يرتبط الانسان باسمه المختار له من ذويه منذ ولادته ويتم تدوينه في الوثيقة المعطاة له في المستشفى بحيث يصار الى تسجيلها اصولاً في دوائر النفوس ليبقى هذا الاسم لصيقاً به ويميّزه عن غيره الى حين مماته.
وبالتالي، فان هذا الانسان يقوم بكافة نشاطاته الحياتية من عمل وحياة عائلية واجتماعية وحقوق والتزامات في محيطه وتجاه الغير باسمه المعروف به خاصة في المعاملات التي تتطلّب ابراز هويّته او جواز سفره لمقارنة اسمه مع رسمه الشمسي الملصق على اي من المستندين المذكورين.
الا انه احياناً قد يكون هذا الاسم سبباً معرقلاً لمسيرة حياة الانسان اكان من الناحية الاجتماعية، كمن يشكّل له اسمه احراجاً وسط بيئته، او من الناحية العملية والفعلية كمن هو معروف منذ صغره ولدى محيطه باسم مغاير عن اسمه الرسمي المدوّن اصولاً في سجلات النفوس او غير ذلك ...
فالسؤال المطروح، هل يمكن للأنسان ان يغيّر اسمه في سجلات النفوس الرسمية بشكل كامل ليصبح اسماً آخراً مغايراً كلياً عما كان عليه ؟ وما مصير التزاماته وحقوقه تجاه الغير التي عقدها باسمه القديم ؟
لم يتطرّق القانون اللبناني بشكل مباشر وصريح الى مسألة واجراءات تغيير الاسم بحدّ ذاته في دوائر النفوس، اذ ان الاساس هو ثبات واستقرار هذه القيود، بل تطرّق الى جواز تصحيح مندرجات سجلات النفوس بشكل عام، وذلك بخلاف القانون الفرنسي الذي تطرّق الى مسألة تغيير الاسم واجراءاته بشكل مباشر في نصوص قانونه المدني.
ان المرسوم رقم 8837 الصادر في 15/1/1932 قد نص انه " لا يجوز تصحيح شيء مدرج في السجلات الا بمقتضى حكم من المحكمة الصلحية يصدر بحضور مأمور النفوس او مندوبه فيما عدا الاحوال القابلة التغيير كالصنعة والمذهب والدين وتغيير محل الاقامة وما شاكل ذلك فهذه يجري تصحيحها من قبل دوائر النفوس دون ما حاجة الى حكم محكمة.
وعليه، فهذا يعني ان تغيير الاسم المسجّل في سجلّات النفوس الرسمية هو امراً ممكناً ومباحاً وانما بموجب حكم من المحكمة المختصّة. ولا بد ان ننوه ان نص المرسوم اعلاه هو نص عام يطال تصحيح مجمل القيود المدوّنة بشكل خاطئ في دوائر النفوس (الأسم، رقم السجل، اسم أب، تاريخ ولادة .. الخ ..).
واذا اجرينا مقارنة سريعة مع القانون الفرنسي، نجد ان المادة 60 من القانون المدني الفرنسي المعدّلة مؤخراً بموجب المادة 56 من القانون رقم 216 -1547 تاريخ 18/11/2016 او ما يعرف بـ La loi de modernisation de la justice au XXIème siècle” قد نصّت بشكل واضح ان طلب تغيير الاسم يقدّم الى موظّف الأحوال المدنية في البلدية حيث مكان سكن طالب التغيير دون اللجوء الى الاجراءات القضائية الطويلة والمكلفة التي كانت مفروضة في ظل القانون السابق. فيقوم هذا الموظف برفع الطلب الى المدعي العام، وفي حال اعترض هذا الأخير عندها يحق لطالب التغيير او بواسطة وكيله القانوني مراجعة القضاء وتحديدا قاضي الشؤون العائلية.
Auparavant, la procédure devait se faire auprès du Tribunal de Grande Instance (TGI) et l’on devait passer par le Juge aux Affaires Familiales (JAF). Cela prenait souvent plusieurs mois et l’aide d’un avocat était souvent nécessaire pour constituer son dossier et défendre sa démarche.
Mais depuis La loi de modernisation de la justice au XXIème siècle, dite loi du 18 novembre 2016, la procédure est beaucoup plus simple. Elle se fait désormais en mairie via un simple formulaire auquel on adjoint les pièces justivicatives de son identité, du lieu de résidence et de la légitimité de sa demande. Le changement de prénom est totalement gratuit.
(Aide-Sociale.fr, Article publié le 14 décembre 2020).
اما في الولايات المتحدة الأميركية فان اجراءات تغيير الاسم اسهل بكثير، خاصة وانه لكل ولاية من الولايات قانونها الخاص في تغيير الاسم. ففي عام 2009، ستة واربعين ولاية من اصل خمسين سمحت بتغيير الاسم من خلال استعماله المتكرر فقط ! الا في حالات معيّنة، على سبيل المثال في حال طلب المصرف او الحكومة المحلّية او الفدرالية حكماً من المحكمة العليا يثبت تغيير الأسم.
وبالعودة الى القانون اللبناني، وبالرغم من قدمه (عام 1932)، الا انه يطبّق في مسائل تصحيح مندرجات سجلات النفوس ومنها تغيير الاسم.
فيحق لكل متضرر او راغب بتغيير اسمه ان يتقدّم بطلب استدعاء امام القاضي المنفرد المدني - الناظر في قضايا الأحوال الشخصية – في مكان نفوسه بحسب الاختصاص الممنوح له بموجب المادة 86 من قانون اصول المحاكمات المدنية، حيث يحيل الملف الى المديرية العامة للأحوال الشخصية لأبداء الرأي بمضمون الاستدعاء.
ان طلب الاستدعاء يجب ان يتضمن الاسباب الموجبة والمقنعة للمحكمة بضرورة اجراء هذا التغيير الكلّي لأسم طالب التغيير مع كافة المستندات المؤيّدة لذلك، والا تصدر المحكمة حكمها برد طلب الاستدعاء لعدم اقتناعها بهذه الاسباب، خاصة لما يتضمنه تغيير الاسم من خطورة بمكان قد يؤثر سلباً على حقوق الغير الذي سبق وتعامل مع طالب التغيير على اساس اسمه المطلوب تغييره من جهة، ومن جهة اخرى، لما له من تداعيات على ثقة واستقرار قيود سجلات النفوس. لذلك نجد ان المحكمة تتشدد بضرورة ابراز ما يثبت بشكل قاطع بوجود اسباباً جدّية يقتضي معها اتخاذ القرار بتغيير الاسم دون ادنى شك.
فعلى سبيل المثال اذا عرض طالب التغيير، بالمستندات الدامغة، ان اسمه المقيّد في سجلات النفوس جاء نتيجة خطأ من قبل ذويه وانه، عملياً وواقعياً، معروف منذ صغره وفي مجتمعه ومحيطه باسم مغاير، وان علاقاته مع الغير تمت لسنوات طويلة ولا زالت باسمه المغاير، فان ذلك برأينا قد يشكل قناعة للمحكمة ان الاسم المغاير هو الاسم الذي التصق به وميّزه وعرفه الغير طيلة حياته، سيّما وان اجتهادات محكمة التمييز اللبنانية مستقرّة على وجوب تصحيح الاسم وفقاً لما يعرف به الشخص حقيقة وواقعاً ووفقاً للأسم الذي يعرفه به الناس لأن الغاية من التسمية هي تمييز الشخص عن سواه.
(قرارات محكمة التمييز المدنية ، قرار رقم 129 تاريخ 6/12/1976، قرار رقم 10 تاريخ 19/3/1975، قرار رقم 10 تاريخ 20/1/1998).
وفي اجتهاد حديث لمحكمة التمييز المدنية، صدّقت هذه الأخيرة على قرار محكمة الاستئناف التي غيّرت شهرة احد الاشخاص كلّياً، حيث اعتبرت ان هذه المحكمة قد استندت على اسباب واقعية بما فيها من مستندات خطّية وشهادات توصّلت بعد تدقيقها وتقديرها الى انها تشير الى حصول خطأ قبل اجراء القيد.
(قرار صادر عن محكمة التمييز المدنية رقم 11/2022 تاريخ 30/3/2022، خالد/الدولة اللبنانية).
وعليه، فان موجب التصحيح او التغيير ينبع من ضرورة ان الاسم المدوّن في السجلات يجب ان يدخل ضمن البيانات التي يقتضي ان تعرّف هوية صاحبها بوضوح ودقة وبشكل لا يحمل اي التباس، وانه يجب ان تتطابق وتعبّر عن حالة اصحابها وترسمها بدقة كما هي في الواقع والحياة.
