ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

توصيات لتطوير الوساطة في الدول العربية


توصيات لتطوير الوساطة في الدول العربية

{{subject.Description}}

- أهمية موضوع الوساطة وحداثته

- تعريف الوساطة، معاييرها، وظائفها وخصائص الوسيط

- لمحة تاريخية عن ظهور الوساطة

- الحلول : توصيات لتطوير الوساطة في الدول العربية

 

أولاً: تأسيس تطوير الوساطة على أرضية صلبة وفق منهج علمي عالي المستوى

  • أ- إزالة الخلط بين الوساطة وأساليب حل النزاعات
  • ب- النظر الى الوساطة كمفهوم جدي
  • ت- أولوية التدريب

ثانياً: دمج الوساطة في الثقافة القضائية

  • أ- بناء الثقة بين العدالة والوساطة
  • ب- إشراك المحامين في تطوير الوساطة
  • ت- قوننة الوساطة دون خنقها

- الخلاصة

                                            

أهمية موضوع الوساطة وحداثته

أظهرت الأمم المتحدة إهتماماً جدياً في نشر الوساطة حيث إعتبر الأمين العام السابق بان كي – مون في التوجيهات التي أطلقتها المنظمة من أجل الوساطة الفعالة في أيلول 2012 أن الوساطة تمثّل وسيلة من أكثر الوسائل فعالية لمنع نشوب النزاعات وإدارتها وحلها[1]. أمّا في بلداننا العربية فقد تفاوت الإهتمام بهذا المفهوم بين دولة وأخرى.

في لبنان مثلاً ظهر المركز الأول للوساطة عام 2006 وتم إقرار قانون الوساطة القضائية عام 2018؛ القانون الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم 17/2016 نصّ على إنشاء مراكز للتوفيق والمصالحة في المنازعات المدنية والتجارية. في غرفة دبي ينشط العمل بالوساطة؛ المركز السعودي للتحكيم التجاري يطرح الوساطة كخدمة سريعة وفعالة لحل النزاعات بين الخصوم؛ في مصر تقدمت الحكومة مؤخراً بمشروع قانون متكامل يهدف لإصدار قانون تنظيم إجراءات الوساطة الخاصة والقضائية لتسوية المنازعات المدنية والتجارية؛ قطر إنضمت لاتفاقية الأمم المتحدة للتسوية الدولية الناتجة عن الوساطة والمعروفة باسم (اتفاقية سنغافورة بشأن الوساطة) في شهر آب ٢٠١٩.

موضوع دراستنا يتمحور حول طبيعة التوصيات المفترض إتباعها بغية تأمين التطويـر السليم لهذا المفهوم الجديد في هذه المنطقة. على مر السنين، بادرت دول كثيرة إلى إضفاء الطابع المؤسساتي على مفهوم الوساطة بحيث جرى قوننتها وتركيزها على قواعد واضحة ودقيقة تحافظ على فعاليتها. في أغلب الأحيان، تجنح بلدان منطقتنا نحو تبني نموذجاً غربياً دون أن تعطي الإهتمام الكافي لدرس مقبوليته الاجتماعية أو التاريخية وإمكانية نجاح تطبيقه في مجتمعاتنا.

تشكّل دراسة الإحتياجات الوطنية والخصائص المجتمعية نقطة الإرتكاز في مسيرة النجاح بحيث تختلف الأسباب بين دولة وأخرى من الناحية الداخلية لكن تبقى المبادئ العامة هي ذاتها على الرغم من إختلاف البلدان وتنوع قوانينها. لذلك وجدنا في تثبيت التوصيات العريضة أهمية بالغة في مسيرة إنجاح وتطوير الوساطة في بلداننا العربية.

تعريف الوساطة، معاييرها، وظائفها وخصائص الوسيط

قبل البدء بوضع خطط تطويرية لأحد المفاهيم، من المنطقي إعتماد تعريف واضح للمفهوم يزيل كل إلتباس ممكن أن يتكون في ذهن الناس حول طبيعته وتمييزه عن المفاهيم التي تبدو أو التي يُعتقد انها مشابهة له.

وقد شهدت مرحلة ظهور الوساطة خلط كبير بينها وبين الصلح والتوفيق والتحكيم وسائر الوسائل البديلة لحل النزاعات الأمر الذي أثر بشكل كبير على فهم المهتمين لهذا المفهوم الحديث والفريد، على الرغم من أن التمييز بينها مفترض أن يكون سهلاً كون و دور الوساطة يتعدى وظيفة حل النزاعات الى موضوع إستباق وقوعها أو إدارتها، في حين أن دور الوسائل البديلة يقف عند حدّ حل النزاعات.

