ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

اشكالية الايفاء بالعملة اللبنانية في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة


اشكالية الايفاء بالعملة اللبنانية في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة

{{subject.Description}}


تسود الفوضى سوق النقد في لبنان، بحيث اصبح لدينا اكثر من سعر صرف واحد للدولار الاميركي الذي بني عليه اقتصادنا المحلي والخارجي منذ ثمانينات القرن الماضي، فتراوح سعر صرف الدولار في اسواقنا المحلية بين 3000 ل.ل. و4000 ل.ل.، في حين بقي سعره "الرسمي" 1507 ل.ل. ، ما خلق اشكالا كبيرا في تسديد الاستحقاقات المحددة بالعملة الاجنبية وبالدولار خصوصا، وطرح السؤال حول معرفة  السعر الذي يجب اعتماده  قانونا ؟

لقد نشأت عدة نزاعات بين الاطراف بسبب عقود البيع والشراء والايجارات والقروض المصرفية بالعملة الاجنبية، عائدة الى انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية واختلاف اسعار صرف العملات الاجنبية في السوق المحلي. ان هبوط القدرة الشرائية بنسبة عالية، اعدمت قدرة المواطن على ايفاء الاستحقاقات المتوجبة بذمته، فيما رأى متعاقده انه من غير المنصف الزامه بقبول الايفاء بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي ( 1507 ل.ل. ) ، بسبب التضخم الحاصل، خصوصا وانه تعاقد بالعملة الاجنبية وليس بالدولار الاميركي. تتضارب القوانين والتفسيرات في هذا الخصوص، ما يجعل الخلوص الى نتيجة مؤكدة امرا صعبا، وهذا ما افسح المجال واسعا امام التسويات الودية بين المتعاقدين. الامثلة كثيرة في هذا المجال ومتعددة، ولا سبيل لذكرها كلها في اطار هذا البحث الضيق المعد للنشر الكترونيا، ولكننا نذكر على سبيل المثال عقود البيع الموقعة بين المطورين العقاريين وزبائنهم، الذين جرى الاتفاق بينهم على شراء شقق سكنية والبدء بايفاء جزء من اثمانها مباشرة للمطّورالعقاري لحين الاستحصال على قرض سكني . كما ايضا بالنسبة لعقود الايجار السكنية والتجارية وعقود التأمين، التي لم يتم لغاية الآن الاتفاق على عملة تسديد الالتزامات الناشئة عنها، بالدولار الاميركي او بالليرة اللبنانية محسوبة على اي سعر صرف للدولار الاميركي المتراوح بين 1507 ل.ل. و4200 ل.ل. !؟

في هذا الاطار يصعب علينا الخروج بحل يرضي الجميع ويكون عادلا للطرفين فــــــــي ظل
 " دولرة " الاقتصاد اللبناني منذ ثمانينات القرن الماضي، ما اتاح فرصة ابرام معظم العقود والاتفاقيات بالدولار الاميركي، تجنبا لاحتمال تدني القيمة الشرائية للعملة الوطنية. وقد أدّى ذلك الى اخلال بالتوازن الاقتصادي للعقود وافسح المجال امام استفادة احد الطرفين من تدني القيمة الشرائية للعملة الوطنية على حساب الطرف الآخر الذي بقي متمسكا بالايفاء بالاستناد الى الدولار الاميركي، او بالليرة اللبنانية على اساس سعر صرف الليرة المرتفع. يتجاذب الحل عدة نصوص قانونية متضاربة، فأين يكمن التضارب بين الاتجاهين الاول والثاني ؟ ثم ان الظروف الاستثنائية تتطلب دائما تشريعا استثنائيا.

اولا: وجوب " ايفاء الشيء ذاته ":

نصت المادة 301 موجبات وعقود عن حرية التعاقد بالعملة الاجنبية ، خصوصا في المجال المصرفي ، حيث لم تجد المصارف اي موانع تحول دون تنظيم القروض بالعملة الاجنبية ، وعملا بقاعدة " وجوب ايفاء الشيء المستحق ذاته " ، المنصوص عنها في المادة 299 موجبات وعقود ، التي تحول دون الزام المصرف بقبول الايفاء بغير عملة التعاقد ( الدولار الاميركي )، حتى ولو كانت العملة البديلة ذات قيمة اعلى من القيمة المحددة في العقد.

ولكن يجب الاخذ بالاعتبار هنا بان العقود الموقعة مع المصارف هي عقود اذعان لم تكن تعكس توافق ارادة المصرف مع ارادة العميل، بل كانت تعكس تجسيدا لمصلحة المصرف ولو على حساب مصلحة عميله ـ وهذا ما حمل جمعية المصارف على " تلطيف " هذه الحالة، فأصدرت بتاريخ 30 ايلول 2019 تعميما يحمل الرقم 391 " تمنت " بموجبه على المصارف ـ بايعاز من حاكم مصرف لبنان ـ التعاون مع صغار المقترضين ( قروض التجزئة بالعملات الاجنبية ) ، واللجوء الى اجراء تسويات معهم، بحيث يصار الى ايفاء قيم قروضهم بالعملة اللبنانية، اذا كانت مداخيلهم بهذه العملة.

ولكن لا بد من التذكير هنا، بانه لا يحق للدائن بصورة عامة والمصارف بصورة خاصة المطالبة بايفاء الدين بالعملة الاجنبية اذا لم يتم الاتفاق مسبقا وفي العقد ذاته على ذلك. وفي هذا الاطار نلفت الى التعميم الصادر عن مصرف لبنان ( القرار الاساسي رقم 10439 تاريخ 17/5/2010 )، وتحديدا في المادة 10 منه حيث نص عن الزام المصرف بتضمين العقد عملة القرض لتجنب اي احتمال آخر.

ثانيا: الزامية قبول الايفاء بالعملة الوطنية :

نشير في هذا الصدد الى قرار حديث(1 صادر عن رئيس دائرة التنفيذ في بيروت ( الرئيس فيصل مكي ) ، ميّز فيه ـ جريا مع الاجتهاد الفرنسي بشأن العقود المحررة بالعملة الاجنبية ـ بين استعمال العملة الاجنبية كعملة حساب للدين Clauses valeur monnaie étrangère وبين استعمالها كعملة ايفاء Clauses espèces étrangères. ففي الحالة الاولى Monnaie de compte  ، يعتبر البند صحيحا ونافذا اذ يمكن وصفه بانه بند تحديد للدين وفقا لمؤشر متحرك وهو العملة الاجنبية المتعاقد بها. اما في الحالة الثانية Monnaie de paiement ، فقد اعتبر الاجتهاد هذه البنود باطلة بطلانا مطلقا، لان الايفاء في العقود الداخلية يجب ان يحصل بالعملة الوطنية. ويكون باطلا بطلانا مطلقا كل اتفاق يكون موضوعه الايفاء بالعملة الاجنبية، الا اذا ارتضى المدين ذلك ووافق الدائن.

وهنا رأى رئيس دائرة التنفيذ ( الرئيس فيصل مكي ) انه بالعودة الى المنظومة التشريعية اللبنانية، فان المادة 301 موجبات وعقود اوجبت الايفاء بالعملة الوطنية، عندما يكون الدين مبلغا من النقود. كما ان المادة 192 من قانون النقد والتسليف وانشاء المصرف المركزي، عاقبت كل من يرفض قبول الايفاء بالعملة اللبنانية. واعطت المادة السابعة من القانون عينه للاوراق النقدية التي تساوي قيمتها، خمسماية ليرة لبنانية وما فوق، قوة ابرائية غير محدودة في اراضي الجمهورية اللبنانية.

واضاف القاضي فيصل مكي ان هذه النصوص متعلقة بالنظام العام الحمائي للعملة اللبنانية، اذ لا يمكن معها فرض قبول الايفاء بالعملة الاجنبية، بل اكثر من ذلك، فانه لا يمكن رفض الايفاء بهذه العملة، التي لها قوة ابرائية شاملة (2).

ويختم الرئيس فيصل مكي في ان تدهور قيمة العملة الوطنية لا يغيّر شيئا في النتيجة ، لان مبدأ الاسمية النقدية يفترض محافظة الوحدة النقدية على ذات القيمة الابرائية، حتى ولو تغيرت مع الوقت قيمتها الحقيقية وقوتها الشرائية؛ وبالتالي يتوجب على المدين ان يدفع دائما بذات المبلغ العددي، بدون امكانية اعادة التقييم، تطبيقا لمبدأ الزامية العقود وعدم جواز تعديل الالتزامات. فالمدين يتحرر من دين نقدي بمجرد ايفاء قيمته الاسمية، بدون الالتفات الى عملة الدين، وبدون التمييز بين العملة الوطنية والاجنبية، حيث يطبق مبدأ الاسمية ايضا على الديون المقررة بعملة اجنبية. ويتم احتساب معدل صرف العملة الوطنية بدين محرر بالعملة الاجنبية بتاريخ الايفاء الفعلي.

( راجع لطفا مندرجات قرار الرئيس فيصل مكي ).

نضيف الى النصوص المذكورة في قرار الرئيس فيصل مكي نص المادة الخامسة من قانون حماية المستهلك ، التي تجيز التحرر من الدين المحرر بالعملة الاجنبية اذا تم تسديد قيمته بالليرة اللبنانية، وذلك تحت طائلة الملاحقة الجزائية في حال الرفض.

ولكن لا بد من الاشارة الى وجود اتجاه معاكس لهذا الاتجاه تمثّل في قرار صادر عن محكمة التمييز اللبنانية  ، جاء فيه ان " عملة المخالصة المنظمة بين الطرفين حددته بصورة واضحة ان الدفعات النقدية تجري بالفرنك الافريقي ويقتضي ان يتم الايفاء بذات العملة والقيمة انسجاما مع نص المواد 299 و301 و302 موجبات وعقود.

ثالثا: الحاجة الملحة لقانون استثنائي يحكم الحالة الاستثننائية:

اذا كان صحيحا ان النصوص وفي الحالتين المبسوطتين اعلاه، وايا كان الموقف الذي نختاره، تعكس آراء وجيهة مستندة الى العلم والاجتهاد ؛ فالصحيح ايضا انها لا تفي بالغرض المطلوب، اذ ان الواقع الحالي الذي نمر به يتجاوز تلك النصوص بعيدا؛ فالطلاق حاصل بين الواقع والتطبيق. وهذا يتطلب تشريعا استثنائيا معدا لحكم الحالة الاستثنائية الراهنة، يضع حدا للجدل القائم ويكون اكثر انسجاما مع الواقع والعدالة في آن واحد. والمؤسف ان رئيس المجلس النيابي يرفض رفضا قاطعا اعتماد المراسيم الاشتراعية، التي لو تم اعتمادها لوفرت الكثير على لبنان من مشاكلنا الاقتصادية الحاضرة، خصوصا وان وباء " الكورونا " يحول دون اجتماع المجلس النيابي بصورة طبيعية. وهذا ما يحملنا على الطلب من المجلس النيابي مضاعفة جهوده التشريعية لتحقيق ما هو مطلوب منه.

ان التشريع الاستثنائي ـ على علاته ـ يبقى الحل الامثل ؛ فالسرعة التي يتم اعداده فيها وطابعه الاستثنائي يحولانه الى تشريع مشوب بالاخطاء والنواقص، ولكنه يبقى الاكثر انطباقا على الواقع، والاكثر تحقيقا للاهداف، بدون ان ننسى " سيد الاحكام " ( الصلح ) الذي كثيرا ما يعيد التوازن الاقتصادي رضائيا الى العقد.

بين نوعية التشريع السيئة والهدف المنشود من التشريع الاستثنائي نختار الثاني دون الاولى؛ وبغياب اي رغبة في منح الحكومة سلطة تشريع استثنائية بموجب مراسيم تشريعية ، تبقى "سواعد " نوابنا و " سيد الاحكام " الحلين المتيسرين،، فهل يكون المجلس النيابي على قدر آمالنا؟ (تحميل النسخة الكاملة)
 

--------------------------------------------------

(1)  قرار رقم اساس 2018/2019، 15 كانون الثاني 2020، ايدريل الالكتروني ـ برنامج " الموادي " ـ تحت المادة 301 موجبات وعقود.

(2)  هيئة التشريع والاستشارات، استشارة رقم 1461 ، تاريخ 14/10/1988، مجموعة اجتهادات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، المنشورات الحقوقية ـ صادر، المجلد التاسع ، ص9669، مشار اليها في متن قرار الرئيس فيصل مكي السابق ذكره ؛ استئناف بيروت، قرار رقم 333 تاريخ 20/3/1997، القرارات الكبرى عدد 58، ص 80، مذكور ايضا في متن قرار الرئيس فيصل مكي السابق ذكره.

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان