ترجم هذا الموقع إلى
بدعم من غوغيل
تنفيذ
للحصول على ترجمة "صادر" القانونية أو أي استفسار info@saderlegal.com

|

{{title}}

لم يتم العثور على المحتوى

صلاحيات رئيس الجمهورية بين الأصالة والوكالة وتصريف الأعمال


صلاحيات رئيس الجمهورية بين الأصالة والوكالة وتصريف الأعمال

{{subject.Description}}

مع قرب إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية وبداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس (المادة /٧٣/ من الدستور) والحديث عن الفراغ في سُدة الرئاسة الأولى بفعل تعذّر أو بالأحرى التّمنُع عن مُمارسة الواجب الدستوري بانتخاب رئيس جديد للبلاد رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن (المادة /٤٩/ من الدستور) لحجج وأسباب مُتنوّعة وجميعها غريبٌ عن منطق الدولة وتُخالف واجب النواب بعدم تعطيل مُمارسة الهيئة العامة لواجبها الدستوري وفق اجتهاد المجلس الدستوري بأن "يُحظّر أن يُقدّر لنائب او أكثر أن يشلّ قدرة مجلس النواب" (القرار رقم ٤ تاريخ ٢٩ أيلول ٢٠٠١)، يثور النقاش حول الصلاحيات التي أناطها الدستور برئيس الجمهورية وتحديداً الجهة التي تنتقل إليها مُمارسة تلك الصلاحيات، والأهمّ عن الكيفيّة التي تُمارس بها.

فالدستور اللبناني ذكر بوضوح صلاحيات رئيس الجمهورية في الأحوال العاديّة وعلاقته بالحكومة ورئيسها، إلا أنّ نصوصه المُتعلّقة بدور الرئيس في تشكيل الحكومة تحتمل التأويل فكَثُرت التحليلات والنظريّات وطغى على أكثرها الخلفية الحزبية والطائفية وأثّر سلباً على تشكيل الحكومات هذا إن شُكّلت، كما يتبيّن ايضاً بأن الدستور أغفل بيان دور الرئيس في العلاقة مع حكومة مُستقيلة او مُعتبرة مُستقيلة أو قبل نيلها الثقة ما حدا بالفقه والاجتهاد، وتحاشياً للفراغ، وتأميناً لاستمرارية سير المرافق العامة، اللجوء إلى ما يُسمى بالموافقات الاستثنائيّة وهي تصدر عن رئيسي الجمهورية والحكومة نيابة عن مجلس الوزراء وتُعرض لاحقاً على هذا الأخير للموافقة عليها على سبيل التسوية.  

وما بين صلاحيات الرئيس في الأحوال الطبيعية والعادية، وصلاحياته الاستثنائية عند استقالة الحكومة أو اعتبارها بحكم المُستقيلة أو قبل نيلها الثقة، حدّد الدستور بشكل واضح لا يحتمل أي شكّ أو تأويل، الجهة التي تنتقل اليها صلاحيات الرئيس في حال خلو سُدّة الرئاسة لأي عِلّة كانت فنصّت المادة /٦٢/ منه على أن تُناط في هذ الحالة، صلاحيات الرئيس وكالةً بمجلس الوزراء.    

ومن بديهيّات القول أن المرجع الأول والأخير في تحديد الصلاحيات هو الدستور الذي تسمو أحكامه على غيره من القواعد القانونيّة باعتباره القانون الأساسي في الدولة من خلال وضعه للإطار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لها، فضلاً عن كونه الجهة الوحيدة التي تُنشىء السلطات الحاكمة وتُحدّد إختصاصاتها بحيث يتوجّب على هذه السلطات احترام أحكامه لكونه السند الشرعي لوجودها. ويَترتّب على ما تقدّم بأنه لا يُساغ قانوناً تفويض السلطات أو انتقالها إلا إذا وُجد نصّ صريح في الدستور يَسمح بذلك وعلى أن ينحصر ذلك بالاختصاصات التي يسمح بُممارستها تفويضاً (كمشاريع القوانين التي تصدر بموجب مراسيم سنداً للمادة /٥٨/ من الدستور) أو وكالةً (المادة /٦٢/ من الدستور) وإنّه ومن خلال هذه المُقاربة أيّ الركون الى الدستور ونصوصه والاستئناس بالاجتهادات القضائّية وآراء الفقهاء يقتضي البحث في المواضيع التالية:

اولاً: في صلاحيات رئيس الجمهورية في الأحوال العاديّة ودوره في تشكيل الحكومة

ثانياً: في صلاحيات رئيس الجمهورية خلال فترة تصريف الأعمال

ثالثاً: في انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية عند خلو سُدّة الرئاسة 

 

 

 

 

اولاً: في صلاحيات رئيس الجمهورية في الأحوال العاديّة ودوره في تشكيل الحكومة

 

  • في صلاحيات رئيس الجمهورية في الأحوال العاديّة

بحسب المادة /٤٩/ من الدستور إنّ رئيس الجمهوريّة هو "رئيس الدّولة ورمز وحدة الوطن" ويتولّى مُهمّة "السهر على احترام الدستور والمُحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه". وبذلك، ومع التعديل الدستوري الصادر بتاريخ ٢١/٩/١٩٩٠ أصبح رئيس الجمهورية رمزاً للدولة بأرضها وشعبها ومؤسساتها، ولم يعد رئيساً للسلطة الإجرائية التي انتقلت بموجب المادة /١٧/ إلى مجلس الوزراء مُجتمعاً وممثلاً لجميع الطوائف.

 Béchara Ménassa (Ancien conseiller juridique à l’Assemblée nationale) - Dictionnaire de la constitution Libanaise – 2010 p.90

وبالإضافة إلى هذا الدور الاستثنائي لرئيس الجمهورية وجعله رمزاً للوطن بكل مُكوّناته، يتمتّع رئيس الجمهورية بموقع مُتقدّم بوصفه حَكَماً بين السلطات ومؤتمَناً على الدستور واحترام القوانين ومرجعيّةً وطنيّة خصّها الدستور وحدها، نظراً لدورها، بآداء قسَم الاخلاص للأمة والدستور.

ومن هذا الموقع (السهر على احترام الدستور) يُمارس رئيس الجمهورية الرقابة على احترام جميع القوانين ودستوريتها، إن من خلال حقّه بإعادة القانون الذي يكون البرلمان قد اقرّه قبل إصداره لمناقشته مرة ثانية (المادة /٥٧/ من الدستور)، أو من خلال الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتّخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية، أو من خلال مراجعة المجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين، كما ومن خلال حقّه بطلب حلّ البرلمان وفقاً للشروط المحددة في المادتين /٦٥/ و /٧٧/ من الدستور. أما بالنسبة لمهمة المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه فهو يُمارسها، إن من خلال دعوة مجلس الوزراء إستئنائياً للإنعقاد بالإتفاق مع رئيس الحكومة، ومن خلال طرح الأمور الطارئة من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء كما ومن خلال دعوته مجلس النواب لعقد أستثنائي بالإتفاق مع رئيس الحكومة، وأيضاً من خلال ترؤس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوّات المُسلّحة التي تخضع لمجلس الوزراء.

فضلاً عن هذا الدّور السامي المُناط برئيس الجمهورية، نجد أن مواد الدستور، المادة /٥١/ وما يليها، أولته: (١) صلاحيّة اصدار القوانين وطلب نشرها (٢) المُفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة (٣) ترؤس مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يُشارك في التصويت (٤) تسمية رئيس الحكومة المُكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابيّة مُلزمة يُطلعه رسميّا على نتائجها (٥) اصدار مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء مُنفرداً (٦) اصدار مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء (٧) إصداره مُنفرداً مراسيم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة (٨) إحالة مشاريع القوانين التي تُرفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب (٩) اعتماد السفراء وقبول اعتمادهم (١٠) ترؤس الحفلات الرسميّة ومنح أوسمة الدولة بمرسوم (١١) منح العفو الخاص بمرسوم (١٢) توجيه رسائل إلى مجلس النواب عندما تقتضي الضرورة (١٣) عرض أي أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال (١٤) دعوة مجلس الوزراء استثنائياً كلّما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة (١٥) الطلب إلى مجلس الوزراء حلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة (١٦) الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتّخذها المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية (١٧) طلب إعادة النظر في القانون مرّة واحدة ضمن المِهلة المُحدّدة لإصداره بعد إطلاع مجلس الوزراء (١٨) اصدار مرسوم تنفيذ مشاريع القوانين المُستعجلة بعد موافقة مجلس الوزراء (١٩) تأجيل انعقاد المجلس النيابي إلى أمدّ لا يتجاوز شهراً واحداً مرّة واحدة في العقد الواحد.

 

     إنطلاقاً من هذه النصوص الدستورية التي تؤكّد على قوّة موقع رئيس الجمهورية،  فإنّ تقييد بعض صلاحياته لا يعني إضعافه أو تراجع موقع الرئاسة الأولى، بل أنّ هذه النصوص الدستورية تعطي رئيس الجمهورية صلاحية تجعل منه قطباً دستورياً وفاعلاً مؤثراً.

     (حسين علي عبيد، القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان ــــ إشكاليات التحديث وتحديّات العبور للجمهورية الثالثة ـــ ص.156).

 

      ويُلاحظ أنّ تعديل الدستور في العام ١٩٩٠ أحدث تغييراً جذريّاً في صلاحيات رئيس الجمهورية وأناط بعضاً منها بمجلس الوزراء مُجتمعاً، والبعض الآخر برئيس مجلس الوزراء. وأبرز ما أستحدثه هذا التعديل هو مُشاركة رئيس مجلس الوزراء في الحكم وتكريسه رئيساً لمؤسسة دستوريّة قائمة بذاتها لها مقرّ خاص وصلاحيات خاصة بها حدّدتها المادة /٦٥/ من الدستور التي نصّت في الفقرتين الأولى والثانية منها على أن مجلس الوزراء يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ويضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيميّة ويتّخذ القرارات اللازمة لتطبيقها. كما يسهر على تنفيذ القوانين والأنظمة ويُشرف على أعمال كل أجهزة الدولة ويقوم بتعيين موظفيها وصرفهم وقبول استقالتهم، بعد أن كانت كلّ هذه الصلاحيات مُناطة بموجب المادة /١٧/ القديمة برئيس الجمهورية.

 

وبذلك تكون التعديلات الدستورية قد نقلت السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مُجتمعاً، وأصبحت كل مُقرّرات رئيس الجمهورية، ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة تحمل، إلى جانب توقيعه، توقيع رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المُختصيّن (المادة /٥٤/ من الدستور).

 

وتدعيماً لمكانة مجلس الوزراء (رئيساً ووزراء)، وبعد أن أغفل الدستور القديم ذكر رئيس الوزراء إلّا في مادتين وحيدتين، هما المادة /٥٣/ التي أشارت إلى أنّ "رئيس الجمهورية يُعيّن الوزراء ويسمّي من بينهم رئيساً" والمادة /٦٦/ التي أعطت رئيس الحكومة صلاحية "عرض بيان الحكومة على المجلس"، أتى التعديل الدستوري ليُعزّز أيضاً من مقام رئيس مجلس الوزراء بحيث أنّه وبحسب المادة /٦٤/ من الدستور يرأس الحكومة ويُمثّلها ويَتكلّم بإسمها ويُعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يَضعها مجلس الوزراء.

 

   أما لناحية استقلاليّة مجلس الوزراء وكيانه الذّاتي فقد أكدّ عليها الدستور عندما أناطت المادة /٦٤/  منه برئيس مجلس الوزراء صلاحيّة ترؤس جلسات مجلس الوزراء وأعطته حقّ دعوة المجلس للإنعقاد ووضع جدول أعماله على أن يُطلع رئيس الجمهوريّة مُسبقاً على المواضيع التي يتضمّنُها وعلى المواضيع الطارئة التي ستُبحث. ولرئيس الجمهورية إذا رغِب أن يترأس الجلسة دون أن يُشارك في التصويت.

 

ومن البديهّي القول أنّ رئيس الجمهورية ووفقاً للتعديل الأخير لم يَعُد السلطة الصالحة لصناعة القرارات في السلطة التنفيذية لأنّه لم يَعد يترأس حُكماً جلسات مجلس الوزراء بل اختيارياً وعندما يترأسه لا يكون له حقّ التصويت فيه. ولكن في المُقابل أعطت المادة /٥٦/ من الدستور رئيس الجمهورية صلاحية مُراقبة قرارات مجلس الوزراء من خلال طلب "إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتّخذها المجلس خلال /١٥/ يوماً. وإذا أصرّ المجلس على القرار المُتخّذ وانقضت المهلة دون اصدار المرسوم أو إعادته يُعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره".

 

 

      من خلال هذا العرض، يظهر جليّاً أن التعديل الدستوري لعام ١٩٩٠ أعاد العمل بالأصول البرلمانية باعتبار أن مجلس الوزراء هو الهيئة التي تتولّى الدور الرئيسي في النظام البرلماني، بوصفها هيئة جَماعيّة تتحمّل مسؤوليّة الحكم تجاه البرلمان. وعليه، فإنّ جوهر التعديل يَكمن في نقل السلطة التنظيميّة إلى مجلس الوزراء التي تُعتبر الأداة الفعّالة لمُمارسة مهامه وفرض سلطته وفي تحويل مجلس الوزراء إلى سلطة إداريّة قائمة بذاتها، اي سلطة قرار، ولم يَعد مجلس الوزراء فيها هيئة استشاريّة أو هيئة سياسيّة يتمّ فيها التداول في الشؤون العامة فحسب.

    (زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المجلد الثاني، 2019، ص 890).

 

وانسجاماً مع التعديل الدستوري الذي كرّس مجلس الوزراء كسُلطة قرار قائمة بذاتها لها كيان مُستقّل تُناط به السلطة الإجرائيّة، ويُتّخذ قراراته إما بالتوافق أو بالتصويت، صدر المرسوم رقم ٢٥٥٢ تاريخ ١/٨/١٩٩٢ وتعديلاته الذي نظّم أعمال مجلس الوزراء ولحظت أحكامه إعداد جدول أعمال المجلس واجتماعاته ومُداولاته وصياغة مُقرّراته وإبلاغها ومُتابعة تنفيذها.

 

وخلافاً لما يظُنّه البعض فإنّ تعديل العام ١٩٩٠ وإن حدّ من صلاحيات رئيس الجمهورية غير أنّه منح رئاسة الجمهورية بُعداً وطنياً وجعل منها مؤسسة دستورية تعلو بقية مؤسسات الدولة. كما أخرج رئيس الجمهورية من خِضمّ اللعبة السياسية بين السلطتين الإجرائية والتشريعية ليجعل منه سلطة فوق كل السلطات تُمكنّه من مراقبة عملها والتدّخل عند الضرورة لفرض احترام الدستور.

 (وليد عبلا، دراسات في القانون الدستوري اللبناني، ص ١٧٢).

يبقى القول بأنّه ورغم الدور الفريد والوحيد المُعطى لرئيس الجمهورية بكونه يشكّل رمز وحدة الوطن الذي يسهر على احترام الدستور والمُحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، ورغم ما أنيط به من صلاحيات دستورية مُهمّة وفقاً لما جرى تفنيده أعلاه، يبقى أن دوره المُميّز ينبع من طبيعة الواقع السياسي في لبنان التي تجعل من رئيس الجمهوريّة أحد الأقطاب السياسيين والرئيسيين ولنا في عملية تأليف الحكومات منذ العام ١٩٩٠ خير دليل ومثال.

 

 

  • في دور رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة

 

من مُراجعة نصوص الدستور يتبدّى وجود نصيّن فقط يتعلّقان بدور رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، فالمادة/٥٣/ منه نصّت على أن يُصدر رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة بالإتّفاق مع رئيس مجلس الوزراء أمّا المادة/٦٤/ والمُتعلقة بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء فقد نصّت على أن يوّقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة.

 

ومن هنا فإن النصّ الدستوري الذي عهد إلى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تشكيل الحكومة بالاتفاق، ووفقاً للدور المُناط بكلّ منهما، أوجب عليهما، ومن حيث المبدأ التعاون في إنجاز هذه المهمّة، فدور رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة مُستمّد من المبادئ الدستوريّة، وأوّلهـــا الثقة التـــي منـــحته إيّـــاها الأكثريّة النيابيّة بناءً على الاستشارات النيابيّة المُلزمة التي أجراها رئيس الجمهوريّة، وثانيها مسؤوليّة الحكومة أمام مجلس النواب كون قيام الحكومة وبقائها يفرضان حيازة ثقة مجلس النواب واستمرار هذه الثقّة.

 

أما دور رئيس الجمهورية فهو دور المُؤازر والداعم والمُسهّل لمُهمّة رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة، وأهمّ من ذلك كلّه، أن لا يكون فريقاً في الصراع السياسي لأن الدستور أناط به أن يقوم بدور المرجع والحكم في هذا الصراع وأن يكون صمّام أمان للنظام.

(خالد قباني: آلية تشكيل الحكومة في الدستور والمُلابسات، جريدة النهار (٢٣/١/٢٠٢١)

 

 

        لا بل وأكثر، فإن مسؤولية رئيس الجمهوريّة تصبح كبيرة في اخراج البلد من أي مأزق تشهده بمعرض "تأليف الحكومة" لأنه الوحيد المُخوّل حماية الدستور.

( كميل حبيب وعصام إسماعيل: صلاحيات رئيس الجمهورية بين النص الدستوري والممارسة السياسية، الفصل السابع، ص.31)

      

 

وتدّق المسألة عندما يَحتدم النقاش (وهو بالواقع خلاف) بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول موضوع تشكيل الحكومة وتَبرز إلى الواجهة مسألة الصلاحيات، والنتيجة تكون إمّا تعطيل تشكيل الحكومة مع ما يَستتبع في بعض الأحيان من اعتذار رئيس الحكومة (المُكلّف) عن التشكيل، وإما القبول بالشروط والشروط المُضادة من خلال تَسويات مُقنّعة تتبدّد مفاعيلها عند أول استحقاق وتَنعكس بنهاية المطاف سلباً على عمل الحكومة وأدائها على النحو الذي يَشهده الواقع السياسي في لبنان.

 

قبل الاستفاضة في عرض هذه الإشكالية، وقبل البحث في الحلول المُستقاة من واقع نصوص الدستور لاسيما في ضوء الطبيعة القانونيّة للنظام الذي كرّسه التعديل الدستوري في العام ١٩٩٠ أي النظام البرلماني، يجب التنبّه دائماً إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي أنّ الموقع السامي لرئيس الجمهورية ورمزيّته (رمز وحدة الوطن) والمُهمة الجليلة التي اناطها به الدستور بالسّهر على احترامه والمُحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه يفرض على المؤسسات الدستورية كافة التشاور معه والعمل بتوجيهاته في كل وقت وفي المجالات شتّى وليس فقط خلال تشكيل الحكومة. فقد جعل الدستور منه سلطة عليا فوق كل السلطات، وهذا ما يمكنّه من القيام بدور الحاكم الناظم الذي يُراقب عن كثب عمل الوزارات فيُرشد ويُنبّه، وعند الضرورة يتدخّل لتصويب الأداء واضعاً دائماً نُصب عينيه مصلحة البلاد العُليا.

(وليد عبلا، دراسات في القانون الدستوري اللبناني، ص ١٧٢)

 

وبالعودة إلى المادتين/٥٣/ و/٦٤/ يتبيّن أنهما حدّدتا الإطار الدستوري لمُهمّة كلّ من الرئيسين ورسمتا دائرة تحرّكهما، فبعد أن كانت المادة /٥٣/ القديمة تُجيز لرئيس الجمهورية تعيين الوزراء، جاء التعديل ليفرض إصدار مرسوم تشكيل الحكومة بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء كونه المسؤول الأول عن سياستها، كما أعطت الفقرة الثانية من المادة /٦٤/ رئيس مجلس الوزراء الدور الأساسي في عملية التأليف بعد أن خصّته بمهمّة إجراء الإستشارات النيابيّة لاختيار الوزراء.

 

ومن البديهي القول أن تسمية الرئيس المُكلّف مِمّن تختاره الأكثرية النيابية لتشكيل الحكومة يَفترض إطلاق يده في تأليفها باعتباره المسؤول عن سياستها أمام البرلمان. ويأتي ذلك مُتجانساً ومُتوافقاً مع  قواعد النظام البرلماني التي تقضي بأن يكون رئيس الجمهورية حَكَماً وليس حاكما.ً فالنظم البرلمانية تعطي رئيس الحكومة صلاحية تسمية الوزراء وعلى رئيس الجمهورية واجب إصدار مرسوم التأليف. حتّى في فرنسا التي تَعتمد نظاماً شبه رئاسي، فإن رئيس الجمهورية مُلزم بتكليف زعيم الأكثرية البرلمانية تأليف الحكومة.

(زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المجلد الثاني، ٢٠١٩، ص ٧٢٨)

 

وعليه، وإنطلاقاً من نصّ المادتين المومأ اليهما وروحيّتهما، يستهِلّ رئيس الحكومة المُكلّف عملية التأليف بإجراء استشارات مُشابهة لتلك التي يُجريها رئيس الجمهورية مع النواب لتسمية رئيس الحكومة، ويتباحث مع الكتل النيابيّة المُختلفة، ويستأنس بوجهة نظرها حول الحكومة عدداً أو برنامجاً أو أولويات ويسعى إلى التوفيق في ما بين مُختلف هذه الآراء والمطالب، بما يضمن تشكيل حكومة مُتضامنة ومُتجانسة تحظى بثقة البرلمان.

وغالباً ما تأتي مصالح ومطالب الكتل النيابيّة مُتضاربة، ما يُعيق عملية التشكيل ويجعل ولادتها من أكثر المهام صعوبة، فيبرز هنا دور رئيس الجمهورية، من موقعه المُتميّز كمرجع في الشأن الوطني وكحكم في الصراع السياسي، في تقديم النّصح والتوجيهات الكفيلة بتذليل الصعوبات وتسهيل الوصول إلى الحلول التوافقية، ما يوفّر المُقوّمات اللازمة لنجاح تشكيل الحكومة وتحقيقها للمصلحة الوطنية.

 

وبنتيجة المُداولات يضع الرئيس المُكلّف، تصّوراً لتشكيل الحكومة ويتشاور بشأنه مع رئيس الجمهورية فيُطلعه على مطالب الكتل النيابية والصعوبات التي يُواجهها، ليوّقع بالإتفاق معه على مرسوم تشكيلها ويكون توقيع رئيس مجلس الوزراء هو النظير لمسؤولية رئيس الحكومة تجاه البرلمان.

(محمد طي: مصادر القانون الدستوري اللبناني، ص. ١٦٢)

 

وبذلك يكون التشاور بين كل من الرئيسين هو الشرط الأساسي في عملية التشكيل، أما الشراكة، فتكون في توقيع المراسيم. هذه هي الفسحة التي تُتيح لرئيس الجمهورية والرئيس المُكلّف التوافق على التشكيلة وتعديلها أو تغييرها، انطلاقاً ممّا يتقدم به صاحب الصلاحية الحصرية. هي مساحة لقاء بينهما وليست مساحة شراكة ومسؤولية دستورية مُشتركة على قدم المساواة في التأليف. هناك مَن يؤلف، ومَن يقتضي الحصول على موافقته كي تصدر مراسيم التأليف عنهما معاً.

(نقولا ناصيف، جريدة الأخبار، سلام: مركب ميقاتي خشن... ووحده يؤلف الحكومة، في ٢/٧/٢٠٢٢)

 

ولا يَرد على ما تقدّم بالقول إن توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم تشكيل الحكومة يوليه حكماً صلاحية المُشاركة في عملية التأليف واختيار الوزراء في مقابل هذا التوقيع، وذلك لمُخالفة هذا القول اولاً، للركائز الأساسية للنظام البرلماني الذي يجعل الرئيس حكماً وليس طرفاً على النحو المشروح أنفاً، ولمخالفته ثانياً، المنطق القانوني السليم الذي لا يقبل بأن تُعطى صلاحية المُّشاركة في اختيار أعضاء الحكومة لمن لا يتحمّل أي تبعة عن عمل الحكومة ووزرائها،

ولكونه ثالثاً، يُحدث لغطاً في المفاهيم القانونيّة المُتعارف عليها فأركان القرار الإداري مهما كان نوعه (مرسوم، قرار ...) هي: (أ) الصلاحية، أي صدور هذا القرار عن مرجع مُختّص بحسب النصوص المرعية الاجراء (ب) الأصول، أي استنفاد الاجراءات المفروضة قانوناً تحت طائلة البطلان كإستشارة مجلس شورى الدولة او مجلس الخدمة المدنية مثلاً.... (ج) الشكل، والمقصود هنا شكل القرار أي الشكليّات الواجب احترامها عند اصدار القرار المُتّخذ من قبل السلطة صاحبة الصلاحية وبعد احترام الأصول المفروضة أي بعد استيفاء الاجراءات المطلوبة.

ومن غير المنازع فيه، وبما لا يَحتمل أي جدل أو نقاش أنّ التوقيع لا يندرج ضمن خانة الصلاحيّة (الركن الأول) ولا ضمن خانة الأصول (الركن الثاني) بل يدخل في عداد شكل القرار (الركن الثالث).

V. Jacques PETIT et Pierre-Laurent FRIER – Droit Administratif 10eme edition.p.365

........" alors que les défauts de contreseings des actes du président de la République et du Premier ministre constituent eux, un vice de forme".

 

وعليه، فإنّ التوقيع وبحسب هذا التوصيف لا يولي بمُجرّد مُمارسته صلاحية حكميّة لمن يُشارك فيه. وإنّ الأخذ بخلاف هذه الوجهة يطرح إشكالية تجعل من التوقيع مُرادفاً للصلاحيّة على النحو الذي سار عليه بعض اجتهاد مجلس شورى الدولة، في حين أن هذا المنطق، وفضلاً عن مُخالفته للقواعد القانونيّة التي ترعى القرارات الإداريّة لاسيما في الشقّ المُتّصل بأركان تلك القرارات على النحو المَشروح آنفاً،  يطرح من الناحية الدستورية (وحتى السياسية) التساؤلات التالية:

منح العفو الخاص مثلاً يدخل حصراً ضمن صلاحية رئيس الجمهورية بشكل واضح لا يحتمل أي لبس أو تأويل ولكن هذا العفو يصدر بمرسوم (المادة /٥٣/ من الدستور) والمرسوم يحتاج بطبيعة الحال لتوقيع رئيس مجلس الوزراء (المادة /٥٤/ من الدستور) فهل هذا يعني أن رئيس مجلس الوزراء ولكونه يوقّع على المرسوم أصبح شريكاً مع رئيس الجمهورية في منح العفو الخاص؟؟؟!!!!

كذلك الحال بالنسبة لصلاحية رئيس الجمهورية في طلب إعادة النظر بالقوانين (المادة /٥٧/ من الدستور) فعندما يُمارس الرئيس هذه الصلاحية التي اناطها الدستور به حصراً، عليه أن يُطلع مجلس الوزراء (مجرّد إطلاع دون الموافقة) وطلب الإعادة يَتمّ بمرسوم يشترك بتوقيعه رئيس مجلس الوزراء كما نصّت على ذلك الفقرة الخامسة من المادة /٦٤/ من الدستور، فهل أصبح هذا الأخير بمُجرّد توقيعه على مرسوم الإعادة شريكاً لرئيس الجمهورية في مُمارسة هذه الصلاحيّة؟؟؟!!!

ونذكر أيضاً المادة /٥٤/ من الدستور التي نصّت بصراحة على أن مُقرّرات رئيس الجمهورية يَجب أن يَشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المُختّصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مُستقيلة، فهل هذا يعني أن رئيس الحكومة           ـــ وفي ما خلا هذه الحالات ـــ أصبح شريكاً لرئيس الجمهورية في كل ما قد يتّخذه من مُقرّرات حتى ولو كانت داخلة حصراً ضمن اختصاصه؟؟؟!!!!

والسؤال نفسه يُطرح أيضاً عند عرض مشروع المرسوم المُتّخذ في مجلس الوزراء على الوزير للتوقيع. فلو فرضنا أن الوزير خالف رأي الأكثرية في مجلس الوزراء، فهل إنّ عدم توقيعه على مشروع المرسوم إنسجاماً مع قناعاته يوليه صلاحية تجميد قرار اتّخذه مجلس الوزراء بحسب الأصول؟؟!!!

       خاصةً وأنّه من غير المنازع فيه بأنّه لا يمكن لوزير أن يُصادر قرار مجلس الوزراء بامتناعه عن التوقيع، فامتناع الوزير عن توقيع قرارات مجلس الوزراء يُشكّل مُخالفة صريحة لمبدأ التضامن الوزاري وهو أحد مبادىء النظام البرلماني.

(وسام اللحام، المُبسّط في الدستور اللبناني ص.92)

 

وفي الخلاصة، يُمكن القول أنّ التوقيع ليس أداةً حكميّة في المُشاركة في بناء أسس ومُندرجات القرار وفق التفسيرات المُتعددة من كافة المراجع الدستورية العالمية، باعتبار أنّ التوقيع الأساسي الحكمي هو الذي يكون وارداً في نص دستوري لا لبس فيه وله تبعات دستورية مُباشرة على الذي وقّعه عند اختلال أحد مُرتكزاته التي بُني عليها مثل سحب الثقة، وبالتالي وعندما يصدر هذا التوقيع عن جهة ليس مناطاً بها دستورياً تكوين أسس ومندرجات القرار، يكون له صفة الإبراء والتأكّد والمُصادقة على إنتظام القرار وفق المعايير الدستوريّة والقانونية والإداريّة كافة.

 

تزداد الأمور تعقيداً عندما يمتنع رئيس الجمهورية عن التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة بسبب التباين في الرأي مع رئيس الحكومة حول التركيبة الوزارية، كأن يعترض رئيس الجمهورية على إسناد حقائب مُعينة لأشخاص يقترحهم رئيس الحكومة، أو يربط موافقته على تشكيل الحكومة بحصّة محفوظة له فيها، وصولاً إلى فرضه تعيين الثلث "المُعطّل" أو ما اصطلح على تسميته تلطيفاً بالثلث "الضامن"، فيُطرح السؤال حول المسار الواجب إعتماده، خاصة أنّ الدستور لم ينصّ على آلية مُعيّنة لحسم الخلاف بينهما، كما أنّه لم  يلحظ أي حلّ لهذه المُعضلة التي تؤدي حتماً إلى شلل وأزمة حُكم.

 

 

وقد تعدّدت الحالات التي لجأ فيها الرئيس المُكلّف إلى الإعتذار تجنّباً لتفاقم الأزمة السياسية والدستورية التي قد تنشأ، تاركاً للمجلس النيابي مسألة الحسم، فإمّا تؤكّد الأكثريّة النيابية تسمية الرئيس المُكلّف نفسه ويكون رئيس الجمهورية مُلزماً بالموافقة على الصيغة التي يقدّمها، أو يتمّ تكليف رئيس جديد وفقاً لما تُسفر عنه الإستشارات النيابيّة المُلزمة.

(زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المجلد الثاني، ٢٠١٩، ص ٧٢٨).

 

علماً أن لا صلاحية لرئيس الجمهورية بإلزام رئيس الحكومة المُكلّف بالتأليف أو بالاعتذار. إذ بعد التكليف وتسمية رئيس الحكومة، لا سلطة ولا صلاحية لأيّة جهة بسحب التكليف أو وضع حدّ له، فاختيار رئيس الحكومة من قبل النواب، ليس تفويضاً يُمكن سحبه، وليس تعييناً يُمكن العودة عنه، بل هو تكليف بمهمّة تنتهي، إما بتشكيل الحكومة ونيلها الثقة، وإما باستقالته. من هنا أطلق البعض في إحدى مقالاته عبارة ديكتاتوريّة الرئيس المُكلّف، الذي لا يُمكن نزع التكليف منه إلا إذا شاء الإعتذار عن هذا الواجب.  

(عصام نعمة إسماعيل، من يُشكّل الحكومة دستورياً، جريدة الأخبار، الجمعة ٢٩/٦/٢٠١٨).

 

 

وفي هذا السياق من المُفيد التذكير بأنه بتاريخ ١٨/٥/٢٠٢١ سبق للسيد رئيس الجمهورية أن وجّه للبرلمان سؤالاً حول تأخّر الرئيس المُكّلف في تشكيل الحكومة، وتبيّن أنه بعد مناقشة السادة النواب لهذه الرسالة اتّخذ المجلس قراراً تضمّن ما حرفيته:

"استناداً إلى النصّ الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة /٥٣/ من الدستور، ولما لم يرد أي نص دستوري آخر حول مسار هذا التكليف واتّخاذ موقف منه، وبما أن فخامة رئيس الجمهورية قد قام باستشارات مُلزمة وفق ما ورد، وبعد اطلاعه رئيس المجلس النيابي أتت نتيجتها تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، وباعتبار أنّ أي موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلّب تعديلاً دستورياً ولسنا بصدده اليوم، ولأن مُقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح إلى فصل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة، وحرصاً على الإستقرار في مرحلة مُعقّدة وخطيرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات، يؤكد المجلس ضرورة المُضي قُدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المُكلّف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية".

 

ومن نافل البحث ما يتردد عما يُحكى، وبنية منعها من تصريف الأعمال، بأنه يمكن اصدار مرسوم بقبول استقالة الحكومة المستقيلة، ذلك أنه وبصرف النظر عن ان وجود نية كهذه ومن حيث المبدأ يعني وجود نية بتكريس الفراغ مع ما يترتب على ذلك من فوضى واستباحة لجميع مقومات الدولة ومرتكزاتها واخلال بانتظام آداء المؤسسات الدستورية الذي يشكل الركن الاساسي للانتظام العام، يبقى أن هذا الاجراء وإن كان يؤشر لوجود نية تخريبية، يجافي اولاً قواعد المنطق الدستوري السليم فكيف يمكن الحديث عن مرسوم يرمي الى قبول استقالة حكومة هي مستقيلة اصلاً بنص الدستور بسبب بداية ولاية مجلس النواب (المادة /69/ من الدستور).

اما من حيث النصوص الدستورية يتبدّى من مراجعة نص المادة /64/ من الدستور أنها كرست نظرية تصريف الأعمال من قبل الحكومة المستقيلة او التي تعتبر بحكم المستقيلة بشكل تلقائي وحكمي من خلال نص مكتوب واضح وصريح بعد أن كان في السابق (قبل تعديل الطائف) من الأعراف الدستورية بحيث كان لرئيس الجمهورية عندما يقبل استقالة الحكومة يكلفها بتصريف الاعمال.

وعليه، وبحسب التعديل الدستوري اضحى مرسوم قبول الاستقالة في الحالات التي حددتها المادة /69/ يرتدي الطابع الاعلاني وليس الانشائي مع ما يترتب على ذلك من نتائج اهمها ان تصريف الأعمال يُمسي من واجبات الحكومة المستقيلة او التي تعتبر بحكم المستقيلة دونما حاجة لقرار يصدر عن رئيس الجمهورية بهذا الخصوص، وأنه وبنتيجة هذه الاستقالة تصبح الحكومة، ومنذ تاريخ اعلان الاستقالة، في حالة تصريف أعمال حكماً دون أن يغيّر من هذا الواقع او يبدلّه سوى صدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة وعندها فقط تنتقل الى هذه الأخيرة مهمة تصريف الاعمال لحين نيلها الثقة.

(يراجع: قرار مجلس شورى الدولة رقم 522 تاريخ 5/5/1999) 

 

وفي هذا السياق، وبموجب قراره رقم 7/2014 تاريخ 28/11/2014، اعتبر المجلس الدستوري بأن انتظام آداء المؤسسات الدستورية هو أساس الانتظام العام في الدولة، ويقتضي قيام كل مؤسسة دستورية، ودون ابطاء، بالمهام المناطة بها، ضمن الصلاحيات المعطاة لها، وأن الفراغ في المؤسسات الدستورية يتعارض والغاية التي وجِدَ من أجلها الدستور، ويهدد النظام بالسقوط ويضع البلاد في المجهول.

لا وبل وأكثر فإن امتناع الحكومة المستقيلة او المعتبرة مستقيلة عن القيام بواجباتها الدستورية لجهة تصريف الأعمال، ومهما كانت حجتها او تحت أي ذريعة كانت، يشكّل اخلالاً بالواجبات المترتبة عليها ويعرّضها، رئيساً وأعضاء، للمساءلة الدستورية بتهمة الإخلال بالواجبات كا نصت على ذلك صراحةً المادة /70/ من الدستور.  

 

وفي سياق آخر، وبالعودة الى مسألة تشكيل الحكومة، يُلاحظ في هذا السياق ما نصت عليه المادة /٦٤/ من الدستور عندما حدّدت الصلاحيات التي يُمارسها رئيس مجلس الوزراء بحيث يُمارس الصلاحيات التالية: (١) يرأس مجلس الوزراء ويكون حُكماً نائباً لرئيس المجلس الأعلى للدفاع (٢) يُجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها ... (٣) يطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب (٤) يوقّع مع رئيس الجمهورية جميع المراسيم ما عدا مرسوم تسميته رئيساً للحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مُستقيلة (٥) يوقّع مرسوم الدعوة الى فتح دورة استثنائية ومراسيم اصدار القوانين وطلب إعادة النظر فيها (٦) يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد ويضع جدول اعماله ويطلع رئيس الجمهورية مُسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستُبحث (٧) يُتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة ويُنسّق بين الوزارات ويُعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل (٨) يعقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة بحضور الوزير المُختّص.

فمن التدقيق بنص المادة /٦٤/ المعروضة، يتبدّى أنها، وبصراحة ما بعدها صراحة، وبوضوح لا يحتمل أي لبس أو تأويل، لم تأتِ على ذكر رئيس مجلس الوزراء المُكلّف، بل تحدثت عن رئيس مجلس الوزراء وأولته صلاحية إجراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة والتوقيع مع رئيس الجمهورية  على مرسوم التشكيل، بمعنى أنّه وبمجرد تسمية رئيس الحكومة بناءً على استشارات نيابية مُلزمة، فإنّ هذا الأخير يُجري الاستشارات، ليس بصفته رئيساً مُكلفاً وإنما بصفته رئيساً للحكومة عملاً بوضوح وصراحة النص، وبالتالي وَجَبَ على رئيس الجمهورية، وفور الانتهاء من الاستشارات أن يُصدر مرسوم بتسمية الشخصية التي وقع عليها اختيار السيدات والسادة النواب رئيساً للحكومة لا أن ينتظر الانتهاء من عملية التشكيل فيُصدر حينها مرسوم استقالة الحكومة السابقة ومرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم تشكيل الحكومة على النحو الذي يحصل راهناً بشكل يُخالف نص المادة /٦٤/ موضوع البحث.

وليس أدلّ على ذلك ايضاً العطف الوارد في المادة /٦٤/ عندما أولت رئيس مجلس الوزراء (وليس رئيس مجلس الوزراء المُكلّف) صلاحية اجراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة والتوقيع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، فصلاحية التشكيل معطوفة على صلاحية التوقيع، وكما أنّه يوقّع المرسوم بصفته رئيساً للحكومة وليس رئيساً مُكلّفاً، فهو يُجري استشارات التشكيل بصفته أيضاً رئيساً للحكومة وليس رئيساً مُكلفاً.

الهدف من هذا النقاش لا يكمن في حذف لقب أو إضافة عبارة، بل في الحيثيّة والموقع الذي أراد الدستور للرئيس الذي وقع عليه الإختيار ليرئس الحكومة، أن يحتلّه في عملية تشكيل الحكومة ويتحمّل مسؤولية الحكومة التي اختار بأن تمثل أمام المجلس النيابي لنيل الثقة والتي على أساسها سوف تنطلق بممارسة السلطة الإجرائية التي اناطها بها الدستور.

وغنّي عن القول أنّ منح رئيس الجمهورية حصّة في الوزارة يجعله جزءاً من اللعبة السياسيّة ويُفقده إحدى أهم الصلاحيات التي منحه إياها الدستور بوصفه مرجعية موثوقة ومُنزّهة عن الصراعات السياسيّة وعلى مسافة واحدة من جميع الوزراء، له مُهمة "الموّفق الصالح الناصح، بين الأحزاب المُتنافسة"

(ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، الجزء الثاني، النظرية القانونية في الدولة وحكمها ص.٦٣٤)

 

وهنا نسأل الغيورين على الرئيس ودوره ماذا لو لم تنل الحكومة ومن ضمنها الوزراء الذين يُمثّلون حصّة الرئيس (رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والمرجعية الأم) ثقة المجلس النيابي، وماذا لو طرحت الثقة لاحقاً بهؤلاء الوزراء، ولمن ينتقدون عدم مُشاركة الرئيس (والمفروض على المؤسسات الدستورية كافة التشاور معه والعمل بتوجيهاته) في التصويت في مجلس الوزراء نسأل ايضاً ماذا لو خسر الرئيس بالتصويت أمام الأكثرية، وقبل كل ذلك وبعده كيف يتمّ ايلاء الصلاحية لمن هو غير مسؤول وهل من يُفسّر لنا لماذا وكيف أن المُشرّع وعن سابق تصوّر وتصميم أناط صراحةً السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء بعد أن كانت بيد رئيس الجمهورية قبل التعديل.

 

لا بل أكثر من ذلك، فقد ذهب البعض الى القول بأن خطاب قسم الرئيس (خطاب العهد) وهو الخطاب الذي يُلقيه رئيس الجمهورية فور انتخابه أمام مجلس النواب والذي يتضمّن عادةً الخطوط العريضة التي ينوي اتباعها وما يعتزم تنفيذه خلال مُدة ولايته، لا يجب أن يتضمّن ما من شأنه أن يُلزم الحكومة بسياسة مُعينة طالما أنّ السلطة الإجرائية مُناطة بهذه الأخيرة وحدها.

 

يبقى أنّ الحلّ الأمثل لتفادي الأزمة هو في الحرص على الدستور والمصلحة الوطنية العُليا الذي يفرض  ألّا يؤثّر الخلاف السياسي على الاداء الدستوري، ما يوجب على رئيس الجمهورية أن يلعب دور المُؤازر والداعم لمهمّة رئيس الحكومة وأن يُسهّل عملية تشكيل الحكومة، وما يُملي أيضاً على الطرفيــــن التعاون لإنجاز هذه المُهمّة الدستورية، وتبقى شرعيّة الحكومة وحقّها في مُمارسة صلاحياتها مرهونة ومُستمدّة من الثقة التي يوليها إياها مجلس النواب.

 

اما في حال بقي رئيس الجمهورية مُتمسّكاً بدوره في تشكيل الحكومة وتسمية الوزراء أو بعضهم ومُطالباً بحصّة في الحكومة في مُقابل توقيعه على مرسوم تشكيلها، يبقى لرئيس الحكومة الذي لا سلطة ولا صلاحية لأيّة جهة بسحب التكليف منه أو وضع حدّ له، إمكانية الرهان على الوقت ووضع الأكثرية النيابية التي اختارته في مواجهة رئيس الجمهورية ويمنع أقلّه العهد من تحقيق ما يصبو إليه فكلاهما غير مسؤول (حتى رئيس الحكومة قبل تشكيل الحكومة) وكلّ منهما يشكّل مرجعية والتّبعات يتحملّها بالنتيجة المواطن الذي قد يتبرأ، لا بل يكفر في نهاية المطاف بالدستور ونصوصه ومؤسساته.

 

 

ثانياً: في صلاحيات رئيس الجمهورية خلال فترة تصريف الأعمال

تأميناً لسير عجلة الدّولة ومنعاً لحدوث أي فراغ، وفي المرحلة الفاصلة بين استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة ولحين تشكيل حكومة جديدة، تبقى الحكومة مُولجة بتصريف الأعمال على النّحو الذي لَحظته المادة /٦٤/ من الدستور الذي نصّ البند الثاني منها على أن "لا تُمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مُستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال"، وقد جاء ذلك مُنسجماً مع مبادىء النظام البرلماني التي أعاد التعديل الدستوري العمل بها، والتي تربط مُمارسة الحكومة لسُلطتها بدوام مسؤوليّتها أمام البرلمان وتجعل من استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة خارج نطاق هذه الرقابة. كما جاء متوافقاً أيضاً مع وجوب تلافي اتّخاذ الحكومة لتدابير قد تُلزم الحكومة الجديدة وتقيّد من حريّتها في انتهاجها السياسة التي تراها أفضل.

 

يُراجع بهذا الخصوص:

ـــ مجلس شورى الدولة، قرار رقم 613، تاريخ 17/12/1969، فؤاد اسكندر راشد/ الدولة.

ـــ مجلس شورى الدولة، قرار رقم 575 تاريخ 31/5/2007، بلدية ادّه ـــ قضاء البترون/الدولة ــــ وزارة الداخلية والبلديات/بلدية البترون.

ــــ مجلس شورى الدولة، قرار رقم 700 تاريخ 15/5/1995، منصور حنّا هنود/الدولة.

ـ ـــ Delvolvé P. Observations sous C.E Ass. du 4/4/1952, Syndicat regional des quotidiens d’Algérie. Les grands arrêts de la jurisprudence administrative, Dalloz, 13e éd.2001, p.465 et s.

ومن المُلاحظ أنّ المادّة /٦٤/ المذكورة، لم تُحدّد النطاق الضيّق لتصريف الأعمال، ما حَتّم الاسترشاد بإجتهاد القضاء الإداري الذي استنبط المعايير الواجب اعتمادها للتفريق بين ما يدخل في تصريف الأعمال وما يخرج عنه.

 

وإنطلاقاً من التمييز المُحدّد اجتهاداً، جرت العادة، وفي كلّ مرّة تدخل فيها الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، أن يُصدر رئيس مجلس الوزراء تعميماً يبيّن فيه الأعمال الإداريّة العاديّة التي تنحصر مبدئياً بالأعمال اليوميّة التي يعود للسلطة الإداريّة المُختصّة إتمامها، ويتعلّق إجراؤها في الغالب على موافقة تلك السلطة، وتقوم الوحدات الإداريّة المُختصّة بتحضيرها، وهي أعمال لا يُمارس بشأنها الوزراء عادة سوى إشراف محدود. والأعمال التصرفيّة وهي التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرّف باعتمادات مهمّة أو إدخال تغيير جـــوهري على سيـــر المصــــالح العامة، وعلى أوضــــاع البـــلاد السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية. وهذه الأعمال تخرج بطبيعتها عن نطاق "الاعمال العاديّة" ولا يجوز لحكومة مُستقيلة القيام بها.

وفي هذا الإطار، تَبرز الإشكاليّة بالنسبة للمواضيع التي تتسّم بطابع العجلة الماسّة والضرورة والتي تستوجب قرارات فوريّة يؤدّي عدم إتّخاذها إلى فراغ كامل أو تعطيل لكلّ أعمال السلطة التنفيذيّة ووقف لإدارة مصالح الدولة العامة، وهي ليست أعمالاً إداريّة عاديّة ولا يُمكن اتّخاذها مبدئيًّا في فترة تصريف الأعمال.

وقبل الشروع بمُناقشة هذا الموضوع، نشير إلى أن جانب من الفقه قارب هذه المسألة من زاوية التئام مجلس الوزراء بحيث اعتبر بأنّه يَنبغي على مجلس الوزراء أن يجتمع بهيئة تصريف الأعمال وفقاً للمادة /٦٤/ من الدستور ليُقرّر توفّر أو عدم توفّر "حالة الضرورة" التي تسمح باتخاذ قرارات تتّسم بالتصرفية استناداً إلى حالة الضرورة بعيداً عن حدود تصريف الأعمال.

ولكن هذه المُقاربة ليست صحيحة ذلك أنّ انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، ليس هو الحلّ، فبين الرأي الأول القائل بأنّ في الدّعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء خرقاً للدستور وتالياً مُخالفة للنّهج الذي سارت عليه سابقاً مُعظم الحكومات المُعتبرة مُستقيلة (ما خلا حالات معدودة حصلت سابقاً كإنعقاد جلسة في 4/10/1969 اتُّخذ خلالها مرسوم باحالة مشروع الموازنة العامة إلى مجلس النواب، وحكومة الرئيس سليم الحصّ المُستقيلة في العام 1979 لإقرار مجموعة من مشاريع القوانين المُستعجلة، وفي العام 2013 أقرّت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المُستقيلة تشكيل الهيئة العامة للإشراف على الإنتخابات والرأي الثاني غير المُلزم لهيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، الذي يُفيد بإمكانية انعقاد مجلس الوزراء حتى ولو كانت الحكومة مُستقيلة وفي فترة تصريف الأعمال، تبقى العبرة ليس في التئام مجلس الوزراء، بل في طبيعة القرار أو التدبير الواجب اتّخاذه والذي يفرضه مبدأ استمراريّة الدولة، بحيث يبقى التدبير المُتّخذ، وفي كل الأحوال، عملاً تصرفيّاً خارجاً من حيث المبدأ عن حدود تصريف الأعمال.

ـــ هيئة التشريع والإستشارات: الإستشارة رقم 87/2021 تاريخ 17/2/2021

ـــ زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المجلد الثاني، ٢٠٠٦، ص 853.

 

وفي هذا السياق، وبمعرض تفسيرها لنص المادة /٦٤/ من الدستور، اعتبرت الغرفة الإدارية في مجلس شورى الدولة في رأيها الاستشاري رقم ٣١٨/٢٠٢١-٢٠٢٢ تاريخ ٦/٧/٢٠٢٢، أنّه باستطاعة مجلس الوزراء الإنعقاد ضمن حدود تصريف الأعمال، مُعلّلة بأنّ البند الثاني من المادة المذكورة نصّ على أن لا تُمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها بحكم المُستقيلة الا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال فتكون هذه المادة قد حدّدت طبيعة الأعمال التي يبقى من صلاحية مجلس الوزراء مُمارستها عند اعتبار الحكومة مُستقيلة ولا علاقة لها بتحديد كيفيّة مُمارستها لهذه الأعمال، وبالتالي فإن تطلّبت هذه الأعمال عقد جلسة لمجلس الوزراء يكون من واجب هذا الأخير الإنعقاد لبتّ الموضوع المُرتبط بتصريف الأعمال....

           

ويُلاحظ أنه وبالعودة إلى الفقرة الأخيرة من المادة /٦٤/ من الدستور نجد أنها وبوضوحٍ تامٍ وبقصدٍ مُباشر، فرضت على الحكومة أن تتولّى تصريف الأعمال، والمَقصود بالحكومة مجلس الوزراء كهيئة جماعية لا مجموع أعضائه كلّ بمفرده، ومع النص الصريح على أنّ من يتولّى تصريف الأعمال هو «الحكومة» لا مجال لتطبيق الاجتهاد السابق، الفرنسي أو اللبناني، خاصة أنّه، ومن مراجعة محاضر جلسة تعديل الدستور، نجد أنّ النقاش كان بين النواب لا في اجتماع الحكومة الذي كان برأيهم بديهياً بل في صلاحية حكومة تصريف الأعمال بحلّ مجلس النواب.

     (أحمد زين محاضر مناقشات الدستور وتعديلاته طبعة ١٩٩٣ ص ٣٧٠)


وما يُعزّز هذا التفسير أيضاً أن الدستور ميّز بين الحكومة كهيئة جماعية وبين مجموع أعضائها، فإذا كان المُخاطب مجموع الوزراء نَجد أن النص يُخاطب الوزراء كمثل المادة /٦٦/ التي تنصّ على أن "يتحمّل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة". ففي هذه المادة تمييز واضح بين الوزراء إجمالياً أو إفرادياً وبين الحكومة كهيئة جماعية. وكذلك المادة /٦٧/ مثلاً إذ تنص على أنّه "للوزراء أن يحضروا إلى المجلس إن شاؤوا وأن يُسمَعوا عندما يطلبون الكلام". وفي هذا النص فإنّ إلزامية حضور جلسات مجلس النواب إنما هي للوزراء إجمالياً أو فردياً ولا إلزام على الحكومة كهيئة دستورية بحضور جلسات مجلس النواب.

 

وفي المُقابل فعندما يستخدم الدستور كلمة "حكومة" فالمُراد بهذا المُصطلح الهيئة الجماعية المُحدد أصول اجتماعها واتّخاذ قراراتها في المادة /٦٥/ منه. ولو شاء المُشترع أن يتولّى الوزراء تصريف الأعمال لاستخدم المُصطلح الآتي: "ولا يُمارس الوزراء صلاحياتهم" لكن حيث إن الدستور استخدم مصطلح "الحكومة" وقرنه بتصريف الأعمال، فإنّ من الخطأ حصر تصريف الأعمال بالوزراء بصورة إفرادية لتسيير شؤون وزارتهم.

(عصام نعمة اسماعيل الحكومة ملزمة بالانعقاد في فترة تصريف الأعمال، جريدة السفير تاريخ ٢٠/١٢/٢٠١٦)

 

إلا أنّه وفي سبيل تخطّي هذه الإشكالية، درجت العادة بأن يتمّ اللجوء إلى آلية أستقرّ التعامل بها من قبل حكومات تصريف الأعمال، وجرى اتّباعها في كلّ الملفات ذات الطابع المُستعجل والضروري والتي تستدعي العرض على مجلس الوزراء ويُستعاض فيها عن موافقة مجلس الوزراء، بموافقة استثنائية تصدر عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء يُصار بعدها إلى عرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية عندما تتشكّل الحكومة.  

    ولنا على اعتماد هذه الآليّة المُلاحظات التالية:

 

 أولاً: إنّها تفتقر إلى السند القانوني والدستوري الذي يسمح لكلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بالحلول محلّ مجلس الوزراء إذ أنّ هذه الآلية تُجيز اختصار السلطة الإجرائية بشخص كلّ منهما ما يُشكّل مخالفة واضحة لنصوص الدستور.

 

ثانياً: إنها تمسّ بإحدى ركائز النظام البرلماني اللبناني الأساسية ألا وهي الثنائية في السلطة التنفيذية، المُتمثلة برئيس جمهورية غير مسؤول، وحكومة مسؤولة امام البرلمان. فكيف يوّلى رئيس الجمهورية غير المسؤول، وهو ليس شريكاً في اتّخاذ القرارات ولا مُشاركاً في التصويت، صلاحية اختزال مجلس الوزراء مُجتمعاً برمّته. فهل يُعقل لمن لا يشترك في التصويت أن يختصر مع رئيس الحكومة المجلس برمته.

 

ثالثاً: إنّها تتجاهل الأكثريّة المفروضة لإتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء، إذ فرض الدستور بشكل واضح أكثرية مُعيّنة لإتخاذ بعض القرارات في المواضيع الأساسيّة كتلك التي حدّدتها الفقرة الخامسة من المادة /٦٥/ منه على سبيل الحصر والتي تحتاج إلى موافقة ثُلثي الأعضاء ومنها إعلان حالة الطوارئ، التعبئة العامة، تعيين موظفي الفئة الأولى أو ما يُعادلها، قانون الانتخابات… وبالتجربة يُلاحظ صدور الكثير من المراسيم بالإستناد إلى موافقات استثنائيّة وهي تتعلّق بمواضيع أساسيّة.

(المرسوم رقم 7633 تاريخ 13/4/2021 بتعديل المرسوم رقم 6570 تاريخ 30/7/2020 – تشكيل الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيين قسراً والمرسوم رقم 7582 تاريخ 16/3/2021 بإبرام الملحق التعديلي رقم 2 لمذكرة التفاهم المُبرمة بين الجمهورية اللبنانية وحكومة الولايات المُتحدة الأميركية لتنفيذ مشروع تحسين خدمات التعليم الأساسي - QITABI، إضافة إلى مراسيم إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة، ومرسوم إحالة مشروع القانون المتعلّق بشبكة الأمان الإجتماعي إلى مجلس النواب، وتعيين السيّد باسم عبد الرزاق القيسي رئيساً ومديراً عاماً وعضو للجنة المؤقتة لادارة واستثمار مرفأ بيروت لمدة ثلاثة اشهر إضافيّة)

 

رابعاً: إنها تُخالف مبدأ عدم رجعية القرارات الإداريّة، أي عدم جواز أن يرجع تطبيق القرارات الإداريّة أو التنظيميّة إلى ما قبل تاريخ صدورها. باعتبار أنّ الموافقة الإستثنائية تُعرض لاحقاً على مجلس الوزراء الذي يصدر قراره بشأنها على سبيل التسوية.  فالأصل في أن تسري آثار القرارات الإداريّة على المُستقبل وهي عديمة الأثر والمفعول للماضي.

 

 

René Chapus – Droit administratif géneral – tome.1  9ème, édition P.1016

“En vertu de ce principe, les autorités administratives ne peuvent légalement fixer l’entrée en vigueur de leurs decisions, réglementaires ou non, à une date antérieure à celle, selon les cas, de leur publication ou affichage, ou de leur signature ou notification, ou de leur transmission à l’autorité de tutelle. Elles ne peuvent décider que pour l’avenir.

 

Pierre-Laurent Frier et Jacques Petit - Droit administratif  10eme édition P.370. N.593.

La non rétroactivité des actes administratifs constitue un principe géneral du droit, s’imposant à l’administration….

La puissance publique ne doit décider que pour l’avenir, ce qui constitue une garantie fondamentale de sécurité pour les usagers.l’acte ne dispose pas pour le passé.”

 

إلا أنّه ورغم تلك المُلاحظات على أهميّـها، يبقى القول بأن البتّ بالأمور التي تتسّم بطابع العجلة الماسّة والضرورة خلال فترة تصريف الأعمال، ترى ما يُبرّرها في نظريّة الظروف الاستثنائيّةLa théorie des circonstances exceptionnelles ، التي أطلقها مجلس شورى الدولة الفرنسي والتي تُجيز الخروج عن القواعد المُتّبعة في الظروف العاديّة، بحيث تُعتبر بموجبها بعض التدابير الإداريّة الخارقة للقواعد القانونية العادية وغير الشرعية في الظروف العادية، شرعيةً في بعض الظروف، باعتبارها ضروريّة لتأمين النظام العام وحسن سير المرافق العامة.

 

l'arrêt du 28 juin 1918 –Heyriès/Grands arrêts de la jurisprudence administrative, GAJA, no 31, p.188. 

René Chapus – Droit administratif general – tome.1 - 9ème édition - P.960

“(La théorie des circonstances exceptionnelles) est telle qu’elle assure l’extension des pouvoirs des autorités administratives autant qu’il le faut pour qu’elles puissent prendre les mesures imposées par le caractère exceptionnel des circonstances….

Tout cela, bien entendu et comme à l’ordinaire, “sous le contrôle du juge” qui, adéquatement saisi, se prononcera sur la justification des mesures prises au regard des circonstances exceptionnelles.

 

 

وضمن هذا التوجّه أجاز الاجتهاد للإدارة أن لا تتقيّد بالأصول أو المراسم الجوهرية عند استحالة إمكانية تطبيقها أو عند وجود استحالة مادية أم قانونية لاتمام الإجراء المُعين أي لأخذ الرأي أم الموافقة معزواً إلى الهيئة الاستشارية ذاتها التي ترفض الاجتماع لإعطاء الرأي أم الموافقة المطلوبة.

(يراجع:  - مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٧٧٨ تاريخ ٨/٩/١٩٩٤ فريد جبور/ الدولة والجامعة اللبنانية،

- مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٥٤٩ تاريخ ١٣/٧/١٩٩٤ الدكتور جوزف بطرس/ الدولة والجامعة اللبنانية،

- مجلس شورى الدولة، قرار رقم ١١٢٩/٢٠١٧-٢٠١٨ تاريخ ١٩/٧/٢٠١٨ المقدم سيمون مخايل/الدولة)

 

ونُسارع في هذا المجال إلى القول إن هذه النظريّة من شأنها أن تؤمّن توسيع صلاحيات السلطات الإدارية فقط بالقدر الذي يتطلّبه اتّخاذ قرارات يفرضُها الطابع الإستثنائي للظروف، وكلّ ذلك، طبعاً، تحت رقابة القاضي الذي ينظر بمدى مُلاءمة التدابير المُتخذة مع الظروف الاستثنائيّة.

     

مع التوضيح في هذا السياق بأن الحلّ الاستثنائي لا يكون بما يُسمّى بـ "الموافقة الاستثنائية" (وهو ابتكار غريب عن العلم الدستوري والقانوني وعن اجتهاد المحاكم) بل من خلال صدور القرار المطلوب عن "سلطة بديلة"، فالقرارات التي تستوجب اتّخاذ قرار بشأنها من قبل مجلس الوزراء، وبسبب الظروف الاستثنائية، تصدر ليس عن هذا المجلس بل عن سلطة بديلة مؤلفة من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المُختّص.

 

وبالرغم من ذلك، فأن المُضّي بهذه الآلية "الاستثنائية" (وليس الموافقة الاستثنائية) يبقى مرهوناً بتوافر الشروط الآتية:

  1. أن تكون لظروف الزمان والمكان صفة استثنائية حقيقية وظاهرة، فإذا زالت هذه الظروف لا يبقى من موجب لبقاء الصلاحيات الإستثنائية.
  2. يجب أن تكون السلطة الصالحة أصلاً، أمام استحالة ماديّة وقانونيّة للتّدخل، أي أن تكون قد أصبحت عاجزة عن تأمين الصالح العام بالوسائل والأدوات القانونية العادية.
  3. يجب أن تكون التدابير المُتّخذة مُتناسبة كلياً مع حجم الهدف المطلوب تحقيقه.
  4. يجب أن يكون الهدف المذكور مهمّاً لدرجة أنّه إذا لم يتحقّق تكون أحدى المهام الأساسية التي تضطلّع بها السلطات العامة بحكم المعطلة.

 

P.961

  “Mais ce que la théorie des circonstances exceptionnelles a de vraiment remarquable, et de spécifique, tient au fait les trois possibilités suivantes:

  1. D’une part, elle permet que l’autorité administrative empiète sur la compétence même du législateur et, par exemple, que le gouvernement décide par décret la suspension de l’application d’une loi.
  2. D’autre part, elle permet aux autorités administratives de porter atteinte aux libertés dans des conditions qui, en l’absence de circonstances exceptionnelles, seraient gravement illégales.
  3. Enfin, elle ouvre aux administrés la possibilité de se substituer aux autorités défaillantes et de prendre des mesures que seules normalement elles auraient pu édicter.

 

وعليه، فإنّه وبموجب النظريّة المعروضة، وفي حال تحقّق شروط الظروف الاستثنائية أجاز الإجتهاد الإداري لسلطة أخرى أن تحلّ محل السلطة الأصليّة المُختصة أساساً بإصدار مرسوم عادي بدلاً من المرسوم الذي يجب أن يصدر عن مجلس الوزراء.

 

 

R.Odent, Contentieux administrative, T1, op cit., P293 sect. 5-Les circonstances Exeptionnelles

La théorie des circonstances exceptionnelles est, à un double point de vue, intéressante à étudier. Elle l’est tout d’abord au point de vue de la philosophie du droit public: elle est tout entière fondée sur la prédominance de la notion d’intérêt général, de la sauvegarde de l’Etat qui l’emporte sur toute autre consideration. Lorsque la vie du pays est menacée, les exigences du moment prévalent sur les scrupules juridiques de légalité. La finalité des institutions l’emporte alors sur le formalisme; le légitimité l’emporte sur la légalité et l’esprit des institutions sur la lettre des textes

وبالتالي فإنّه، ودائماً بحسب هذه النظريّة، لا يُشكّل عيباً في الأصول إذا كان احترام قاعدة الإجراءات مُستحيلاً تحقيقه، وهو ما يُعرف بقاعدة الشكليّات المُستحيلة، كأن يرفض أعضاء الهيئة المطلوب منها اتّخاذ القرار الإجتماع لاتّخاذه، بحيث يحقّ عندها لرئيس الهيئة الحلول مكانها واتّخاذها القرار بدلاً عنه.

René Chapus – Droit administratif general – tome.1 - 15ème édition - P.1030.

2- il n’y a pas, d’autre part, vice de procédure, si le respect de la règle de procédure a été, en l’espèce, impossible: cas, par ex,où les membres d’un organisme consultative ont délibérement (explicitement ou en s’abstenant de siéger) refusé de se prononcer sur la question ou le projet qui leur était soumis.

 

وترتيباً على ما تقدّم، وفي حال توافر الشروط التي تسمح بصدور القرار عن سلطة بديلة، وتماشياً وانسجاماً مع ما أقرّه الإجتهاد والفقه من ضوابط وشروط على النحو المعروض لاسيما لناحية حلول رئيس الهيئة مكان الهيئة المطلوب منها اتّخاذ القرار في الأحوال العادية واتّخاذ القرار بدلاً عنها، وَجَبَ التمييز بين وضعيّتين:

 

  1. مشاريع القرارات التي يحتاج اصدارها لمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء، وانطلاقاً من كون تلك المراسيم تحتاج بطبيعة الحال إلى توقيع الوزير المُختّص ورئيس الجمهورية، فهي تودع رئاسة مجلس الوزراء للاستحصال بشأنها على الموافقة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير المُختّص بهدف إصدار المرسوم المطلوب قانوناً مذيّلاً بتوقيعهم.

 

  1. مشاريع القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء من دون أن تكون بحاجة إلى إصدارها بموجب مرسوم، ففي هذه الحالة، تُعطى الموافقة من رئيس مجلس الوزراء بناءً على طلب الوزير المعني، وتُعرض على رئيس الجمهورية فقط للإطلاع كما يفرضه الدستور (الفقرة السادسة من المادة /٦٥/) وتُصبح نافذة بعد مرور (١٥) يوماً تمكيناً لرئيس الجمهورية من مُمارسة صلاحياته بطلب إعادة النظر بها (المادة /٥٦/ من الدستور). أما عن إصدارها وتبليغها فيتم، ليس من خلال إصدار مرسوم لأنها لا تحتاج أصلاً لمرسوم لكي تصبح نافذة على النحو المشروح أنفاً، بل من خلال مصلحة تُدعى "مصلحة متابعة تنفيذ القرارات" وهي مصلحة اناط بها القانون ابلاغ ومتابعة تنفيذ مُقرّرات مجلس الوزراء وتتبع للمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء.

 

 

ثالثاً: في انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية عند خلّو سُدة الرئاسة

قد يحدث، عند إنتهاء مُدّة ولاية الرئيس، أن يفشل مجلس النواب في التوصّل إلى اختيار رئيس جديد للجمهورية، إما لأسباب تمنّع هذا المجلس من الالتئام كتلك المُتعلقة بالأمن أو بالنصاب، أو لعدم تمكّن المُرشّح من نيل الأكثريّة المطلوبة دستورياً في جلسة الانتخاب، فيُطرح السؤال لمعرفة الجهة التي تنتقل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية، كما ومعرفة الطبيعة القانونيّة للقرارات التي تُصدرها السلطة التي اُنيط بها وكالةً صلاحيات الرئيس، ويزداد الموضوع دقةً عندما نكون أمام حكومة مُستقيلة. وعليه، سوف نبحث في المواضيع التالية:

 أ ـــ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ حكومة فاعلة ومُكتملة الصلاحيات

ب ـــ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ حكومة مُستقيلة ومُكلفة تصريف الأعمال

ج ــــ الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة وكالةً عن رئيس الجمهورية وآلية صدورها وتنفيذها

 

 

أ ـ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ حكومة فاعلة ومُكتملة الصلاحيات

انسجاماً مع مبدأ الحفاظ على النظام القانوني واستمرار عمل المؤسسات العامة، عالج الدستور مسألة شغور سدّة الرئاسة، فنصّت المادة /٦٢/ منه قبل تعديلها على أن السلطة الإجرائيّة تُناط وكالةً بمجلس الوزراء في حال خلّو منصب الرئاسة لأيّة علّة كانت. وهذا ما كان مُطبّقاً في القانون الدستوري الفرنسي للجمهورية الثالثة الصادر في ٢٥ شباط من العام ١٨٧٥، ليأتي التعديل في العام ١٩٩٠ ويستبدل عبارة "السلطة الإجرائية" بعبارة "صلاحيات رئيس الجمهورية" ويُنيط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء.

 

 

ومع الإشارة الى أنّ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ليس من الأسباب التي تُعتبر فيها الحكومة مُستقيلة، إذ أن الدستور في المادة /٦٩/ منّه نص على اعتبار الحكومة مُستقيلة عند بدء ولاية الرئيس، وليس عند انتهاء هذه الولاية، وبالتالي تبقى الحكومة تُمارس دورها وبكامل صلاحياتها. هذا وقد استقرّ كلّ من الفقه والاجتهادين اللبناني والفرنسي على اعتبار إنّ صلاحيات رئيس الجمهوريّة، واستناداً للمادة /٦٢/ من الدستـــور تُمـــارَس من قِبل مجلس الوزراء كهيئـــة جماعيّة، وباســــتطاعة المجلـــس المُناطـــة به صلاحيات

رئيس الجمهورية مؤقتاً أن يُمارس دون أي قيد كل الصلاحيات التي يُمارسها دستورياً رئيس الجمهورية.

ولا مُبرّر على الإطلاق للتمييز بين الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية (كالعفو الخاص وقبول أوراق اعتماد السفراء...) وبين غيرها من الصلاحيات على اختلافها وتنوّعها (اصدار القوانين والمراسيم...) والقول إن مجلس الوزراء يُمكنه فقط مُمارسة هذه الأخيرة، ذلك أنّه لا تمييز حيث لم يُميّز المُشترع، والنصّ جاء واضحاً لا يحتمل التأويل ولا يكتنفه أي غموض، فضلاً عن أنّه لوحدة العلّة التي أملت انتقال الصلاحيّة الى مجلس الوزراء لمُمارستها بالوكالة عن رئيس الجمهورية وهي تأمين المصلحة العامة واستمراريّة سير المرافق العامة، لا مجال للتفريق في الصلاحيات ووضع تصنيفات لم يأت ِ المّشرّع على ذكرها.

 

يُراجع في هذا الخصوص:

Léon Duguit: Traité du Droit Constitutionnel

2 eme Edit 1924   Tome 4  p: 566

Le Conseil des Ministres, étant momentanément investi du pouvoir executif, peut exercer toutes les attributions qui, en temps normal appartiennent au Président de la République, et cela sans aucune restriction.

ونظراً لكون مجلس الوزراء مكلفاً بصورة مؤقتة بالسلطة التنفيذية، فإن بإمكانه مُمارسة كل الصلاحيات التي تعود في الأوقات العادية إلى رئيس الجمهورية وذلك دون أيّ قيد.

 

 

وأيضاً:

 

Esmain et Nézard: Elements de droit constitutionnel Francais et Comparé Tome II-8eme Edit-1928 p:53-54:

“…… D’après les hypothèses expréssément prévues, il ne paraît pas que le Conseil des Ministres soit appelé qu’à un court interim…..On a ainsi momentanément un pouvoir exécutive collégial”.

وفقًا للافتراضات المنصوص عليها صراحةً لا يبدو أنّ دعوة مجلس الوزراء هي لفترة قصيرة فقط... فنحن، مؤقتاً أمام سلطة تنفيذية جماعية.

وكذلك:

Béchara Ménassa- Dictionnaire de la constitution Libanaise – 2010 p.321:                           

“On a voulu par ce texte (art 62) préciser que tous les pouvoirs du president de la République en cas de vacance sont déférés au Conseil des ministres”

إن المُراد من هذا النص (المادة ٦٢) هو التأكيد على أنّ كل صلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل إلى مجلس الوزراء في حالة الشغور.

 

وايضاً:

 

P.323:"

“Ni le texte ancien ni le texte de 1990 ne souffre d’autres interprétations que celles exprimées par E.Rabbat en 1987 declarant que…..si dans le mois de Septembre il advient que le Parlement ne puisse pour des raisons insurmontables, se réunir, ou si la majorité des membres de la Chambre refuse de remplir son devoir constitutionnel……le Conseil des Ministres exercera en tant qu’institution tout le pouvoir exécutif.

لا يحتمل أي من النصين القديم أو نص 1990 أي تفسيرات غير تلك التي عبّر عنها ربّاط عام 1987 معلنًا أنهإذا لم يستطع البرلمان أن يجتمع في شهر أيلول لأسبابٍ قاهرة، أو إذا رفضت غالبية أعضاء المجلس أداء واجبها الدستوري ....... فإن مجلس الوزراء سيُمارس، كمؤسسة، كل السلطات التنفيذية.

 

Le texte original de l’article /62/ de 1926 n’a été modifié qu’en 1990 et l’amendement est si ténu en apparance qu’il passe inaperçu...il n’y a donc plus d’ambiguité au sujet du transfert du pouvoir, sans compter que le pouvoir exécutif est dejà transféré au Conseil des Ministres par les articles constitutionnels 17 et 18 précités.”

لم يتمّ تعديل النص الأصلي للمادة / ٦٢ / لعام ١٩٢٦ حتى عام ١٩٩٠ وكان التعديل بسيطاً شكلياً لدرجة أنه ليس يبرز محتواه لذلك لم يعد هناك أي غموض حول نقل السلطة، ناهيك عن نقل السلطة التنفيذية بالفعل إلى مجلس الوزراء بموجب المادتين الدستوريتين السابقتين ١٧ و ١٨.

 

وأيضاً:

Esmain et Nezard: “Le Conseil des Ministres tant momentanément, investi de pouvoir executive, peut exercer toute les attributions qui, en temps normal appartiennent au président de la Republique et cela sans aucune restriction”

 

ومن المُفيد ذكره في هذا السياق، أنّه بتاريخ ٣١/١٠/١٩٨٩، وبناءً لطلب الرئيس حسين الحسيني أبدى عميد كليّة الحقوق والعلوم الاقتصاديّة في باريس الأستاذ جورج فيديل رأيه حول تطبيق المادة /٦٢/ من الدستور مع إنتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذّر انتخاب خلف له، فاعتبر أنّ تكليف مجلس الوزراء بصلاحيات تنفيذيّة بالوكالة ليس من شأنه أن يقيّد صلاحياته. ولذلك، فمن المُسلم به، على الأقل بالنسبة للمحاكم الإدارية الفرنسية، أن تتولى السلطة الوكيلة الصلاحيات المُناطة بالسلطة الأصيلة المكلّفة بها وقد إعتبر القضاء الإداري في فرنسا بأن مهام الوكيل لا تقتصر على تصريف الأعمال، وإنما تناط به أيضاً السلطة التقريرية في سائر الأعمال.

 

Georges Vedel: Avis du doyen honoraire de la Faculté de Droit et des Sciences économiques, consulté par M.Hussein Husseini, Deputé libanais.   

      Au soutien de cette opinion, l’on ferait en outre valoir que le fait que le Conseil des ministres ne dispose que de l’intérim de pouvoir executif, n’est pas de nature à restreindre ses pouvoirs. Il est admis en effet, au moins par la juridiction administrative française, que l’autorité intérimaire dispose des mêmes pouvoirs que l’autorité dont elle assure l’intérim.

 

     Il est exact qu’en droit francais, la juridiction administrative a considéré que l’intérimaire n’était pas seulement chargé d’expédier les affaires courantes dans l’attente de la fin de la vacance, mais avait un pouvoir de décision sur d’autres affaires.

 

 

 

 ب ـ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ حكومة مُستقيلة ومُكلّفة تصريف الأعمال

بحسب المادة /٦٤/ من الدستور يُمنع على الحكومة أن تُمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مُستقيلة الا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال ما يطرح السؤال حول مدى صلاحية الحكومة التي تتولى تصريف الأعمال في  مُمارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة في حال خلو سدّة الرئاسة.

يتعيّن في هذه الحالة القول إنّه وعملا بمبدأ استمراريّة المرفق العام وتحاشيًا للوقوع في الفراغ الدستوري أو في فراغ الحُكم، وحرصاً على سلامة الدولة وسلامة المؤسسات والإدارات العامة يحقّ للحكومة المُستقيلة أن تتولّى صلاحيات الرئاسة الاولى وكالةً إلى أن يتمكّن المجلس من اختيار رئيس جديد.

(محمد المجذوب: القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان، ٢٠١٨ ص. ٤٦٩ )

 

وقد اعتبر الفقه أن التردّد في تطبيق المادة /٦٢/ من الدستور بحجة أن الحكومة هي مُستقيلة، لا يبدو بأنه مُتوافق مع المفهوم الخاص بــ"تصريف الأعمال" (Expédition des affaires courantes)، "باعتبار أنّه يقتضي على هذه الحكومة أن تُبادر، وجوباً، إلى إتّخاذ كل الإجراءات التي تتطلّبها الحالة القائمة، مهما كان لهذه الإجراءات من ذيول ونتائج، وذلك بشرط واحد، وهو أن تكون مُضطرّة، حفظاً للمصلحة العامة، أن تُقدم على هذا العمل الذي لا بدّ من إجرائه، وهي القاعدة السياسية المعروفة لدى الرومان، بقولهم: salus populi suprema lex esto، أي أنّه يقتضي أن تكون سلامة الشعب القانون الأسمى".

)بشارة منسّى ــ الدستور اللبناني، أحكامه وتفسيرها الدراسات والوثائق المتعلقة به ص.٢١٤  من ضمن الكتاب الموّجه إلى رئيس مجلس النواب بتاريخ ١٤/١٢/١٩٨٧ جواباً على سؤال حول عدم إنعقاد جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المُقرر دستورياً).

 

وفي هذا السياق، يميّز بعض أهل الفقه بين حالتين: الحالة الأولى، وهي الحالة التي تكون فيها الحكومة قد تقدّمت باستقالتها إلّا أن مرسوم قبول الاستقالة لم يصدر بعد، خاصة وإنّه قد درجت العادة في لبنان أن تصدر مراسيم قبول الاستقالة والتكليف والتأليف دفعة واحدة، ففي هذه الحالة تُمارس الحكومة المُستقيلة بالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية إنمّا ضمن نطاق تصريف الأعمال والحالة الثانية، وهي الحالة التي تكون فيها الحكومة قد تشكّلت وصدرت مراسيمها ولكنّها لم تنل ثقة البرلمان بعد، ففي هذه الحالة أيضاً يُمارس مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية ضمن نطاق تصريف الأعمال دون اشتراط نيل الثقة لأن البرلمان لا يعود بمقدوره اسقاط الحكومة مخافة الوصول إلى فراغ دستوري بحيث يتوجّب على الحكومة أن تُمارس الصلاحيات الضروريّة لاستمرار مؤسسات الدولة.

(زهير شُكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المُجلّد الثاني 2018 ص. 748)

ولكن الحديث عن الحكومة المُستقيلة وكيفيّة مُمارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً من قبل هذه الأخيرة في هذه الحالة، فيه خلط مغلوط بين مفهومين لا يتصلان ببعضهما البعض. فتصريف الأعمال من قبل الحكومة يقتصر على تلك التي تندرج اصلاً ضمن صلاحياتها بحسب نصوص الدستور والقوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء، وأنّه عندما تستقيل أو تُعتبر مُستقيلة أو قبل أن تنال ثقة المجلس النيابي لا يمكن لها أن تُمارس صلاحياتها تلك إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال على النحو المشروح أنفاً بحيث يُمنع عليها، من حيث المبدأ، أن تقوم بأي عمل من شأنه إحداث أعباء جديدة أو التصرّف باعتمادات مهمّة أو ادخال تعديل جوهري على سير المصالح العامّة وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية.

وفي المُقابل افردت بعض نصوص الدستور لرئيس الجمهورية صلاحيات أخرى ومُحدّدة يتولاها منفرداً في الحالات العادية جرى بيانها أعلاه، وأن كل هذه الصلاحيات (كما سبق وأوضحنا) هي التي تنتقل وكالةً الى مجلس الوزراء.

 

والواضح أننا لا نتحدّث عن الصلاحيات عينها، فالأولى (التي تُمارسها الحكومة بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال) أعطيت لمجلس الوزراء باعتبار أن السلطة الإجرائية انيطت به بحسب الدستور بعد تعديل العام ١٩٩٠، والثانية، هي صلاحيات مُحدّدة نصّ عليها الدستور وتختلف عن الأولى وانيطت برئيس الجمهورية وهي صلاحيات غير تنظيمية ولا تتصل بعمل السلطة الإجرائية ولو كانت كذلك لأمست مُدرجة في صميم صلاحيات الحكومة التي انيطت بها السلطة الإجرائية بصراحة نص المادة /١٧/ من الدستور.

ومن هنا يظهر الاختلاف الواضح بين المفهومين بحيث أن مجلس الوزراء المُكلّف تصريف الأعمال يُمارس صلاحياته (الخاصة به) بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، ويُمارس كل الصلاحيات الخاصة بالرئيس كاملةً بالوكالة عنه في حال خلو سُدة الرئاسة، الاّ تلك التي من شأن مُمارستها إيجاد فراغ كامل في المؤسسات الدستورية ونعني بذلك بشكل خاص حلّ مجلس النواب بحيث من غير المُتصور أو المقبول أن نكون أمام مشهديّة يتزامن فيها الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية مع حكومة مُستقيلة ومجلس نيابي تمّ حلّه.  

ومن بديهيات القول، أن الوكيل (مجلس الوزراء) الذي يستمد وكالته من نص الدستور الواضح غير المُقيّد بأي شرط (المادة /٦٢/) يُمارس صلاحيات الأصيل (رئيس الجمهورية) كاملةً من دون أي قيد أو شرط أو استثناء.

 

ج ــــ الطبيعة القانونيّة للقرارات الصادرة وكالةً عن رئيس الجمهورية وآلية صدورها وتنفيذها

بالرغم من وضوح المادة /٦٢/ من الدستور عندما نصّت على أنّه في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت تُناط صلاحيات رئيس الجمهوريّة وكالة بمجلس الوزراء، أثير الجّدل حول الطبيعة القانونيّة للقرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء عندما يُمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، والأهم حول كيفية إصدار تلك القرارات بعدما أثير الجدل حول مسألة توقيعها، وما إذا كانت مشاريع المراسيم بحاجة للتوقيع من قبل الوزراء المُختّصين أو أنّها بحاجة لتوقيع جميع الوزراء لتنتج مفاعيلها القانونية.

 

    فعن الشّق المُتّصل بطبيعة تلك القرارات، فإنّ قرارات مجلس الوزراء المُتّخذة بالاستناد إلى المادة /٦٢/ من الدستور تتمتّع بالقوّة التنفيذيّة شرط احترامها للأصول التي يفرضها الدستور أصالةً على أعمال رئيس الجمهوريّة لا سيّما وجوب التقيّد بأحكام المادة /٥٤/ (توقيع الوزير أو الوزراء المختصون) لكي تنتج هذه القرارات مفاعيلها كاملة. وعليه، واستناداً إلى المادة /٦٢/ المذكورة فإن مجلس الوزراء وعند خلّو سدّة الرئاسة، سيُمارس وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية وإنّ الاعمال والقرارات التي سيتّخذها ستتمتّع بصفة النفاذ المُباشر على اعتبارها تماماً وكأنها صادرة عنه.

(زهير شُكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المُجلّد الثاني 2019 ص.882 و883)

 

وبالتالي يُمكن إعطاء هذه القرارات شكل مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء إذا كان مضمونها تنظيمياً أو يترتّب عليها حقوق أو تفرض التزامات أو شكل قرارات إذا كانت طبيعتها أو مضمونها يتعلّق بأمور سياسية أو إقتصاديّة أو أمنيّة أو في أي مجال آخر.

وفي هذا الخصوص تحسُن الإشارة إلى أنّه وقبل التعديل الدستوري لعام ١٩٩٠ كانت مُقرّرات مجلس الوزراء من قبيل الأعمال التمهيديّة، بحيث اعتبر مجلس شورى الدولة (القضاء الإداري) إن تلك المُقرّرات لا تنعم بقوّة النفاذ ما لم تُصَغ بشكل مراسيم يوقّعها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء، كلّ بحسب اختصاصه. وبالتالي فإنّ هذه القرارات لا تعدو كونها إعلان نوايا لا يترتّب عليها أي مفاعيل أو نتائج قانونيّة مُباشرة وهي بالتالي غير قابلة حتّى للطعن لكونها غير نافذة بحدّ ذاتها.

 

الا أنّه وبعد التعديل الدستوري لعام ١٩٩٠ ونقله السلطة الإجرائية من يد رئيس الجمهورية واناطتها بمجلس الوزراء اضحى الموضوع مُختلفاً. وأنّه بعيداً عن الآراء والنقاشات المُتعلّقة بهذا الموضوع، والتي لا مجال للاستفاضة في بحثها خلال عرضنا الراهن، يُمكن ومن خلال ما استقرّ عليه الفقه الحديث واجتهاد القضاء الإداري التمييز بين نوعين من القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء بحيث أن بعضها يحتاج لصدوره بمرسوم، أما البعض الآخر فلا يتطّلب ذلك.

 

تتخذ أعمال مجلس الوزراء مبدئياً شكلين: إما المراسيم وإما القرارات. فالأولى، يُعلّق نفاذها على صدور المرسوم موقعاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير أو الوزراء المعنيين، والثانية، تُعتبر نافذة حكماً بعد انتهاء مهلة الايداع المنصوص عنها في المادة /٥٦/ من الدستور وهي لا تحتاج الى مراسيم لنفاذها.

 

مع الإشارة إلى وجود بعض القرارات التي تُعتبر نافذة حكماً بقوّة القانون الذي لحظها ولا يحتاج تنفيذها إلى مراسيم والأمثلة على ذلك كثيرة منها: (١) القرار الذي يصدر تطبيقا للمادة /٥٣/ - الفقرة ٦ من قانون الضمان الإجتماعي الصادر بتاريخ ١٦/٩/١٩٦٣ بتخويل مجلس الوزراء صلاحية حلّ الخلاف بين مجلس إدارة الصندوق وسلطة الوصاية (٢) القرار الصادر في الخلاف بين رأي رئيس الجامعة اللبنانية وسلطة الوصاية (٣) وجوب الإستحصال على ترخيص مُسبق من مجلس الوزراء بإنشاء الخطوط الجويّة الدوليّة واستثمارها تنفيذاً للمادة /٢٩/ من قانون الطيران الصادر في ١١/١/١٩٤٩ (٤) المادة /٩٧/ من نظام الموظفين التي تنّص على أنه في حال حصول خلاف بين مجلس الخدمة المدنية والوزارة المختصة في ما يتعلق بتطبيق أحكام المرسوم الإشتراعي يعرض الأمر على مجلس الوزراء (٥) المادة /١٥٧/ من المرسوم الإشتراعي رقم ١١٧/١٩٥٩ "يتولى مجلس الوزراء سلطة تقرير عقد الإتفاقيات بالتراضي في ما يتعلّق بصفقات اللوازم والأشغال (٦) المادة /١٤٧/ - الفقرة ١٢ من قانون المحاسبة العمومية التي تجيز عقد الصفقات بطريقة التراضي إذا قرر مجلس الوزراء ذلك.

       (حول القوة التنفيذية  لقرارات مجلس الوزراء بما يتماشى مع الخلاصة المعروضة يراجع استئناساً:

  • ادمون رباط: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، ص ٧٥٠.
  • بطرس حرب: مجلة الحياة النيابيّة، ص ٢٤.
  • زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، دار بلال للطباعة ،النشر، ٢٠٠١، ص ٧٩١.
  • يوسف سعد الله الخوري: القانون الإداري العام، الجزء الأول، تنظيم اداري – أعمال وعقود إدارية، الطبعة الأولى، ١٩٩٤، ص ٥٠.
  • ادمون نعيم، جريدة الأنوار، تاريخ ١/٤/٢٠٠٠، ص ٨.
  • السؤال الموجه من النائب نقولا فتوش المتعلقة بقرار مجلس الوزراء رقم ٤ تاريخ ١٢/٣/١٩٩٧ وأسبابه.
  • محاضر جلسات مجلس النواب المنشورة في مجلة الحياة النيابية، العدد رقم ٣٥، حزيران ٢٠٠٠
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٤٥٩، تاريخ ١٦/٤/١٩٩٨، شركة بروموريان ش.م.م./ الدولة – معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، مجلة القضاء الاداري ١٩٩٩، مجلد ٢، ص ٤٣٢.
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٨٩، تاريخ ٣٠/١١/١٩٩٩، الشركة اللبنانية لحصر التبغ والتنباك ش.م.ل./ الدولة، مجلة القضاء الاداري ٢٠٠٣، مجلد ١، ص ١٧٨.
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٢٣٦، تاريخ ١٣/٢/٢٠٠١، بيار وموسى فتوش/ الدولة، مجلة القضاء الاداري ٢٠٠٥، ص ٢٨٦.
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٣١، تاريخ ١٧/١٠/٢٠٠٦، كازينو لبنان / الدولة – رئاسة مجلس الوزراء، العدل، عدد ١/٢٠٠٧، ص ١٤٠.)

 

ومن يقرأ جيّداً نصّ الدستور يَجد أنّ المادة /٦٥/ منه المُتعلقة بصلاحيات مجلس الوزراء، واضحة ولا تحتاج إلى تأويل في إقرارها وأن صلاحية التقرير النهائي هي لمجلس الوزراء، فلقد استخدمت هذه المادة مُصطلحين لهُما دلالاتهما في القانون الإداري: الأول: "صلاحية يُمارسها" والثاني: "يتّخذ القرار".

 

ولهذا لم يَعد جائزاً القول بأنّ قرار مجلس الوزراء هو عمل تمهيدي بل هو قرار نهائي نافذ أنشأ المفاعيل القانونية كافة ورتّب حقوقاً للمخاطبين به من لحظة اتّخاذ هذا القرار، بمعنى أنّ الحق يُنشئه قرار مجلس الوزراء، وأن المرسوم أو قرار الوزير يُعلن عن هذا الحق. ولهذا، وبسبب الطبيعة التقريريّة النافذة النهائية لقرارات مجلس الوزراء، فلقد وضع الدستور اللبناني الضمانات لصدور المراسيم الإعلانيّة لمُقررات مجلس الوزراء والتي ساواها لهذه الناحية بالقوانين. فنصّت المادة /٥٦/ منه على ما يأتي: "يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد احالتها إلى الحكومة ويطلب نشرها. ...". وهو يصدر المراسيم ويطلب نشرها، وله حق الطلب إلى مجلس الوزراء اعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتّخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ ايداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المُتّخذ أو انقضت المهلة دون اصدار المرسوم أو اعادته يُعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره.

 

يظهر بجلاء أنّ هذه المادة تحدّثت عن قرار مجلس الوزراء، ولم يذكر النص الدستوري مرسوم مجلس الوزراء، وهذا الأمر ينسجم بطبيعة الحال مع منطق الأمور، فمجلس الوزراء لا يصدر مراسيم وإنما يصدر قرارات، اما المراسيم، وفق اجتهاد مجلس شورى الدولة، فتصدر عن رئيس الجمهورية.

 

ولهذا فإن رئيس الجمهورية مُلزم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداع رئاسة الجمهورية لقرار مجلس الوزراء أن يعمل على إصدار المرسوم، وكذلك فإن الوزير لا يستطيع الامتناع عن توقيع مرسوم يُعلن عن قرار اتخذه مجلس الوزراء، وسابقة إلزام مجلس الوزراء للوزير شربل نحاس بتقديم استقالته كوزيرٍ للعمل لا زالت حديثة العهد، حيث جرى تخييره بين توقيع المرسوم الذي يعلن عن قرار اتّخذه مجلس الوزراء وبين الاستقالة، فاختار الاستقالة.

 

ولقد أثبت المرسوم رقم ٢٥٥٢ تاريخ ١/٨/١٩٩٢ (تنظيم اعمال مجلس الوزراء) لهذه الطبيعة الإلزامية والنفاذ الذاتي لقرارات مجلس الوزراء وذلك في المادتين /٢٤/ و /٢٨/ منه.

 

فالمادة /٢٤/ نصّت على أن "توضع مشاريع النصوص التشريعية أو التنظيمية أو التنفيذية أو الادارية، تنفيذاً لقرارات مجلس الوزراء، في مهلة أقصاها شهر من تاريخ اتخاذها، وعلى جميع الجهات المعنيّة اتّخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لتأمين ذلك." فبحسب هذه المادة يتبدّى بوضوح أن النفاذ مُتّصل بقرارات مجلس الوزراء، وأنّه حتى المرسوم اللاحق هو مرسوم تنفيذي للقرار المُتّخذ، وأن المهلة القصوى لإصدار المرسوم هي شهر من تاريخ اتخاذ قرار مجلس الوزراء.

 

امّا عن المادة /٢٨/ المُعدّلة بالمرسوم رقم ٤٧١٧ تاريخ ٣١/١/١٩٩٤ فقد نصّت بدورها على "انّ قرارات مجلس الوزراء مُلزمة لجميع أعضاء الحكومة وفقاً لمبدأ التضامن الوزاري. وعلى الوزير المُختّص تبعاً لذلك الإلتزام بتوقيع مشاريع المراسيم تنفيذاً لهذه القرارات". إنّ هذا النص قطعي الدلالة لا يحتمل أي تأويل حول القوة الإلزامية لقرارات مجلس الوزراء، وبعد هذا النص لا يمكن الحديث عن أن قرارات مجلس الوزراء ليست نهائية ولا ملزمة، بل هي نهائية مُلزمة ومُتمتعة بقوّة الأمر المُقرّر (L’autorité de chose décidée). 

(عصام إسماعيل، محاضر في القانون الإداري العام ٢٠٢١-٢٠٢٢)

 

يُضاف إلى ما تقدّم أن مجلس النواب أصدر توصية في جلسته المُنعقدة في ٢٩ و٣٠ آذار ٢٠٠٠ بعد نقاش مُستفيض حول الاستجواب المُقدّم من النائب نقولا فتوش المُتعلق بقرارات مجلس الوزراء وحول ما إذا كانت هذه القرارات نافذة حكماً وفقاً لأحكام المواد /17/ و/56/ و/65/ من الدستور أم لا، وقد حسم المجلس النيابي هذا النقاش واعتبر أنّ قرارات مجلس الوزراء هي التي تنشئ الحق والمراسيم تُعلنها.

 

أمّا عن الشقّ المُتعلّق بكيفيّة إصدار تلك القرارات، ونقصد هنا القرارات التي تحتاج لنفاذها صدور مراسيم ذلك أنّه وكما أسلفنا القول فإن القرارات التي لا تحتاج لمراسيم تُعتبر نافذة بذاتها ويتم ابلاغها من قبل مصلحة تابعة لفرع الشؤون الوزارية في المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء وهي مصلحة مُتابعة تنفيذ القرارات، إلى الوزارات لتنفيذها. أما عن مشاريع المراسيم فقد أثير الجدل حول مسألة توقيعها وتحديداً عمّا إذا كانت بحاجة للتوقيع من قبل رئيس مجلس الوزراء والوزراء المُختّصين فقط، أم أنّها بحاجة لتوقيع جميع الوزراء عليها لكي تنتج مفاعيلها القانونية. والجدل قد يثور أيضاً لمعرفة الأكثريات المفروضة عند إتخاذ القرارات وكالةً عن رئيس الجمهورية لاسيما وأن الدستور أناط تلك الصلاحيات بمجلس الوزراء مُجتمعاً. 

 

للإجابة على هذه التساؤلات، وفي ضوء غياب أي نصّ دستوري أو قانوني يُحدّد أصول اتّخاذ القرارات عند خلو سدّة الرئاسة وانتقال صلاحيّة الرئيس وكالة إلى مجلس الوزراء، تصدّى القضاء الإداري (مجلس شورى الدولة) لمسألتي الأكثرية الواجبة وآلية إصدار المُقرّرات وكانت قراراته العديدة (حوالي ٨ قرارات) حاسمة توّجت بقرار صادر عن مجلس القضايا (أعلى مرجع قضائي إداري يتألف من رئيس مجلس شورى الدولة ورؤساء الغرف وثلاثة مستشارين) بحيث اعتبر ما يلي:

 

اولاً، في ما يتّصل بالأكثريات المفروضة عند مُمارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً عند شغور سدّة الرئاسة، فأنّه يقتضي تطبيق المبادئ العامة للأصول التي تفرض تطبيق نظام اتخاذ القرارات من قبل الأكثريّة في كلّ مرة تُعطى الصلاحيات لمجالس أو هيئات مُتعدّدة الأعضاء كمجلس الوزراء، وأن الأخذ بالرأي المُخالف يؤدّي إلى إعطاء الأكثرية والأقلية القوّة ذاتها في اتخّاذ القرارات وبالتالي إعطاء الأقليّة حق نقض وشلّ عمل الهيئة، ومن ثم شلّ العمل الحكومي برمّته إذا ما طبق هذا المبدأ على عمل مجلس الوزراء.

 

 مع الإشارة إلى أنّه لا يوجد، لا قبل تعديل الدستور ولا بعد تعديله بتاريخ ٢١/٩/١٩٩٠ أي نصّ دستوري أو قانوني أو تنظيمي يفرض بأن تكون مُداولات مجلس الوزراء واتّخاذ القرارات بحضور جميع الوزراء، لا بل على النقيض من ذلك، فقد حدّد الدستور بوضوح في المادة /٦٥/ منه النّصاب القانوني لاجتماع مجلس الوزراء بأكثريّة ثُلثي أعضائه، ولم يفرض - ولا يُمكن أن يفرض - وجود جميع أعضاء الحكومة المُحدّدة في مرسوم تشكيلها لقانونية اجتماع مجلس الوزراء خوفاً من شلّ حسن سير المرفق الحكومي وعرقلة بالتالي عمل الحكومة الحيوي لشؤون الدولة برمته.

(يُراجع:

  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٨٥٠، تاريخ ١٠/٧/١٩٩٥، العميد أنطوان بركات/ الدولة - وزارة الدفاع الوطني.
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٨٥١، تاريخ ١٠/٧/١٩٩٥، العميد الركن هاني عباس/ الدولة - وزارة الدفاع الوطني.  
  • عصام نعمة إسماعيل، مقال في جريدة السفير بتاريخ ٢٦/٦/٢٠١٤)

C.E (Sect) 17 Mai 1957 Simonet، Concl Heumann Rec p. 314 et s.

Considérant enfin, que si le sieur Simonet relève que le décret attaqué a été adopté en Conseil des ministres en l’absence de certains de ses membres, aucune disposition constitutionnelle, législative ou réglementaire n’exige que les délibérations du Conseil des ministres aient lieu en présence de la totalité de ses membres.

 

 

ثانياً، في ما يتعلّق بآلية إصدار المُقررات، يِحسن التنويه بدايةً بأن مُمارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً عند شغور سدّة الرئاسة، لا يعني - ولا يجب أن يعني - أن جميع أعضاء الحكومة يشتركون بتوقيع وإصدار المُقررات المُتّخذة بهذه الصفة، على اعتبار أنّ هذه الأعمال، وكما قرّر مجلس شورى الدولة بشكل حازم وجازم، تبقى خاضعة لأحكام المادة /٥٤/ التي تفرض توقيع رئيس الحكومة لكونه يُمثّل الحكومة وينطق باسمها، إضافة إلى الوزير أو الوزراء المُختصّين على مُقرّرات رئيس الجمهورية.   

 

وبالفعل، وعندما تولّى (الرئيس) العماد ميشال عون رئاسة الحكومة الانتقاليّة قبل التعديل الدستوري في العام ١٩٩٠، سار على هذا النهج بحيث أصدر مراسيم عدّة لم تكن تشتمل على توقيع جميع الوزراء، بل كانت تحمل في ذيلها "توقيع رئيس مجلس الوزراء" الامضاء ميشال عون، وتحت عبارة "صدر عن رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الوزراء" الإمضاء ميشال عون، وتحت عبارة "نائب رئيس مجلس الوزراء: وزير" الإمضاء عصام أبو جمره، وتحت عبارة "وزير" الإمضاء ادغار معلوف، والتوقيعين الأخيرين للوزيرين أبو جمره ومعلوف وردا في موقع الوزير او الوزراء المختصين. 

 

وعندما طُعن ببعض تلك المراسيم لم يشترط مجلس شورى الدولة لصحة المرسوم وقانونيته توقيعه من قبل جميع الوزراء، بل اعتبر بأنّه ولصحة هذا العمل الإداري الذي صدر وكالةً عن رئيس الجمهورية بعد شغور سدّة الرئاسة، يُشترط توقيع رئيس مجلس الوزراء إضافة الى الوزير أو الوزراء المُختّصين بحيث لا يُكتفى بتوقيع رئيس مجلس الوزراء فقط بل يجب أن يقترن المرسوم بتوقيع كل وزير يكون لوزارته علاقة مُباشرة بالأحكام القانونيّة والتنظيميّة التي يتضمنها الدستور. إن توقيع الوزير للمرسوم هي الطريقة الدستوريّة التي يتولّى بموجبها الوزير إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين في ما يتعّلق بالأمور العائدة لإدارته وبما خص به عندما يكون من الواجب إصدار مرسوم لأجل ذلك. وأن توقيع الوزير المُختّص للمرسوم ليس امراً شكلياً لازماً فحسب بل إنّه من المقوّمات الجوهريّة لتكوين المرسوم الصادر لتعلّقه بالصلاحية وعلى هذا فإن خلوّ مرسوم ما من توقيع الوزير المُختص يجعل من هذا المرسوم عملاً إدارياً باطلاً لصدوره عن سلطة غير صالحة.

  (يراجع:

  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٧٤ تاريخ ١٦/١١/١٩٩٥، اللواء منير محمود مرعي / الدولة - وزارة الدفاع الوطني.
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٥٢٢ تاريخ ٨/٥/١٩٩٦، الدولة / العميد الركن ياسين سويد
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ١٣٨ تاريخ ١١/١٢/١٩٩٦، اللواء الركن جورج الحروق / الدولة - وزارة الدفاع الوطني.
  • مجلس شورى الدولة، قرار رقم ٧٠ تاريخ ٣/١١/١٩٩٧، اللواء القيم عبد الله الخوري / الدولة - وزارة الدفاع الوطني، مجلة القضاء الإداري ١٩٩٩، م١، ص ٨٥)

 

وكما سبق وأشرنا فإن مجلس القضايا الذي يستأنس بالمبادئ التي تنطوي عليها قراراته لتوحيد اجتهاد غرف مجلس شورى الدولة، حسم بشكل نهائي آلية إصدار المُقرّرات وفقاً لما سبق وأنّ ما قرّرته غرف المجلس في كل القرارات التي أصدرتها في هذا الخصوص على النحو المومأ اليه بحيث اعتبر "بأن المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء المناطة به مؤقتاً صلاحيات السلطة الإجرائية أو صلاحيات رئيس الجمهورية يجب أن تصدر بعد موافقة مجلس الوزراء وأن تحمل إضافة إلى توقيع رئيس مجلس الوزراء توقيع الوزير المختص أم الوزراء المختصين كما لو كان المرسوم صادراً عن رئيس الجمهورية وذلك عملاً بصراحة أحكام المادة /٥٤/ من الدستور".

(يراجع: مجلس القضايا، قرار رقم ١٦٤ تاريخ ١٩/١٢/١٩٩٦، اللواء منير مرعي/ الدولة - مجلس الوزراء - وزارة الدفاع الوطني.)

 

 

وعليه يُمكن القول بأنّ المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء الذي يُمارس وكالةُ صلاحيات رئيس الجمهورية وفقاً لمنطوق المادة /٦٢/ من الدستور، تُوَقّع من رئيس مجلس الوزراء بإسم مجلس الوزراء المُناطة به مؤقتاً مُمارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ومن الوزير أو الوزراء المُختصين وإنّ توقيع رئيس مجلس الوزراء لا يُعتبر توقيعاً للوزير المُختصّ بل بمثابة توقيع مفروض في كلّ مرسوم وهو بمثابة تأكيد توقيع رئيس الجمهورية، وأنّه صادر في هذه الحالة عن مجلس الوزراء.

   F. Bellanger: Les présomptions d’authenticité et de sincérité des actes Administratifs. R.D.P. 1968 P.543 et s. page 568 (Renvoi 27)

“….Mais la rédaction même de l’écrit traduit parfois que la vérification a eu lieu: attestation est donnée, par un autre que l’auteur de la décision, que celle – est bien l’oeuvre de cet auteur. Ainsi, le contreseing des décrets consiste dans l’apposition, après la mention” Fait à …..le” et la signature de l’auteur, de l’attestation “par le Premier ministre” ou “par le president de la République” signée par le contresignataire.”

 

وهذا ما كان قد أكّده الفقيهان الفرنسيان دوغي وإيسمان et Eisenmann Duguit بقولهما أنّ لمجلس الوزراء كل الصلاحيات التي كان يتمتّع بها رئيس الجمهورية باستثناء الرسائل (Messages) وأنّ رئيس مجلس الوزراء يوّقع المراسيم باسم مجلس الوزراء وأنّ الوزير المُختّص يُوقّع كما كان يوّقع مع رئيس الجمهورية.

(يُراجع: أنور الخطيب: دستور لبنان ٢، السلطات العامة، ١٩٧٠)  

 

 

وختاماً، يبقى القول بأنّ كلّ ما أُدرج في هذا المقال من توضيح لنصوص الدستور وتفسير بعض ما يكتنف هذه النصوص من غموض، والمُسند، إما إلى نصوص الدستور نفسه وإما إلى اجتهادات قضائية صادرة عن أعلى المراجع القضائية، وإما إلى آراء فقهية لخبراء مشهود لهم بالعلم في مجال العلوم الدستورية، هو عبارة عن آراء قد تحتمل الخطأ ولكنها لا تشكّل بأي حال من الأحوال انتقاصاً من أي موقع دستوري مهما علا شأنه، مع الإشارة بأن التعديل الدستوري في العام ١٩٩٠، وخلافاً لما يسوقه البعض لغايات خبيثة، لم يُعزّز صلاحيات رئيس مجلس النواب (الشيعي) على حساب صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة، كما لم ينقل صلاحيات رئيس الجمهورية (الماروني) لتُعطى لرئيس مجلس الوزراء (السني) إنما أعطيت لمجلس الوزراء الذي تتمثّل فيه كل الطوائف اللبنانية وتتحقّق فيه المُشاركة وفقاً لميثاق العيش المُشترك في إطار دولة مدنيّة عادلة وقادرة ترتكز إلى المساواة والعدالة الاجتماعية بمُختلف أبعادها الطبقيّة والمناطقية والطائفية بعيداً عن التلطي وراء النظام الطائفي الذي يستغله البعض لإثارة حساسيّات، بخلفية طائفيّة وحتى مذهبية، في الأوقات التي تُناسبه لتشكّل درعاً يَحتمي خلفه ويُحقّق مكاسب خاصة على حساب الميثاق الوطني والوحدة الوطنية وبناء دولة القانون والمؤسسات. 

 

المُحزن أنّه أمام كثرة المُناكفات والخلافات والمُشاحنات والتي شارك فيها الجميع من دون استثناء، وما رافقها من ابتداع لتفسيرات ومخارج مُبتكرة (ثلت ضامن، ثلث معطّل، ميثاقية، توافقية...) اصيب النظام (نظام الحكم) في مقتل ولم يعد قادراً على الصمود وأصاب معه الدستور الذي أصبح وجهة نظر تتغير النظرة الى نصوصه بحسب المواسم والمصالح والمُناسبات، ففقدَ أهم خصائصه كناظمٍ لبُنية المؤسسات الحكومية والسياسية وعملها كما فقدَ عملياً الشرعية العامة سنده الأساسي وأصبح تفسيره المُتلّون والمُتبدّل نهجاً يُنشده الكثيرون أملاً إمّا بإستعادة صلاحيات "مسلوبة" أو تحقيق "مكاسب" جديدة أو الحصول على "امتيازات" مفقودة.

عليه، وأمام هذا الواقع غير الخافي على أحد لاسيما ونحن نتلمس نتائجه يومياً وعند كل استحقاق (انتخابات رئاسية، تشكيل حكومة، قانون انتخابات…) وفي كل مُناسبة حتى صغيرة (تعيين مأمور للأحراج)، وفي سبيل عودة انتظام سير الدولة بعيداً عن التسويات بمنطق "مرقلي هيدي لمرقلك هيديك"، فإن تعديل الدستور لتحقيق الانسجام بين نصوصه وسدّ ما قد يَعتريه من ثغرات وإعادة توزيع الصلاحيات إذا لزم الأمر، رغم أنه غير مُحبّذ عندما تكون العصبيات والمُزايدات سمة الحياة السياسية، يُعتبر مَلاذاً يُمكن انتهاجه بما يَأتلف مع رغبة أبناء الوطن، الا إذا اتفّق هؤلاء (طوعاً أو كرهاً) على أي وطن يريدون وإلى أي نظام يحتكمون.

بعيداً عن ما يُسمّى بالرئيس "القوي" وهي صفة تُسيء حتماً لموقع رئاسة الجمهورية وتُجرّدها من هيبتها اولاً وقبل أي أمر آخر، يُطرح السؤال بأنّ هذا الرئيس المُسمى "قوي" هو قوي على مَن !!؟؟ ومع من هي تلك المعركة التي يتمتّع فيها الرئيس بمواصفات المحارب "القوي" !!؟؟؟ وهل أن الدستور يربط مُمارسة الصلاحيات بمواصفات الرئيس فتكون كاملة عندما يكون الرئيس "قوي" ومُنتقصة عندما يكون غير "قوي" !!؟؟؟ وهل أنّ قوة الرئيس أو ضعفه هي مصدر صلاحياته أم أنّ نصوص الدستور هي التي جعلته رئيساً لدولة يقتضي أن يكون مؤتمناً على قوتّها وليس حريصاً على قوته !!؟؟ والأهم من كل ذلك من هي الجهة التي تصلح أن تصنف رؤساء الجمهورية وتضع معايير يتمّ على أساسها التمييز بين القوي منهم والمتوسط والضعيف !!؟؟ ولعلّ الإجابة على هذه الاسئلة كانت وراء عدم اقتناع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بفكرة "الرئيس القوي" (مراجعة موقع المركزية تاريخ 11/9/2022 www.almarkazia.com) لا بل وأكثر وفي مقابل الرئيس "القوي"، ظهرت ايضاً المُطالبة بما يُسمى برئيس "المواجهة" والأسئلة عينها المعروضة أعلاه تصلح للردّ على هذه الصفة وأهمها السؤال عن أنّ المواجهة المنشودة ستكون مع مَن !!؟؟

كما ونسأل إذا كان منطق "القوة" و "المواجهة" هو الذي سيحكم الحياة السياسية في البلاد وليس نصوص الدستور، فمن يضمن أن تُطالب كل الطوائف التي كرّس الدستور تمثيلها برجالاتها "الأقوياء"، وحينها وبدل أن نكون في دولة تحكمها نصوص الدستور والقانون، نُصبح في ساحة معركة جميع المُتحاربين فيها من الأبطال والأقوياء والبقاء لله والسلام على وطن النجوم.  

بالانتظار سيبقى رئيس الجمهورية اللبنانية، دون خجل أو وجل أو مِنّة، بل بحسب الدستور، رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، وسيبقى هذا الموقع لما أُريدَ له بأن يكون أسمى وأعلى من كل المراكز وفوق كل الصلاحيات، ومن ينادي، بخلاف ذلك بذريعة الصلاحيات وما شابه من تفاهات وهرطقات دستورية، يُلحق بهذا الموقع، ولغايات ظرفية ومصالح ضيقة، افدح ضرر يطال مكانته وهيبته قبل أي أمر آخر، ويُقحمه في زواريب الخلافات السياسية اليومية ويجعله طرفاً فيها فينتقل من موقع المُلهم والحَكَم ومن كونه سلطة أرادها الدستور أن تكون فوق كل السلطات إلى موقع الطرف المُشارك مع ما يترتّب على ذلك من نتائج أهمّها تحميله مسؤولية أي تعثر أو فشل نيابة عن السلطة الإجرائية غير المناطة به اصلاً، والتنبيه واجب لمن يعتبر ويرتدع وإلا فليتحمل من يتحمّل التبعات وحينها قد تُصبح العودة إلى تطبيق أحكام الدستور وجهة نظر ويُصبح معها البحث في صلاحيات الرئيس، رئيس الجمهورية اللبنانية، من الماضي.

احدث المواضيع

{{subject.ShortTitle}}

البوابة القانونية الالكترونية الأشمل و الأكثر استخداما في لبنان