دراسة قانونية للقاضي السابق راشد طقوش
بعد الجدل الذي أثير بخصوص صلاحية وزيرة الدفاع بإقتراح أسماء القضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية، ردت وزيرة الدفاع على الإستشارة القانونية للهيئة الإستشارية العليا في وزارة العدل وشددت على صلاحية وزير الدفاع الوطني بالنسبة لتعيين القضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية، وأدلت بحجج عدة لتأييد رأيها واهمها:
- أنه لم يرد نص في الفقرة "ب" من المادة ٥ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠ /٨٣ (قانون القضاء العدلي) سواء قبل التعديل أو بعده، أي اشارة أو تلميح مباشر أو غير مباشر لثمة " الغاء للمادة ١٣، من القانون رقم ٢٤ /٦٨ (قانون القضاء العسكري). كما ان المادة الاولى من نفس القانون أعطت وزير الدفاع الوطني صلاحيات تجاه المحاكم العسكرية تماثل صلاحيات وزير العدل تجاه المحاكم العدلية. كما أن المادة ٨ من قانون٢٤ /٦٨ اعطت صلاحية لوزير الدفاع الوطني عند تعذر تأليف المحكمة العسكرية، والمادة ٢٢ أعطت وزير الدفاع تحديد بقرار يصدر عنه تعويضات جميع القضاة والتى تلحظ بموازنة وزارة الدفاع.
- إن المادة ١٣ من قانون ١٩٦٨ نصت على أن التشكيلات القضائية تتم بإقتراح مشترك من وزير الدفاع الوطني ووزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى على هذا الإقتراح، مما يعني أن الإقتراح أو المرسوم يسبق موافقة مجلس القضاء " وليس أنه يليها".
- إن توقيع الوزير المعني على المراسيم التي يكون مختصا بها هو إجراء دستوري واجب وملزم كرسته المادتان ٥٤ و ٦٦ من الدستور.
- إن المرسوم الإشتراعي رقم ١٩٨٥/٢٢ تناول حصرا الفقرة ب من المادة ٥ وأبقى على فقرتها أ المتعلقة بمشروع المناقلات القضائية كما كانت عند إقرار المرسوم الإشتراعي رقم ٨٣/١٥٠.
- إن المبادئ العامة المثبتة قانونا والمعززة فقها وإجتهادا لا تجيز الأخذ بالإلغاء ما لم يتوافر نص صريح وواضح ومن باب أولى لا تبرر هذا الإلغاء بالإستنتاج خصوصا من عبارة عامة ونموذجية وردت في المادة ١٣٦ من المرسوم الإشتراعي رقم ٨٣/١٥٠.
- إن هذا المرسوم الإشتراعي له طابع عام خلافا للقانون رقم ٦٨/٢٤ (قانون القضاء العسكري) الذي هو قانون خاص وله أولوية على المرسوم الإشتراعي رقم ٨٣/١٥٠.
ردا على ذلك أدلي بما يلي:
أولًا: بالنسبة لموضوع الغاء المادة ١٣ من قانون القضاء العسكري رقم ٢٤ / ١٩٦٨ وخلافا لاقوال وزيرة الدفاع إن ما يبرر إلغاء المادة ١٣ المذكورة أغلاه لا يجد سنده القانوني فقط في الفقرة ب من المرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠/٨٣ المعدل بالقانون رقم ٣٨٩/٢٠٠١ إذ إضافة الى هذه المادة توجد نصوص في المرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠/٨٣ المعدل تثبت إلغاء المادة ١٣ من قانون القضاء العسكري رقم ٢٤/١٩٦٨، فالمادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠ /٨٣ المعدل نصت على أن هذا المرسوم الإشتراعي ينظم القضاء العدلي، والقضاة المدنيون لدى المحكمة العسكرية هم قضاة عدليون مما يعني أنهم يخضعون حصرا لهذا القانون وقد أيدت المادة ٤٣ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠ / ٨٣ المعدل هذا التوجه، اذ أنها نصت على أن القضاة العدليون هم القضاة الداخلون في ملاك القضاء العدلي وفقا للجداول المرفقة بهذا المرسوم الإشتراعي، ومن العودة الى هذه الجداول يتبين أن الجدول الرابع حدد القضاة المدنيين لدى القضاء العسكري، وما دام هؤلاء القضاة هم من القضاة العدليين فانهم يخضعون حكما للمرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠ / ٨٣ المعدل، لأن ما ورد في هذا المرسوم الاشتراعي، الذي صدر بعد القانون رقم ٢٤ / ١٩٦٨ (قانون القضاء العسكري) يعبر عن نية المشترع بإخضاع القضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية للمرسوم الاشتراعي رقم ٨٣/١٥٠ المعدل.
ثانيًا: أما قول وزيرة الدفاع بأن المرسوم الإشتراعي رقم ١٥٠ /٨٣ المعدل (قانون القضاء العدلي) له طابع عام في حين أن قانون القضاء العسكري رقم ٢٤ /٦٨ له طابع خاص يعطيه الأولوية على القانون العام فهو مردود لأنه على فرض أن قانون القضاء العسكري له طابع خاص وقانون القضاء العدلي له طابع عام، الا ان قانون القضاء العسكري هو قانون إستثنائي لأن المحاكم العسكرية هي محاكم إستثنائية، ووفقا لقواعد تفسير القوانين فإنه لا يمكن التوسع في تفسير القوانين الاستثنائية، وفي حال وجود تناقض أو عدم توافق بينها وبين القانون العادي يرجح القانون العادي لأنه هو الاساس.
ثالثًا: أما قول وزيرة الدفاع بأن المبادئ العامة المثبتة قانونا والمعززة فقها واجتهادا لا تجيز الأخذ بالإلغاء ما لم يتوافر نص صريح وواضح، ومن باب أولى لا تبرر هذا الإلغاء بالإستنتاج خصوصا من عبارة عامة ونموذجية وردت في المادة ١٣٦ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠ / ٨٣، فإن كل ما أدلت به وزيرة الدفاع الوارد أعلاه هو مردود لأنه يخالف مبادئ التفسير ومن أهمها أن المشترع يضع نصوصا قانونية لتنفذ وليست لغوا لأنه لا يمكن أن ننسب للمشترع اللغو في النصوص القانونية، وبالتالي لا يمكن القول كما قالت وزيرة الدفاع بأن ما ورد في المادة ١٣٦ من المرسوم الإشتراعي رقم ٨٣/١٥٠ عبارة عامة ونموذجية لأن الأخذ بوجهة نظر وزيرة الدفاع يعني أن المادة ١٣٦ غير قابلة للتطبيق وهذا يتناقض مع مبادئ التفسير التي تفرض تفسير النصوص بشكل يعطيها مفعولا وليس تعطيلها، وإذا تأملنا بالمادة ١٣٦ المذكورة أعلاه نجد بأنه نصت على أنه " تلغى جميع الأحكام القانونية المخالفة أو الغير متوافقة مع أحكام هذا المرسوم الإشتراعي و يلغى القانون ٦٥/٤٩ تاريخ ٦-٩-١٩٦٥"، لو لم يرد المشترع إعطاء مفعولا لما ورد في هذه المادة لكان إكتفى بالمقطع الأخير المتعلق بالقانون ٦٥/٤٩، ولا يؤثر على هذه النتيجة ما أدلت به وزيرة الدفاع لجهة الصلاحيات التي أعطتها المادة الأولى من قانون ٦٨/٢٤ لوزير الدفاع الوطني تجاه المحاكم العسكرية والتي تماثل صلاحيات وزير العدل تجاه المحاكم العدلية، لأن آلية إجراء التشكيلات القضائية بمن فيها القضاة العدليون لدى المحكمة العسكرية أصبحت بعد صدور المرسوم الإشتراعي رقم ٨٣/١٥٠ المعدل بالقانون رقم ٢٠٠١/٣٨٩ خاضعة لهذا القانون وهو لم ينص على أي صلاحية لوزير الدفاع الوطني.
رابعًا: أما لجهة تذرع وزيرة الدفاع بالمادة ٨ من قانون ٦٨/٢٤ (قانون القضاء العسكري) التي أعطت وزير الدفاع صلاحية عند تعذر تأليف المحكمة العسكرية فإنه مردود بالرغم من عدم وضوح إدلاءات وزيرة الدفاع، إذ يتبين من المادة ٨ المذكورة أعلاه أنها نصت في فقرتها الأولى أنه عند محاكمة أحد ضباط الجيش تؤلف محكمة التمييز العسكرية والمحكمة العسكرية على الوجه المبين أعلاه، ونصت الفقرة الثانية من المادة ٨ على أنه إذا تعذر تأليف المحكمة وفقا لما ورد أعلاه لمحاكمة ضابط ما يزال في الخدمة، بسبب عدم وجود ضابط أعلى منه رتبة أو من رتبته أو لأي سبب آخر، يحق لوزير العدل بعد موافقة وزير الدفاع الوطني ومجلس القضاء الأعلى أن ينتدب العدد اللازم من قضاة الدرجة التاسعة وما فوق لتشكيل هيئة المحكمة، إذ أن ما ورد أعلاه هو إستثناء لحالة خاصة تتعلق بمحاكمة أحد ضباط الجيش ولا يمكن الإستناد إلى حالة إستثنائية لتفسير آلية تشكيل القضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية.
