يعتبر التطّور التكنولوجي أحد إبتكارات العقل البشري والعنصر الأبّرز في تدفق المعرفة والأفكار، وهو المساهم الأكبر في التحّول الى عصر ثورة المعلومات التي قد يصعب أن نضع لها مفهوماً محدّداً سوى أنها منظومة تقوم على المعرفة وعلى الإنتاج الفكري عن طريق الإتّصال والتواصل. تقوم الدّول في جميع أنحاء العالم باستثمارات كبيرة في صناعة تكنولوجيا المعلومات، لأن إقتصاد معظم هذه الدّول وأمنها القومي يرتكزان اليوم على هذه الصناعة. خلال العقود الثلاث الماضية برزت ألطّرق البديلة لتوثيق ونشر المعلومات وحلّت محلّ الطباعة تدريجياُ، فتبدّلت أشكال جمعها ونظم تسليمها الى العامّة بشكل كبير، بحيث أصبحت تصل الى الجمهور بحرّية تخطّت الحدود الجغرافية بين الامم ممّا أدّى الى ظهور العالم الرقمي الشبيه بقرية كونية لا حدود لها ولا أفق منظور، فبرزت ضرورة إعتماد وسائل النشر الالكتروني بعد التطّور السريع في إستخدام تكنولوجيا الحاسوب والنمو الهائل لشبكات الانترنت ودمج تكنولوجيا الحاسوب والإتصالات بالاضافة الى تطوير صناعة المعلومات.
في هذه الدراسة، سوف نقارب مزايا ألنشر الإلكتروني والتحدّيات التي يطرحها حول حماية حقوق المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة على المنشور الإلكتروني أو الرقمي والإطار القانوني لهذه الحماية على صعيد التشّريع اللبناني والمعاهدات الدّولية ذات الصّلة، والتدابير التقنية التي تعتمدها وتدعو اليها صناعة النشر الالكتروني في العالم، للحدّ من الإستغلال غير القانوني والتوزيع غير المصّرح به للمصنّف الالكتروني المحمي.
ألنشر الإلكتروني(E-Publishing) ألوسيلة الأكثر إنتشاراً في العالم
يعتبر ألنشر الإلكتروني حالياً الاكثر انتشاراً واستخداماً في العالم كوسيلة من وسائل النشر ولكن بشكل رقمي، ويتمثل في جمع المعلومات والصور والفنون وتبويبها وترتيبها وتعديلها ونشرها إمّا على الوسائط ألمادية أو في شكل رقمي يعرض على شبكة الإنترنت. اذاً، يقسم ألنشر الإكتروني إلى فئتين: ألنشر من خلال الإتصال المباشر Online أو من خلال وسائط التخزين مثل ألقرص المضغوط CD ROM وCD-I و DVDوبطاقة الذاكرة Memory Card والقرص المرن Floppy Diskلتوزيع المحتوى، وهو كأي مواد إعلامية غير مطبوعة يتم نشرها في النموذج الرقمي. فالنشر الإلكتروني هو مجموع ألتكنولوجيا الإلكترونية و تكنولوجيا ألكمبيوتر و تكنولوجيا الإتّصالات والنشر.
أثبت ألنشر الإكتروني أنه الوسيلة الأقل تعقيداً في توثيق ونشر المعلومات وتسليمها الى المستخدم من دور النشر الورقية من حيث سرعته ومرونته وإمكانية تحديث ألمنشور الألكتروني وتنقيحه بإستمرار من قبل الناشر وقابليته لإدارة المعلومات الالكترونية بسهولة، واسترجاع المعلومات في الوقت المناسب والوصول إلى المنشورات الالكترونية وتنزيل المواد المطلوبة أو طباعتها، ولقد أحدث تطويراً للمكتبات الرقمية، وحلّ محلّ نظائره من الوسائل ألتقليدية.
مزايا النّشر الالكتروني والتحدّيات التي يطرحها في نطاق حماية حقوق المؤلف
يتمتع النشر الالكتروني بمزايا عدّة، منها تسهيل مهمّة المؤلفين في نشر مصنفاتهم ووصولها الى العامة في مختلف اقطار العالم باسرع وقت ممكن، الا أن هذه الوسيلة شكلت عائقاً أثقل بكاهله على الفكر والإبداع ـ فصحيح أن النشر الالكتروني ساهم في تسويق المصنفات التي باتت في متناول أيدي الجمهور الا أن حماية هذه المصنفات وبالتالي حقوق المؤلفين أصبح يشكل اليوم ألهاجس الأكبر لدى أصحاب هذه الحقوق، الذين لجأوا بالإضافة الى الإجراءات ألقانونية المنصوص عليها في القوانين المحلية والمعاهدات الدولية إلى إبتداع وسائل الحماية الخاصة.
إن صعوبة تطبيق الإجراءات القانونية جعل رقعة الإنتهاكات والتعديات على حقوق المؤلف تتّسع مع ما يرافقها من سهولة خرق الأساليب ألتكنولوجية المعتمدة من قبل المؤلفين لحماية مصنفاتهم بعد ظهور وسائل تكنولوجية تمكّن من الإستحصال على هذه المصنفات دون مقابل لأصحاب الحقوق، وتعطّل بالتالي مفعول ألحماية الخاصة، إلا ان معظم الأنظمة في العالم رأت ان هناك ضرورة ملحّة لتوفير ألحماية لحق المؤلف على مصنفاتهم الرقمية من خلال تحديث تشريعاتها ذات الصلة وإبرام المعاهدات الدولية كمعاهدة الويبو بشأن حقوق المؤلف في العام 1996 التي دخلت حيّز التنفيذ في العام 2002، بخاصة وان اتفاقية برن ألمنظمة في العام 1883 والمعدّلة في العام 1971 لم تلحظ أية حلول للمصنّفات المنشورة الكترونياً، أو ألمصنف الرقمي
أما في لبنان، أدت التكنولوجيا الرقمية الى نشر ألعديد من المصنفات ألرقمية المشمولة بالحماية عبر وسائل النشر الالكتروني، الا أن هذا الانتشار تخطى حدود النطاق الوطني فالوصول الى هذه أـلمنشورات الالكترونية ونسخها ونشرها من قبل مستخدمي شبكة الانترنت أصبح أًمرا متاحاً وقد يصعب على المؤلف وأصحاب ألحقوق ألمجاورة ضبط إيقاعه. سوف نتطرق الى حماية حقوق المؤلف على المنشور الالكتروني وقواعد البيانات من خلال التشريعات المحلية ذات الصلة والمعاهدات الدولية.
حماية حقوق المؤلف على المنشور الالكتروني بموجب المعاهدات الدولية
أولى المشرع اللبّناني اهتماماً كبيراً لحقوق ألملكية ألفكرية في لبنان من خلال تشريعاته التي توفّر الحماية للإنتاجات الفكرية شرط ان تتّسم بصفة الإبتكار، كما ولحقوق المؤلفين واصحاب الحقوق المجاورة وذلك تحفيزاً للفكر والإبداع ودعماً للاقتصاد الوطني. ولأجل هذه الغاية بذل لبنان جهوداً حثيثة للإنضمام الى العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية. قفي العام 1947، انضم الى إتحاد برن لحماية الآثار الأدبية والفنية(Berne Convention)، ومن ثم صادق على التعديلات الاخيرة لهذه المعاهدة، كما وقّع في العام 1959 الإتفاق العالمي لحماية حقوق المؤلف UCC ، وابرم عام 1997 المعاهدة الدولية حول حماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الاذاعة (المعروفة بمعاهدة روما 1961). كما انضم الى معاهدة الويبو (WCT) المتعلقة بحق المؤلف ومعاهدة (WPPT) المتعلقة بالاداء والتسجيل الصوتي.
اتفاقية برن لحماية الآثار الأدبية والفنية(Berne Convention)
أبرمت إتفاقية برن لحماية الآثار الأدبية والفنية في العام 1886، وجرى تعديلها سنة 1979وهي تحمي المصنّفات وحقوق مؤلفيها. تقوم هذه الإتفاقية على مبادىء أساسية ثلاث؛ مبدأ المعاملة الوطنية أي ان المصنفات الناشئة في إحدى الدول المتعاقدة التي يكون مؤلفها من مواطني تلك الدولة، أو التي نشرت للمرّة الأولى في تلك الدولة يجب أن تحظى في كل دولة من الدول المتعاقدة الأخرى بالحماية نفسها التي تمنحها لمصنفات مواطنيها، مبدأ الحماية التلقائية أي أن حماية المصنفات غير مشروطة باتخاذ أي إجراء شكلي، ومبدأ استقلالية الحماية بحيث لا تتوقف الحماية على تلك الممنوحة في بلد المنشأ، بالاضافة الى ذلك، اشتملت هذه الاتفاقية على رزمة من الأحكام تتعلق بالحدّ الأدنى للحماية الواجب منحها، فإذا حدّد تشريع أية دولة متعاقدة مدّة للحماية أطول من الحدّ الأدنى المنصوص عليه في الاتفاقية وتوقفت حماية المصنف في بلد المنشأ، جاز رفض الحماية عند انتهاء مدتها في بلد المنشأ.
معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف (WCT) WIPO Copyright Treaty
أبرمت معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف (WCT) سنة 1996 ودخلت حيّز التنفيذ سنة 2002، وهي تعتبر إتفاق خاص في إطار إتفاقية برن وتتناول حماية المصنفات وحقوق مؤلفيها في البيئة الرقمية. الا ان هذه الاتفاقية تمنح الحقوق المعترف بها في اتفاقية برن حقوقاً اقتصادية معينة، وقد لحظت موضوعين أساسيين يجب حمايتهما بموجب حق المؤلف: برامج الحاسوب أيا كانت طريقة التعبير عنها أو شكلها، ومجموعات البيانات أيا كان شكلها، شرط ان تتسم بصفة الإبتكار وأن تعتبر إبتكارات فكرية من حيث الترتيب واختيار المحتوى، اما قاعدة البيانات التي تفتقر الى عنصر الابتكار فهي لا تدخل ضمن نطاق هذه الاتفاقية.
والجدير ذكره ايضاً، انه من أهم ما انطوت عليه هذه الاتفاقية انها أقّرت الحماية للمصنفات الرقمية التي تنشر عبر شبكة الانترنت واعتبرت انه لمؤلفي المصنفات الادبية والفنية الحق الاستئثاري في التصريح بنقل مصنفاتهم الى الجمهور باي طريقة سلكية او لاسلكية.
وبما أن معظم ألتشريعات الوطنية كما أشرنا آنفاً لم تنصّ على تدابير توفر الحماية للمصنفات المنشورة الكترونياً لا سيما عبر شبكة الانترنت، فقد لجأ معظم المؤلفين الى الحماية الخاصة من خلال استخدام وسائل تكنولوجية كالتشفير. ولكن سرعان ما طرحت تحدّيات جديدة في هذا السياق، مع بروز اساليب تكنولوجية مضادّة تعطّل مفعول الحماية الخاصة التي ابتدعها المؤلفون لحماية مصنفاتهم الرقمية.
إن اتفاقية الويبو بشأن حق المؤلف تنبّهت لهذه المعضلة، وألزمت الأطراف المتعاقدة أن تنص في تشريعاتها على عقوبات لمنع التحايل على التدابير التكنولوجية التي اعتمدها المؤلفون لدى ممارسة حقوقهم وضد أي حذف أو تغيير في المعلومات الضرورية مثل بعض البيانات المتعلقة بتعريف المصنفات أو مؤلفيها لإدارة حقوقهم. بالاضافة الى انه يقع على عاتق كل متعاقد أن يتخذ وفقاً لنظامه القانوني، التدابير اللازمة لضمان تطبيق المعاهدة.
حماية المنشور الالكتروني في ظل القوانين والتشريعات المحلية.
قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي
إثر تنامي ألمعاملات الالكترونية على مختلف أشكالها ومنها النشر الالكتروني برزت الحاجة لدى المشترع اللبناني الى وضع الأطر القانونية للمعاملات الالكترونية، فصدر بتاريخ10/10/2018 القانون رقم 81/2018 المتعلق بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 45 تاريخ 18/10/2018 والذي دخل حيّز التنفيذ بعد مرور ثلاثة اشهر على تاريخ نشره، ترعى أحكامه حماية الكتابة الالكترونية، وتكنولوجيا المعلومات، وتحمل تعديلاً وتحديثاً لا بد من التطرق اليه.
الوسائل الالكترونية، جديد الوسائل المعتمدة في النشر:
عرّفت المادة 118 من قانون ألمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي «ألنشر الالكتروني» كما انطوت على تعديل لنص البند الثالث من المادة 209 من قانون العقوبات اللبناني حيث أضافت على الوسائل المعتمدة في النشر جديداً وهي «الوسائل الالكترونية»، وإننا نرى إن هذا التعديل وعلى الشكل الذي ورد فيه أظهر ارادة المشترع في تكريس االإجتهادات الحديثة فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بواسطة وسيلة الكترونية لا سيما جرائم التقليد والاعتداء على حقوق المؤلف وغيرها من جرائم القدح والذم والتحقير والتعدي على الحريات الشخصية وسواها من الجرائم التي يعتبر فيها ألنشر عنصرًا أساسياً لقيامها، وإن هذا التعديل تبنى ما سار عليه الإجتهاد الحديث في هذا السياق واعتبر إن عنصر ألنشر أو ألعرض أو البيع يعتبر متحققاً إذا تم باستعمال الوسائل الالكترونية، بعد أن اعتبر صراحة أن الوسائل الالكترونية من قبيل وسائل النشر المنصوص عليها في المادة 209 من قانون العقوبات.
لا قيود على الكتابة الالكترونية شرط عدم اختراق الخصوصية والحياة الفردية
تجدر الإشارة في هذا السياق، أن قانون ألمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي إعتبر أن الكتابة الالكترونية حرّة ولا يلزم أحد اللجوء إلى وسائل حماية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، إلا أنه حظّر إختراق ألخصوصية والحياة الفردية إنطلاقا من تكنولوجيا المعلومات مؤكداً على وجوب حماية الحريات الخاصة والعامة، دون أي تجاوز يمكن أن تحدثه هذه التكنولوجيا.
توسيع نطاق الحماية القانونية للمنشور الالكتروني لتشمل سائر القوانين ذات الصلة
أما لجهة الحماية القانونية لتكنولوجيا المعلومات، تنبّه المشترع إلى وجوب إعمال الأحكام ألقانونية المنصوص عليها في سائر القوانين الاخرى ذات الصلة تداركاً لاي نقص قد يشوب أحكامه وذلك لتوفير أوسع نطاق للحماية القانونية للمعاملات الالكترونية ومنها النشر الالكتروني.
عقد النقل إلى الجمهور ونطاق صلاحية المجاكم اللبنانية للنظر في الأعمال التي ينظمها بالرغم من خضوعه لقانون اجنبي
لاقى مفهوم ألنقل إلى الجمهور بالطرق الرقمية تعريفاً مفصّلاً في المادة 65 من هذا القانون، واعتبر أنه كل ما يوضع بتصرف العامة بوسيلة رقمية من إشارات وكتابات وصور واصوات ورسائل من اي طبيعة كانت، على أن لا يكون لها صفة المراسلة الخاصة، اذاً، لا قيود على مفهوم النقل الى الجمهور شرط مراعاة النظام العام والقوانين وأحكام الدستور.
وبما أن لحقوق الملكية الفكرية دور بارز في عجلة الاقتصاد الوطني، لا بل اننا نرى أن تلك الحقوق وما تشمله من إبداع وابتكار واختراعات هي بمثابة وقود يشعل ثورة الإقتصاد ويحفزه على النمو، لذا أراد المشترع اللبناني ضرورة تأمين الحماية اللازمة للإقتصاد الوطني، من خلال إعتبار أنه إذا كان العقد المتعلّق بالنقل الى الجمهور بوسيلة رقمية خاضعاً لقانون اجنبي، فإن الأعمال التي ينظمها تبقى خاضعة الزامياً لأحكام القانون اللبناني إذا تعلقت بأعمال المنافسة غير المشروعة، والتعدّي على حقوق الملكية الفكرية، وما تشملها من حقوق ألملكية الأدبية والفنية والملكية التجارية والصناعية وبراءات الاختراع، كما حقوق المستهلك، والقواعد التي ترعى الأعمال التجارية و كذلك الأعراف التجارية.
مسؤولية مقدّم الخدمات التقنية تجاه عملائه وموجب حفظ البيانات وتسليمها ضمن إطار التحقيق والمحاكمات
يسأل مقدم الخدمات التقنية عن حسن تنفيذ موجباته التعاقدية تجاه عملائه، أي تلك التي تتضمن تحديداً لمستوى الخدمة ولنوعها ومدى استمراريتها، ويعفى كليا أو جزئيا من مسؤولياته العقدية إذا أثبت إن عدم تنفيذ العقد ناجم عن خطأ ارتكبه الغير، او قوة قاهرة، حالت دون تنفيذ الموجب.
إلا أن هذا القانون فرض على مقدم الخدمات التقنية عن طريق خدمة الاتصال المباشر Online بصفة محترف، موجبين جديداً اولهما يتمثل بالمحافظة على بيانات التعريف الشخصية في التعامل الجاري على الخط من قبل المستضيف مدة عشر سنوات، وهنا لا بد من الاشارة الى وجوب تطبيق القانون اللبناني على النزاعات المتعلقة بنشاط مقدم الخدمات التقنية في لبنان دون اية منازعة من قبل هذا الاخير، لأنه يعتبر بموجب أحكام المادة 75 من هذا القانون ان مقدم الخدمات التقنية متخذاً محل اقامة في لبنان إذا كان يمارس نشاطه على الاراضي اللبنانية.
أما في ما يتعلق بالموجب الثاني، يتوجب على مقدم الخدمات التقنية ألتعاون مع الاجهزة القضائية المختصة والمراجع الادارية ضمن إطار التحقيق في الدعاوى العالقة أمام القضاء أو التحقيقات الادارية. كما يجوز في هذا السياق إلزامه بستليم ما في حوزته من بيانات تنفيذاً لموجب الحفظ المنصوص عليه في هذا القانون، وذلك تمكيناً للجهات القضائية والإدارية المختصّة من تعقب أثر المعلومات الالكترونية، وتمكينها من ممارسة رقابتها على صحة ومشروعية إستخدام الوسائل الالكترونية. إن هذا الموجب ينحصر ضمن إطار مقتضيات التحقيق ولا يجوز ان يتخطى ذلك منعاً من اختراق مبدأ خصوصية البيانات المحفوظة التي لا صلة لها بالدعاوى والتحقيقات.
اما إخلال مقدم البيانات التقنية بهذا الموجب يشكل جنحة وقد تصل عقوبتها الى حد الحبس من ثلاثة اشهر الى ستة اشهر وبغرامة مالية من عشرة الى خمسين مليون ليرة لبنانية.
قانون حماية الملكية الادبية والفنية رقم 75/99
حماية الإنتاجات الفكرية شرط اتسامها بصفة الابتكار والتميّز
يحمي هذا القانون إنتاجات العقل البشري شرط أن تتّسم بصفة الإبتكار لينشأ عنها ما يستحق الحماية، أي أن تكون الأفكار المعبّر عنها، مجسّدة بصيغة معينة مطبوعة بشخصية المؤلف وتستلزم نشاطاً فكرياً خلاقاً إن من حيث الشكل عبر عملية الإنتقاء والتسلسل والإرتباط أو من حيث الاساس لجهة التعابير والكلمات المعتمدة التي من شأنها التأثير في ذهن من يطالعها، وقد جرى تعداد الاعمال المشمولة بالحماية المنصوص عليها في المادة الثانية انما على سبيل المثال لا الحصر.
نوعين من الحقوق تمنح للمؤلف؛ حقوق مادية واخرى معنوية
يعتبر مؤلفاً كل من ابتكر عملاً أدبيا او فنيا وله من مجرد ابتكاره حق الملكية المطلقة عليه، وينشأ للمؤلف نوعين من الحقوق؛ المادية وهي تمكن المؤلف من جني العائدات المالية نتيجة استخدام الغير لمصنفاته، والمعنوية التي تحمي مصالح المؤلف غير الاقتصادية،
تتمثل حقوق المؤلف المادية بنسخ وطبع وتسجيل وتصوير العمل بجميع الوسائل المتوافرة، ترجمة العمل الى لغة أخرى أو اقتباسه أو تعديله أو تحويره أو تلخيصه أو تكييفه أو إعادة توزيع العمل الموسيقي، وحق بيع وتوزيع وتأجير العمل، وحق استيراد نسخ من العمل مصنوعة في الخارج، وحق أداء العمل، وحق نقله الى الجمهور بأية طريقة أو وسيلة كانت،
اما الحقوق المعنوية؛ كحق المطالبة بأبوة المصنف أي أن ينسب العمل إليه كمؤلف، ويُذكر اسمه على كل نسخة من نسخ العمل في كل مرة يستعمل فيها العمل استعمالاً علنياً، والحق بأن يستعمل إسماً مستعاراً أو أن يبقى إسمه مجهولاً، والحق في الاعتراض على التغييرات التي تدخل على المصنف بشكل قد يسيء الى سمعته.
وتجدر الاشارة، ان حق المداعاة بشأن تلك الحقوق لا يحتاج الى أي معاملة شكلية فحماية حقوق المؤلف والاجراءت القضائية المتعلقة بتثبيت هذه الحقوق لا تخضع لأي معاملة إيداع مسبقة عملاً بمعاهدة برن و القانون رقم 75/99 المتعلق بحماية الملكية الادبية والفنية.
حماية قاعدة البيانات شرط تمتعها بالابتكار من حيث الشكل والترتيب
لم يعرّف القانون رقم 75 الصادر بتاريخ 3/4/1999 قواعد البيانات بشكل صريح وواضح على غرار بعض القوانين العربية والاوروبية التي اعتبرتها انها «مجموعة بيانات او عناصر اخرى مستقلة منظمة بطريقة منهجية ويتوفر فيها عنصر الإبتكار والترتيب والتبويب، ويمكن الوصول اليها بوسائل الكترونية»، وهي تعتبر من المصنّفات المشمولة بالحماية المقررة بموجب قانون حماية الملكية الادبية والفنية على ان تكون مبتكرة من حيث الشكل والمضمون والترييب، والمقصود بالإبتكار المشمول بالحماية هو كل ما يعكس شخصية المؤلف في انجاز عمل خلاّق خاص به، كل تعبير عن افكار يعرضها المؤلف وفقاً لترتيب معين من خلال إنتقاء المواضيع وكيفية بحثها وتحليلها وتجسيدها بصيغة معينة مطبوعة بشخصيته وتستلزم نشاطاً لا بل مجهوداً فكرياً خلاقاً منه لناحية الشكل اي التسلسل والترابط ومن حيث المضمون كانتقاء الموضوع والجمل والعبارات المعتمدة لصيغته التي من شأنها التأثير في ذهن القارىء.
خاتمة:
تطرح الثورة الرّقمية اليوم تحدّيات تطال حماية حقوق المؤلف وأصحاب الحقوق المجاورة الناشئة على المصنّف الالكتروني، ويبذل المجتمع الدولي جهوداً حثيثة لإبرام الإتفاقيات الدّولية لتحاكي هذا الواقع في مواجهة النزاعات التي قد تنشأ عن التعدّيات والتجاوزات والإستخدام غير القانوني للمنشورات الرقمية، ومن الجدير ذكره ان المشرّع اللبناني يسعى دائماً الى إصدار قوانين وتشريعات من شأنها توسيع نطاق هذه الحماية ووضع إطار قانوني يتماشى والمبادىء التي تقرّها المعاهدات والاّتفاقيات الدّولية ذات الصلة.
أما لجهة صناعة النشر الإلكتروني، وبعد تزايد عدد نشر واستخدام المصنفات الرقمية والمنشورات في العالم، فأنها تعمد إلى خلط أوراقها مجدداً وإعادة النظر في كيفية حماية كل ما يتمّ نشره عبر شبكات االتواصل، وهي تلجأ الى ابّتداع تدابير ووسائل عديدة لحماية حقوق المؤلف وأصحاب الحقوق المجاورة للحدّ من الاستغلال غير القانوني والتوزيع غير المصرّح به للمصنف الالكتروني المحمي، بحيث تستخدم صناعة النشر الإلكتروني، تقنيات الـDigital Rights Management (DRM) tools التي تمكّن من ايقاف التوزيع غير المصرح به والتحكم في الاستخدام. (تحميل النسخة الكاملة)
المراجع:
https://www.wipo.int/export/sites/www/sme/en/documents/pdf/ip_panorama_5_learning_points.pdf
https://carjj.org/sites/default/files/ebooks/copy_rights_book.pdf
https://www.locklizard.com/ebook-copyright
https://www.wipo.int/ip-outreach/en/ipday/2016/ip_digital.html
القاضي هاني الحبال قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي (شرح القانون رقم 81/2018 تاريخ 10/10/2018 مع ملحق بالنص الكامل للقانون واسبابه الموجبة)