فضلاً عن ان اختلاف الاسم المدوّن في سجلات النفوس عن الاسم الذي يُعرف به الشخص من قبل الغير يفقد القيد مصداقيته والغاية المرجوة منه، وبالتالي، فان الابقاء على الاختلاف يشكّل ضرراً معنوياً ونفسياً واجتماعياً للشخص المتعلّق به.
ولحفظ حقوق الغير، تلزم المحكمة المستدعي نشر خلاصة عن طلبه هذا في جريدتين محليتين لفترة معيّنة، فاذا لم يتقدّم اي كان باعتراض على مطلب المستدعي بتغيير اسمه، فان ذلك يرسّخ القناعة لدى المحكمة بانتفاء وجود سبب جدّي يحول دون الاستجابة لطلب تغيير الاسم.
هذا، وقد تلجأ المحكمة لتكوين قناعتها الى عدة وسائل اثبات لم تكن مبرزة اصلاً في طلب الاستدعاء كالاستجوابات والشهود والقرائن القضائية (افادة مختار، تصريح مأمور النفوس ... الخ ...)
(قرارات محكمة التمييز، الغرفة الثالثة، رقم 113 تاريخ 20/11/1974، ورقم 86 تاريخ 27/7/1967).
وبالتالي، برأينا فان هذا التصحيح، لا بل التغيير، ليس من شأنه المس او الانتقاص من مبدأ ثبات القيود الرسمية والاستقرار في التعامل، بقدر ما يشكّل وسيلة للحفاظ على مثل هذا الاستقرار.
وقد تختلف المحاكم بحسب اختلاف قوانين البلدان بقبول او رفض تغيير الاسم بشكل جذري او بمدى صوابية وصحة وجدية الاسم المطلوب تغييره. ففي احدى الاحكام الفريدة من نوعها في الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً في ولاية نورث داكوتا North Dakota، تقدّم السيد مايكل هيربارت دانغلر Micheal Herbert Dengler باستدعاء للمحكمة من اجل تغيير اسمه ليصبح "1069" باللغة العربية (وقد عرفت القضية لاحقاً بـ Petition of Dengler) مبرراً ذلك ان كل رقم من هذه الارقام لها معنى مجازي باللغة العربية تشبه شخصيته اكثر من اسمه الحالي، وقد برر طلبه هذا وفنّد هذه الارقام وفسّر معناها مبيّناً للمحكمة كيف ان مجموعها تعنيه بشكل مباشر، وقد استند في دفاعه الى حقه في حرية التعبير الوارد في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة الاميركية الذي ينص على :
“Congress shall make no law respecting an establishment of religion, or prohibiting the free exercise thereof; or abridging the freedom of speech, or of the press; or the right of the people peaceably to assemble, and to petition the Government for a redress of grievances.”
الا ان المحكمة العليا لنورث داكوتا في حكمها اعتبرت، استناداً الى اجتهادات ونصوص قانونية سابقة، ان الاسم لكي يكون صحيحاً ومقبولاً يجب ان يكون "كلمة او عبارة" او "مجموعة كلمات او عبارات"،
After examining the various cases and legal texts, we are satisfied that “a name is a word or combination of words by which an individual is known or designated”
Common knowledge tells us that a word consists of letters and may also consist of characters or symbols in addition to letters.
وخلصت في نهاية المطاف الى رفض تغيير الاسم من "مايكل" الى مجموعة ارقام "1069"، واكتفت بامكانية تحويل الأرقام الى احرف لتصبح عبارة او مجموعة عبارات اي "الف وتسعة وستون" او "عشرة وتسعة وستون" او "واحد صفر ستة تسعة" ... الخ.
We recognize that a verbalized number or symbol would be a word.
(Civ.No. 9205, Supreme Court of North Dakota, Petition of Dengler, 246 N.W.2d 758 (N.D 1976) decided November 5, 1976)
واخيراً، نرى ان القاسم المشترك بين مختلف قوانين البلدان التي تسمح بتغيير الاسم بشكل كلّي هو "التبرير القانوني المقنع" ومدى شرعية الاسباب التي تدفع بطالب التغيير الى تبديل اسمه بعيداً عن نية خداع الغير او الاحتيال عليه بنية الهروب من التزام ما على سبيل المثال. لذلك نجد المحاكم اللبنانية لا تتساهل، لابل تتشدد في اصدار احكام تقضي بتغيير الاسم الكلّي، وتشدد على اهمية نشر مطلب تغيير الاسم امام العامة، وذلك من اجل تكوين قناعة كلّية لديها بعدم وجود اي اعتراض على هذا التغيير في حال كانت اسبابه مبررة.