يشهد لبنان، الذي يعيش تحت وطأة واقع مالي مأزوم، والعالم موجة من انتشار وباء الكورونا الفتاك الزمت معظم الدول ومنها لبنان على اتخاذ قرار بالزام مواطنيها التزام منازلهم واقفال معظم المحال والمؤسسات التجارية بعد أن فرض الحجر على مواطنيها.
بتاريخ 15 آذار 2020 أعلنت الدولة اللبنانية حالة التعبئة العامة ومددتها لغاية 12 نيسان 2020 ، وقررت تعليق العمل في معظم الشركات والمؤسسات الخاصة والمحال التجارية باستثناء القليل القليل منها،طالبة من المواطنين إلتزام منازلهم تحت طائلة المسؤولية وكلفت قوى الأمن بتنفيذ هذا القرار ،دون أن تنظم العلاقات التعاقدية ،غير أن وزيرة العمل اللبنانية تمنت على الشركات والمؤسسات الخاصة الوقوف إلى جانب العاملين فيها لتمكينهم من اجتياز هذه المرحلة، من خلال دفع الرواتب والمعاشات لهؤلاء بغض النظرعن دوام العمل الذي فرضته الإجراءات الوقائية المتخذة لمواجهة وباء كورونا .
إن هذا التمني لا يمكن أن يلزم أرباب العمل إذ أن قرار الحجر والتعبئة العامة يحول دون تنفيذ عقد العمل ولا بد من دراسة الوضع على ضؤ الأحكام القانونية لا سيما قانون العمل وقانون الموجبات والعقود خاصة المادة 624 منه التي عرفت عقد العمل بأنه إجارة العمل مقابل أجر.
امام هذا الواقع كيف يمكن ان تكون علاقة العمل بين رب العمل والاجراء.:
القسم الاول:ما هو التكييف القانوني لأثار إنتشار وباء الكورونا على عقود العمل .
فصل اول: هل يمثل الغياب بسبب تفشي وباء كورونا نوع من الاجازة القانونية المستحقة الاجر
بالعودة الى الاحكام القانونية المرعية الاجراء نجد ان الإجازات محدّدة حصراً في قانون العمل ( إجازة الوضع، إجازة وفاة بعض الأقارب، الإجازة السنويّة، الإجازة المرضيّة، إجازة الزواج،.. )
بالتالي نجد من الصعوبة اعتبار أن الغياب الناجم عن إنتشار وباء كورونا يمثل نوع من الاجازة القانونية المستحقة الاجر،هذا من ناحية،
غير أن بعض الفقهاء إعتبر أن الغياب بسبب إنتشار الكورونا وما استتبعته من اقفال للمؤسسات والشركات الخاصة يشكل شكلا من اشكال الاجازة السنوية على قاعدة انه يحق لصاحب العمل ان يختار تاريخ الاجازات السنوية بحسب مقتضيات الخدمة سندا لاحكام الفقرة 2 من المادة 39 من قانون العمل اللبناني،وبالتالي يكون للاجير الحق باستيفاء الاجر الكامل عن مدة الاجازة، غير أن السؤال الذي يقتضي طرحه على أصحاب هذه النظرية وماذا إفي حال إستمرارحالة التعبئة أكثر من الإجازة المستحقة ،لذلك فإننا لسنا من هذا الرأي .
*****
فصل ثان:هل يعتبر الغياب بسبب إنتشار وباء كورونا غيابا لظرف استثنائي طارىء:
يقوم النظام القانوني للعقد على مبدأ ان العقد وجد ليكون لكل طرف من طرفيه مصلحة ارادها من ورائه؛ ولكن قد تطرأ بعد ابرام العقد ظروف خارجة عن ارادة الطرفين تحول دون تنفيذه،الا اذا تكبد المدين خسارة كبيرة تقلب التوازن الاقتصادي الذي قام عليه العقد اصلا.
بخلاف التشريع اللبناني، تجاوب العديد من التشريعات العربية والاجنبية مع هذه الحالات الطارئة فأدخلت في القانون المدني تعريفا لنظرية الظروف الاستثنائية الطارئة.
يشار الى ان نظرية الظروف الاستثنائية الطارئة محكومة بضوابط موضوعية أربعة :
أولها وجود عقد ، وثانيها وقوع الظرف الاستثنائي الهام بعد ابرام العقد، ثالثها أن يكون الظرف غير متوقع ،ورابعها أن يجعل الظرف الإستثنائي من تنفيذ الالتزام مرهقا (أي صعبا وليس مستحيلا) وذلك وفقا لمعيار موضوعي لا شخصي.
يذهب عدد هام من الفقهاء الى اعتبار إنتشار وباء الكورونا تتوافر فيه الشروط اللازمة لتكييفه ظرفا او حدثا طارئا، فالوباء بطبيعته استثنائيا لا يحدث على سبيل العادة، ولا يمكن للشخص الطبيعى توقعه كما لا يستطيع دفعه، وهو ما يجعله مستوفى لشروط الظرف الطارىء الأربع .
وبذلك وعند توافر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة السابق بيانها، لا يكفى للمتعاقد التمسك باعتبار إنتشار الكورونا ظرفا طارئا لتخفيف التزامه تجاه الأطراف المتعاقدة ،بل يلزمه إثبات الضرر الذى يجعل تنفيذه للعقد مرهقا عسيرا، وتحتفظ المحكمة بحق التقدير .
أما بالنسبة للعقود المبرمة بتاريخ لاحق لانتشار كورونا فلا مجال لبحث تأثيرإنتشار فيروس الكورونا كظرف طارىء وترتيب اثاره القانونية لان هذه الاحداث كانت معروفة ومتوقعة وقت انشاء العقد.
اخيرا لا بد من الاشارة انه ووفقا للقوانين اللبنانية فانه وعلى فرض تكييف إنتشارالكورونا كظرف استثنائي طارىء فانه لا يعود للمدين ان يطلب تعديل مضمون العقد بصورة منفردة.
ولكن وبالمقابل،وسندا لاحكام المواد 241 و115 و 300 من قانون الموجبات والعقود يعود للقاضي ان يمنح المدين حسن النية مهلة تلو المهلة للايفاء بعد ان يثبت المدين الحسن النية ان هذا التعثر ناجم عن انتشار وباء كورونا وهذا لا يمكن تصوره في عقد العمل .
*****
فصل ثالث: هل إن إنتشار وباء كورونا يمثل قوة قاهرة تمنع عن تنفيذ العقد :
تم تعريف القوة القاهرة بانها كل حدث خارج عن ارادة الانسان يحول دون تنفيذ موجباته فيحرره من مسؤولية عدم التنفيذ وهذه النظرية اخذت بها معظم التشريعات والاجنبية والعربية ومنها القانون اللبناني( المادة 341 م.ع.)،
لم ينص قانون الموجبات والعقود اللبناني صراحة وبنص مستقل على ان القوة القاهرة تؤدي الى استحالة التنفيذ،ولم يحدد مواصفات القوة القاهرة فكان على الفقه والاجتهاد تحديدها.
ان نظرية القوة القاهرة محكومة بضوابط اربعة، أولها عدم توقع الحدث عند توقيع العقد ، وثانيها عدم امكانية دفع الحدث وهنا يشار الى انه سواء اكان الحدث متوقعا او غير متوقع فان العامل الحاسم في توفر عناصر القوة القاهرة هو عدم قابليته للدفع، ثالثها الطابع الخارجي للقوة القاهرة،ورابعها أن يجعل هذا الحدث تنفيذ الالتزام مستحيلا لا مرهقا.
يذهب الإجتهاد الفرنسي في عدة أحكام أصدرها بعد إنتشار وباء الكورونا الى اعتبار إن شروط القوة القاهرة متوافرة في إنتشار وباء الكورونا، فالوباء بطبيعته حادثاً عاماً شمل كافة دول العالم ولم يكن من الممكن توقعه أو درء نتائجه وجعل من تنفيذ عقد العمل مستحيلا .
يشار اخيرا انه لا مجال لبحث إنتشار الكورونا كقوة قاهرة وترتيب اثارها القانونية بالنسبة للعقود المبرمة بتاريخ لاحق لانتشار الكورونا لانه تطلق قرينة هنا على ان هذه الاحداث كانت متوقعة في وقت انشاء العقد حتى اثبات العكس.
وإننا نخلص إلى القول إنه في ظل غياب النصوص القانونية الصريحة، يصح وصف إنتشار وباء كورونا المستجد بالقوة القاهرة، لكونه حادثاً عاماً شمل كافة دول العالم ولا يمكن توقعه أو درء نتائجه؛ جعل معه التنفيذ ليس مرهقا بل مستحيلا،وهو المعيار الحاسم ان صح التعبير ما بين نظرية الظروف الطارئة ونظرية القوة القاهرة،على ان يصار الى اثبات ذلك ،وبمطلق الاحوال يعود للمحكمة تقدير كل حالة على حدة والتأكد من مدى انطباق القوة القاهرة على الحالة المعروضة امامها.
ولما كان من اهمية تحديد التكييف القانوني لنتائج إنتشار وباء كورونا لبحث اثرها على عقود العمل،فاننا سنعمد ببحث اثر إنتشار الكورونا كقوة قاهرة على مصير عقود العمل عامة ولناحية الاجور خاصة.
*******
القسم الثاني:اثار إنتشار وباء الكورونا على عقود العمل
فصل اول:مصير عقود العمل بين التعليق والفسخ
إن عقد العمل هو عقد متتابع التنفيذ،ومعنى ذلك ان علاقة العمل قد تستمر الى وقت طويل تتعرض خلاله لبعض الطوارىء فتتوقف هذه العلاقة لوقت محدد في حالات يعبر عنها قانونا بـ"تعليق العقود"،وتنتهي بحالات اخرى يعبر عنها قانونا بـ"فسخ العقود".
مع غياب النص القانوني،اتجه الفقهاء على ان هدف تعليق عقد العمل هو الحفاظ على الرباط التعاقدي بالرغم من غياب احدى الموجبات الاساسية لعقد العمل وهي تأدية العمل.
ولا بد من الاشارة هنا،ان مفهوم تعليق عقد العمل يتأثر باستقلالية قانون العمل وتوجهه نحو حماية الاجراء،وهو يختلف عن مفهوم التعليق الوارد في القانون المدني،فالمشرع يقرر احيانا استمرار صاحب العمل في تنفيذ التزامه بدفع الاجر ،كلا او جزءا،خلال فترة الوقف او التعليق خلافا لمبدأ الاجر مقابل العمل.
ان حالات تعليق عقود العمل يمكن ردها الى ثلاث مجموعات،الاولى ناشئة عن فعل الاجير،والثانية ناشئة عن فعل صاحب العمل،والثالثة الناتجة عن القوة القاهرة وهي موضوع دراستنا .
وللقول بتوفر حالة تعليق عقد العمل الناتج عن القوة القاهرة يجب توفر شروط القوة القاهرة، بحيث يكون الفعل غير متوقع ولا يمكن تجنبه وغير ناشىء عن خطأ من صاحب العمل، ويكون من شأنه ان يجعل التنفيذ مستحيلا ، ويجب ان تكون الإستحالة وقتية فيقتصر اثرها على وقف تنفيذ العقد بصورة مؤقتة .
تماشيا مع ما تقدم،نجد ان معظم الفقهاء تميل الى أن إنتشار وباء الكورونا وما استتبعته من اعلان الدولة اللبنانية لحالة التعبئة العامة وتقييد حركة التجول تجعل من الاجراء بحالة استحالة عن تنفيذ عقودهم،الامر الذي من شأنه يعلق تلك العقود لحين انحصار إنتشار وباء الكورونا بفعل القوة القاهرة.
لقد سبق ومرت على لبنان ظروف منعت العامل من الالتحاق بعمله فصدر المرسوم الاشتراعي رقم 17 تاريخ 4/3/1977 الذي ترك للاجير ورب العمل الحرية بتعديل أو تعليق عقد العمل ونص في المادة 7 منه:
" يعتبر عقد العمل معلقاً في جميع الحالات التي يكون قد توقف فيها تنفيذه بفعل الحوادث ".
وبتاريخ 23/4/1991 صدر عن مجلس العمل التحكيمي القرار رقم 16 حيث اعتبر عقد العمل معلقاً ومنع الاجير من المطالبة ببدل الاجر عن الفترة التي لم يعمل بها :
" حيث ان المجلس بالاستناد الى كافة هذه الوقائع مجتمعة قد تكونت لديه القناعة الكاملة بان لا مجال للمدعى عليه التذرع باحكام المادة 74/5 عمل لانهاء خدمات المدعية لعلة الانقطاع غير المشروع عن العمل باعتبار ان هذا الانقطاع تبرره القوة القاهرة التي يعتبر العلم والاجتهاد من نتائجها القانونية تعليق عقد العمل ليس الا وذلك طيلة فترة او فترات الانقطاع القسري عن العمل .
Tandis qu’en droit commun l’inaccomplissement des conventions le contrat de travail subsiste au contraire lorsque des événements viennent en paralyser l’inexécution la suspension entraine seulement une interruption momentanée dans la vie du contrat lequel reprendra son cours normal après une période plus ou moins longue.
(Burn and Galland – Drt du travail la suspension du contrat du travail)
وايضاً صدر عن مجلس العمل التحكيمي قرار رقم 11 تاريخ 9/4/1991 جاء فيه:
.”..... وحيث ان مطالبة المدعية باجورها عن الايام التي تغيبت فيها عن العمل بسبب الاحداث مستوجبة الرد باعتبار انه وعملاً بالاجتهاد المستمر.
فان الاجر هو مقابل عمل ولا يحق للاجير في حال توقفه القسري عن العمل اي في حال تعليق عقد استخدامه بسبب القوة القاهرة مطالبة صاحب العمل باجوره عن فترات هذا التعليق ولا يستثنى من هذه القاعدة سوى الحالة التي يكون المشترع فيها قد عالج الموضوع بنص قانوني كما فعله بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 17/7..."
فالقوة القاهرة وهي في هذه الحالة انتشار الوباء واعلان حالة التعبئة تعني استحالة مطلقة لتنفيذ عقد العمل هذه الاستحالة الناشئة عن مانع لا يقاوم حتى من الرجل البصير ولا يمكن التنبؤ بوقوعها فالعاصفة والفيضان وانتشار الوباء واوامر السلطة تشكل القوة القاهرة التي تعفي عن تنفيذ العقد من قبل فريقيه.
ان المبدأ المعمول به لا يميّز في انهاء عقد العمل ما اذا كان العقد محدد المدة او غير محدد المدة.الا ان هناك اسبابا عامة مشتركة لانهاء عقود العمل جميعها بغض النظر عن طبيعتها اكانت محددة المدة ام غير محددة المدة كالوفاة او عجز الاجير او القوة القاهرة وهي التي ستقتصر دراستنا عليها.
المبدأ هو ما قضت به المادة 341 م.ع. عندما نصت على سقوط الموجب اذا اثبت المدين ان الوفاء به اصبح مستحيلا عليه لسبب اجنبي لا يد له فيه.
كما اضافت المادة 656 من القانون عينه ان الكف عن المشروع لا يجعل رب العمل في حل من احترام موجباته ما لم يكن هناك قوة قاهرة.
فالاصل انه اذا استحال تنفيذ العقد نتيجة قوة قاهرة ،فان هذه الاستحالة متى كانت نهائية لا مؤقتة تؤدي الى انفساخ العقد بقوة القانون دون مسؤولية اي من طرفيه .
وقد نصت الفقرة "و" من المدة 50 من قانون العمل على إنه يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا إقتضت قوة قاهرة ويجب على رب العمل إثبات ذلك وإعتبر بعض الإجتهاد أن مجرد توقف المؤسسة عن العمل لا يشكل بحد ذاته حالة من حالات القوة القاهرة تبرر فسخ عقد العمل وفي جميع الأحوال على صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل عن رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه وان يتشاور مع الوزارة ومن ثم يعود لمجالس العمل التحكيمية تقرير كل حالة .
إن نظرية القوة القاهرة هي الواجبة التطبيق في حالة إنتشار وباء الكورونا ويعود للمحاكم تقدير كل حالة على حدة والتأكد من مدى انطباق القوة القاهرة على الحالة المعروضة امامها، فإذا أدت مثلاً القوة القاهرة إلى استحالة دائمة ونهائية لتنفيذ العقد يحق عندها لرب العمل فسخ العقد دون ان يترتب للأجير أي تعويض إضافي ، وإذا أدّت القوة القاهرة إلى صعوبة في التنفيذ او استحالة مؤقتة بالتنفيذ لا يمكن لرب العمل فسخ العقد الذي يكون معلّقاً طوال هذه الفترة.
*****
فصل ثان :مصير الاجور
بعد ثورة 17 تشرين الاول 2019 ودخول الدولة اللبنانية بمأزق مالي مأزوم لا بل شبه ميؤوس ما انعكس سلبا على الوضع المالي للعديد من الشركات والمؤسسات الخاصة وامام إنتشار وباء الكورونا الذي زلزل الوضع المالي وجعله اكثر سوءا من ناحية و امام تمني صريح من وزيرة العمل اللبنانية من الشركات والمؤسسات الخاصة بدفع رواتب الاجراء بغض النظر عن دوام العمل الذي فرضته الإجراءات الوقائية المتخذة لمواجهة وباء كورونا من ناحية اخرى.
يبقى السؤال الاهم هل أنَّ صاحب العمل ملزم بأداء الأجر بالرغم من توقّف العمل بسبب الظروف الاستثنائية التي فرضها فيروس كورونا؟
يرى العديد من الفقهاء انه وللإجابة الصريحة يقتضي تمييز ثلاث حالات،
- الأولى أن يكون التوقّف عن العمل ناشىء عن فعل صاحب العمل أو عن إرادته أو نتيجة خطأ منه أو طارئ ناجم عن طبيعة العمل،
- والحالة الثانية في حال توقّف الأجير عن العمل أو أن التوقّف حصل نتيجة خطأ من قبل العامل،
- والحالة الثالثة عندما يكون التوقّف عن العمل ناجم عن قوة قاهرة لا تعزو لرب العمل ولا للعامل فتتوقّف المنشأة أو المؤسسة أو الشركة عن العمل والإنتاج.
*ففي الحالة الأولى يستمر دفع الأجر للعامل؛
* في الحالتين الثانية والثالثة فلا يستحق الأجر للعامل أو الأجير مستندين بذلك الى ما نصّت عليه المادة ٦٣٤ من قانون الموجبات والعقود على : ” من التزم القيام بعمل أو بخدمة ولم يتمكّن من إتمامها لسبب يتعلّق بمستأجره، يحقّ له أن يتقاضى كلّ الأجر الذي وعد به اذا كان قد بقي على الدوام قيد تصرّف المستأجر ولم يؤجر خدمته لشخص آخر على أنه يجوز للمحكمة أن تخفِّض الأجر المعيّن بحسب مقتضى الحال."
إن هذه المادة توضح بأن العامل يتقاضى الأجر ليس فقط في الحالة التي يتوقّف فيها عن العمل لخطأ عائد بسبب رب العمل إنّما حتى ولو توقّف عن العمل دون خطأ من صاحب العمل إنما لسبب متاتٍ منه وليس من قوّة قاهرة.
أما في حالة القوة القاهرة كحالة الحرب والوباء والعصيان حيث لا سبب عائد لصاحب العمل أو خطأ منه فذلك ” يحلّه من موجب دفع الأجر ” لكون السَّبب غريبا عنه،
وفي حالتنا هذا السبب مثبت بقرار مجلس الوزراء،
بالإضافة إلى ذلك فإن اجتهادات المحاكم اللبنانية أخذت بوضعيّة ” تعليق العمل ” في بعض الحالات التي لا يحق فيها للأجير المطالبة بأجوره طوال فترة انقطاعه عن العمل
كما جاء في قرار لمحكمة التمييز المدنية – بيروت رقم ٣٥ تاريخ ٢٠١١/٤/٢٦ منشور في مجموعة باز رقم ٥٠ /٢٠١١ صفحة ١٠٩٦ فإنَّ تعليق عقد العمل لا يؤدي الى القول بعدم وجود عقد عمل لا بل إنَّه يؤكد وجوده إنّما مفاعيله هي التي علّقت سواء لجهة تأدية العمل من قبل الاجير لمصلحة الشركة أو عدم التحاق هذا الأخير بعمله فتكون الشركة غير ملزمة بدفع الأجر وتبقى صلاحية النظر بهذه الدعاوى لمجالس العمل ،
وفي القانون المقارن نجد أن الإجتهاد الفرنسي قد استقرَّ على عدم جواز تحمُّل رب العمل نتائج غياب الأجير في بعض الحالات وبسبب القوّة القاهرة فلا يحق فيها للأجير المطالبة بأجوره طوال فترة انقطاعه عن العمل.
