هل ستنتهي النزاعات الدولية بمجرد أن نصل بمشكلة ترسيم الحدود البحرية الى نهايتها؟ أو أن احتمال اكتشاف حقول بترول عابرة للحدود اللبنانية المائية فتيل لإشعال نزاعات جديدة؟ ما هي الوسائل القانونية لحل مثل هذه النزاعات في حال نشوئها؟
الحدود البحرية اللبنانية
بادر لبنان بترسيم حدوده البحرية وبالأخص حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية (حيث للدولة اللبنانية الحق بامتلاك أي موارد قد تكتشف ضمن هذه المياه) بعد الحديث عن وجود احتياطات من النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، علماً أن تعيين هذه الحدود يتم عادةً بموجب إتفاقيات وبروتوكولات حدودية دولية ولا يمكن تعديلها بإرادة منفردة بل فقط بإتفاق الأطراف المعنية تحقيقاً للإستقرار في العلاقات الدولية.
رحلة الترسيم هذه بدأت مع العام 2002 غير أن الوصول بهذا الترسيم الى خواتيم سعيدة اصطدم بعدة عقبات: بعضها داخلية نشأت عن إهمال وتقاعس وارتكاب أخطاء من الجانب اللبناني وبعضها الآخر خارجية فرضها الموقع الجغرافي للبحر الأبيض المتوسط وتداخل المناطق الاقتصادية لعدة دول فيما بينها: المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية تتداخل مع تلك العائدة للدول ذات السواحل المتلاصقة مع الساحل اللبناني (سوريا وفلسطين المحتلة) ومع تلك العائدة للدولة ذات الساحل المقابل (قبرص)، يبقى أن أبرز ما أعاق هذا الترسيم ما تعلق بسيادة لبنان واضطراره إلى ترسيم هذه الحدود مع الكيان الإسرائيلي المحتل.
يمكن اختصار الوضع الحالي للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية بثلاثة نقاط: اتفاق غير مبرم مع قبرص، إهمال بالترسيم المشترك مع الجانب السوري وصعوبة في الترسيم مع عدو يحتل أرض مجاورة.
لكن المشكلة ليست فقط بالاتفاق على ترسيم الحدود الفاصلة للمناطق الإقتصادية المختلفة وإنما كذلك باستثمار حقول البترول التي قد تُكتشف على هذه الحدود، فعلى فرض أن لبنان وصل إلى نهاية هذا الملف بالاتفاق على هذه الحدود مع كل من سوريا وقبرص والكيان الإسرائيلي، فإن ذلك لا يعني أبداً أنه حر بإستثمار كافة الحقول البترولية التي قد تكتشف ضمن هذه المنطقة وإنما قد يواجه عقبة تتمثل باستثمار ما قد يكتشف من حقول على الحدود، أي مشكلة استثمار الحقول البترولية المشتركة أو الحقول العابرة للحدود.
مساحة الترخيص
عندما تقرر أي دولة السماح لشركات البترول بالبحث والتنقيب عن البترول في إقليمها البري أو البحري تحدد لها مساحة محددة يمكن لها العمل ضمنها تُعرف بمساحة الترخيص، فيمكن للشركات القيام بالأنشطة البترولية حصراً ضمن نطاق هذه المساحة دون أن يحق لها أن تتجاوزها أو تعمل خارج حدودها، تُعرف هذه المساحة بالرقع أو بالبلوكات.
الدولة اللبنانية قسمت المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية إلى عشر رقع أو بلوكات، هذه الرقع تشكل المساحة التي تنفذ شركات البترول في نطاقها الأنشطة البترولية المنصوص عليها في اتفاقية الاستكشاف والإنتاج (أي العقد الذي توقعه الدولة اللبنانية مع شركات البترول حتى تتمكن هذه الأخيرة من التنقيب عن البترول وإنتاجه واستثماره)، على أن يتم استثمار كل رقعة بموجب اتفاقية استكشاف وإنتاج مستقلة.
لكن ماذا لو تجاوز حقل ما حدود المنطقة الخاضعة لإتفاقية استكشاف وإنتاج أي حدود بلوك معين؟ لا بد من التمييز هنا بين عدة حالات، يمكن إدراج هذه الحالات ضمن حالتين الأولى إذا كان الحقل لا يزال ضمن المياه اللبنانية والثانية إذا ما تجاوز هذا الحقل حدود هذه المياه.
الحالة الأولى: اكتشاف حقل مشترك ضمن المياه اللبنانية
في هذه الحالة يقتضي التفرقة ما إذا كان الحقل المكتشف ضمن منطقة معينة يمتد إلى منطقة أخرى خاضعة لإتفاقية استكشاف وإنتاج أخرى أم لا:
- إذا تجاوز الحقل حدود منطقة خاضعة لإتفاقية استكشاف وإنتاج أخرى، على شركات البترول التوصل إلى اتفاقية حول أفضل وأكفأ طريقة ممكنة للتنسيق بين الأنشطة البترولية لضمان طريقة إستخراج فضلى من خلال توحيد الجهود والخبرات، بما في ذلك توزيع الحصص البترولية، تُعرف هذه الاتفاقية بإتفاقية تجزئة الإنتاج، أي الأداة القانونية لتنظيم وإدارة الأنشطة البترولية لحقل يقع بين رقعتين خاضعتين لعقدين مختلفين، فيتم استغلال هذا الحقل والقيام بالأنشطة البترولية من خلال التنسيق بين الشركات المختلفة العاملة في المياه اللبنانية.
- في حاول تجاوز حقل حدود منطقة خاضعة لاتفاقية الاستكشاف والإنتاج وصولاً إلى منطقة غير خاضعة لأي اتفاقية أخرى، لشركة البترول أن تقدم طلباً إلى وزير الطاقة لتوسيع مساحة المنطقة المشمولة باتفاقية الاستكشاف والإنتاج الحالية، يخضع توسيع المنطقة لموافقة مجلس الوزراء بناءً على إقتراح الوزير بالاستناد إلى رأي هيئة إدارة قطاع البترول.
الحالة الثانية: اكتشاف حقل عابر للحدود
الحقول النفطية المشتركة
يقصد بالحقول النفطية المشتركة أو ما يُعرف كذلك بالحقول العابرة للحدود: الحقول التي تمتد عبر حدود دولتين أو أكثر، فلهذه الحقول امتدادات جيولوجية عابرة للحدود، ومن ثم فهي حقول يمتد انتاجها أو مخزونها عبر حدود الدولتين مع اختلاف نسب الإنتاج والمخزون من حقل إلى آخر ومن دولة إلى أخرى بحسب طبيعة تكوين الحقل وعمق باطن الأرض وطريقة استغلال الحقل واستثماره.
فكما أن لكل دولة الحق في استغلال حقولها النفطية الكامنة في إقليمها فلها أيضاً الحق باستغلال الجزء من الحقل المشترك الذي يقع داخل إقليمها شرط عدم التعسف في استعمال هذا الحق: انفراد أي دولة في استغلال حقل مشترك بينها وبين دولة أخرى يُشكل اعتداء على سيادة هذه الأخيرة وعلى ملكيتها لجزء من الحقل، ما يفرض على الدول الاتفاق بينهم لتحديد حقوق كل دولة على الحقل المشترك والتفاهم على أسلوب وكيفية استغلال هذا الحقل.
هذا التداخل في حقوق الدول في ملكية احتياطيات البترول في الآبار الممتدة في باطن الأرض عبر الحدود الدولية يؤدي إلى ظهور بعض الإشكاليات فيما يتعلق بعملية استغلال وإدارة وتطوير الحقول البترولية المشتركة، ما يؤدي بدوره الى نشوء نزاعات بين الدول المعنية في مرحلة الإنتاج حول طبيعة ومدى الحقوق التي تدعيها الدول التي يكمن في باطن إقليمها جزء من الحقل، علماً أن هكذا نزاع إضافة الى كونه نزاع قانوني واقتصادي فهو يأخذ في الكثير من الأحيان طابع سياسي ما يوجب حلّه بطرق خاصة وملائمة تحافظ على مصالح الأطراف المتنازعة.
لذلك تشكل هذه الحقول نقاط احتكاك، والتطوير المنفصل والمستقل للحقول المشتركة من قبل طرفين أو أكثر يتسبب في إلحاق الضرر بها، ما يؤدي الى نزاعات قانونية وسياسية محتملة توجب على الدول المتنازعة إيجاد آليات تعاون عادلة، من هذه الآليات توقيع الأطراف المعنية في حقلين أو أكثر (والتي توجد لها عقود أو تراخيص منفصلة) اتفاقية للتطوير المشترك لحقل مشترك، علماً أن جميع الأطراف المعنية تستفيد من تطوير هكذا حقل كوحدة تشغيلية مفردة فتجري العمليات كما لو أن الحدود بين مناطق العقد غير موجودة، على أن تأخذ هذه الاتفاقية في الإعتبار عدة مبادئ لابد من مراعاتها عند استغلال هذه الحقول ومنها: عدم التعسف في استعمال الحق، العدالة في تقسيم الإحتياطي المشترك وعدم البدء بالاستغلال إلا باتفاق الدول المعنية.
متى يمكن الحديث عن حقل عابر للحدود اللبنانية؟
عند تجاوز أي حقل أو مكمن حدود الخط الفاصل للجرف القاري أو لمياه إقليمية خاضعة لقوانين دولة أخرى غير الدولة اللبنانية أو لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية نكون أمام حالة حقل عابر للحدود ويجب استثمار هذا الحقل بطرق محددة حفاظاً على حقوق كل الدول، لذلك نظم القانون اللبناني هذه الحالة بنصه على أنه: "على شركات البترول العاملة في الدولتين التوصل إلى اتفاقية حول أفضل وأكفأ طريقة ممكنة للتنسيق بين الأنشطة البترولية لضمان طريقة إستخراج فضلى، بما في ذلك توزيع الحصص البترولية، وتناقش الشركات العاملة في المياه اللبنانية شروط إتفاقية تجزئة الإنتاج مع أي مشغل أو صاحب حق (شركات البترول) في القطاع الخاص في البلد الآخر، على أن الدولة هي المسؤولة عن أي مفاوضات بين الحكومات.
غير أن كل إتفاق لتطوير هذا الحقل أو لبناء أو إستعمال منشآت عبر الحدود أو أي تدبير آخر بين أصحاب الحقوق وأي كيانات أخرى في ما خص التنسيق بين الأنشطة البترولية عبر الحدود أو أي قرار لتطوير هكذا الحقل من دون هكذا إتفاق أو ترتيب يخضع لموافقة مجلس الوزراء المسبقة، كما يجب أن تكون أي إتفاقات أو مناقشات أو ترتيبات متوافقة دائماً مع القوانين والأنظمة اللبنانية المرعية الإجراء."
استثمار الحقول المشتركة يتطلب بالدرجة الأولى توحيد المصالح بين الدول والتعاون والتنسيق بينهم تجنباً للازدواج في إقامة منشآت البترول والتسابق في الحصول على أكبر كمية من البترول في أقل وقت ما يبدد جزء كبير من الإحتياطي دون مبرر، وتجنباً كذلك لحفر عدد كبير من الآبار يؤدي إلى خفض الإنتاج كما أن التنسيق ضروري للحيلولة دون حصول إحدى الدول على أكثر من نصيبها من الحقل وغير ذلك من المشاكل التي قد تنشأ بينهم، أما إذا لم تتوصل شركات البترول إلى الإتفاق حول التعاون المشترك أو لم توافق الدولة اللبنانية عبر مجلس الوزراء على هذا الإتفاق (في حال التوصل إليه) ينشأ النزاع حول كيفية استغلال هذه الحقول.
هذا الأمر (أي عدم التوصل إلى إتفاق ونشوء نزاع) أمر متوقع الحصول إذا ما اكتُشِف حقل مُمتد من المياه اللبنانية نحو مياه فلسطين المحتلة، فأمام عدم اعتراف الدولة اللبنانية بالكيان الإسرائيلي واستحالة التعامل مع هذا الكيان والنزاع القائم حول ترسيم الحدود فأي اكتشاف لحقول بترولية مشتركة سيفتح الباب دون شك لنزاع إضافي يُضاف الى كل النزاعات العالقة بين لبنان وهذا الكيان.
أما إذا اكتُشِف حقول مشتركة بين لبنان وسوريا أو بين لبنان وقبرص، فبالرغم من أن استثمار هكذا حقول لن يثير بالتأكيد ذات المشاكل التي يطرحها أي حقل عابر للحدود اللبنانية نحو الحدود الفلسطينية، مع ذلك فإمكانية نشوء نزاع أمر محتمل الحدوث خصوصاً أن المصالح الإقتصادية غالباً ما تطغى على أي اعتبارات أخرى، ما يدفعنا للتساؤل حول الوسائل المعتمدة لحل مثل هذه النزاعات؟
تسوية نزاعات استثمار الحقول العابرة للحدود
يعتبر النزاع حول استثمار حقول البترول المشتركة نزاع دولي لأنه عدم إتفاق أو خلاف بين دولتين أو أكثر حول قضية محددة وهي هنا آلية استثمار الحقل العابر لحدود الدول.
أما عن طرق حل هذه النزاعات فينطبق عليها ما ينطبق على النزاعات الدولية عامةً، فهي تتعلق بأشخاص قانونية دولية مستقلة بعضها عن البعض الآخر ومتساوية قانوناً وتحتاج بالدرجة الأولى إلى مساعي دبلوماسية وسياسية بغية الوصول بالتراضي إلى اتفاقيات مشتركة وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال اللجوء أولاً إلى الوسائل الودية: من هذه الوسائل ما يتم من خلال التشاور بين أطراف النزاع أي عبر المفاوضات المباشرة أو المفاوضات غير المباشرة ومنها ما يتم من خلال طرف ثالث يتدخل لحل النزاع من خلال المساعي الحميدة أو من خلال الوساطة كما يمكن اللجوء الى المنظمات الإقليمية والدولية، وعند عدم التوصل إلى اتفاق يمكن اللجوء إلى ما يعرف بـالوسائل القضائية: أي التحكيم واللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
لأطراف النزاع الحرية في اختيار طريقة التسوية المناسبة للنزاع القائم بينهم سواء بلجوئهم إلى الوسائل الودية أو إلى الوسائل القضائية ولا يجوز فرض وسيلة تسوية دون الآخرى على الدول، مع الإشارة إلى أن الوسائل الودية تتميز بالسرعة في حسم النزاع ومراعاتها لمصالح الأطراف وليس فقط للقواعد القانونية وفي طليعة هذه الوسائل نجد المفاوضات، فما من أحد قادر على حل مشاكل دولة ما إلا الدولة نفسها.
تتسم المفاوضات بالسرية والمرونة، فيقوم ممثلون عن الدولتين المتنازعتين بدراسة مشتركة للخلاف وتبادل وجهات النظر بشأنه بهدف التوصل الى تسوية للنزاع القائم دون حاجة الى تدخل من جانب الغير، لكن لا يمكن للمفاوضات أن تؤدي الى نتيجة ما لم يتوفر لدى الأطراف المعنية نية حقيقية وحسنة واستعداد كامل للوصول إلى التسوية المطلوبة والعادلة والتصرف بطريقة من شأنها أن تجعل للمفاوضات معنى وغاية.
أما فيما خص الوسائل القضائية (التحكيم والقضاء الدولي أي محكمة العدل الدولية) فهي تتميز بأنها تنتهي بصدور قرار ملزم للأطراف، فمن خلال هذه الوسائل يتولى طرف ثالث من غير أطراف النزاع أو هيئة مُؤلفة من عدد مفرد من الأشخاص سلطة الفصل فيه على أساس من قواعد القانون وإصدار قرار ملزم بشأنه من الناحية القانونية.
أي من هذه الوسائل السابقة يمكن للبنان اللجوء إليها؟
الاختيار بين مختلف الوسائل المتاحة لحل النزاعات يخضع لبعض الإعتبارات التي قد تختلف من حالة إلى أخرى، من هذه الإعتبارات طبيعة العلاقات السياسية بين الدول ورغبتهم في إيجاد تسوية سلمية للنزاع، لذلك فالوسائل المطروحة لتسوية أي نزاع قد ينشأ مع سوريا أو قبرص تختلف عن الوسائل التي قد يُلجأ إليها مع الكيان الإسرائيلي.
الوسائل المتاحة أمام لبنان لحل أي نزاع قد ينشأ حول استثمار الحقول العابرة للحدود هي:
من بين الوسائل الودية: تبرز المفاوضات كأهم هذه الوسائل لأنها تنبع من أن التشاور وتبادل الآراء يتم بين أطراف النزاع أنفسهم ولا يوجد أقدر من الدولة ذاتها على حل مشاكلها والدفاع عن مصالحها لذلك فأي نزاع حول حقول مشتركة قد تُكتشف على الحدود اللبنانية-السورية أو على الحدود اللبنانية-القبرصية يمكن حلّه عبر المفاوضات، فليس بين لبنان وكل من سوريا وقبرص أي عداوة تمنع من اللجوء الى المفاوضات لحل هكذا نزاعات تالياً لا حاجة لتدخل طرف ثالث بينهم، أما في حال تعثر المفاوضات عندها يمكن اللجوء إلى المساعي الحميدة لاستئنافها أو إلى غيرها من الوسائل الودية.
لكن وبالرغم من فعالية المفاوضات لتسوية النزاعات لاسيما إذا كان القائمين بها من أهل الإختصاص، إلا أنه لا يمكن إتباعها مع الكيان الإسرائيلي لإنقطاع العلاقات بينه وبين لبنان لذلك تبرز الوساطة أو المفاوضات غير المباشرة إلى الواجهة لحل أي نزاع ينشأ عن استغلال الحقول البترولية العابرة للحدود كما هو الحال بالنسبة لترسيم الحدود.
أما عن الوسائل القضائية التي يمكن للبنان اللجوء إليها: في حال أي نزاع مع سوريا أو مع قبرص وفي حال فشل الطرق الودية والدبلوماسية في التسوية فمن الأنسب عندها اللجوء الى التحكيم الذي يتميز بالمرونة والحرية المعطاة للأطراف وبغياب صفة الخصومة بين الأطراف.
اللجوء الى الوسائل القضائية مع الكيان الإسرائيلي مرفوض من قبل أغلب الفقه اللبناني على إعتبار أن اللجوء الى هذه الوسائل قد يُفَسر بأنه اعتراف بإسرائيل الأمر المرفوض من لبنان سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي.
مع الإشارة هنا إلى أنه من خلال الجولات الأخيرة التي قام بها الوسيط الأميركي في إطار تسهيل عملية التفاوض غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية تبيّن أن رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري أبلغ هذا الوسيط رفضه للإستثمار المشترك لحقول البترول مع الكيان الإسرائيلي لأنه يُعد نوع من أنواع التطبيع.
حتى أنه يجري الحديث وبحسب تسريبات غير رسمية عن طرح جديد تقدم به الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين من خلال زيارته لبنان في شباط 2022 مفاده أن يتم ترسيم الحدود بناءً على توزيع وتبادل الحقول بين الطرفين حتى لا يكون هناك أي شراكة في أي حقل بترولي فيقف الحديث عن الخطوط البحرية ويُنتقل من مرحلة التفاوض حول خطوط على سطح الماء إلى التفاوض على حقول تحت الماء، بمعنى أن الحدود البحرية تصبح مُرَسّمة تلقائياً وفقاً لخريطة توزيع الحقول مع تحديد كل الحقول في المنطقة المتنازعة عليها وتوزيعها عبر الوسيط الأميركي فسيكون هناك تبادل للحقول حتى لا يكون هناك أي شراكة في أي حقل مع تحديد آلية لكيفية التعاطي مع أي أمر مستقبلي في حال اكتشاف حقول جديدة غير تلك التي سيتم التفاوض عليها.
بعد دراسة الاقتراح الذي تقدم به هذا الوسيط صدر بيان عن الرئاسة اللبنانية في 18 نيسان 2022 يتضمن " دعوة الولايات المتحدة الى الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية وفقاً لاتفاق الإطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة"، يُستفاد من هذا البيان رفض ضمني لهذا الاقتراح دون أن يُشار إلى هذا الرفض بعبارات صريحة.
بمناسبة هذا الطرح لا بد من التأكيد على أن المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود حاجة وضرورة للعدو الإسرائيلي كما هي للبنان تمهيداً للوصول إلى اتفاق عبر تسويات تؤدي إلى تبني حلول قانونية وتقنية وسياسية في آن معاً، لا سيما الحلول التي تخلّص لبنان، ضمن المعقول والمقبول، من إدارة حقول مشتركة مع العدو الإسرائيلي نظراً لصعوبة استثمار هذه الحقول بالتنسيق مع العدو وصعوبة حل أي نزاعات تنشأ نتيجة هذا الإستثمار مع عدو لديه خبرة في خرق القوانين الدولية: اللجوء إلى الطرق الودية المُشار إليها أعلاه يرتكز على مبدأ حسن النية الأمر غير المتوفر مع هذا الكيان وتنفيذ أي قرارات تصدر بنتيجة الوسائل القضائية (على فرض اللجوء إليها) رهن بإرادة الطرف الصادر الحكم ضده الأمر الذي لا يمكن التعويل عليه مع عدو يغتصب أرض فلسطين.
تجنباً لكل ذلك، لا مانع من دراسة حلول تحفظ حقوق لبنان وشعبه على موارده البترولية وتُخلٍّصه في الوقت ذاته من أي امكانية للدخول مستقبلاً في استثمار مشترك مع الكيان الإسرائيلي أو من نشوء نزاع حول ملكية أي حقل عابر للحدود، ما يُحتم أن يُأَخذ بالإعتبار عند استئناف المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية مسألة استثمار الحقول الحدودية، فلا بد من التطرق إلى هذا الموضوع ووضع مسبقاً أُطر عامة لآلية استثمار هذه الحقول بما يحفظ حقوق لبنان كاملة ويجنبه الى حد ما الدخول في نزاع جديد مع العدو.