ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

مفاعيل التوقف عن سداد اقساط الضمان في زمن القوة القاهرة


مفاعيل التوقف عن سداد اقساط الضمان في زمن القوة القاهرة

{{subject.Description}}

في الازمات الاقتصادية الاجتماعية، مضافاً اليها الازمات الصحية كجائحة فيروس الكورونا المستجدة، وجد المضمونين انفسهم في وضع متعسر عن دفع اقساط ضمانهم. فهل يتوافر في ازمة فيروس الكورونا عناصر القوة القاهرة؟ وهل تبيح لهم عدم سداد الاقساط؟ وما هي مفاعيل عدم سداد الاقساط في ظل هذه الازمات على عقود الضمان؟ سنعالج في ما يلي الاشكاليات القانونية المتصلة بهذه المسألة، بدءاً من المفهوم القانوني لأقساط التأمين في مرحلة اولى (1) لننتقل بعدها الى دراسة مدى توافر شروط القوة القاهرة على جائحة فيروس الكورونا (2)، وصولاً الى تحديد مفاعيل عدم سداد الاقساط على عقود الضمان السارية المفعول بالنسبة لكلا الفريقين الضامن والمضمون (3).

  1. مفهوم القسط التأميني

حددت المادة 950 من قانون الموجبات والعقود الضمان بكونه « عقد بمقتضاه يلتزم شخص (يقال له الضامن) بعض الموجبات عند نزول بعض الطوارئ بشخص المضمون أو بأمواله، مقابل دفع بدل يسمى القسط أو الفريضة ». وعليه يتبين من المفهوم العام للضمان، بأن القسط او الفريضة انما يشكل احدى المكونات الجوهرية لقيام العقد، اذ من دونه يصبح العقد كأنه لم يكن، خاصة كونه يندرج ضمن انواع العقود مقابل عوض.

 

اما المادة 964 م.ع. فقد نصت على العناصر الاساسية التي يجب ان يشتمل عليها عقد الضمان، وقد جاء فيها على انه « يؤرخ عقد الضمان في يوم ابرامه ويبيّن فيه:

الشيء المضمون.

اسما الضامن والمضمون ومحل اقامتهما.

نوع الاخطار المضمونة.

تاريخ ابتداء الاخطار وتاريخ انتهائها.

القيمة المضمونة.

6 - القسط أو بدل الضمان.

خضوع المتعاقدين لحكم محكمين عند قيام التنازع اذا كانوا قد اتفقوا على ذلك.

ويجوز ان تكون لائحة الشروط لشخص مسمى أو "للامر" أو لحاملها.

وتحول لائحة الشروط المحررة " للامر" بطريقة التظهير ولو على بياض.

لا تسري احكام هذه المادة على عقود ضمان الحياة الا وفاقا للشروط المنصوص عليها في المادة 999».

 

وفي سياق الموجبات التعاقدية الملقاة على المضمون، نصت المادة 974 م.ع. انه يجب على المضمون ان يدفع الاقساط في المواعيد المعينة. وعليه يكون واضحاً اهمية عنصر الضمان وضرورة سداده كشرط مسبق لموجب الضمان الملقى على عاتق الضامن.

وللدلالة، جاء نص المادة 975 م.ع. يحدد الضوابط التي يقتضي التقيّد بها في حال عدم سداد الاقساط في الاوقات الطبيعية، حيث نصت على ان « تدفع الاقساط في محل اقامة المضمون، ما عدا القسط الاول. وسواء أكان القسط واجب الدفع في محل اقامة الضامن ام في محل اقامة المضمون، فإن حكم عقد الضمان يقف بعد مرور عشرة ايام ابتداء من تاريخ انذار المضمون لتأخره عن دفع أحد الاقساط في ميعاده. ويتم الانذار بارسال كتاب مضمون بإسم الشخص المضمون أو بإسم الشخص الموكل بدفع الاقساط الى محل اقامتهما الاخير المعروف من الضامن. ويجب أن يصرح في هذا الكتاب بأنه مرسل في سبيل الانذار وان يذكر فيه تاريخ استحقاق القسط ونص هذه المادة ».

