دأبت وزارة العمل على الإشراف على الانتخابات المجالس التنفيذية للنقابات وتصديق نتائجها مع ما يعنيه هذا الإشراف من التحقق من سلامة العمليات الانتخابية ومن ان هذه العمليات تتم وفقاً للاصول القانونية والتنظيمية (هيئة التشريع والاستشارات الاستشارة رقم 694/2009تاريخ 28/09/2009)، ولهذا إذا تبيّن أن هذه الانتخابات غير منطبقة على الأنظمة أو تمسّ بصدقية العملية الانتخابية ونزاهتها فإن للوزارة السلطة بمنع هذه المخالفات وعدم السماح بحصولها، وبعد انتهاء مرحلة الإشراف يأتي دور المصادقة التي هي لاحقة على الإشراف وتتطلب التحقق مجدداً من سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها وهذا ما نصّت عليه المادة السابعة من نظام النقابات الصادر بموجب المرسوم رقم 7993 تاريخ 3/4/1952 أنه:" لا يعتبر الانتخاب نهائيا ما لم يقترن بتصديق مصلحة النقابات في وزارة الشؤون الاجتماعية"، وكان الواجب المفروض على وزارة العمل بالإشراف على الانتخابات وتصديق نتائجها يحتّم عليها أن لا تصادق على نتائج انتخابات مشوبة بعيوب تشكك بمشروعيها على ما يستوحى من رأي هيئة التشريع والاستشارات رقم 141تاريخ 01/03/2016 أنه عندما يكون العمل مصيره البطلان لا يكون بالتالي من الجائز مصادقة وزارة العمل عليه.
وبالرجوع إلى نظام النقابات الصادر بناء لاقتراح وزير الشؤون الاجتماعية بموجب المرسوم رقم 7993 تاريخ 3/4/1952 فلقد تبيّن منه أـنه ينيط صلاحيات الإشراف على الانتخابات النقابية وتصديق نتائجها بمصلحة النقابات، حيث كانت وزارة الشؤون الاجتماعية تتألف يومها من مديرية عامة وديوان وأربع مصالح بينها مصلحة النقابات (المرسوم رقم 5633 تاريخ 10/8/1951 تأليف وزارة الشؤون الاجتماعية وتحديد ملاكها)، ولما صدر المرسوم الاشتراعي رقم 23 تاريخ 4/2/1953 الرامي إلى إعادة تنظيم وزارة الشؤون الاجتماعية فإنه ألغى مصلحة النقابة ووسع صلاحيات مصلحة العمل التي أصبحت تضمّ أربعة أقسام هي: - قسم تفتيش العمل في بيروت . - قسم القضايا والمجالس التحكيمية. - قسم الوقاية الصحية. - قسم النقابات .
ونصّ في مادته رقم 11 على أن يتولى قسم النقابات : درس طلبات انشاء النقابات وانظمتها الداخلية، المساعدة على رفع مستوى النقابات، تنظيم ملف خاص لكل نقابة، الاشراف على انتخاب اعضاء مجالس النقابات وتصديقه، السهر على تنظيم النقابات ومراقبة اعمالها وفقاً للقوانين والانظمة المرعية. وبحسب هذه الأنظمة كان الإشراف والتصديق من صلاحية مصلحة النقابات، وأصبح في العام 1953 من صلاحية قسم النقابات في وزارة الشؤون الاجتماعية.
ولما أحدثت وزارة العمل بناء على الصلاحيات الاستثنائية الممنوحة للحكومة بموجب قانون 8/2/1961 صدر التنظيم الجديد لوزارة العمل بموجب المرسوم رقم 8352 تاريخ 30/12/1961 الذي أبقى على قسم النقابات وحدد صلاحياته في مادته رقم 13 وحصرها بالصلاحيات الآتية::"تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالهيئات النقابية ومراقبة نشاطها بصورة دائمة، مساعدة الهيئات النقابية على رفع مستواها إدارياً ومعنوياً وعلى تنمية الضمير المهني والثقافي بين أعضائها وعلى تنظيم الخدمات الاجتماعية في أوساطها، العمل على توثيق قوى التعاون بين الهيئات النقابية للأجراء وأرباب العمل، درس طلبات إنشاء النقابات والاتحادات النقابية وأنظمتها الداخلية".
ومن الواضح أن التنظيم الجديد لوزارة العمل قد ألغى صراحة صلاحية الوزارة بالإشراف والرقابة على الانتخابات النقابية.
وعندما يأتي المرسوم الصادر بناء لتفويض تشريعي ليلغي صلاحية قسم النقابات في الإشراف على الانتخابات النقابية، فلا يعود من الممكن لهذا القسم أن يتولى هذه الصلاحية. وبالرغم من إلغاء صلاحية الإشراف والرقابة على الانتخابات لكن وحدات الوزارة استمرت على الطلب من النقابة أن تضمّن أنظمتها الداخلية نصاً حول إشراف وزارة العمل على الانتخابات ومصادقة نتائجها.
وبحسب الدستور فإنه إذا ما كان لجهةٍ ما أن تمارس هذا الإشراف فتكون هذه الجهة هي وزير العمل المنوط به وفق المادة 66 من الدستور إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به. فحيث لا يحدد النص القانوني صلاحية لمرجعٍ ما فإن الصلاحية تعود حكماً للوزير المختص.
وما يعزز فرضية الغاء صلاحية وزارة العمل بالإشراف على العملية الانتخابية أن القانون رقم 56 تاريخ 27/12/2008 الرامي إلى تنظيم المهن الفنية قد نصّ على أن :"تحل وزارة الثقافة محل وزارة العمل، في جميع الصلاحيات الواردة في قانون العمل والمرسوم رقم 7993/1952 فيما خص النقابات المهنية للفنانين، بما فيها تلك المتعلقة بقرارات التأسيس والرقابة والحل"، ولم يشر هذا القانون إلى صلاحية الإشراف على الانتخابات أو تصديق نتائجها. وفي التطبيق فإن وزارة الثقافة تقع أيضاً بذات الخطأ حيث تبيّن أنها تستند في الإشراف على الانتخابات إلى الأنظمة الداخلية للنقابات التي تتضمّن هذا النص، أمّا التصديق على نتائج الانتخابات فيتولاه وزير الثقافة بناء لاقتراح المدير العام.
تجاوزاً لهذا التفسير، فإن الانتخابات تدخل ضمن مفهوم الحرية النقابية التي كرّستها منظمة العمل الدولية التي أصدرت في ختام مؤتمـر العمـل الدولي في دورته السادسة والثمانين، المنعقدة في جنيف بتاريخ 18/6/1998 وثيقة "إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل لسنة 1998" حيث ورد في البند أ من ديباجتها نصاً صريحاً على قبول الدول الأعضاء بملء إرادتها بالمبادئ والحقوق الواردة في دستور المنظمة وفي إعلان فيلادلفيا، وأنها، أي الدول، تعهدت بالعمل على تحقيق الأهداف العامة للمنظمة بكل الوسائل المتوفرة لديها وبما يتماشى مع الظروف الخاصة بكل منها؛ وقد تضمّن البند ب من ديباجة الإعلان بأن هذه المبادئ والحقوق قد ترجمت وطورت على شكل حقوق والتزامات محددة في عدد من الاتفاقيات المعترف بأنها اتفاقيات أساسية، سواء داخل منظمة العمل الدولية أم خارجها, وتابعت وثيقة إعلان المبادئ المذكورة: "أن جميع الدول الأعضاء، وإن لم تكن قد صدقت على الاتفاقيات موضوع البحث، ملزمة بمجرد انتمائها إلى المنظمة، بأن تحترم المبادئ المتعلقة بالحقوق الأساسية التي تشكل موضوع هذه الاتفاقيات وأن تعززها وتحققها بنية حسنة ووفقاً لما ينصّ عليه الدستور، وهي: الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية؛ القضاء على جميع أشكال العمل الجبري أو الإلزامي، القضاء الفعلي على عمل الأطفال، القضاء على التمييز في الإستخدام والمهنة".
وحيث أن الدولة اللبنانية وفقاً لمقدمة دستورها هي عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزمة مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.
وحيث أن تجسيد هذه المبادئ المقررة في دستور منظمة العمل الدولية، يوجب تعزيز الحرية النقابية، وهذا ما يستدعي تفسير النصوص الناظمة لصلاحيات وزارة العمل بصورة ضيّقة وبما تحمي هذه الحقوق والحريات الأساسية، وحيث أن النص الجديد الناظم لصلاحية الوزارة لا يتضمّن ما يشير إلى الحق في المراقبة والإشراف على العملية الانتخابية.
لذلك والتزاماً بالمواثيق الدولية الناظمة للحقوق والحريات وتطبيقاً لحرفية النص الوراد في المرسوم رقم 8352 تاريخ 30/12/1961، وأسوةً بانتخابات نقابات المهن الحرة المنظمة بقانون وكذلك أسوةً بانتخابات الجمعيات الخاضعة لبيان العلم والخبر أو المنشأة بمرسوم، فإن وزارة العمل ليس لها صلاحية الإشراف على الانتخابات النقابية ولا بتصديق نتائجها، بل تتولى فقط أخذ العلم بالنتائج بعد انتهاء العملية الانتخابية لضمّها للملف، وتسليم نسخة طبق الأصل عن هذه النتائج المحفوظة في السجلات بناءً للطلب (أسوةً بما تفعله وزارة الداخلية والبلديات)، ويأتي دور وزارة العمل عندما يتخلف مجلس النقابة عن تعيين موعد لإجراء هذه الانتخابات في هذه الحالة ، وعملاً بالمرسوم رقم 8275 تاريخ 19/4/1996 الرامي إلى تعديل نظام النقابات، يتولى وزير العمل تحديد موعد هذه الانتخابات وتقوم المصلحة المختصة في وزارة العمل بالإجراءات اللازمة لها.