خامسًا: أما بالنسبة لتذرع وزيرة الدفاع بالمادة ٢٢ من قانون القضاء العسكري لجهة أن جميع قضاة المحكمة العسكرية يتقاضون تعويضا عن أعمالهم يحدد بقرار يصدر عن وزير الدفاع وتدفع من موازنة وزارة الدفاع الوطني، إن ما ورد أعلاه لا يكفي لتبرير إعطاء صلاحيات لوزير الدفاع للموافقة وللتوقيع على مرسوم التشكيلات بالنسبة للقضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية لأنه يوجد قضاة عدليين بمحاكم إستثنائية يتقاضون تعويضات عن عملهم في هذه المحاكم من وزارات أو هيئات أخرى غير تابعة لوزارة العدل، وهذا ما نراه في لجان الإستملاك التي يرأسها قاض عدلي ويتقاضى تعويضاته إما من البلديات أو من مجلس الإنماء والإعمار أو غيره، وهذا يطبق أيضا لدى مجالس العمل التحكيمية التي يرأسها قاض.
سادسًا: بالنسبة لما أدلت به وزيرة الدفاع لجهة أن توقيع الوزير المعني على المراسيم التي يكون مختصا بها هو إجراء دستوري واجب وملزم كرسته المادتان ٥٤ و ٦٦ من الدستور، فإنه يتبين من المادة ٥٤ من دستور الطائف أنها نصت على أن مقررات رئيس الجمهورية يجب ان يشترك معه في التوقيع الوزير أو الوزراء المختصون، وأوردت المادة ٦٦ أيضا نصا مماثلا، إن ما ورد في هاتين المادتين لجهة توقيع الوزير المختص على المراسيم هو صحيح ولكن كما قلنا سابقا إن صلاحيات وزير الدفاع الوطني بالنسبة للقضاة العدليين ألغيت بالمرسوم الإشتراعي رقم ١٥٠/٨٣ المعدل وبالتالي لم يعد وزير الدفاع مختصا بالنسبة للقضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية، وإستطرادا أقله بإقتراح أسماء القضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية.
سابعًا: أما بالنسبة لما أدلت به وزيرة الدفاع لجهة أن المرسوم الإشتراعي رقم ٢٢/١٩٨٥ تناول حصرا الفقرة ب من المادة ٥ وأبقى على فقرتها أ المتعلقة بمشروع المناقلات القضائية كما كانت عند إقرار المرسوم الإشتراعي رقم ١٥٠/٨٣، فإن ما أدلت به وزيرة الدفاع مردود لأنها تخلط بين المادة ٤ من قانون القضاء العدلي والمادة ٥، إذ أن المادة ٤ من المرسوم الإشتراعي رقم ١٥٠/٨٣ عدلت بالمرسوم الإشتراعي رقم ٢٢/١٩٨٥ وهذه المادة تتعلق بصلاحيات مجلس القضاء الأعلى، أما المادة ٥ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٥٠/٨٣ فقد عدلت بالقانون رقم ٣٨٩/٢٠٠١، وسواء تناول التعديل الفقرة ب من المادة ٥ وحدها ولم يتناول الفقرة أ فإن ذلك لا يؤثر على النتيجة التى توصلنا إليها لجهة صلاحيات وزيرة الدفاع لأن آلية التشكيلات القضائية منصوص عليها في الفقرة ب وليس الفقرة أ إذ أن الفقرة الأخيرة (أ) تنص على أنه من ضمن صلاحيات مجلس القضاء الأعلى وضع مشروع المناقلات والإلحاقات والإنتدابات الفردية أو الجماعية وعرضها على وزير العدل للموافقة عليها، أما كيف تتم إجراءات التشكيلات القضائية فإنها واردة في الفقرة ب من المادة ٥.
وعليه فإن كل ما أدلت به وزيرة الدفاع بالنسبة لصلاحياتها تجاه القضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية مردود.
(تحميل النسخة الكاملة)