وقد اكمل نص الفقرة 3 من المادة 975 بموجب المادة الاولى من القانون تاريخ 3/12/1946 واصبح على الوجه التالي:

« ويحق للضامن بعد مرور عشرين يوماً من تاريخ انقضاء المهلة المعينة في الفقرة السابقة أن يفسخ العقد او يطالب بتنفيذه لدى القضاء. أما الفسخ فيمكن أن يتم بتصريح من الضامن في كتاب مضمون يرسله الى الشخص المضمون. اما في العقود التي تنص على عدم سقوط العقد عند تأخر المضمون عن دفع القسط المستحق فيعفى الضامن من ارسال الانذار ويستوفى القسط المستحق عفواً من الاحتياطي ويرسل الى المضمون كتاباً مضموناً بذلك.

ان عقد الضمان الذي لم يفسخ، يعود الى انتاج مفاعيله للمستقبل، في ساعة الظهر من اليوم الذي يلي دفع القسط المتأخر الى الضامن واداء المصاريف عند الاقتضاء. وان المهل المعينة في هذه المادة لا يدخل فيها يوم ارسال الكتاب المضمون، واذا كان اليوم الأخير من احدى هذه المهل يوم عطلة تمدد المهلة الى اليوم التالي. ولا تطال تلك المهل بسبب المسافة، على انه اذا كان الانذار موجهاً الى محل خارج عن الاراضي اللبنانية فلا تسري مهلة العشرة الايام المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة، الا من يوم تقديم الكتاب المضمون المثبت بدفاتر ادارة البريد. وكل بند يتضمن تقصير المهل المعينة بمقتضى الاحكام السابقة او اعفاء الضامن من الانذار يكون باطلاً ».

تأسيساً على ما تقدم، لا يمكن للضامن اعفاء نفسه من موجباته التعاقدية دون القيام بالاجراءات المنصوص عليها في المادة 975 م.ع. وبالتالي، فإن فسخ العقد لعدم سداد القسط في موعده يخضع لشرط ارسال الانذار المسبق للمضمون. في المقابل، إن الضامن مجبر على التعويض عن الهلاك او الضرر الناتجان عن القوة القاهرة وفق لما جاء في المادة 966 م.ع. حيث نصت على انه « يكون الضامن مسؤولاً عن الهلاك أو الضرر اللذان يقعان بفعل قوة قاهرة او بحادث غير متوقع أو ينجمان عن خطأ من المضمون. على ان الضامن لا يكون مسؤولاً عن الهلاك أو الضرر الذي يقع بسبب خطأ اقترفه المضمون عن قصد وان يكن هناك اتفاق على العكس ».

وعليه، هل يجب اعمال نص المادة 975 م.ع. في حالات عدم الدفع الناتج عن القوة القاهرة؟ وفي المقابل، هل يظل الضامن مجبراً على تغطية الهلاك او الضرر الناتج عن القوة القاهرة بالرغم من عدم سداد الاقساط الناتج عن سبب خارج عن ارادة المضمون كحالة القوة القاهرة؟ كل ذلك في وقت يستحيل عليه فسخ عقد الضمان لعدم سداد الاقساط... هذا ما سنحاول معالجته فيما يلي.

  1. هل ان جائحة الكورونا تشكل قوة قاهرة؟

نصت المادة 243 م.ع. على انه اذا استحال تنفيذ موجب أو عدة موجبات بدون سبب من المديون سقط ذلك الموجب او تلك الموجبات بمجرد الاستحالة. واذا كان الامر متعلقاً بموجبات ناشئة عن عقد متبادل فالموجبات المقابلة تسقط بسقوط ما يقابلها، فيتم الامر كما لو كان العقد منحلاً حتماً بدون واسطة القضاء، أو بعبارة اخرى ان المخاطر تلحق المديون بالشيء الذي اصبح مستحيلاً فيحمل الخسارة دون ان يستطيع الرجوع بوجه من الوجوه على معاقده. ويكون الأمر على خلاف ذلك، اذا كان قد سبق للمديون ان نفذ موجباته الجوهرية فإن العقد، بالرغم من استحالة تنفيذ الموجبات الثانوية، يبقى قائماً. والمديون الذي ابرئت ذمته بقوة قاهرة يمكنه مع ذلك أن يطالب الفريق الاخر بتنفيذ ما يجب عليه، وعلى هذا المنوال يستطيع بائع العين المعينة الذي تفرغ عن المبيع للمشتري ان يطالبه بالثمن فتكون المخاطر في هذه الحالة على دائن الموجب الذي اصبح تنفيذه مستحيلاً.

 

اما في اثبات القوة القاهرة، فقد حددت المادة 342، انه يجب « على المديون ان يقيم البرهان على وجود القوة القاهرة ويبقى مع ذلك للدائن متسع لكي يثبت ان الطارئ الذي وقع بمعزل عن المديون كان مسبوقاً أو مصحوباً بخطأ ارتكبه المديون، كإبطاء في التنفيذ جعله في حالة التأخر. وفي مثل هذا الموقف يظل الموجب قائماً ». على انه لا تبرأ ذمة المديون من اجل القوة القاهرة الا بقدر استحالة التنفيذ فيمكن اذاً ان لا يكون سقوط الموجب الا جزئياً. وفي جميع الاحوال، حتى في حالة سقوط الموجب كله، يلزم المديون أن يتنازل للدائن عن الحقوق والدعاوى المختصة بالتعويض مما يتعلق بالموجب السابق، كما يلزمه ان يسلم اليه كل ما بقي من الشيء الهالك ان كانت هناك بقية، وذلك سنداً للمادة 343 م.ع.

 

اذاً، يبدو واضحاً، ان للقوة القاهرة مفاعيلاً نسبيةً بحيث يجب الوقوف على طبيعتها ونتائجها في كل مرة، سواء اكانت جزئية او كلية مؤقتة او مستمرة...؛ وفي كلتي الحالتين، اذا سلمنا جدلاً بسقوط موجب سداد اقساط الضمان بسبب القوة القاهرة، لا يؤدي ذلك حكماً الى انحلال عقد الضمان بكافة مندرجاته بالنسبة لطرفيه وفقاً لما سنبينه فيما بعد.

 

هل ينطبق على ازمة جائحة فيروس الكورونا الحالية، مفهوم القوة القاهرة؟ لن ندخل في تحليل نظري هنا حول هذه المسألة، انما سنكتفي بالإشارة الى بعض الإستشارات الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، حيث حددت الشروط الواجب توافرها في القوة القاهرة[1]، معتبرة ان « الفقه والاجتهاد اعتبرا ان القوة القاهرة هي: ظرف او عامل غير متوقع وغير قابل للمقاومة حدث بفعل مستقل عمن تذرع به، ولم يكن باستطاعته توقعه او الوقاية منه[2] ».

وقد جاء ايضاً في موسوعة دالوز للقانون المدني الفرنسي:

« La force majeure est un évènement imprévisible et irrésistible, généralement extérieur à celui qui l’invoque... La force majeure est un événement qui ne peut être imputé à une personne ou à un groupe de personnes déterminé[3] ».

 

اما في شروط القوة القاهرة، اعتبرت هيئة التشريع والاستشارات انه « لوصف الحدث بالقوة القاهرة يجب ان يكون غير متوقع، ولم يكن بالاستطاعة دفعه، وله طابع خارجي:

  • عدم توقع الحدث (Imprévisibilité): وحيث ان هذا الشرط يتحقق عندما يكون الحدث الذي ادى الى عدم تنفيذ الموجب غير متوقع عادة عند توقيع العقد، اي انه ليس من ضمن ما يمكن حدوثه في ظروف عادية[4].
  • عدم امكانية دفع الحدث  (Irrésistibilité): حيث كي يؤخذ بالقوة القاهرة يجب على المدين او المتعاقد ان يثبت ايضاً عدم تمكّنه من دفع الحدث الذي تسبب بعدم تنفيذ الموجب، مما يعني ان ابعاد الحدث كان خارجاً عن مقدوره بالنظر لوضعه الشخصي او لطبيعة هذا الحدث. وينظر الى الحدث بصورة موضوعية لتحديد ما اذا كان قابلاً للدفع ام لا، فاذا كان بطبيعته غير قابل لذلك، شكل القوة القاهرة[5].
  • الطابع الخارجي للحدث (Extériorité): كي يشكل الحدث القوة القاهرة، يجب ان يكون منبثقاً عن عامل خارجي عن المدين باعتبار انه اذا تسبب به شخصياً او باهماله، يفقد الحدث طابعه الخارجي ولا يتصف بالتالي بالقوة القاهرة.

وللمزيد من الدلالة، جاء في موسوعة دالوز للقانون المدني الفرنسي:

« La force majeure est un phénomène contre lequel ou ne peut rien. Elle contraint à causer le tort... Ainsi, en matière contractuelle, la force majeure met le débiteur dans l’impossibilité d’agir autrement[6]. Il faut que celui qui invoque la force majeure fasse état d’un évènement qu’il n’a pu de façon absolue ni éviter ni surmonter[7] ».

وكانت محكمة التمييز المدنية اللبنانية قد نظرت في مسألة القوة القاهرة في العام 1954، حيث اعتبرت « ان الحادث العرضي والقوة القاهرة هو الحادث الاستثنائي الذي لا يمكن للمرء ان يتوقع حدوثه ويخرج عن امكانياته تلافي نتائجه[8] ». وقياساً مع اخطاء الغير، اعتبرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل انه « لا مجال لموازاة اخطاء الغير بالقوة القاهرة في معرض تطبيق قواعد المسؤولية التعاقدية التي يخضع لها الملتزم وانما تبقى نتائج هذا الخطأ محصورة في تمكين المتعاقد عند الاقتضاء من مراجعة هذا الغير بالضرر اللاحق به، ومن هذا الضرر مسؤوليته عن التأخير في تنفيذ موجباته التعاقدية[9] ».

وفي رأي آخر لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل برئاسة القاضي شكري صادر، وتحليلاً لواقعة حرب تموز 2006، اعتبرت انه « وبما انه بالنسبة لهذا العنصر الاخير يشترط الاجتهاد بأن تكون القوة القاهرة غير ممكن تجنبها من قبل المتعاقد وان تحول بصورة جذرية دون تنفيذ الموجب التعاقدي. فالصعوبات في التنفيذ حتى وإن كانت كبيرة وجسيمة لا تشكل قوة قاهرة ما دامت لا تجعل من التنفيذ مستحيلاً تماماً.

<< Impossibilité absolue d’exécuter le contrat >>, dit le Conseil l’Etat ...

Les difficultés d’exécution, même extrêmement sérieuses et graves, ne constituent donc pas des faits de force majeure du moment qu’elles ne rendent pas l’exécution radicalement impossible ...

وبما ان القانون الاداري يعتبر الحرب حالة نموذجية للقوة القاهرة شرط استجماعها العناصر الثلاثة المذكورة اعلاه، فمجرد حصول الحرب او مجرد الصعوبات الناتجة عن الحرب ليس كافياً بذاته لتشكيل القوة القاهرة.

... ni la survenance de la guerre, ni les difficultés résultant de l’état de guerre ne sont en elle- mêmes suffisantes pour constituer des faits de force majeure ; elles sont seulement susceptibles de le devenir si elles réunissent les trois conditions d’imprévisibilité, d’insurmontabilité et d’extériorité ...».

