٢٠١٤ وفيه طلب من المدارس الخاصة ايداع مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية نسخة مصدقة عن النظام الداخلي المعتمد لدى كل مدرسة.
ومن مراجعة المادة ٢٠ المذكورة نتبين انه من بين ما يجب بيانه من كل مدرسة في نظامها الداخلي وبشكل خاص: (نظام دفع الاقساط والرسوم المدرسية)
وانني في مداخلة في المؤتمر السنوي الحادي والعشرون للمدارس الكاثوليكية في لبنان الذي انعقد في مدرسة سيدة اللويزة - ذوق مصبح في ٢و٣ ايلول من العام ٢٠١٤ قدمت - بتشجيع من سعادتكم حضرة الامين العام - نموذج عن النظام الداخلي للمدرسة وتم توزيعه فيما بعد على مدارسنا الكاثوليكية في ارجاء الوطن وفيه بحسب نص المادة السادسة والعشرون وتحت عنوان نظام دفع الاقساط والرسوم المدرسية ما حرفيته:
يُرفَض كل تلميذ لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة او يتمنّع ولي امره عن تسديد الرسوم والاقساط المدرسية.
فما مدى تطبيق احكام القوة القاهرة على كل ذلك؟
وكيف لنا ان نتبين نطاق تطبيق احكام القوة القاهرة في هذا السياق؟
ان تحديد القوة القاهرة يمكن ان يكون واردا في العقد او النظام مع او بدون استثناء الوباء من ضمن التحديد، وانه في حال عدم وجود اي منهما فانه يصار الى تقدير ذلك بحسب كل حالة.. الا ان الامر يبقى غير محسوم وذلك بحسب ما ستؤول اليه الايام القادمة من نتيجة.
فإن كانت السنة الدراسية ستتم متابعتها بشكل او بآخر قبل او بعد العطلة الصيفية وان الافادات المدرسية سيتم توزيعها بعد تقديم الامتحانات او بعد الاخذ بما تيسر من معطيات سابقة وبالتالي ترفيع التلامذة الناجحين الى صف اعلى وانهاء السنة المدرسية .. فلا يعود معها من امكانية لتطبيق احكام القوة القاهرة والتحجج بها لعدم دفع القسط المدرسي.
ثانيا: موضوع دعوة لجان الاهل الى عدم دفع الاقساط المدرسية وبالمعنى القانوني للدعوة، هل يمكن تعديل العقد من قبل طرف واحد (اولياء التلامذة):
نصت المادة ٢٢١ موجبات وعقود على ان العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين وانه يجب ان تفهم وتفسر وتنفذ وفاقا لحسن النية والانصاف والعرف.
ويقابل هذه المادة العديد من الاجتهادات الصادرة عن جانب محكمة التمييز وفيها تكريس صريح للمبدأ المكرس في القانون اللبناني بعدم تخويل القاضي حق تعديل مضمون العقود ولو حتى عند فقدان التعادل بين الموجبات المتبادلة الواردة فيه.
ان هذه القاعدة ليست سوى نتيجة مبدأ سلطان الارادة والتي تحافظ في النتيجة على الثقة والاستمرار في التعامل بين الناس والاستقرار في العقود.
من هنا، نجد انه ليس من سبيل بالطرق القانونية من امكانية تعديل في شروط العقد الواقع نصا او حالا بين المدرسة وولي امر التلميذ اضافة الى ما ينص عليه نظام المدرسة الذي غالبا ما يكون جزءا لا يتجزأ من العقد المشار اليه.
اضافة الى ان المادة الخامسة والخمسون من النظام الداخلي للمدرسة المشار اليها سابقا قد نصت على ان تسجيل التلميذ في المدرسة يعتبر في مطلق الاحوال اعترافا من ولي امره بقبوله بنمط المدرسة والنظام المحدد من قبلها.
ثالثا: هل يمكن منح اولياء التلامذة مهلة اضافية لاجل تسديد الاقساط المدرسية؟
ايضا الحل والجواب في النصوص القانونية الا ان السلطة التي يحق لها ان تمنح هذه المهلة تعود للقضاء دون غيره، هذا في حال عدم توصل الفريقين الى اتفاق رضائي.
فنجد في المادة ١١٥ موجبات وعقود التي اعطيت الحق للقاضي مع الاحتياط الشديد بان يمنح المديون حسن النية مهلا مقبولة لايفاء الموجب.
ونجد في المادة ٣٠٠ من نفس القانون التي اعطت الحق للقاضي بمنح المديون حسن النية مهلا للايفاء فيجعل ايفاء الدين اقساطا لمدة طويلة وقصيرة حسب مقتضى الحال.
من هنا وبحسب واقع الحال، فإن اولياء التلامذة وهم في غالبيتهم نظرا للظروف الحاضرة حسني النية في طلب مهلة اضافية لاجل تسديد الاقساط المدرسية نتيجة تفشي وباء كورونا والضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
الا ان الحل الذي سنتقدم به في ختام هذه الدراسة سيكون متماشيا مع الحل القانوني المنصوص عنه في القوانين التي تم ذكرها لضمان قبوله، وذلك لان الحل المطروح من قبلنا هو اقرب الى مبادئ العدل والانصاف.
نتيجة كل ذلك واكثر، ولضيق الوقت، ولعدم الاسترسال في بحث مختلف النقاط المتشعبة عن المسألة الاساسية المطروحة وبعد الاقرار بوجود خسائر يقتضي طرح السؤال التالي:
- من يجب عليه تحمل الخسارة اللاحقة؟ فريق منفرد من افراد الاسرة التربوية؟
من هو؟ والجواب بسيط وسريع:
ان بقي افراد العائلة التربوية على الحالة التي هم عليها بشكل يؤدي الى رمي كل منهم المسؤولية على غيره ومطالبته بحقوقه كاملة، فلا مناص من غرق المركب بجميع ركابه اي المدرسة والاستاذ والتلميذ، اما الدولة فهي غارقة اصلا بديونها .
اما الحل: فبالاضافة الى ضرورة وقف السجالات والمزايدات، فيكمن في توزيع الخسائر، اي بمعنى عملي آخر:
1- تسدد الدولة مساهماتها للمدارس شبه المجانية.
2- تسدد تعاونية الموظفين مساهماتها كما في السابق.
3- تسدد وزارة المالية مساهماتها عن العسكريين مباشرة الى المدارس.
4- يقتطع من رواتب الاساتذة بشكل نهائي ما نسبته ٢٥% عن فترة ستة اشهر يتم احتسابها وحسمها من الاقساط المدرسية وتسدد لهم باقي رواتبهم دون تأخير.
5- تتحمل المدرسة ما بين 20 الى ٢٥% بحسب ارقام ميزانية كل مدرسة من نسبة ٣٥% من ميزانيتها لهذه السنة ويتم احتسابها وحسمها من الاقساط المدرسية.
6- يسدد اولياء التلامذة الاقساط المستحقة عليهم نتيجة اعادة الاحتساب هذه فورا، وينظر الى وضع من هو حسن النية ومتعثر في اعطائه مهلة اضافية للتسديد مع كامل الضمانات اللازمة.
7- تتعهد المدارس علنا بانهاء العام الدراسي وتسليم افادات واتمام البرنامج وفق ما تخطط له حفاظا على مستواها التعليمي، ويمكن لمن لا يجد من اولياء التلامذة في التدابير المتخذة من المدارس ما يقنعه بالمستوى التعليمي نقل اولاده من المدرسة، وهذا الامر يكون متحققا لمن يرفض او يمتنع عن التسديد.
اضافة الى كل ذلك وتزامنا معه تبادر الامانة العامة الى تفعيل مركز الوساطة ومركز التحكيم التابعين للامانة العامة للمدارس الكاثوليكية والذي كان لي شرف اقتراح تأسيسه منذ العام ٢٠١٣ بدعم وموافقة من سعادتكم، حضرة الامين العام، وذلك من خلال المداخلة التي تقدمت بها في المؤتمر السنوي العشرون للمدارس الكاثوليكية في لبنان الذي انعقد في المدرسة الانطونية الدولية عجلتون بتاريخ ٣و٤ ايلول ٢٠١٣ حتى نتوصل معا لايجاد وسيلة بديلة لحل الخلافات بين افراد الاسرة التربوية .
هذا ما رأيته صالحا للمناقشة وانني اذ اتقدم بمقترحي هذا، بناء للطلب، اصرح بانه لم يكن وليد تشاور مع اي من المدارس بالرغم من صفتي كمحام ووكيل عام عن الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية بحيث يبقى هذا المقترح غير ملزم لاي منها باي شكل من الاشكال، اضافة الى انه يمكن للجامعات الارتكاز عليه واخذه على سبيل القياس لايجاد الحل الانجع لها والمناسب لاسرتها الجامعية.
كل ذلك يدخل في اطار المسعى الصالح للحل على ان يبين الاطراف كل بمفرده عن ارادته الحسنة والقبول بمبدأ توزيع الخسائر اقله من باب التضامن الاجتماعي.