لقد تم طرح عدة تعريفات لهذا المفهوم وجدنا أن أكثرها شمولية هو التعريف الذي وضعته الدكتورة ميشال غيوم - هوفنوغ التي إعتبرت أن الوساطة تُعرَّف قبل كل شيء بأنها عملية تواصل أخلاقي تقوم على مسؤولية المشاركين واستقلالهم، حيث يقوم طرف ثالث - محايد ومستقل ومجرّد من كل سلطة تقريرية أو استشارية، مع السلطة الوحيدة المعترف بها له من قبل الشركاء - بتعزيز إنشاء صلة اجتماعية، أو إعادة وصل رابط وقد انقطع، او الحؤول دون نشوب نزاع، أو حلّه، من خلال مقابلات سرية [2].

انبثقت الوساطة من المجتمع المدني في ثمانينات القرن الماضي حيث كان لاستخدام مصطلح الوساطة قبل هذا التاريخ معنى مختلف.

وللوساطة معياران، الأول يتمثل بطبيعتها حيث تعتبر عملية وليست إجراءاً It is a process, not a procedure والثاني هو وجود الوسيط فلا يمكن أن نتخيل وساطة من دون وسيط على عكس المفاوضة أو الصلح مثلاً التي يمكن أن تجري بغياب شخص ثالث. تم تشبيه الوسيط بالطبيب النسائي الذي يساعد على الولادة دون أن يكون له أي دور آخر سوى المساعدة. فهو يعمل كدليل للحوار، ولكن القرار النهائي هو على عاتق المشاركين.

في مجتمعاتنا هناك تسلسل هرمي وتمييز بين الناس حتى لو كانت المساواة موجودة في النصوص وحتى لو كنا أحرارا ومتساوين في القانون. وبالتالي فإن تركيبة المجتمع والتعددية التي تميزه تدفع إلى ظهور هذه الحاجة للوساطة. وقد وصفنا الوسيط بأنه أحد شركاء الوساطة لأنه ينبغي ألا نستخدم كلمة "أطراف" في هذا المفهوم كون هذه العبارة تعود بنا إلى مفردات المحاكمة والإنقسام في وقت أن الوساطة هي شراكة كاملة.

تختلف الوساطة عن الوسائل البديلة لحل النزاعات بحيث تهدف هذه الأخيرة إلى إيجاد حل ودي لنزاع بين الأطراف في حين أن الوساطة قد تحصل في غياب أي نزاع كإعتمادها لمنع نشوب نزاع محتمل، أو لغرض إنشاء صلة بين الشركاء أو إعادة إنشاء علاقة منقطعة. فالوساطة هي دواء للفردانية والوحدة اللتين تعمّان مدننا الضخمة والانقسام والعنف اللذين يضربان مجتمعاتنا ويفككان شراكاتنا وعائلاتنا وأحياء مدننا.

من جهة أخرى، للوسيط خمس خصائص:

  • هو شخص ثالث A third person/party Tiers[3]  أي أنه من خارج النزاع أو العلاقة ويبقى في الخارج طوال العملية.
  • محايد Impartial بالنسبة لعلاقته بالأشخاص فإذا كان يميل لأحد على حساب آخر فإن الوساطة ستصبح غير متوازنة وحينها سينهار مفهوم الوساطة برمته.
  • مستقل: Independent  والإستقلال هنا عن الناس والموضوع في آن معا.
  • متجردNeutral  والتجرد يتميّز عن الحياد، فالحياد هو تجاه الأشخاص أما التجرد فهو يتعلق بوضعية الوسيط تجاه النتائج.
  • لا يتمتع بسلطة  Without authority لا من ناحية فرض رأيه ولا من ناحية إصدار قرار، وهو رجل أعزل كما وصفه Jean François Six حين قال: A mediator is a man stricken from power [4].

لمحة تاريخية عن ظهور الوساطة

الوساطة هي ثابت فكري في التاريخ البشري. ظهرت كلمة "وسيط" بالفرنسية عام 1355 بمعنى "الشخص الذي يتوسط أو يتدخل  لإنجاز إتّفاق A person who interposes himself to ensures that an agreement is arrived at

شهدت الوساطة المعاصرة تحولاً عميقاً بعد أن ولدت في الولايات المتحدة، بمبادرة من محامي من أتلانتا يدعى   O.J.Coogler الذي عانى شخصيا من قضية طلاق أثرت عليه على الصعيدين العاطفي والمادي، فقام بتأسيس مركز وساطة عائلي في مدينته عام 1974، حيث دوّن لاحقاً تفاصيل تجربته في كتاب بعنوان « Structured Mediation in Divorce Settlement : A handbook for Marital Mediators » وأعطى بنشره عام 1978 الضوء الأخضر ونقطة الإنطلاق للوساطة في الولايات المتحدة. ثم شهدت الوساطة وبمبادرة من المجتمع المدني في كاليفورنيا أول تشريع يهدف الى تسهيل إعتمادها، ثم في وقت لاحق في كندا التي كانت تجربتها مرجعاً للعديد من الدول الأوروبية في مجال الوساطة. لم تظهر الوساطة فعلياً في أوروبا إلا في العام 1984 وبالتحديد في فرنسا بمبادرة من Robert Badinter.

الحلول : توصيات لتطوير الوساطة في الدول العربية

تكثر الأسئلة حول الوساطة نظراً لحداثة الموضوع خاصة في منطقتنا العربية، فنسمع مثلاً من يتساءل ما إذا كانت الوساطة تتطور في كل مكان ما عدا في منطقتنا، وهل كثرة سماعنا بكلمة وساطة تعني أن المفهوم يتطور فعلاً؟ هل تكون الوساطة محصورة في الشق القضائي؟ ما هو دور المحامي؟ هل يجب أن تتدخل الدولة في تنظيمها والى أي درجة؟ هل يجب إبقاؤها في المكان الذي إنبثقت منه أي المجتمع المدني؟ هل علينا نسخ نموذج أوروبي أو أخذ خصائص كل مجتمع بعين الاعتبار؟ هل تقف وظيفتها عند حل النزاعات أم تتعدى فوائدها الحل الى الوقاية والى إدارة النزاعات وبناء الجسور؟

نحن أمام مفهوم جديد  يتطلب تحولا في عقلية الأفراد والمؤسسات معاً. فروحية الوساطة تقوم على الإيمان بقدرة الأفراد في إيجاد الموارد الكافية بأنفسهم لكي يتمكنوا من الخروج من النزاع أو من حالات يمكن أن تؤدي إلى الخلاف. ومع ذلك، يمكن أن يختلف استخدام الوساطة حسب البلد ونوع النشاط والثقافة. والهدف على هذا المستوى هو تحسين العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، المجتمع الواحد، بين الجيران وبين الثقافات المتعددة. إنها نوع من فلسفة جديدة للحياة الاجتماعية.

إن تحديد ومعرفة المفهوم الذي نطوره أمر بالغ الأهمية بدءا من تبني تعريف علمي وواضح للوساطة لنستفيد من التجربة الأوروبية التي وضعت حدّاً للخلط الذي كان يلحق بموضوع التمييز بين الوساطة وسواها من مفاهيم أو أساليب أخرى. التوصيات التي سنوردها ستكون ذات شقين، الأول هو تأسيس تطوير الوساطة على أرضية صلبة وفق منهج علمي عالي المستوى والثاني إدخال الوساطة في الثقافة القضائية.

أولاً: تأسيس تطوير الوساطة على أرضية صلبة وفق منهج علمي عالي المستوى

درجت العادة أن تأخذ دول المنطقة العربية القوانين الغربية وتعتمدها إستنادا ً إلى الثقة الكبيرة في النموذج الأوروبي أو الأمريكي الشمالي. إلا أن التجربة علمتنا أنه سيكون من الخطأ أن نعمد إلى نقل نموذج الوساطة كما هو دون أخذ خصائص كل مجتمع بعين الاعتبار، وألا نتعلم من نجاحات وإخفاقات البلدان التي شرعت قبلنا في تطوير الإشراف على الوساطة. من الضروري وضع الأسس لنهج يقوم على نوعية العمل وليس على نشر المراكز على حساب الجودة وذلك من أجل ضمان جودة عملية الوساطة ونوعية الوسطاء. وعليه نقترح الآتي:

  • أ- إزالة الخلط بين الوساطة وأساليب حل النزاعات: نقطة الإرتكاز في مسيرة تطوير الوساطة تكمن في إحترام المفهوم وتعريفه بشكل صحيح وتمييزه عن أساليب حل النزاعات بما في ذلك التوفيق والمصالحة والتحكيم. إن تسليط الضوء على دور ووظائف الوساطة التي عرضناها أعلاه إضافة الى خصائصها الفريدة تسهّل عملية التفريق. الوساطة هي عملية اتصال وحوار مكملة للعدالة وليست بديلاً عنها. تمييزها عن سواها يحرر قوّتها ويضمن وحدتها ويترجم هويتها، فالعدو الأول والعائق الكبير أمام تطور الوساطة هو سوء تعريفها وعدم تمييزها عن المصالحة بشكل خاص.[5]
  • ب- النظر الى الوساطة كمفهوم جدي: إن عملية تطوير الوساطة لا يمكن أن تنجح إلا إذا تم التعاطي معها بجدية وبمنطق علمي. نشهد اليوم ولادة العديد من مراكز الوساطة التي يبشر بعضها بهذا المفهوم بصورة خاطئة ومن دون أي أساس علمي. هذا لا يعني أن المراكز ليست كلها صالحة، ولكن يقتضي تنظيمها ودعوتها لتوحيد أهدافها من خلال تجسيد طابع موحد وجدي للوساطة. وهنا لا بدّ من وضع قانون يغطي الوساطة بشكل عام دون أن نكتفي بتشريع يتناول إحدى جوانب الوساطة كحصرها مثلاً بالشق القضائي أو العائلي. فالمنطق يقول أن الأولوية يجب أن تكون في تنظيم الوساطة بشكل عام قبل الإنتقال الى تنظيم المجالات المختلفة التي تنشط فيها.
  • ت- أولوية التدريب: لا يولد الانسان طبيباً أو مهندساً أو نجاراً أو فناناً. صحيح أن الإنسان يميزه الله بموهبة ما لكن عليه أن يطوّرها وينميها وإلا تضمحل وتنتهي. وفي الوساطة الأمر لا يختلف على الإطلاق فهي علم لا يكتسب فطرياً ولن يصبح الإنسان وسيطاً بمجرد توسيع مجال خبرته الأصلية. فتدريب الوسطاء يضمن نوعية تدخلهم ويشكل التزاما أخلاقيا بخلق الثقة في الوسيط. أن يصبح الشخص وسيطاً هو قبل كل شيء حالة ذهنية، ممارسة تتطلب اللباقة وحسن الإصغاء وتوقيت التدخل، مهارات خاصة لا يمكن تنميتها إلا بالتدريب. إن فهم عملية الوساطة والتقنيات الأكثر شيوعاً هو خطوة أساسية يجب على الوسيط أن يأخذ زمامها منذ بداية تعلمه ومن لحظة ممارسته لهذا المفهوم. فالوسيط دون تدريب يضرّ المفهوم بشكل عام  بحيث أن الإنطلاق في هذا المجال يستوجب تدريباً علمياً منظماً من المفترض أن يستمر ويتطور من خلال الممارسة المهنية. فالوساطة التي تستند في الأصل على وجود وسيط مستقل ومحايد ودون أي سلطة، لا يمكن ضمان نجاحها من دون ضمان نجاح الوسيط في فهم مهماته وخصائصه. والوسيط لا يمكنه تحقيق ذلك من دون تدريب وتعّلم فتدريب الوسطاء هو سر النجاح وهو التزام أخلاقي حتى يوحي الوسيط بالثقة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون التدريب مستمراً للتمكن من التحولات والاستيعاب المتعمق للبيانات الجديدة. ومن أهم الأمور هو وضع معايير مشتركة لتنظيم مهنة الوسطاء وطريقة تسميتهم وقبولهم من أجل تعزيز الوساطة بشكل أفضل وضمان معايير عالية للتدريب المهني[6]

ثانياً: دمج الوساطة في الثقافة القضائية

لا شك أن حصر الوساطة في المجال القضائي وفي إطار حل النزاعات يخالف طبيعة هذا المفهوم الذي يتميز بخصائص ووظائف تتعدى موضوع حلّ النزاعات فيلحق هذا الحصر ضرراً كبيراً بالوساطة مؤثراً بذلك على تطورها. في فرنسا مثلاً يتصاعد الإهتمام بالوساطة في مجال حماية المستهلكين عبر تسوية النزاعات خارج المحكمة، حيث يحاول الطرفان الوصول إلى اتفاق لحل نزاع بينهما وديًا بمساعدة طرف ثالث هو الوسيط[7]. وفي مجالات أخرى تنشط الوساطة في مجال الخلافات العائلية وسوى ذلك من مجالات، لكن المنطق العلمي لا يمكن أن يقبل أن الكلمة التي تلي الوساطة سواء أكانت مجالاً أو صفةً تصبح أقوى من الكلمة الأساس وتطغى عليها. لذلك، يقتضي تطوير المفهوم بشموليته ومن ثم تكون عملية إسقاطه على  شتى القطاعات عملية مرنة وسهلة. فالوساطة القضائية مثلاً ليست ذات طبيعة مختلفة عن الوساطة بشكل عام، إلا أنها تكتسب أهمية كبرى نظراً لكثرة النزاعات التي تسلك الطريق القضائي. وإن ضمان نجاح الوساطة بشكل عام يحتّم دمجها بطريقة طبيعية في الشق القضائي دون أن يتم خنقها كون الوساطة التي لا تحافظ على حرية الشركاء فيها تموت. وعليه نقترح الأتي:

  • أ- بناء الثقة بين العدالة والوساطة: على الرغم من أن الوساطة كما سبق واشرنا إنبثقت من المجتمع المدني، إلا أن إهتمام السلطات الرسمية قد تزايد بها بسبب الصفات الجوهرية والإيجابية التي أظهرتها. ولضمان تطور الوساطة في المجال القضائي يقتضي ضمان الحفاظ على صفاتها الجوهرية بحيث يجب أن يدعم القانون الوساطة بمصطلحات موثوقة تحترم طبيعتها المحددة وتعطيها نظاما قانونيا محددا يقوم على إحترام حرية الشركاء فيها. [8] وقد فتح النقاش في أوروبا حول مدى تقبل القضاة للوساطة في ظل إبداء البعض منهم الخوف من فقدان بعض سلطاتهم عبر إحالة الملف إلى وسيط يمارس دوره بحرية، إلا أن البعض الآخر إعتبروا أن  القاضي الذي يوصي بالوساطة بحكمة سوف يرى بدلا من ذلك تعزيزا لسلطته وسوف يكون قادراً على تكريس نفسه أكثر للقضايا العامة[9].
  • ب- إشراك المحامين في تطوير الوساطة: سال حبر كثير عن دور المحامين في الوساطة وفي تطويرها. كان الإعتقاد السائد عالمياً أن خوف المحامين من الوساطة يعود إلى كون كل جديد مخيف، والى إمكانية أن يحل وسطاء آتين من مجالات مختلفة محل المحامين.[10] إلا أن السنوات الأخيرة أثبتت أن الوساطة بحاجة إلى المحامين، حيث يبرز دورهم في عدة مراحل من الوساطة في إطار مرافقتهم لموكليهم ولتقديم المشورة وتنظيم العقود النهائية في حال أفضت الوساطة الى حل أو أدت إلى إستباق نزاع. وكما أنه ليس كل وسيط محامٍيا، فبطبيعة الحال ليس كل محامٍ وسيطاً، إذ يبقى التدريب هو السبيل الذي يجعل المحامي يلبس ثياب الوسيط في ملف لا يكون فيه محامياً لأحد المعنيين به. وإن التوصل إلى اتفاق سريع وبناء هو وسيلة تساعد المحامي على إرضاء موكليه، كما تسمح له بزيادة قدرته على إستيعاب ملفات أخرى. حتى أنه في حال عدم التوصل الى إتفاق أو في حال توقيع اتفاق جزئي فإن الوساطة تكون قد ساعدت على توضيح مواقف الأطراف وتبسيط الإجراءات المقبلة.
  • ت- قوننة الوساطة دون خنقها: تمارَس العديد من المهن دون قانون تنظيم للمهنة، فعلى سبيل المثال، نذكر الحرف بشكل عام التي لا تشكل خطرا على السلامة الجسدية أو المهن التي لا تتداخل مع عمل أجهزة الدولة، أو المهن التي لا تقدم خدمة عامة. أما تنظيم الوساطة فأمر ضروري لحماية الشركاء وأسرارهم وحقوقهم، كما وفي حال كانت الوساطة ضمن مسار عملية قضائية، يصبح من الأهمية تأديتها بشكل موحد احتراما لمبدأ المساواة أمام المحاكم، وإعطائها شكلاً يضمن حرية الدخول فيها، والبقاء فيها، وتركها. لكن ليس هناك خطر يوازي خطر إيلاء الإشراف على الوساطة الى لجنة أو سلطة إدارية أو هيئة لا تتمتع بالقدر الكامل والكافي من  الكفاءة والخبرة. فالوساطة لا يجب حصرها في إدارة أو وزارة بل يجب إعتبارها مفهوماً واسعاً بحاجة لقدر من التنظيم المقرون بمساحة رحبة من الحرية يحول دون خنقها في نظام قانوني يخالف طبيعتها. فالوساطة التي انبثقت من المجتمع المدني تستمر في تحقيق أهدافها طالما لم يتم خنقها عبر غوص المشرع كثيراً في تفاصيلها وإمعانه في كل شاردة وواردة بخصوصها. وبقدر ما يُحدّ من تنظيم الوساطة وبقدر ما يتم إحترام حرية الوسطاء في تكوين الجمعيات، أي بتجنب حبسهم في قيود نظام قوي، سيسمح للمجتمع المدني بمواصلة تغذية المؤسسة التي أنجبها بتنوعه.

الخلاصة

نجاح الوساطة في الدول العربية مرهون بتأسيس تطويرها على أرضية صلبة وفق منهج علمي عالي المستوى يحترم إزالة الخلط بينها وبين أساليب حل النزاعات ويولي الوسطاء التدريب العلمي الكفيل بتنمية قدراتهم للقيام بالدور المناط بهم دون زيادة أو نقصان، فيتم دمج الوساطة كمفهوم مستقلّ بالثقافة القضائية عبر بناء الثقة وإشراك المحامين في مرحلة التأسيس، وقيام الدولة بقوننة هذا المفهوم دون أن تصبح القوننة وسيلة خنق وإلغاء وتقزيم. في منطقتنا، الفرصة اليوم سانحة للبناء كون الأرضية خالية من الأحكام المسبقة والتعريفات المغلوطة، والمطلوب الإستفادة من التجارب الغربية وإستخلاص العبر، فالوساطة هي الطريق نحو السلام.

 

 

 

[1]. https://peacemaker.un.org/sites/peacemaker.un.org/files/GuidanceEffectiveMediation_UNDPA2012%28Arabic%29_0.pdf

[2]. Michèle Guillaume-Hofnung, Que sais-je ?  « La Médiation », 7ième Éd., Paris, Presse Universitaire de France, PUF, 2015, Page 70.

« Mediation is defined as an ethical communication process, based on the independence and the responsibility of the participants, in which a third person – impartial, independent, neutral (without any decisive or consultative authority), and, with the sole authority granted to him by the parties, promotes through confidential exchanges, the establishment, the re-establishment of a social link, the prevention or the resolution of a particular situation».

[3]. We can’t talk about mediation without the presence of a mediator. Jean François Six, « Le Temps des Médiateurs », Paris, Seuil, 1990, Page 165.

[4]. “How can we ensure to advance a matter and re-establish linkages without having authority? Jean Francois Six states that one of the characteristics of the mediator, is that he be a third person without any authority, as the one who has recourse to a mediator, instead of going before a judge, does not seek his decisive opinion on the debate, and he does not ask him to arbitrate either. According to Jean Francois Six, the authority is merely a “blank check” of a sort which is given to the arbitrator by the two opponents. Jean François Six, « Le Temps des Médiateurs », Paris, Seuil, 1990, Page 176

[5]. Fabrice Vert, « La confusion terminologique entre médiation et conciliation : un frein à leur développement », Gazette du Palais No 031 du 31/01/2015, Page 8.

[6]. La résolution du Parlement européen du 13 septembre 2011 sur la mise en œuvre de la directive relative à la médiation dans les États membres, ses effets sur la médiation et son adoption par les tribunaux (2011/2026[INI])

[7]. Angela Albert et Christophe Choening « Médiation de la consommation, un nouveau droit pour les consommateurs » : https://www.albertassocies.com/images/ARTICLE_ANGELA_ET_CHRISTOPHER.pdf

[8]. Fabrice Vert, « Construire la confiance entre justice et médiation », Gazette du Palais, No 356 Page 9, 22/12/2015

[9]. J.A. Mirimanoff, Médiation et culture/Paris, comment introduire la médiation dans notre culture judiciaire ? Page 4, 2.2 « Fear of losing one’s authority : The judge who recommends in good faith mediation, will on the contrary, see his authority reinforced and will be able to dedicate himself better to his files, for which the traditional judicial system is more appropriate. He will learn to prescribe mediation, not to discharge himself of complex or heavy matters”

[10]. J.A. Mirimanoff, op.cit. About the lawyers, Jean A. Mirimanoff writes: “The fear of losing one’s resources extinguishes once the lawyer realizes what his new role in the process is, that this leads to in the majority of cases, to a win-win situation to which he is entitled to a legitimate remuneration, and that – last but not least – the client’s satisfaction as to the result, which would also ensure his loyalty in the future for other cases.

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان