{{subject.Description}}
شهد العالم، عالم التجارة والأعمال، ومنذ عشرات السنين، تطوّراً لافتاً على صعيد التشريع وحوكمة الشّركات. فما كان ممنوع بالأمس، بات اليوم مسموحاً، وباتتْ الشّركة تُعامَلُ معاملة الحكومة في النظام الدستوري الذي يعتمد مبدأ فصل السلطات والمحاسبة. فنشأً ما يُعرف بمبدأ حوكمة الشّركات.
وما فتئَ رجال الدّولة والأعمال، أصحاب الشّركات والمساهمون، يُطالبون بأشكالٍ تجاريةٍ مختلفةٍ ومشروعاتٍ، تُلبّي طموحاتهم، وتتسمُ بالمرونة والفعالية.
فكان لا بُدَّ من تكييف قانون التجارة مع هذه المستجدّات. فبادرتْ الدّول الصناعية، ومعها الدّول الغنية عموماً، إلى تطوير منظومتها التشريعية والتجارية. لننتقلَ من مفهوم القانون التجاري إلى ما يُعرف بقانون الشّركات والمشروعات Droit des sociétés et des enterprises، وصولاً إلى ما اصطُلِحَ على تسميته بقانون الأعمال Droit des affaires.
وأمام هذا التطوّر اللافت والشّامل، ما كان موقف المشرّع اللبناني؟ وموقف منظومته التشريعية؟ هل شهد كلٌّ منهما ما شهده عالم الشركات والأعمال من تغيُّر وتكيُّف وتأقلم؛ أم بقيا في حالة جمود؟
إنَّ ما توصّلنا إليه في هذا الكتاب يدعونا إلى التفاؤل ولو بحذر. إذ رغم بعض التعديلات الجوهرية التي أُدْخلتْ على قانون التجارة البرية، لاسيّما في العام 2019، لا يزال ينتظرنا الكثير. فغياب بعض الأشكال والمشروعات التجارية مقارنةً مع الكثير من الأنظمة القانونية في العالم، استمرار تدخُّل المشرّع الجزائي اللبناني في شؤون الشّركات، كما وغياب هيئة لإدماج وتعزيز مبدأ حوكمة الشركات في النظام القانوني وغيرها؛ شكّلتْ ولا تزال عائقاً حقيقياً نحو قانون لبناني عصري للأعمال Droit moderne des affaires.
يُضافُ إلى ما تقدّم، فإنَّ الأزمات المتتالية التي يُعاني منها لبنان على غير صعيد، انعكستْ بشكلٍ لافتٍ على السياسة التشريعية العامة، وحالتْ دون تحقيق خرقٍ بارزٍ في تكامل النظام التشريعي للشّركات مع النظام العالمي، كما حالت أيضاً دون جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق اللبنانية. بل على العكس، حيث شهدنا ومع الأسف هروباً لرؤوس الأموال من داخل لبنان إلى خارجه، وميلاً لدى رجال الأعمال فيه - لبنانيون وأجانب - إلى تأسيس شركاتهم وتوظيف رساميلهم في دولٍ أكثر استقرارا.
على أمل أنْ يكونَ هذا الكتاب خطوةً حقيقيةً على طريق إصلاح الخلل التشريعي؛ كي لا أقول ثورةً في مجال الشّركات، في وقتٍ يبدو فيه لبنان بأمسِّ الحاجة إلى ثورةٍ عارمةٍ وعلى جميع المستويات.