من الرجوع إلى نص المادة 624 من قانون الموجبات والعقود يتبين ان لا اجر دون عمل، ولقد استقر الفقه والاجتهاد حيث جاء في قرار لمحكمة التمييز الصادر بتاريخ 28/6/2018:
"وحيث ان العلم والاجتهاد اعتبرا ان الاوضاع الامنية تشكل قوة قاهرة وتبررالغياب القسري ويكون من نتائجه فقط تعليق مفعول عقد العمل بالنسبة للاجير وبالمقابل بالنسبة لرب العمل لا يكون ملزماً بدفع اي اجر للاجير عن تلك الفترة الزمنية.
وحيث طالما ان المشرع لم يعالج هذا الموضوع بنص قانوني خاص، فلا يصح اعتبار فترة الغياب القسري عن العمل فترة مدفوعة من قبل رب العمل يقتضي تبعاً لذلك حسم اجر الايام التي غابت عنها المدعية عن العمل كما يقتضي حسمها من بدلات النقل."
وبالتالي فان المبدأ المعتمد والمنصوص عليه في المادة 624 من قانون الموجبات والعقود فان الاجر يستحق للاجير مقابل العمل الذي يؤديه لرب العمل ولا يحق له عند توقفه عن اداء العمل ان يطالب صاحب العمل باجوره عن فترة تعليق العقد بفعل القوة قاهرة التي حالت دون تمكنه من متابعة عمله.
Le principe de la corrélation entre le travail et le salaire. Le salaire ou plus généralement la rémunération est la prestation fournie par l’employeur en contrepartie du travail accompli à son profit du salarié n’a droit au salaire que si la prestation de travail a été fournie dans les termes convenues par le contrat.
C’est le fait de l’accomplissement du travail qui conditionne la dette de salaire.
Traité de droit du Travail G. H. Camerlynk . Les salaries- p. 63-64
ان الاجر في عقد العمل هو مقابل العمل ولا يستحق اداء البدل سنداً لاحكام المادة 633 موجبات وعقود الا بعد القيام بالخدمة او ايفاء العمل ولا تستثنى من ذلك الا حالة عدم تمكن الاجير من اتمام عمله لسبب يتعلق بصاحب العمل كما نصت المادة 634 م.ع.
الاجر هو مجموع ما يتقاضاه الاجير مقابل عمله،نقد ام عينا،من رب العمل.
ان انقطاع الاجير عن العمل بسبب الاحداث بسبب القوة القاهرة التي تؤدي الى تعليق عقد العمل اي الى تعليق دفع الاجر.
فالقوة القاهرة وفي حال توفرها تؤدي الى تعليق عقد العمل وليس الى صرف الاجير من الخدمة اذ يعتبر الصرف هكذا وضع صرفاً مسنداُ الى سبب غير قانوني ويعتبر صرفاً تعسفياً.
ولا يحق للأجير في حال توقفه عن اداء عمله ان يطالب صاحب العمل باجوره عن فترات تعليقه كما ان الاجازة السنوية لا تكون مستحقة للاجير لعدم انقضاء فترة سنة وذلك انسجاماً مع احكام المادة المادة 39 من قانون العمل.
ولا بد من في النهاية من أن يسترجع المشرع ومنعا للمنازعات القضائية ما سبق وقرره عام 1977 ولما أن لجنة الإدارة والعدل تدرس قانون تعليق المهل بأن يضاف إليه مادة تتعلق بتعليق عقود العمل مستوحاة من المرسوم الإشتراعي رقم 17 تاريخ 4/3/1977 الذي عالج أيضا مستحقات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي .(تحميل النسخة الكاملة)