عرضنا في مقابلة سابقة الفرق بين اعلان حالة الطوارئ في البلاد وبين اعلان حالة التعبئة العامة عشيّة صدور المرسوم رقم 6198 بتاريخ 15/3/2020 بإعلان التعبئة العامة لمواجهة انتشار فيروس كورونا انتشار COVID-19 في لبنان وما تبعه من تمديدات متتالية.
وقد شرحنا حينها ان حالة الطوارئ، هي إطار قانوني استثنائي تضعه السلطات العامة موضع التنفيذ من أجل مواجهة ظروف خاصة في البلاد، والسماح لهذه السلطات باتخاذ تدابير استثنائية لا يمكن تطبيقها عادة من ضمن الإطار القانوني العادي، وذلك عند تعرّض البلاد لخطر داهم ناتج عن حرب او ثورة مسلحة، او اعمال اضطرابات، او لدى وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة. وهذا التعريف هو الذي اعتمدته المادة الأولى قانون اعلان الطوارئ الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967.
اما حالة التعبئة العامة، فهي خاضعة للمادة الثانية من قانون الدفاع الوطني الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته. فقد حددت المادة الثانية المذكورة انه "إذا تعرّض الوطن او جزء من اراضيه او قطاع من قطاعاته العامة او مجموعة من السكان للخطر يمكن اعلان: أ - حالة التأهب الكلي او الجزئي للحد من تعرض السكان والمنشآت الحيوية للخطر، ولتأمين عمليات التعبئة واستخدام القوى المسلحة. ب - حالة التعبئة العامة او الجزئية لتنفيذ جميع او بعض الخطط المقررة[1]".
وقد أعلنت الحكومة فعلًا في 15 آذار الماضي حالة التعبئة العامة بموجب المرسوم رقم 6198 لمواجهة خطر جائحة كورونا، وفيه تقرر إلزام الناس بالبقاء في منازلهم وتحديد أوقات وكيفية التجول، ومنع التجمعات العامة، واقفال المطار والمؤسسات العامة والخاصة مع بعض الاستثناءات، وتكليف السلطات والإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والاجهزة العسكرية والأمنية كافة، كل بحسب اختصاصه لتنفيذ هذه الاجراءات.
اما اليوم، وعلى أثر الانفجار الهائل الذي حصل بتاريخ 4 آب 2020 في مرفأ بيروت، ونظراً للحجم الهائل من الدمار والعدد الكبير من الضحايا والمصابين والمفقودين، قرر مجلس الوزراء اعلان حالة الطوارئ لمدة أسبوعين قابلة للتجديد، بناء لتوصية المجلس الأعلى للدفاع، وتكليف القيادة العسكرية العليا باستلام زمام الأمور وفاقًا لأحكام للمادة 3 من قانون الدفاع الوطني، بالإضافة الى احكام قانون الطوارئ الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967.
ان أبرز نقاط الاختلاف ما بين حالة الطوارئ وحالة التعبئة العامة تتمثل في الجدول التالي:
الوضع
|
حالة التعبئة العامة
|
حالة الطوارئ
|
الجهة العامة المنفذة للقرار
|
كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية والبلدية، كل في اختصاصه
|
قيادة الجيش، وتوضع بتصرفها جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى وحتى شرطة البلدة ومأموري الاحراج وافواج الإطفاء والدفاع المدني
|
مدى مراقبة الحريات العامة
|
تبقى الحريات العامة مصانة، انما يمكن فرض الرقابة على مصادر الطاقة والمواد الأولية والتموينية، كما يمكن ان يتضمن المرسوم تنظيم ومراقبة النقل والمواصلات والاتصالات، كما يمكن ان يتضمن مصادرة الأشخاص والأموال انما مراعات مع احكام الدستور والقانون
|
تقييد الحريات العامة، وتفرض تدابير استثنائية حيث يمكن فرض التكاليف والمصادرة وتحري المنازل وفرض الغرامات وفرض الإقامة الجبرية ومنع التجول ومنع ومراقبة النشرات الإعلامية على اختلافها، وبشكل عام تطبيق القواعد العسكرية المتعلقة بالأعمال الحربية.
|
الجهة القضائية الصالحة للنظر بمخالفات احكام القرار
|
القضاء العادي
|
القضاء العسكري
|
نظراً إلى خطورة حالة اعلان الطوارئ وأثرها على الحياة والحريات العامة، نصّت المادة الثانية من قانون اعلان حالة الطوارئ على ما يلي: "تعلن حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء على ان يجتمع مجلس النواب للنظر بهذا التدبير في مهلة ثمانية ايام وان لم يكن في دور الانعقاد". وفي هذا الامر تحديدًا للسلطة الواسعة والاستثنائية التي منحها مجلس الوزراء بمرسوم، الى السلطة العسكرية في مراقبة وتحديد الحريات العامة والتجول والملكية العامة والفردية، وكل ما هو وارد في الصلاحيات الاستثنائية للسلطة العسكرية العليا الواردة في المادة الرابعة من قانون اعلان حالة الطوارئ.
وهنا يطرح السؤال التالي: هل ان اجتماع مجلس النواب للنظر بتدبير اعلان حالة الطوارئ بمهلة 8 أيام يجيز له إيقاف او تمديد او تحديد هذا التدبير؟
انطلاقًا من المادة 36 من الدستور الفرنسي الحالي، التي تنصّ صراحة على أنّ إعلان حالة الطوارئ يتم بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء الفرنسي، ولا يمكن تمديدها أكثر من 12 يوماً إلا بعد الحصول على موافقة البرلمان الفرنسي.
L'article 36 de la Constitution de la Cinquième République française (la Constitution du 4 octobre 1958) définit le dispositif de l'état de siège en France[2].
« L'état de siège est décrété en Conseil des ministres. Sa prorogation au-delà de douze jours ne peut être autorisée que par le Parlement. »
وقد جاءت المادة الثانية من قانون الطوارئ اللبناني لتؤكد على صلاحية مجلس النواب في مراقبة مدى ملاءمة حالة اعلان الطوارئ مع الوضع الفعلي الذي تمر به البلاد.
عرف لبنان منذ الانتداب وحتى اليوم مجموعة من التشريعات التي تنظم حالة الطوارئ[3] كان أولها القرار رقم 4/S الصادر في 10 كانون الثاني 1925 ومن ثم القرار رقم 34 الصادر في 8 شباط 1936. وقد نصت هذه القرارات على نقل صلاحيات السلطات المحلية إلى المفوض السامي الفرنسي كي يمارسها مباشرة في حالة تعرض أمن البلاد للخطر.
بعد الاستقلال، صدر المرسوم الاشتراعي رقم 27 تاريخ 16 شباط 1953 والذي ألغى التشريعات السابقة، واستعاض عنها بأحكام جديدة ترعى إعلان حالة الطوارئ واضعا الأسس القانونية التي ما زالت قائمة حتى اليوم، بحيث بات إعلان حالة الطوارئ يتم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وعقب اندلاع حرب حزيران بين اسرائيل والدول العربية، صدر في 5 آب 1967 المرسوم الاشتراعي رقم 52 الذي أعاد تنظيم الأحكام التي ترعى اعلان حالة الطوارئ وهو التشريع الذي لا يزال نافذا في لبنان، علما أن التعديلات التي أدخلت على الدستور سنة 1990 جعلت اعلان حالة الطوارئ من المواضيع الأساسية التي تحتاج وفقا لما تنص عليه الفقرة الأخيرة من المادة 65 من الدستور إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء.
ومن خلال نظرة تاريخية لقرارات اعلان حالة الطوارئ في لبنان، نجد ان موافقة مجلس النواب على هذه الحالة الاستثنائية المقيدة للحريات العامة، والمعلّقة لبعض احكام الدستور اللبناني كالتالي:
- - فعلى أثر إعلان حالة الطوارئ خلال احداث تشرين الأول 1956 بموجب المرسوم رقم 13925 تاريخ 31/10/1956 وقد وافق مجلس النواب في النهار نفسه بالإجماع على المرسوم المذكور.
- - وفي العام 1967 أعلنت حالة الطوارئ مجددًا بموجب المرسوم رقم 7508 تاريخ 5/6/1967 وقد صادق مجلس النواب في النهار نفسه على هذا الإعلان.
- - اما في عام 1969 وعلى أثر الاضرابات الأمنية التي حدثت بسبب الوجود الفلسطيني المسلّح، صدر المرسوم رقم 12362 تاريخ 23/4/ 1969 بإعلان حالة الطوارئ لمدة 4 أيام فقط، ولم يجتمع مجلس النواب حينها للمصادقة على هذا القرار، بما أنّ حالة الطوارئ أُعلنت لفترة أقل من ثمانية أيام.
- - في العام 1972 أعلنت حالة الطوارئ بموجب المرسوم قم 3991 تاريخ 16/9/1972 عقب الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، وقد وافق مجلس النواب أيضاً، في النهار نفسه على القرار.
- - أما آخر إعلان رسمي لحالة الطوارئ، فقد حصل عام 1973 بموجب المرسوم رقم 5513 تاريخ 7/5/1973 دون اجتماع مجلس النواب لمناقشته.
في الخلاصة:
نرى انه استنادًا لما جرى تحليله باقتضاب من مصادر الدستور والتشريع الفرنسي واستنادًا الى احكام القوانين اللبنانية وبخاصة قانون الدفاع الوطني وقانون اعلان حالة الطوارئ، ونظرًا لخطورة حالة اعلان الطوارئ وتداعياتها على تقييد الحريات العامة، يجب على مجلس النواب الاجتماع حتى كان خارج فترة الانعقاد خلال 8 أيام من اعلان حالة الطوارئ، لمناقشة ومراقبة والموافقة على استمرار اعلان حالة الطوارئ، او الغائها، او تقييدها، وذلك بموجب قانون يصدر عنه.
(تحميل النسخة الكاملة)