تأسيساً على ما تقدم، ثابت ان جائحة الكورونا او فيروس الكوفيد 2019 (Covid-19) تتسم بالطابع الخارجي للحدث، اذ لم يتسبب بها لا الضامن ولا المضمون ولا المستفيد من العقد. كما ان عدم دفعه متحقق ايضاً، اذ لا يمكن لفريقي العقد دفع الحدث الذي تسبب بعدم تنفيذ الموجب اي بعدم سداد قسط الضمان. واخيراً، لم يكن يتوقع حدث الكورونا الذي ادى الى عدم تنفيذ الموجب خاصة عند توقيع العقد. فإذا اضفنا الى هذه الشروط، اقرار الحكومة اللبنانية حالة التعبئة ومنع التجول، فيكون الأمر مرسخاً اكثر واكثر نحو اعتبار جائحة الكورونا من قبيل القوة القاهرة. لكن ما هو مصير موجبات الفرقاء بعد انتهاء ازمة الكورونا؟ هل يعود العقد ليتنج مفاعيله القانونية؟

للاجابة على هذه الاشكالية، نحيل الى رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، حيث اعتبرت ان النتائج القانونية للقوة القاهرة تختلف باختلاف الظرف الذي يكون طارئاً. اذا كانت القوة القاهرة ظرفية امكن للقاضي وقف تنفيذ العقد ريثما يزول هذا الظرف الطارىء ولا يتحرر المتعاقد من موجباته انما يمهل لتنفيذها (المادة 115 والمادة 300 موجبات وعقود) ويعلق تنفيذ العقد حتى زوال الاستحالة. واذا كانت القوة القاهرة قد حالت دون تنفيذ بعض الموجبات التي تضمنها العقد، سقطت الموجبات المقابلة (المادة 243 موجبات وعقود). وان كان هذا النص يفيد ان الموجبات المقابلة تسقط، الا انه عملياً عندما يرفع الامر الى القضاء ينظر في تحديد الموجبات المقابلة التي يجب ان تسقط مقابل تلك التي تعذر انفاذها بسبب القوة القاهرة، مما يعني تعديلاً اجازه القانون في مضمون العقد[10]. اما اذا كانت القوة القاهرة تجعل تنفيذ العقد مستحيلاً، فيصبح عندئذ فسخ العقد سبباً مشروعاً.
وقد جاء في موسوعة دالوز للقانون المدني الفرنسي:

« Comme dans la théorie civiliste, l’événement de force majeure rendant impossible de façon définitive ou irrémédiable l’exécution du contrat, peut constituer une cause d’extinction[11] ».

  1. مفاعيل عدم سداد اقساط الضمان في فترة جائحة فيروس الكورونا

في ظل القوة القاهرة وعبر انتشار فيروس الكورونا وإعلان حالة التعبئة العامة من قبل الحكومة اللبنانية والطلب من المواطنين التزام منازلهم وعدم الخروج منها إلاّ للضرورة القصوى، يضطر عندها المضمون إلى التوقف عن دفع أقساط الضمان، سيما إذا كان من فئة الدخل المحدود ولا إمكانيات مالية لديه نظراً لتوقف معظم الأعمال في لبنان، بسبب انتشار وباء الكورونا بصورة متسارعة في مختلف المناطق وعدم فتح المحلات والمكاتب وخاصة المصارف مع وجود أزمة متراكمة في السيولة المالية بصورة عامة. وان اشتدّت الأوبئة الطارئة وطرأت بالصورة المباغتة فبلغت الحد الاستثنائي، على غير ما كان منتظراً أو مترقباً موضوعياً فانها تتصف بالقوة القاهرة[12]. من هنا، يقتضي اعتبار الحالة الصحية المتعلقة فيروس كورونا التي طرأت على لبنان مؤخراً تدخل ضمن حالة القوة القاهرة، حيث لا علاقة للمواطن فيها بسبب الظروف القسرية المستجدة محلياً وعالمياً، والتي قد تؤدّي إلى تجميد بعض الالتزامات سيما وأن المديون - عادة- هو العنصر الأضعف اقتصادياً مقارنة مع المصارف والشركات والمؤسسات التجارية والمالية. وان عدم تنفيذ المدين موجباته العقدية يرجع إلى سبب أجنبي، حيث يمكن أن يعفى من المسؤولية موقتاً لحين الانتهاء من الأسباب التي أدّت إلى ظهور القوة القاهرة. وفي نفس السياق، يقتضي الحفاظ على استمرارية نفاذ العقد وضرورة التأكيد على حالة التضامن الوطني بين كافة المواطنين لحين الانتهاء من الأزمة الصحية في البلاد[13].

ثابت ايضاً، انه من نتائج القوة القاهرة تعليق المهل القانونية، التعاقدية والقضائية، وهذا ما قام به بعض رؤساء المحاكم الاستئنافية بصورة تلقائية في بعض المحافظات، بالرغم من وجوب اقرار هذا الامر بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب، فضلاً عن اقدام وزيرة العدل على تعليق جلسات المحاكم والدوار القضائية كافة على مساحة الوطن، لفترات محددة.

وكانت قد اعتبرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في عدد من الاستشارات « ان استحالة تنفيذ موجب ما، من قبل المدين بهذا الموجب، بسبب قوة قاهرة تؤدي إلى تعليق سريان المهل، التي لا تعود للسريان الا عند زوال القوة القاهرة، علماً انه على الادارة ان تتحقق من مبدأ توفر القوة القاهرة التي يكون قد استحال معها، استحالة مطلقة ومؤقتة على المدين بالموجب ان يقوم بتنفيذ هذا الموجب، وان تستخلص النتائج القانونية المترتبة على ما تكون قد تحققت منه لهذه الناحية. وحيث انه يعود للادارة ان تتحقق من ان الحالة المرضية التي حالت دون تقديم طلب تصفية التعويض ضمن المهلة المحددة في المادة /13/ من المرسوم رقم 4158/93، قد اتخذت شكل القوة القاهرة، وعندها فان هذه المهلة تكون قد علقت طيلة فترة استمرار هذه القوة القاهرة وإلى الحين الذي تمكنت عنده صاحبة العلاقة من تقديم طلب التعويض[14]».

في الواقع، لا تبرأ ذمة المديون من اجل القوة القاهرة الا بقدر استحالة التنفيذ، فيمكن اذاً ان لا يكون سقوط الموجب الا جزئياً. وفي جميع الاحوال، تعلق المفاعيل خلال فترة القوة القاهرة، لتعود وتنتج مفاعيلها عند انتهائها. وعليه، لا يكون للضامن الحق في اعمال نص المادة 975 م.ع. لجهة ارسال انذار مطالبة بالاقساط وتعليق التغطية والتمسك بالفسخ بعد انقضاء مهلة العشرين يوماً، خاصة وان المهل التي هي من هذا القبيل لا تسري في فترات القوة القاهرة. في حين يستفيد المضمون من فترة القوة القاهرة للتوقف عن سداد الاقساط، علماً انه في حال اقدامه على سدادها فيعتبر عمله قائماً قانونياً وصحيحاً منتجاً للمفاعيل.

على انه، وبعد انتهاء فترة القوة القاهرة، يستعيد الضامن كافة صلاحياته وحقوقه في ارسال انذار المطالبة بالاقساط المنصوص عليه في المادة 975 م.ع. واعمال المفاعيل المتصلة بوجه المضمون. في النتيجة، تكون مفاعيل عقد الضمان معلّقة وتعود لنتج مفاعيلها بعد انتهاء ازمة جائحة فيروس الكورونا. لكن ماذا لو استمرت القوة القاهرة لفترة طويلة ولأمد طويل نسبياً، فهل يبقى الضامن ملزماً بالتعويض عن المخاطر بالرغم من عدم سداد اقساط الضمان؟

لا يمكن لأي قوة قاهرة ان تستمر للأبد، وإلا قضت على البلاد والعباد، لذا فإن كافة المقاربات التشريعية والفقهية انما تستند على فترات زمنية محددة للقوة القاهرة. بيد انه اذا استمرت لمدة تتجاوز مهل مرور الزمن الموضوعة لكل حق، فعدها تصبح نظرية استحالة التنفيذ المطلقة هي النافذة والواجب تطبيقها على فريقي العقد.

في الخلاصة، انطلاقاً من القيم والآداب والأنظمة الإنسانية والإجتماعية وليس فقط القانونية، يكون على الضامن واجب وموجب الاستمرار في تغطية مخاطر الضمان استناداً الى مندرجات عقده واحكام باب الضمان القانونية، دون ان يحق له اعمال نص المادة 975 م.ع. في وجه المضمون في هذه الفترة، كون استحالة التنفيذ من جانب هذا الاخير جاءت ظرفية واثناء فترة القوة القاهرة، لحين عودة الامور الى طبيعتها، حيث يمكن عندها للفريقين التمسك بكافة الحقوق التي اولاهما اياها القانون. (تحميل النسخة الكاملة)

 


[1] - هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، استشارة رقم 2770/1998، تاريخ 22/4/1998، الهيئة: الرئيس غالب غانم والقاضي واصل العجلاني، طالب الرأي: وزير الصحة العامة، الموضوع: إبداء الرأي حول مفهوم القوة القاهرة. صادر، آراء هيئة التشريع والاستشارات، بوابة صادر الالكترونية.

[2] - مصطفى العوجي، القانون المدني، الجزء الاول، العقد، مؤسسة بحسون، الطبعة الاولى صفحة 685؛ ومصطفى العوجي، القانون المدني، الجزء الثاني، المسؤولية المدنية، مؤسسة بحسون، الطبعة الاولى صفحة 111.

 

[3] - Encycl, Répertoire Civil Dalloz, (édi.fév.1997), Chabas”, Force majeure”, no 1.

[4] - مصطفى العوجي، الجزء الثاني، المرجع السابق، صفحة 111.

[5] - مصطفى العوجي، الجزء الثاني، المرجع السابق، صفحة 113.

[6] - Encycl, Répertoire Civil Dalloz, Op. Cit., no 30.

[7] - Encycl. Dalloz, Droit Administratif, Force Majeure, Péquignot, no 4.

[8] - تمييز، الغرفة الثانية المدنية، رقم 75 تاريخ 28/7/1954، دعوى عبد الوهاب/شركة الإتحاد الوطني – باز 1954 ص182.

[9] - هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، استشارة رقم 798/2007،  تاريخ 04/12/2007، الهيئة: الرئيس شكري صادر والقاضي زياد شبيب، طالب الرأي: وزير الدفاع الوطني. الموضوع: تأثير حرب تموز 2006 وقانون تعليق المهل على العقد القائم بين قيادة الجيش وشركة مقبل ومشاركوه مقاولون ش.م.م.، صادر، آراء هيئة التشريع والاستشارات، بوابة صادر الالكترونية.

[10] - مصطفى العوجي، الجزء الاول، المرجع السابق، صفحة 686.

[11] - Encycl. Dalloz, Droit Administratif, Op. Cit., no 10.

[12] - المحامي شادي خليل أبو عيسى، التوقف عن دفع السندات في ظل القوة القاهرة وأزمة الكورونا، 27 آذار 2020، منشور في اللواء عبر الموقع الالكتروني: http://aliwaa.com.lb/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%AF%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%B8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7/.

[13] - المحامي شادي خليل أبو عيسى، المرجع السابق.

[14] - استشارة رقم 298/2009، تاريخ 23/04/2009، الهيئة: الرئيس انطوان بريدي والقاضي جويل فواز، طالب الرأي: وزير المالية،  الموضوع: ابداء الرأي حول مدى امكانية اعتبار الحالة المرضية المفاجأة بمثابة قوة قاهرة وتالياً عذراً محلاً من موجب تقديم طلب التعويض عن ساعات تعليم بالتعاقد منفذة، ضمن المهلة المقررة لتقديم الطلب.

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان